تخترق بأقل من ثانية.. هذه هي أخطر كلمات المرور حول العالم
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
ومع تزايد عدد الحسابات الرقمية المرتبطة بمختلف جوانب حياتنا، أصبح من الضروري على المستخدمين إنشاء كلمة مرور قوية، قادرة على حماية حساباتهم من الاختراقات، فكلما كانت كلمة المرور قوية، كلما كانت المعلومات الشخصية المرتبطة بالعمل أو المصرف أو الحياة الخاصة في مأمن، في حين أن اللجوء لاستخدام كلمات المرور الضعيفة يشبه إلى حد بعيد خطوة ترك باب المنزل مفتوحاً أمام السارقين.
ولكن التحول التقني الكبير الذي شهده العالم والذي أدى إلى امتلاك الأفراد، للعديد من الحسابات المرتبطة بشبكة الإنترنت، جعل من المرهق على هؤلاء اللجوء إلى كلمات المرور الفريدة، والقوية لتأمين حساباتهم المتعددة، فقاموا بدلاً من ذلك باستخدام كلمات مرور بسيطة لطالما تم التحذير منها، ما قد يتسبب لهم وللشركات والمصارف التي يتعاملون معها بعواقب وخيمة.
وهذه العادة السيئة حذّرت منها مؤخراً أداة NordPass لإدارة كلمات المرور، حيث أظهرت دراسة جديدة أجرتها الأداة بالتعاون مع خبراء مستقلين، أنه رغم الثقافة التكنولوجية الكبيرة التي بات يتمتع بها عدد كبير من الاشخاص حول العالم، إلا أن هناك الكثير من هؤلاء أصرّوا على استخدام بعض كلمات مرور، سهلة التوقع بسبب "الكسل"، وعدم رغبتهم بتذكر كلمات مرور صعبة.
17 كلمة مرور ابتعدوا عنها
وأظهرت دراسة NordPass أنه من بين أكثر 20 كلمة مرور شيوعاً على شبكة الإنترت في عام 2023، كان هناك 17 كلمة يمكن اختراقها في أقل من ثانية، وهذه الكلمات هي
123456
وadmin
و12345678
و123456789
و1234
و12345
وpassword
و123
وAa123456
و1234567890
و1234567
و123123
و111111
وPassword
و12345678910
و000000
و********.
ودعت الدراسة من يريد تأمين رسائل البريد الإلكتروني والخدمات المصرفية، وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي وحتى حسابات منصات بث الأفلام، إلى الابتعاد كلياً عن هذه الكلمات وبذل جهد بتعيين كلمات مرور عصية على التخمين.
ويقول مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه ليس هناك شك في أن مجرمي الإنترنت أصبحوا أكثر مهارة في اختراق مختلف أنواع الحسابات على الشبكة، ولكن المشكلة تكمن في أنه بدلاً من أن يحسّن المستخدمون من عادات إنشاء كلمات المرور، فقد ذهبوا باتجاه آخر وهو الاعتماد على كلمات لطالما تم التحذير منها،
مشيراً إلى أن هذا الأمر يساعد المخترقين في عدم استخدام الأساليب المعقدة لتنفيذ هجماتهم، فيلجؤون إلى أسلوب "التخمين" لكلمات المرور الشائعة والسهلة، فتستغرق بذلك عملية اختراق الحسابات أقل من ثانية.
وشدد سعد الدين على أن الإنترنت تحوّل في الآونة الأخيرة، من وسيلة للترفيه والتواصل إلى وسيلة أساسية لتنفيذ مهام العمل وإجراء المعاملات المالية، ونقل المعلومات عالية الأهمية، ولذلك فإنه عندما يحصل المجرمون الإلكترونيون على بيانات ومعلومات خاصة بمؤسسات مالية، عن طريق بيانات العملاء أو الموظفين، فإن ذلك قد يعرضها لخسائر كبيرة، فضلاً عن إلحاق الضرر بسمعتها.
وأضاف أن إهمال المستخدمين لضرورة اختيار كلمة مرور قوية وصعبة، دفع بالعديد من المؤسسات والمصارف، إلى منع عملائها من تأمين حساباتهم المرتبطة بالخدمات التي تقدمها بكلمات سهلة وشائعة كالتي ذكرتها دراسة NordPass.
ويشرح سعد الدين أن كلمة المرور هي بمثابة البصمة الرقمية المميزة لكل شخص، والتي يفترض أن تكون عصية على الاختراق، ولذلك فإن تبرير خطوة اللجوء إلى كلمات المرور السهلة، بأن هناك صعوبة لتذكر الكلمات الصعبة والمتعددة، هو أمر لا يمكن القبول به، فالمحتالون يحلمون بالوصول إلى أي نقطة ضعف أو ثغرة في حسابات المستخدمين، وهذا الحلم إذا تحقق سيكون كابوساً بالنسبة للمستخدمين، الذين عليهم اتخاذ خطوات تجنبهم الوقوع ضحية السرقة والابتزاز، وتحديداً من خلال الابتعاد عن الكلمات الـ 17 التي ذكرتها دراسة NordPass وغيرها من الكلمات السهلة.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: کلمات المرور کلمات مرور کلمة مرور
إقرأ أيضاً:
هل تسقط فرضية العوالم المتوازية؟ الفيزياء تُعيد الحسابات
مقدمة الترجمة
هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ أم أن نسخًا أخرى منّا تعيش في عوالم موازية، تتفرّع في كل لحظة كما تتشعّب الطرق في غابة كثيفة؟ قد تبدو هذه الفكرة أقرب إلى الخيال العلمي، لكنها نابعة من قلب إحدى أعقد وأغرب النظريات في الفيزياء، وهي ميكانيكا الكم. حيّرت هذه النظرية العلماء والفلاسفة على حد سواء لأكثر من قرن، إذ تقدِّم لنا عالمًا يبدو غير منطقي: جسيمات توجد في مكانين في الوقت نفسه، قطط نصف حية ونصف ميتة، وواقع لا يُحسم إلا حين ننظر إليه.
وفي خضم هذا الغموض، انبثقتْ تفسيرات كثيرة، من بينها "العوالم المتعددة"، التي تفترض أن كل احتمال كمومي يؤدي إلى انقسام الكون ذاته إلى نسخ جديدة. لكن، ماذا لو لم نكن بحاجة إلى هذه العوالم المتعددة أصلًا؟ ماذا لو كانت القوانين التي اعتقدنا أنها تنهار في عالم الكم، تعمل بهدوء ودقة خلف الستار؟
في هذا المقال المترجم من مجلة "نيو ساينتست"، نأخذك في رحلة إلى قلب هذا السؤال، رحلة تبدأ من تجربة ذهنية بسيطة وتنتهي عند مفاهيم ثورية حول الحفاظ على الزخم، والزمن، والعلاقات الخفية بين الأشياء. رحلة يقودها فيزيائيون لا يسعون إلى تفسير الكون فحسب، بل إلى فهمه بعمق جديد قد يغيّر كل شيء.
بين الحين والآخر، يجدر بنا أن نتوقف لحظة لنشكر النسخ الأخرى من أنفسنا، تلك التي تعيش في عوالم موازية وتُشبهنا إلى حد كبير ولكن مع اختلافات بسيطة. فوجود هذه النسخ هو ما يساعد على حفظ التوازن في هذه الأكوان.
على الأقل، هذا ما يُقال إن كنت من أنصار نظرية العوالم المتعددة في ميكانيكا الكم، ذاك التصور الجريء الذي وُلد قبل أكثر من 65 عامًا، ويقوم على فكرة مفادها أن الواقع لا يسير في مسار واحد، بل يتفرّع بلا انقطاع إلى مسارات متوازية، بفعل تفاعلات خفية تدور في عوالم الجسيمات الكمومية. ورغم أن هذه الفكرة قد تبدو مربكة للعقل، فإنها تمهّد الطريق لحلّ بعض أعقد المعضلات الفيزيائية.
إعلانولهذا، لا عجب أن يؤمن بها عدد لا بأس به من الفيزيائيين الثاقبي البصيرة. لكن الآن، قد تواجه هذه الفكرة الغريبة (فكرة العوالم المتعددة*) تحدّيًا كبيرًا، وذلك بفضل عمل قام به عالما الفيزياء ساندو بوبيسكو ودانييل كولينز من جامعة بريستول في المملكة المتحدة. في البداية، لم يتمحور هدفهما حول مهاجمة فكرة الأكوان المتوازية، بل كانا يسعيان في الأصل إلى حل لغز في ميكانيكا الكم عمره 100 عام.
لكن خلال بحثهما، توصّلا إلى نتائج تهدد الركائز الأساسية التي تقوم عليها فكرة العوالم المتعددة. وعن ذلك، يقول كولينز: "لقد نسفنا فعليًّا أحد أهم الحجج التي كانت تُستخدم للدفاع عنها". قد يبدو ما توصّل إليه الباحثان أمرًا يُزعزع الاستقرار أو يُربك النظريات القائمة، لكن المفارقة أن ما بدا تهديدًا، قد يتحوّل إلى دَفعة منعشة أو جرعة تنشيط لنظرية الكم نفسها. فالعمل الذي أنجزه بوبيسكو وكولينز بدأ بالفعل يُضيء زوايا أخرى في عالم الكم، ويُساعد في تفكيك مفارقات استعصت على الفهم لعقود.
بالنسبة لبعض الباحثين في هذا المجال، تُمثّل نتائج هذا العمل نافذة نحو طريقة جديدة تمامًا في فهم الكون، لا باعتباره مجموعة أكوان متوازية، بل بوصفه واقعًا كموميًّا موحّدًا، يتشكّل من الداخل نحو الخارج. في السياق ذاته، يعلِّق نيكولا جيسين، الباحث في أساسيات نظرية الكم بجامعة جنيف بقوله: "إنه شيء يحمل بين طياته عمقًا جديدًا، وربما يكون الشرارة التي تُشعل طريقًا غير مطروق في فهم الكون".
تبدأ قصة هذه النتائج الغريبة من مبدأ بسيط لطالما كان جزءًا أساسيًّا من الفيزياء حتى قبل أن تولد نظرية الكم نفسها، يُعرف بـ"مبدأ حفظ الطاقة". والمقصود به أن ثمة بعض الأشياء مثل الطاقة لا تَفنَى، بل تتحوّل من شكل إلى آخر. على سبيل المثال: عندما تضغط على مكابح سيارتك فجأة، لا تختفي الطاقة الحركية التي كانت تدفع السيارة، بل تتحوّل إلى حرارة وضجيج في أجزاء المكابح، كالأقراص، والعجلات، والإطارات.
من حيث المبدأ، لا تقتصر قوانين الحفظ على الأجسام الكبيرة مثل السيارات، بل يُفترض أن تسري كذلك على أصغر مكونات الوجود التي تخضع لقوانين ميكانيكا الكم، مثل الذرّات والجسيمات المتناهية الصغر على غرار الفوتونات والكواركات. والمثير للانتباه أنه حتى ميكانيكا الكم -بكل غرابتها- يجب أن تخضع لهذه القوانين القديمة. لكن في قلب هذا الاتساق الظاهري، بقي هناك لغز لم يُحلّ بعد.
لكي نبدأ في فك خيوط هذه المعضلة، تخيّل أننا أعددنا تجربة نُطلِق فيها إلكترونًا نحو عشرة صناديق مصطفّة أمامه (بجوار بعضها البعض)، قد يستقر في أي واحد منها، ولا سبيل إلى الجزم بمكانه سلفًا. كل ما تمنحنا إياه ميكانيكا الكم هو خريطة احتمالات: في أي صندوق قد يظهر؟ وأيها أكثر ترجيحًا؟ لكن هذه الاحتمالات ليست ثابتة، فـمسار الإلكترون، والترتيب المكاني للصناديق، كلاهما يغيّر شكل الاحتمالات ويعيد توزيعها من جديد.
إعلانفي البداية، سنطلق الإلكترون، ونراقب أين يحطّ، ثم نكرر التجربة 99 مرة أخرى. بعد تكرار التجربة عدة مرات، سنكتشف أن عدد المرات التي ظهر فيها الإلكترون في كل صندوق يتوافق مع الاحتمالات التي تنبأت بها نظرية الكم. وهكذا، تنتصر ميكانيكا الكم. لكن دعنا نفترض أننا أجرينا التجربة مرة واحدة فقط، أي أطلقنا الإلكترون مرة واحدة فقط. في هذه الحالة، لا توجد أي وسيلة للتنبؤ بالنتيجة، لأن نظرية الكم لا تستطيع التنبؤ بالأحداث الفردية، بل بالمتوسطات الإحصائية فقط بعد تكرار التجربة مرات كثيرة. وهنا يطرح السؤال نفسه: ما معنى ذلك؟
وفقًا للفهم التقليدي لميكانيكا الكم كما طرحه نيلز بور، أحد مؤسسي النظرية، فإن النظام قبل أي قياس يكون في حالة تُسمى "التراكب الكمومي". بمعنى آخر: في تجربتنا الذهنية، الإلكترون لا يوجد في صندوق واحد فقط، بل في الصناديق العشرة معًا في الوقت نفسه، إلى أن نقيس أو نرصد مكانه، وعندها فقط "نُجبره" على اختيار موقع واحد.
وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية، خصوصًا إذا أخذنا هذه الفكرة إلى نهايتها المنطقية، كما فعل الفيزيائي إروين شرودنغر في تجربته الذهنية الشهيرة المعروفة بـ"قطة شرودنغر". في هذه التجربة، توضع قطة داخل صندوق مغلق، ويعتمد مصيرها (الحياة أو الموت) على حدث كمومي غير محسوم. وفقًا للتراكب، تظل القطة في حالتين في الوقت ذاته: حية وميتة، إلى أن يفتح أحدهم الصندوق ويرى حالتها، وعندها تختفي إحدى النسختين، وتبقى الأخرى.
ما سبق كان غريبًا بما يكفي، لكن إذا عدّلنا قليلًا سيناريو التجربة، فستتكشف أمامنا مشكلة أعمق بكثير. فلنقل إننا قررنا هذه المرة ألا نقيس مكان الإلكترون، بل نقيس زخمه، أي كمية حركته. هنا تظهر معضلة جديدة، لأن الزخم يخضع لقوانين الحفظ الصارمة التي تمنع ظهوره فجأة من العدم، أو فقدانه بلا أثر.
لكن قبل القياس، يكون الإلكترون في حالة تراكب كمّي، حالة غائمة لا تمنحنا رقمًا واحدًا، بل طيفًا من القيم المحتملة. وعندما نقيس الزخم، نحصل على قيمة نهائية واحدة تبدو مختلفة كليًّا عن الحالة السابقة. وهنا تحدث المفارقة: يبدو أن بعض الزخم قد ظهر من العدم، أو تبخّر في الهواء، وهذا يُعدُّ خرقا صارخا لقانون حفظ الزخم. وعن ذلك يقول كولينز: "بما أننا لا نستطيع أن نعرف بدقة ما كانت عليه قيمة الزخم في البداية، بدا الأمر وكأن هذه القيمة قفزت فجأة، ولم يكن هناك مفرّ من هذا الاستنتاج".
بعبارة أخرى، تبدو ميكانيكا الكم وكأنها تستهزئ بقوانين الحفظ. وقد ظلّ الفيزيائيون يتصارعون مع هذه المفارقة قرنًا من الزمان. حاول بعضهم تجاوز هذه المعضلة بتفسير مبسّط: "ربما تكون الظروف في العالم الكمومي مختلفة تمامًا، ولذلك ليس منطقيا أن نتوقع من نظرية الكم أن تلتزم بنفس القوانين الكلاسيكية للحفظ". لكن كولينز يرى في هذا التبرير نوعًا من الاستسلام إذ يقول: "نظرًا إلى أن ميكانيكا الكم غريبة بطبيعتها، وغير منطقية في كثير من الأحيان، بدا أن الكثيرين مستعدّون لقبول أي سلوك شاذ يصدر عنها".
على الجانب الآخر يُصرّ بعض العلماء على أن هذه المفارقة مهمة فعلًا ولا يمكن تجاهلها، وهنا تحديدًا يظهر دور "العوالم المتعددة". إذ لا يقدِّم هذا التفسير شرحًا لمعضلة القطة الحية والميتة في آنٍ واحد فحسب، بل يقول إن كلا النسختين تستمرّان في الوجود، لكن كل واحدة منهما في كونٍ مختلف. القطة الميتة تواصل وجودها في عالم، والحية في عالم آخر. ليس هذا فحسب، بل تبدو نظرية العوالم المتعددة كأنها تقدّم حلًّا لمشكلة انتهاك قوانين الحفظ. فإذا أخذنا في الاعتبار جميع العوالم أو الأكوان مجتمعة، فسنكتشف أن الزخم لم يُخلق من عدم، ولم يُفقد، وأن كل شيء لا يزال محفوظًا، لكنه موزّع على عوالم متعددة.
إعلانلم يكن كولينز وبوبسكو مرتاحَين كغيرهما من الفيزيائيين أمام ما بدا خرقًا صريحًا لقوانين الحفظ. فبينما اختار البعض تجاهل التناقض باعتباره من غرائب ميكانيكا الكم، قرّر الاثنان أن يغوصا في أعماق المشكلة، وأن يواجها السؤال الذي تحاشاه كثيرون. وفي تجربة ذهنية نُشرت في أبريل/ نيسان الماضي، وهي جزء من سلسلة أبحاث قدّماها على مدى السنوات الأخيرة، أثبت العالِمان أن الزخم لا يُنتهك كما ظننا، بل يظل محفوظًا حتى في تجربة كمّية واحدة، وذلك لأسباب مفاجئة ومثيرة للدهشة. وعن ذلك، يقول بوبسكو: "لقد خضنا غمار التجربة حتى وصلنا إلى درجة من العمق لم يتوقعها أحد".
يبدأ العالِمان بتحليل حالة بسيطة: جسيم يتحرّك في دائرة، ثم يتخيلان قياس الزخم الزاوي لهذا الجسيم، وهو نوع من الزخم مرتبط بالحركة الدائرية، ويُعَدُّ أيضًا كمية يجب أن تُحفَظ وفقًا لقوانين الفيزياء. عند إجراء القياس، نحصل على قيمة مُحدَّدة وواضحة للزخم الزاوي. لكن قبل القياس، كان الجسيم في حالة تراكب كمومي (أي لم تكن له قيمة واحدة محددة، بل مجموعة من الاحتمالات*). وهنا تظهر المشكلة: بما أن شيئًا قد تغير بعد القياس، أي انتقل من حالة تراكب إلى نتيجة واحدة واضحة، فالسؤال هو: من أين أتى هذا التغير في الزخم الزاوي؟
في البداية، توجّه تفكيرهما نحو جهاز القياس. فالمنطق البسيط يقول: إذا كان الجهاز يَقيس، فلا بد أنه يتفاعل مع الجسيم، لا بد أن شيئًا ما يمرّ بين الاثنين، وهو نوع من التبادل الخفي. وعن ذلك، يقول كولينز: "من الواضح أن هناك تفاعلًا، لذا يبدو بديهيًّا أن شيئًا ما ينتقل بين جهاز القياس والنظام". لكن عندما دخلا إلى عمق المعادلات، كشفت الحسابات شيئًا مغايرًا تمامًا.
بعد أن استبعدا جهاز القياس باعتباره مصدرا للتغير في الزخم الزاوي، انتقل العالمان للتفكير في الجهاز الذي يضع الجسيم في حالة تراكب كمومي، وهو ما يُعرف بـ"المحضِّر". ومن خلال دراسة هذا الجهاز، كشفا عما يشبه نسخة كمومية لحلّ مشكلة ما على حساب خلق مشكلة أخرى، بمعنى أن ما يُفقَد من طرف يُعوّض في طرف آخر، بحيث تبقى الحصيلة النهائية محفوظة.
بعد إجراء القياس، اكتشف العالمان أنهما إذا جمعا الزخم الزاوي للجسيم مع الزخم الزاوي للمحضِّر، سيجدان أن المجموع الكلي لم يتغير منذ اللحظة الأولى التي تفاعل فيها الجسيم مع المحضِّر. بمعنى آخر، يُعدُّ المحضّر نفسه جزءًا من حالة التراكب الكمومي، وهو الذي يحافظ على توازن كل شيء بدقة تامة.
في التجارب الحقيقية، لا يكون "المحضِّر" جهازًا غامضًا، بل مجموعة من فوتونات الليزر تُستخدم لإحداث حالة التراكب الكمومي في جسيم، مثل أيون محاصر قبل إجراء القياس عليه. ما وجده كولينز وبوبسكو هو أن مجال الليزر والأيون لا ينفصلان بعد هذا التفاعل، بل يبقيان في حالة تُعرف بـ"الترابط الكمومي الباقي". بمعنى آخر، حتى بعد أن يدخل الأيون في حالة تراكب، فهو لا يصبح مستقلًّا تمامًا عن فوتونات الليزر، بل يظل مرتبطًا بها داخل تلك الحالة الكمومية المشتركة، التي لم تُحسم نتيجتها بعد. والأهم من ذلك، أن أي تغيّر في زخم الأيون الزاوي يقابله دومًا تغيّر معاكس ومكمّل في زخم فوتونات الليزر.
يمنحنا هذا التقدّم الجديد في فهم قوانين الحفظ رؤية غير مسبوقة لآلية العمليات الكمومية. فلم يحدث من قبل أن استطعنا الحديث بمعنى حقيقي عن الأرقام الكامنة خلف حدث كمومي واحد. ويعلّق بوبسكو على ذلك قائلًا: "إننا أمام تغيير يمسّ واحدة من الركائز الأساسية التي قامت عليها ميكانيكا الكم". ويرتبط أحد الآثار المباشرة لهذا الاكتشاف بنظرية العوالم المتعددة. فإذا خضعتْ قوانين الحفظ لهذا الكون وحده، فما الحاجة إذن إلى اختراع أكوان موازية لتبرير ما يحدث؟ في هذه الحالة، يبدو أن العمل الجديد قد فكّك المفارقة التي طالما استندت إليها نظرية العوالم المتعددة للدفاع عن وجودها.
في السياق ذاته، يقول بوبسكو: "ما أثبتناه هو أن قوانين الحفظ تنطبق في كل فرع من فروع التراكب الكمومي، حتى على مستوى الحالات الفردية. لذا، فالإشارة إلى أن العوالم المتعددة ضرورية لحفظ التوازن لم تعد مقنعة". ويُؤيّد هذا الرأي رِناتو رينر، العالم في نظرية الكم من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، قائلًا: "هذا العمل يفتح الباب لإمكانية وجود تفسير متّسق دون الحاجة إلى نظرية الأكوان المتعددة. إنه سببٌ آخر يجعل الإيمان بها أقل إلحاحًا مما كنا نظن".
إعلانأما كولينز، فيرى أن هذه القصة تشكِّل تحذيرًا ضد الوقوع في فخّ الانحياز الفكري حين يتعلّق الأمر بتأويلات ميكانيكا الكم، بقوله إن افتراض صحة نظرية العوالم المتعددة قد يُوقف التفكير في المشكلة أصلًا. ويتابع: لو كنتَ افترضتَ صحة هذا التأويل منذ البداية، لما خطر ببالك قط أن تتساءل عن دور المحضّر أو أن تفتح هذا الباب من الأساس. كنت ستظن ببساطة أن كل شيء على ما يرام".
الآن، يبدو أن هذه الرؤى الجديدة حول قوانين الحفظ الكمومية قد تفتح الطريق نحو فهم أعمق لجوهر ميكانيكا الكم. فعلى سبيل المثال، تُبرز هذه النتائج أهمية مفهوم يُعرف "بالأطر المرجعية" أو "إطارات الإسناد" عند إجراء القياسات الكمومية. ويمكن التفكير في هذا المفهوم كنوع من وجهة النظر التي نرصد من خلالها ما يحدث فيزيائيًّا، فهو المرجع الذي تُقاس منه الظواهر. على الجانب الآخر، يوضح كولينز وبوبسكو أن الإطار المرجعي في القياسات الكمومية يتحدد عبر خصائص جهاز التحضير نفسه، وأن الوعي بهذا الإطار أمر جوهري لفهم كيف تبقى قوانين الحفظ قائمة حتى في أبسط التجارب الكمومية وأكثرها فرادة.
ما تفتحه هذه النتائج من آفاق ليس بالأمر الهيّن، بل ربما يحمل في طياته دلالة عميقة، لأن الأطر المرجعية لا تقف وحدها، بل تتشابك مع مفهوم آخر أكثر رسوخًا في بنية الفيزياء، وهو التناظر. في عالم الفيزياء، يشير التناظر إلى قدرة النظام على الاحتفاظ بجوهره حتى لو خضع لتغييرات شكلية، كأن يُدار أو يُعكس دون أن يتبدّل في قوانينه شيء. وهنا يختصر كولينز الأمر بقوله: "الفيزياء كلّها تقوم على التناظر، ومن التناظر تنبثق قوانين الحفظ، ولهذا تكتسب هذه القوانين قيمتها الكبرى".
في عام 1918، كانت عالمة الرياضيات إيمي نويثر أول من بيّن أن قوانين الحفظ تنبع من ميل الكون إلى التناظر في عملياته الفيزيائية. ومنذ ذلك الحين، أصبح اكتشاف التناظرات الجديدة، أو ملاحظة انتهاكها يشير إلى وجود ظواهر تستحق الدراسة والبحث. فبهذه الطريقة، ظهر التنبؤ بوجود العديد من الجسيمات في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، مثل الكواركات وبوزون هيغز، قبل اكتشافها تجريبيًّا. وقد دفع هذا العلماء التجريبيين إلى بناء أجهزة ضخمة بتكاليف تُقدّر بالمليارات لاختبار تلك التنبؤات والتحقق من وجود تلك الجسيمات.
في هذا العمل الجديد، تتشابك الأطر المرجعية، والتناظرات، وقوانين الحفظ في عالم الكم، تمامًا كما كانت مترابطة منذ زمن بعيد في الفيزياء الكلاسيكية. ومن جانبه، يعلّق الفيزيائي جيسين قائلًا: "الأمر لا يقتصر على حل معادلة معقدة عجز الآخرون عن حلها، بل يكمن في أنهم حققوا فهمًا عميقًا للفيزياء ذاتها".
في السياق ذاته، يرى رينر أن الترابط الجديد بين الأطر المرجعية، والتناظرات، وقوانين الحفظ قد يحمل في طيّاته مفتاحًا لحل مفارقة كمومية استعصت على التفسير لعقود. في ستينيات القرن الماضي، طرح الفيزيائي يوجين فيغنر تجربة فكرية عُرفت لاحقًا باسم "صديق فيغنر"، فيها يُجري صديقه تجربة داخل مختبر مغلق، يُشبه السيناريو الشهير لقطة شرودنغر. يفتح صديقه الصندوق ويجد القطة حيّة. لكن فيغنر، الواقف خلف الباب المغلق، لم يطّلع بعد على النتيجة، ومن وجهة نظره لا تزال القطة في حالة تراكب كمومي، حية وميتة في آن واحد، ومتشابكة كموميا مع صديقه داخل المختبر. وهنا تتكشّف المفارقة: "واقعان لا ينسجمان، ومع ذلك، تقول ميكانيكا الكم إن كليهما صحيح".
ومع ذلك، يرى رينر أن الفهم الأدق للأطر المرجعية قد يكون المفتاح الذي يُعيد ترتيب مشهد المفارقة. ففي السيناريو التقليدي، يُفتَرض أن صديق فيغنر يوجد داخل المختبر في حالة كمومية نقية، مستقلة تمامًا عن فيغنر الواقف خارجه. لكن ما توصّل إليه كولينز وبوبسكو يظهر استحالة هذا الافتراض: فالصديق ليس كيانًا منعزلًا، بل متشابكا كموميًّا مع المُحضِّر، وهو في هذه الحالة فيغنر نفسه. وهكذا، فإن تأثير المُحضّر، الذي كان يُهمَل عادةً باعتباره ضئيلًا، يأخذ الآن موقعه في صلب التجربة، ولا يمكن تجاهله بعد اليوم. وعن ذلك، يقول رينر: "ربما تُحلّ هذه المفارقات، إذا تعاملنا مع تجربة صديق فيغنر بمزيد من التأنّي والدقّة في نمذجتها".
كل هذا يدفع رينر وآخرين إلى النظر إلى الواقع بصورة مختلفة كليًّا، صورة لا تمتّ بصلة إلى نظرية العوالم المتعددة. تتمثل الفكرة الجوهرية هنا في أن القياسات ليست مُطلَقة، وإنما يراها كل مراقب بصورة مختلفة، وهي فكرة متجذّرة في تأويلين بديلين لميكانيكا الكم: يُعرف الأول "بميكانيكا الكم العلائقية"، ويفترض أن الأشياء لا توجد منفصلة أو قائمة بذاتها، بل ينبثق الواقع فقط من شبكة العلاقات المتبادلة بينها. أما الثاني، فهو "الاحتمالية الكمومية البايزية"، ويرى هذا التأويل أن ميكانيكا الكم ليست وصفًا للعالم كما هو، بل أداة يستخدمها كل مراقب للتنبؤ بما سيشهده.
وفي هذا العالم، لا تُبنى الحقيقة من حقائق موضوعية خارجية، بل من العلاقة بين المراقب والقياس الذي يجريه. وهكذا، بدلًا من واقع يتشظّى إلى عدد لا يُحصى من الأكوان، تقدّم هذه الرؤية كونًا واحدًا يتشكّل من الداخل، من خلال ربط أو حياكة العديد من الرؤى الذاتية معًا.
ورغم ما تحمله نتائج كولينز وبوبسكو من وعود، فإن الطريق أمامها لا يزال محفوفًا بأسئلة تنتظر الإجابة. فحتى الآن، اقتصر إنجازهما على إثبات حفظ الزخم الزاوي من الناحية النظرية، ثم افترضا أن ما ينطبق عليه، يمكن أن يمتد إلى بقية قوانين الحفظ، كقانوني الطاقة والزمن. في حين يرى جونتي هانس من جامعة نيوكاسل بالمملكة المتحدة، أن هذا التوسّع قد لا يكون بهذه البساطة، خصوصًا حين يتعلّق الأمر بالزمن، ذلك المفهوم الغائم في قلب ميكانيكا الكم، الذي لم تنجلِ حقيقته بعد.
في الجهة المقابلة، تُبدي فاليا ألوري، فيلسوفة الفيزياء بجامعة بيرغامو في إيطاليا، تحفظًا اتجاه النتائج التي توصّل إليها كولينز وبوبسكو. ففي رأيها، تنطوي الحجّة على قفزات دقيقة لكنها مقلقة، تكمُن في طبيعة التفاعل بين الجسيم وجهاز القياس، أو بين الجسيم والمحضِّر الذي يُعدّه للتجربة.
وفي أروقة المختبرات، بدأ العلماء يطرحون سؤالًا جديدًا: كيف يمكن رؤية قوانين الحفظ الكمومية وهي تعمل في العالم الحقيقي؟ يرى الفيزيائي أفرايم ستاينبرغ من جامعة تورنتو أن هذه القوانين في صورتها الفردية، قد تُشكّل قيودًا خفية، تُحدّد بدقّة ما يمكن تحضيره من حالات كمومية، وما لا يمكن. وهكذا، تتحوّل هذه القيود إلى مُحفّزات لتجارب جديدة، تسعى إلى خلق تلك الحالات ورصدها.
عندما اطّلع الفيزيائي ستاينبرغ على هذا البحث للمرة الأولى، أخبره حدسه بأنه غير صحيح. لكن بعد أن أمضى وقتًا في دراسة الورقة العلمية بتمعّن، بدأ يرى أن ما طرحه الباحثان يبدو مقنعًا بشكل مفاجئ، وعبّر عن حيرته قائلًا: "وجدت نفسي عالقًا في حالة تراكب غير مريحة، بين أن أوافقهما الرأي.. وألا أوافقهما".
وبغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الأمور، يأمل بوبسكو أن يُسهم بحثه مع كولينز في هدم الاقتناع الراسخ بأننا لن نتقدم أبدًا في فهم نظرية الكم. وفي النهاية، يختتم بوبسكو حديثه قائلا: "من الشائع أن يُقال إن ميكانيكا الكم عصيّة على الفهم، ولا يوجد من يفهمها. حسنًا! إننا هنا على الأقل نحاول أن نبني هذا الفهم خطوةً بخطوة".
____________
* إضافة المترجم
هذه المادة مترجمة عن نيوساينتست ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت