ألغى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته لبنان التي كان يفترض أن تحصل قبل عيد الميلاد، لأسباب عدة أبرزها الأوضاع الامنية والفراغ الرئاسي، إلا أن ماكرون يواظب على الاهتمام بالملف اللبناني سواء عبر مستشاريه لا سيما جان إيف لودريان المعني بملف رئاسة الجمهورية أو عبر وزيرة الخارجية كاترين كولونا التي زارت لبنان لساعات قبل أيام ،فضلا عن نشاط السفير هيرفي ماغرو وقبله السفيرة آن غريو  تجاه المقرات الرسمية والحزبية، توازيا مع زيارات فرنسية مفاجئة قد تحدث على غرار الزيارة التي قام بها مدير الاستخبارات الفرنسية برنار ايمييه والتي ركز خلالها، بحسب مصادر اطلعت على أجواء اللقاءات، على ضرورة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون في حين أن الملفات الأخرى التي طرحت كانت عابرة ولم يتم التوسع بها.


منذ طرح باريس لمبادرتها الرئاسية، استحوذ الاهتمام على علاقة الإليزيه بحزب الله، مع تأكيد مصادر فرنسية في حينه أن الرئيس ماكرون يولي أهمية خاصة للتفاوض مع حزب الله وأن من يتواصلون مع الحزب يصنفون ضمن الدائرة الضيقة لماكرون الذي أيد لأشهر طويلة طرح حزب الله وحركة أمل القائم على انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، وبقي هذا الطرح محل متابعة فرنسية إلى أن أدرك لودريان أن أفق هذا الحل متعثر لبنانيا و"خماسياً" وأن كل نقاشاته مع القوى السياسية باءت بالفشل لا سيما في ما خص الحوار، حيث بدأ الحديث في الربع الأخير من هذا العام أن باريس حاولت تحفيز القوى السياسية على الذهاب إلى الخيار الثالث إلا أن الأبواب مجدداً أوصدت في وجهها، ربما لاقتناع القيادات الأساسية أن انتخاب الرئيس ليس قريباً وأنه أصبح محكوماً بنتائج عملية "طوفان الأقصى" وما ستؤول إليه مقترحات الحل لقطاع غزة.
المؤكد أن زيارة لودريان الأخيرة إلى لبنان بعد العدوان الإسرائيلي على غزة لم تحمل أي مؤشرات جديدة على اقتراب الحل الرئاسي، فالدبلوماسي الفرنسي اكتفى بدعوة القوى السياسية إلى التفاهم وانتخاب رئيس وضرورة تجنيب لبنان أي حرب وعدم الانجرار  وراء أي استفزازات إسرائيلية. في هذه الزيارة التقى لودريان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الذي اكتفى بتكرار موقف الحزب من الملف الرئاسي، لكن اللافت في اللقاء أن البحث تناول القرار 1701 إلا أن رعد لم يعط ضيفه أي موقف في هذا الشأن من منطلق أن الحرب على غزة مستمرة وبعد أن تنتهي لكل حادث حديث، وسط معلومات جرى التداول بها أيضاً، ان نائب حزب الله عاتب لودريان على مواقف رئيسه من الحرب على غزة  ومن حركة حماس التي دعا ماكرون الى محاربتها من خلال تشكيل تحالف دوليأ اشبه بالذي شَكل لمحاربة تنظيم داعش.
مجدداً تبتعد باريس عن هامش المناورة الذي كانت تتمتع به، فبعد تشديد الرئيس ماكرون على دعم إسرائيل ودفاعه في حديث تلفزيوني طويل على القناة الخامسة، عن ثبات موقفه من حماس والحرب الإسرائيلية والذي اعتبر، لكثيرين أنه لا يتماشى مع السياسة الفرنسية التي انتهجها رؤساء كثر ابرزهم الرئيس الراحل جاك شيراك، وصف حزب الله بالإرهاب، عندما قال إن بلاده "تعمل منذ سنوات وقد عززت ذلك في الأسابيع الاخيرة، لتجنب انضمام حزب الله، المجموعة الإرهابية الأخرى الموجودة في لبنان، إلى حماس وأن تهدد توازن إسرائيل وأمنها والمنطقة بأسرها".
وهنا يرى مصدر سياسي أن موقف ماكرون مرده انزعاج فرنسا من "حزب الله" ومن كيفية تعاطيه مع الملف الرئاسي من جهة ومع الأوضاع في الجنوب من جهة أخرى، خاصة وأنها حاولت وضغطت كثيراً لعدم دخول حزب الله في الحرب وحذرت من توسعها وركزت في الوقت نفسه عبر موفديها الى بيروت على ضرورة تطبيق القرار الدولي1701 ، مع اشارة المصدر نفسه إلى أن باريس حاولت استباق نتائج الحرب لترتيب أوضاع ما بعدها.
ما تقدم، يؤشر، بحسب مصدر مقرب من حزب الله لـ"لبنان24" إلى أن سياسة ماكرون تتسم بالتقلب، ويسأل المصدر هل توصيف ماكرون هو موقف سياسي عابر أم أنه موقف رسمي ومقدمة لتصنيف باريس حزب الله على لوائح الإرهاب وتاليا الذهاب إلى قطيعة سياسية معه، علماً أن العلاقة بين الطرفين كانت جيدة وتتسم بالايجابية وتتم عبر السفارة في بيروت والموفدين الفرنسيين؟
وبينما يعتبر المصدر أن موقف ماكرون أمامه ألغام كثيرة ويقلل من فعالية الدبلوماسية الفرنسية في لبنان، رأى في الوقت نفسه أن هذا الموقف سوف يزعج حزب الله وسيؤدي إلى توتير العلاقة بينهما، فإذا تعامل حزب الله بالمثل، فسوف يشكل ذلك ضربة قاضية لأي دور فرنسي في المستقبل خاصة وأن الحيوية الفرنسية في السنتين الأخيرتين شكلت ركيزتها علاقتها المتميزة مع حزب الله حيث أبقته خارج لوائح الإرهاب.
وفيما يعود لودريان الى لبنان الشهر المقبل في زيارة تتحكم بها عوامل عدة على صلة بما يجري في غزة وجنوب لبنان، فإن المعلومات تشير إلى أن ماكرون يتجه إلى تشكيل خلية أزمة جديدة، بعد انتقال  المسؤول عن ملفات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الإليزية، إلى العراق بعد تعيينه سفيرا لفرنسا في هذا البلد، وابتعاد ايمييه عن هذه الخلية، وهذا مؤشر إلى أن دور باريس قد يتراجع ضمن اللجنة الخماسية، خاصة إذا قطع التواصل بينها وبين حزب الله الذي يعتبر مكونا أساسياً في البلد من المستحيل استبعاده عن أي تفاوض في الملف الرئاسي أو سواه.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

موقف الشعب المصري من الصراع بين إيران وإسرائيل

د. عبدالله الأشعل

الشعب المصري يكره إسرائيل جينيا، ويشجع كل من ينال منها، وفي ذات الوقت أيّد الكثير من المصريين إيران في حربها الأخيرة مع إسرائيل، وهذه ظاهرة تحتاج إلى تفسير.

ويلاحظ القارئ أننا نخص بالذكر الشعب المصري الذي أثبت أنَّ له اتجاهات ويعبِّر عنها بحرية وليس بالضرورة أن ترضى الحكومة عن هذه الاتجاهات، إذ تبادل الشعب التهاني بتدمير تل أبيب، ربما لسببين، السبب الأول: إن هذه الحالة عادت به إلى سنوات الصراع مع إسرائيل، وهو يحب ذلك، وكان آخر احتكاك عسكري بين مصر وإسرائيل هو حرب التحرير في السادس من أكتوبر عام 1973.

ولم يقتنع الشعب المصري بقصة السلام مع إسرائيل، وهو يدرك أن إسرائيل لا تحترم المعاهدات الدولية، ولا تحترم القانون الدولي، وإنما تحترم القوة، وكان يود الشعب أن يدخل الجيش المصري تل أبيب ويدمرها تدميرا كاملا، ولكنّ هناك قيودا للحروب النظامية بين إسرائيل والدول العربية، ولمَّا قامت إيران بتدمير تل أبيب فرح المصريون تعويضًا عن دخول جيشهم للقيام بهذه المهمة.

السبب الثاني: إن الشعب المصري يكره إسرائيل جينيًا ربما متأثر بصورة اليهود في القرآن الكريم، وقليل من المصريين يدركون الفرق بين اليهودية والصهيونية، علمًا بأن ثقافة المصريين في العصر الناصري كانت تركز على هذا التمييز، فاليهودية شريعة، أما الصهيونية فهي برنامج سياسي يهدف إلى تدمير العروبة وأولها مصر.

وقد لوحظ أن فرح الشعب المصري بتدمير إيران لتل أبيب يفهم منه أن هذا الشعب استشعر الخطر من إسرائيل وعادت به الأيام إلى يوسف وموسى وهما من أنبياء الله، ولكن بني إسرائيل أساؤوا كثيرا إلى المصريين وتآمروا ضدهم مع الهكسوس، ولذلك يميز المصريون بين موسى النبي وبين بني إسرائيل، وبعض المصريين يؤيدون عن غير بصيرة موقف فرعون مصر وصدقوا دعاية فرعون ضد موسى وقد فندت هذه النقطة في كتاباتي حول هذا الموضوع.

من ناحية أخرى، فإن موقف الشعب المصري من إيران موزع ومشتت للأسباب الآتية:

أولًا: جهل معظم الشعب بقصة الشيعة والسنة، وثانيًا: تأثر معظم الشعب المصري بالدعايات المضادة للشيعة، لدرجة أن عامته يساوون بين الشيعي والشيوعي، وذلك تأثرًا بالدعوة السلفية والجماعات الإسلامية عموما التي كان بعضها يكفر الشيعة، ولم تفطن هذه الجماعات إلى المؤامرة الكبرى على المسلمين وهي فتنة  الشيعة والسنة.

ثالثًا: إن معظم المصريين يربطون بين الشيعة والحسين وآل البيت عمومًا، وكرَّس هذا الاعتقاد الحكم الفاطمي الذي استمر ثلاثة قرون بمصر، وأنشأ الفاطميون الأزهر الشريف سنة 969م والمصريون عموما يجلون الأزهر الشريف.

رابعًا: إن بعض المصريين الذين خدموا في الخليج يخلطون بين بعض الأفكار السلبية وبين الشيعة، وبالنسبة للمصريين بالذات فإنهم تابعوا قيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979، وتمنوا أن تنتصر هذه الثورة بتوجهاتها السياسية المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة، أملا أن تكون إضافة للعالم الإسلامي، وفي ذات الوقت هناك بعض المصريين لا يؤيدون توجه السادات المعادب لهذه الثورة، فقبل الثورة كان شاه إيران صديقًا لإسرائيل، وكان جمال عبدالناصر عدوا للشاه، وهناك بعض الوثائق التي تظهر أن جمال عبدالناصر بدعمه لمعارضي الشاه وخاصة في العراق زمن إقامة الخوميني في العراق عام 1964 كان يناصر الثورة الإسلامية، ولذلك فإن حسن نصر لله كان ناصريا حتى النخاع، وقد بحثت في هذا الموضوع وقدمت حلقة كاملة منذ عدة سنوات في قناة الميادين حول دور عبدالناصر في مساندة الثورة ضد الشاه.

خامسًا: إن الربط في الذهن المصري بين المقاومة ضد إسرائيل دفع معظم الشعب المصري إلى تأييد حزب الله ثم حماس التي قامت بعد حزب الله بخمس سنوات، وأعجب المصريون بجسارة ووطنية حزب الله الذي حرر بيروت والجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، رغم بعض التعقيدات في الموقف العربي، ولذلك وقبل أن تقدم إسرائيل على مهاجمة إيران كانت قد رتبت الساحة اللبنانية، بحيث تتفادى ضربات حزب الله، وفهم المصريون أن الهدف من الهجوم الإسرائيلي على إيران هو قمع الدولة التي تساند المقاومة، كما أن المصريين يعلقون الأمل على انتصار إيران على إسرائيل خاصة أن سلوك إسرائيل في غزة -مع عجز المصريين عن إنقاذ غزة- أدى إلى توحش إسرائيل، واستشعر المصريون خطر هذا التوحش على بلادهم.

سادسًا: إن قيام حزب الله أزعج حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل من العرب، وأصبحت طهران القبلة السياسية والطائفية لكل شيعة المنطقة،  ولذلك فإنشاء حزب الله وقيامه بتحرير بيروت من الاحتلال الإسرائيلي أظهر الطائفة الشيعية بين الطوائف الأخرى في لبنان، ولاحظ اتفاق الطائف عام 1989 أن الطائفية هي السبب المباشر لتراجع الدولة اللبنانية.

من ناحية أخرى، يجب على البعثات الإيرانية في الدول العربية أن تبدد الأوهام والخرافات حول الفكر الشيعي،  وواجب المثقفين العرب أن يسهموا في حملة هدفها بيان أن الفرق بين الشيعة والسنة في الفكر. والأفكار السلبية عن الشيعة يجب التصدي لها وخير من تصدى لها هو الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، عندما أصدر بيانا أدان فيه العدوان الإسرائيلي على إيران، وحثَّ على وحدة الإسلام والمسلمين، ويبقى بعد ذلك بيان دور الأزهر في هذا المجال عبر تاريخه الطويل.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • بعد محاولات كثيرة.. نادي الزمالك يحصل على توقيع هذا اللاعب| تفاصيل
  • "حملة عبر السفارات".. باريس تتهم بكين بمحاولة تقويض سمعة مقاتلات "رافال" الفرنسية
  • من يخاف الكلب يجد أسدا أمامه في باكستان والنتيجة: إصابة 3 أشخاص واعتقال مالك الحيوان
  • موقف الشعب المصري من الصراع بين إيران وإسرائيل
  • بري ينفي الأنباء المتداولة حول الرد على ورقة المبعوث الأمريكي
  • اجتماع مطول للجنة الثلاثية لانجاز الرد على ورقة برّاك.. بري: سنأخذ موقف حزب الله في الاعتبار
  • ألغام متبقية في طريق الصفقة.. هل ستفرج اسرائيل عن البرغوثي؟
  • مصادر: التعديلات اللبنانية ستنص على تنفيذ مرحلي لتسليم السلاح بما يضمن إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها
  • ‏رئيس الوزراء اللبناني: الاستعراضات المسلحة التي شهدتها بيروت غير مقبولة بأي شكل من الأشكال وتحت أي مبرر كان
  • ماكرون يُكثِّف ضغوطه على ستارمر للاعتراف بدولة فلسطين خلال زيارته المرتقبة إلى بريطانيا