الثورة نت:
2025-05-15@04:01:59 GMT

الاستعمار الدولي في البحر الأحمر.. يظهر من جديد

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

 

 

يا قادة الدول الغربية الكبرى وبلا تحية :
منذ أشهر تحالفتم مع الصهاينة ضد غزة وقلتم أنكم لستم ضد الفلسطينيين وإنما أنتم ضد حماس ، تظنون أنكم أذكياء ، وكأن قيادة وأعضاء حماس قدموا إلى فلسطين من كوكب آخر ؟!
وكأن الشعب الفلسطيني لن يدعمها ولن يقف معها في طريق تحرير فلسطين ؟!
كل فلسطين ، وذلك ما خيب ظنكم ؛ لأن الأمر ذهب بعيدا عن مناوراتكم الفاشلة منذ أول لحظات تدخلكم ضد المقاومة الفلسطينية في غزة ، وأصبحتم أسرى ظنونكم التي أوقعتكم مع من تحالف معكم ومع الكيان الصهيوني في مستنقع غزة الذي كسر هيبتكم وغطرستكم أمام شعوبكم وأمام العالم أجمع.


واليوم عاد غباؤكم المعهود من جديد، تتحالفون كما تزعمون ضد فصيل سياسي يمني وليس ضد اليمن ، غير أنكم تخطئون كالعادة، فأنتم تتحالفون بنظرة استعمارية واستعلائية وهمجية وبمخالفة للقانون الدولي ضد اليمن لتسلبوها حقا من حقوقها السيادية الطبيعية المتمثل في سيادتها على مياهها الإقليمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب ، وتتباكون أن اليمن هي التي سببت قيام تحالفكم العسكري لأنها تمنع السفن من مواصلة إبحارها إلى وجهتها في ميناء ايلات المحتل من قبل الكيان الصهيوني ؛ مع أن قواتكم الدولية المشتركة 153 و 152 و 151 والمكونة من 39 دولة على رأسها :
أمريكا وبريطانيا وفرنسا والهند وإيطاليا وإسبانيا وكندا وأستراليا واليابان وسيشل والنرويج وهولندا واليونان وباكستان والبرتغال وتايلاند وتركيا ونيوزيلاندا وكينيا والفلبين وسنغافورة مع عدد آخر من الدول العربية وغيرها يدعمها أيضا أكثر من عشرين قاعدة عسكرية في جيبوتي وأخرى في كينيا والصومال.
إن هذه القوات وتجمعها بالقرب من مياه اليمن الإقليمية ليست جديدة بل هي موجودة من سنوات عديدة ، وفي الحقيقة أن هذه القوات المنتشرة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب هي التي تهدد الأمن القومي اليمني ، وهي التي تهدد سلامة الملاحة في البحر الأحمر .
وبرغم أننا في اليمن نمر بأزمات وطنية كبيرة نتيجة لخلافاتنا الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية إلا أن اليمنيين جميعا لا يختلفون في القواسم الوطنية المشتركة ومنها مسألة سيادة اليمن على برها وبحرها وجوها ، وأيضا نحن الشعب اليمني مجمعون في موقفنا الثابت في دعم اشقائنا في فلسطين حتى تتحرر أرضها من المحتل الكيان الصهيوني .
وكفصائل سياسية وطنية قد نختلف ونتفاوض لحل خلافاتنا من أجل مصلحة الوطن ، إلا أننا اليوم نجد أن العامل الدولي قد ذهب إلى ما هو أبعد من مسألة سلامة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ، لقد وصل الأمر إلى مسألة استعمار البحر الأحمر بما في ذلك المياه الإقليمية لليمن ولكافة الدول العربية المطلة عليه والتحكم فيه خدمة للكيان الصهيوني .
اليوم اليمن في حالة مواجهة حقيقية مع الاستعمار الدولي الجديد ، وفي مسألة الانتصار لغزة ولأبنائها ، والمسألة لم تعد مسألة خلافات في وجهة النظر الحزبية بين أبناء اليمن ، انما نحن أمام أطماع استعمارية جديدة ، اليمن هو هدفها مما يوجب على الجميع وقف الحرب في اليمن والتوجه الجاد والصادق نحو صناعة سلام بإجماع وطني يمني دائم .
إن الشعب اليمني كله ليس له الآن إلا موقف واحد يتمثل في إيماننا المطلق بسيادة الجمهورية اليمنية ، والعمل على مواجهة المستعمر القادم من الغرب مع حلفائه ، والوقوف مع المقاومة الفلسطينية في مواجهة الكيان الصهيوني المحتل للأرض العربية الفلسطينية ، والذي يمارس أبشع الجرائم ضد الإنسانية في حرب مجنونة ظالمة في حربه على غزة وعلى أبنائها .
ولذلك نحن في اليمن ننظر أن تحشيدكم العسكري المضاف إلى التحشيدات السابقة في مياهنا الإقليمية هو تهديد لأمننا القومي ، كما هو تهديد صريح لا لبس فيه أيضا للأمن القومي العربي ولدول القرن الأفريقي .
إن أساليبكم اليهودية الصهيونية الشيطانية الشريرة هذه المرة لن تنفعكم لا في غزة ولا في اليمن ولا مع الشعوب العربية والإسلامية أو مع الجوار الإفريقي مهما كذبتم أو لفقتم من سرديات ، فقد عرفناكم جيدا فأنتم الخطر الحقيقي على السلم والأمن الدوليين في هذا العصر ، وتحالفكم شريك أساسي في حصار غزة وقتل نسائها وأطفالها ، وأنتم لصوص الأوطان ، عبيد الصهيونية العالمية ، وتحالفكم مهما أخفيتم من أسرار هو واضح لنا بأنه ضد اليمن وضد كل أبنائه ، وهو تجمع الشر المبتذل لنصرة الكيان الصهيوني ، كما أنه ضد غزة التي سالت دماء أبنائها على أيديكم جميعا .
إن تجمعكم الاستعماري الجديد أو كما تسمونه بـ « تحالف الازدهار» هو بالنسبة لنا تحالف الشيطان ، وهو لا يرهبنا ، على العكس من ذلك فهو يؤكد لنا في اليمن أننا على حق لأننا في اليمن ، وأيضا في كل أقطار العالم الثالث أصبحنا نعلم أن القاعدة السياسية تقول: ( اينما وقفت أمريكا أو الصهيونية العالمية فعليك أن تقف في الجانب الآخر منها ) ، لذلك نحن اليوم نقف مع من يدعم غزة ويعمل على وقف الحرب فيها ومع من يرفع الحصار عن أبنائها ويوصل لهم الماء والغذاء والدواء وسنستمر على هذا الاختيار ، لأن أمريكا وحلفاءها قد وقفوا مع الكيان الصهيوني المحتل للأرض الفلسطينية ، ولأن هذا الكيان هو العدو الصهيوني القادم من الغرب والشرق بهدف اغتصاب أرض ليست له بقوة السلاح وبدعم أمريكي وأوروبي ويمارس الجرائم بكل أنواعها وأشكالها ، وهو الإرهاب بعينه وبكل معانيه وهو قاتل الأطفال والنساء .
إنه عدو ليس فقط للشعب الفلسطيني بل للإنسانية والشعوب الحرة .
أيها المتحالفون المحتشدون في البحر الأحمر أنكم أنتم من يعلن الحرب على اليمن ، وأنتم من يعتدي على مياهها الإقليمية ، وأنتم من يهدد الأمن والسلم الدوليين في البحر الأحمر والمنطقة كلها ، وأنتم من جاء يشعل حربا لأننا لم نكن معكم ضد اشقائنا في فلسطين ، وأنتم تعرفون بكل تأكيد أن موقف اليمن ليس مخالف لمبادئنا ولا يكسر قواعد القانون الدولي ولا يهدد الملاحة البحرية في البحر الأحمر .
إن حكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا مع ( إمارة مملكة البحرين العظمى ) قد وقفتم جميعا مع الكيان الصهيوني ووضعتم كل إمكاناتكم البشرية والعسكرية والمادية تحت تصرفه ، وتعلنون الحرب على اليمن كوكلاء مستأجرين له ، وقبل ذلك شاركتم العدو الصهيوني في جرائمه ضد الإنسانية في غزة ولا زلتم ، ولم تردعكم لا قوانين دولية ولا أخلاق ولا مكارم شعوبكم الذين خرجوا بالملايين ضد العدوان البربري على غزة وعلى أبنائها .
لكننا نقول لكم إننا في اليمن لا نرى تحالفكم الاستعماري الجديد ضدنا في البحر الأحمر وفي مياهنا الإقليمية إلا غثاء كغثاء السيل ليس له نفع أو قرار ، وسيفشل عاجلا ام آجلا ، وإن النصر عليكم هو بين أيدينا وهزيمتكم في منطقتنا هو من سيعجل النصر لفلسطين كل فلسطين وسيهزم جمعكم وعداً علينا لن نخلفه إن شاء الله ، لأن هذا الوعد هو وعد الشعب اليمني بكل أطيافه ومن خلفه كل الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم ، فلا تغركم قوتكم ، فاليمن مروِّض الإمبراطوريات العالمية وهو هازمها عبر التاريخ .
لقد جربتم قوتكم المدمرة في غزة وتحالفتم عليها وجمعتم جمعكم واستقدمتم مرتزقتكم من مناطق عديدة من العالم وجهزتم ( سيوفكم الحديدية ) وبوارجكم وغواصاتكم ومئات الطائرات الحديثة وعشرات الآلاف من الصواريخ والقنابل ( الغبية ) والسفن والغواصات النووية ، وحاصرتم أهلها ومنعتم عنهم الماء والغذاء والدواء .
( أي ظلم هذا الذي تصنعونه ؟! ) أي قانون دولي أو قانون دولي إنساني يجيز لكم ذلك ؟!
دمرتم أرض الرباط بكل ما أوتيتم من أسلحة ، فجَّرتم بيوتها ومساجدها ومشافيها ومدارسها وجامعاتها ، وقتلتم عن قصد الأطفال والنساء والصحفيين والأطباء والمدنيين والمدرسين والمزارعين بكل خسة وحقارة ورفضتم وقف الحرب ورفضتم السلام بهدف التهجير القسري لمن بقي جريحا أو معاقا من أبناء غزة .
قتلتم علماء غزة وأساتذة الجامعات فيها ، قمتم بكل ما هو دنيء ، قتلتم الأسرى والجرحى ولم تُبقوا لأخلاق الحرب وقوانينها شيئاً يذكر .
واستعجلتم الأمر لتتحركوا إلى المياه الإقليمية اليمنية لأنها أوقفت سفينة تتبع الكيان الصهيوني ومنعت بعض السفن من الوصول إليه لغاية إنسانية تتمثل في الطلب منكم فك الحصار على أبناء غزة وإيصال الدواء والغذاء لهم .
لقد شهدت عليكم شعوبكم وشعوب العالم أجمع ، وشهدوا على وحشيتكم وخبثكم ، وخياناتكم وإجرامكم لا فرق بينكم وبين هتلر ونازيته العنصرية .
أنتم الاستعمار الدولي الجديد نازيون بالأصالة مارستم جرائم حرب وإبادة جماعية حتى الثمالة ضد شعب محاصر لأكثر من عشرين عاماً برعاية ومشاركة من مؤسساتكم الوطنية والإقليمية والدولية الرسمية منها والأهلية وتحت إشراف مباشر من زعمائكم وأعلنتم صهيونيتكم أكثر من الصهيونية العالمية ذاتها ، ومع ذلك كله فقد صمد أبناء غزة أمام غطرستكم وعنصريتكم وهم قلة القلة في العدد والعدة ، وهاهم يوما بعد يوم يقتربون من النصر العظيم الذي يستحقونه بكل جدارة وأنتم تتجرعون الذل والهزيمة القاسية التي لم يسبق لها مثيل .
نؤكد لكم أننا في اليمن مع غزة سنستمر في ذلك حتى يستعيد الشعب الفلسطيني ارضه المغتصبة ، ونحن ضد الظلم اينما كان ، ذلك هو عُرفنا نُصرة المظلوم وتلك هي أخلاقنا النبيلة .
وطالما وقد شكلتم تحالفكم المشؤوم ضد اليمن فقرارنا الجمعي هو مواجهتكم إن اعتديتم علينا لتتعلموا من ذلك درسا تطبيقيا لم تعرفوه أبدا في جميع حروبكم على العالم التي بلغت المئات من الحروب في كل القارات خلال القرن الماضي ومطلع القرن الواحد والعشرين .
لقد أخطأتم أيضا هذه المرة خطأ كبيرا وخالفتم قواعد القانون الدولي وفشلتم في تمرير قرار عبر مجلس الأمن يشرعن تحالفكم ضد اليمن . فعدتم لتشكيل حلف دولي خارج الشرعية الدولية ، إنكم بذلك تسقطون شرعية وأساس النظام الدولي المعاصر.
يجب عليكم أن تعودوا إلى رشدكم وإلى الحق المسطور في قوانينكم الدولية ، خاصة وأن اليمن لم يمارس إلا حقاً من حقوقه التي شرعها القانون الدولي والتي تؤكد للجميع أنه في حالة العداء أو حالة الحرب مع دولة أخرى ، فله منع سفنها الحربية بل والمدنية من المرور الآمن أو البريء عبر مياهها البحرية الإقليمية وله أن يوقف السفن التجارية المشتبه بها للتفتيش حتى تلك التي تحمل سلعاً مدنية قد يستفيد منها الطرف الآخر في حربه معها والمهدد لمصالحها ، وفي هذه المسألة هذا الطرف الآخر هو الكيان الصهيوني الذي اخترتم أن تكونوا شركاء له في عدوانه على غزة وأهلها وفي تهديده المستمر الذي لم يتوقف بإعلانه المستمر بشن حرب على اليمن ومياهها الإقليمية ، وقد صرح بذلك كل مسؤولي الكيان الصهيوني بما في ذلك رئيس حكومتهم المجرمة ، وأنتم الآن شركاؤه في حربه وفي جرائمه العنصرية ضد غزة وأبنائها وفي تحالفكم معه ضد أمن اليمن وضد حقوقه السيادية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب وخليج عدن ولن نقبل منكم ذلك وعدوانكم على اليمن ليس له أي مبرر أخلاقي أو قانوني والمبرر الوحيد الذي نعرفه هو أنكم تعملون بكل إصرار فقط على حماية الكيان الصهيوني حتى لو حاربتم العالم ، ولكم مثال في ذلك أن العالم صوت في الجمعية العامة الأمم المتحدة بـ153 صوتا لوقف الحرب في غزة والبعض منكم وهي عدة أصوات صوتوا لصالح استمرار الحرب والبعض منكم أيضا بلع صوته وغادر القاعة .
إنها الحضارة الغربية الأمريكية الصهيونية ذات الطابع الاستعماري لم تتغير ولم تتبدل ، وما يؤكد ذلك هو كيف منعتم مجلس الأمن الدولي من القيام بمهامه الموكلة إليه بحسب ميثاق الأمم المتحدة عندما وقفت أمريكا وحيدة حين استخدمت حق الفيتو لتعطيل قرار يدعو إلى وقف الحرب على غزة .
وأخيراً نقول لكم: العالم يتغير من حولكم ، أعيدوا نظرتكم السادية تجاه شعوب العالم الأخرى .
الأمن والاستقرار والسلام والتنمية بأبعادها الكونية غايات غالية ، اذا عرفنا وسلمنا بأن العالم ليس أمريكا وحلفاءها فقط ، كما أن أمريكا وحلفاءها ليسوا كل العالم .
*عضو مجلس النواب اليمني- أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ـ جامعة صنعاء

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

المؤرخ الأميركي يوجين روغان: الاستعمار سلّح الاستشراق والعثمانيون أولوا الحداثة عربيا

الدوحة- ضيف هذه المقابلة هو البروفيسور يوجين روغان، المؤرخ البارز المعروف بتحليله الدقيق لأحداث الشرق الأوسط في العصر الحديث، وقد حققت كتبه شهرة واسعة في الأوساط الأكاديمية والجماهيرية على حد سواء، ويشغل حاليًا منصب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية سانت أنتوني، جامعة أوكسفورد.

تلقى تعليمه الجامعي في جامعة كولومبيا حيث حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة هارفارد. بدأ مسيرته الأكاديمية بالتدريس في كلية بوسطن وكلية سارة لورانس قبل أن ينتقل إلى جامعة أوكسفورد عام 1991.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما دور الجامعات الإسرائيلية في قتل وتعذيب الفلسطينيين؟list 2 of 2ميلان سفوليك: السلطوية مزيج من القمع واستمالة النخب لضمان السيطرةend of list

وفي كتابه المرجعي “العرب: تاريخ” (The Arabs: A History)، يتتبع تاريخ العالم العربي من العهد العثماني حتى بدايات القرن الـ21، وقد ترجم إلى عدة لغات، و“سقوط العثمانيين: الحرب العظمى في الشرق الأوسط” (The Fall of the Ottomans: The Great War in the Middle East)، الذي يرصد تفاصيل التحولات السياسية والعسكرية في المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى، ويناقش بدايات الصراعات الحديثة فيها، ويعيد النظر في السرديات التقليدية لحرب 1948 في كتاب "الحرب من أجل فلسطين" الذي حرره مع آفي شلايم.

إعلان

عرف عن روغان تأثره بأستاذه الراحل ألبرت حوراني، وهو يتبع منهجًا تاريخيًا دقيقًا يجمع بين التحليل السياسي والاجتماعي. ويُعد من الأصوات الموثوقة في تقديم رؤية تاريخية متزنة للعالم العربي في الغرب، ويقول في إحدى اقتباساته الشهيرة: “العرب يعانون من شعور دائم بالعجز… كأنهم مجرد بيادق صغيرة على رقعة شطرنج عالمية تُلعب في ساحاتهم الخلفية”.

التقيناه على هامش مؤتمر الاستشراق، والذي استضافته العاصمة القطرية يومي 26 و27 أبريل/نيسان 2025، حيث اجتمع فيه نخبة من المفكرين والباحثين والمستشرقين والمستعربين الذين جاؤوا من أقطار العالم المختلفة، بهدف تداول واقع الدراسات الاستشراقية، وتحولاتها التاريخية والمعاصرة، ومواقفها المتجددة من قضايا العصر الملحة، وسيرورة التفاعل المعقد بين الشرق والغرب.

ورغم الانتقادات الواسعة التي وجهت إلى المدرسة الاستشراقية، خصوصا في علاقتها بالإمبريالية الغربية، فإن تيارا جديدا من الباحثين الغربيين سعى لتقديم قراءة أكثر توازنا وإنصافا لتاريخ الشرق الأوسط، ومن بينهم البروفيسور يوجين روغان، الذي يعد اليوم من أبرز المؤرخين المتخصصين في تاريخ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تركيز خاص على التاريخ العثماني المتأخر.

يشغل روغان منصب أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أكسفورد ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بكلية سانت أنتوني، وقد حظيت أبحاثه ومؤلفاته بتقدير كبير في الأوساط الأكاديمية نظرا لدقتها ورؤيتها التحليلية المعمقة.

كتب البروفيسور يوجين روغان (الجزيرة)

وفي حوار للبروفيسور روغان مع الجزيرة نت ينعكس عمق التحول الذي شهده حقل الدراسات الشرق أوسطية في العقود الأخيرة، إذ يوضح كيف انتقل الاستشراق من كونه أداة معرفية مسخرة لخدمة المشاريع الإمبريالية إلى حقل أكثر وعيا بتعقيدات الواقع العربي والإسلامي.

إعلان

كما يفتح النقاش آفاقا جديدة لفهم العلاقة بين الشرق والغرب في عصر العولمة الرقمية، حيث تتداخل المعرفة الأكاديمية مع أدوات الذكاء الاصطناعي والخطابات الشعبية العابرة للحدود. وبينما يؤكد روغان على أهمية إعادة قراءة التاريخ العثماني وتحديات الخطاب الاستشراقي المعاصر، فإنه يقدم نموذجا للمؤرخ الذي يوازن بين الانضباط الأكاديمي والانفتاح على الأسئلة الجديدة التي يفرضها الزمن الراهن، مما يجعل مساهماته ركيزة أساسية في تطوير فهم أكثر إنصافا للشرق الأوسط في سياق عالمي متغير، فإلى الحوار:

ما الذي جذبك شخصيا لدراسة تاريخ الشرق الأوسط؟

لقد جذبني لدراسة الشرق الأوسط تجربتي الحياتية الشخصية. انتقلت للعيش في بيروت عندما كنت في العاشرة من عمري في بداية السبعينيات، وأمضيت بقية سنوات دراستي بين بيروت والقاهرة.

كان الشرق الأوسط في السبعينيات مشحونا أيديولوجيا للغاية، وكانت الأحداث التاريخية والسياسية ديناميكية جدا، بحيث لا أظن أن أي جزء آخر من العالم كان بنفس القدر من الجاذبية بالنسبة لي منذ ذلك الحين.

عندما تقول كلمة مثل "عربي" أو "مسلم"، فإن أي شخص في الغرب سيكون لديه تصورات مسبقة معينة تتبادر إلى ذهنه، ليس بسبب كتب قرأها أو دراسات أجراها، بل بسبب الخطاب الاستشراقي الذي يعيش فيه يوميًا.

كيف ترى مفهوم الاستشراق كما حدده إدوارد سعيد؟

إدوارد سعيد الاستشراق لنا، وما زلنا جميعًا نتجاوب مع هذا المفهوم كما عرضه. وبمعنى ما، الاستشراق كما وصفه سعيد، ليس شيئًا ماديًا، بل هو خطاب. لذلك لا يمكنك تحديده كفيروس أو ميكروب، ولا يمكنك دحضه أيضًا. إنه ديناميكية مستمرة تضيف معرفة جديدة من مصادر متعددة، ليس فقط من أعمال الباحثين، بل مما يُعرض على التلفاز، والصور في الإعلانات، والأخبار اليومية. كل ذلك يسهم في تشكيل الرموز والصور الذهنية التي تمثل جزءا من العالم مثل الشرق الأوسط في المخيلة العامة.

إعلان

لكن بمعنى ما، عرَّف إدوارد سعيد الاستشراق لنا، وما زلنا جميعًا نتجاوب مع هذا المفهوم كما عرضه. وبمعنى ما، الاستشراق كما وصفه سعيد، ليس شيئًا ماديًا، بل هو خطاب. لذلك لا يمكنك تحديده كفيروس أو ميكروب، ولا يمكنك دحضه أيضًا. إنه ديناميكية مستمرة تضيف معرفة جديدة من مصادر متعددة.

فعندما تقول كلمة مثل "عربي" أو "مسلم"، فإن أي شخص في الغرب سيكون لديه تصورات مسبقة معينة تتبادر إلى ذهنه، ليس بسبب كتب قرأها أو دراسات أجراها، بل بسبب الخطاب الاستشراقي الذي يعيش فيه يوميًا. وبمعنى ما، ما زلنا نتعامل مع هذا الخطاب. نحن نعلم أننا لا نستطيع السيطرة عليه، ولا الإطاحة به، لكن يمكننا محاولة إضافة معرفة قائمة على التفاعل المحترم مع المنطقة، وقائمة على دراسة عميقة لمصادرها الخاصة، ونحاول أن نكون أفضل من الدراسات السابقة المتحيزة سياسيًا والمستندة إلى الإمبريالية. وهذا هو هدفنا كباحثين اليوم.

كيف ترى العلاقة بين تخصصك كمؤرخ والدراسات الشرق أوسطية التي تعتبر تخصصا متعدد المجالات، إدوارد سعيد جاء من خلفية الأدب والنقد الأدبي المقارن، لكنك جئت من خلفية ومسار آخر؟

أنا مؤرخ، هذا هو تخصصي، لكنني أيضًا متخصص في دراسات الشرق الأوسط. ودراسات الشرق الأوسط كدراسات مناطقية هي بطبيعتها متعددة التخصصات. ومن هذه الناحية، لم يكن غريبا أن يغوص شخص – مثل إدوارد سعيد، الذي كان ناقدًا أدبيًا- عميقا في تاريخ موضوع دراسات الشرق والاستشراق ويخرج بشيء يحمل طابعًا تاريخيًا وأدبيًا وسوسيولوجيًا/اجتماعيا في منهجيته. هذا هو النهج المعتاد للدراسات المناطقية.

وأنا كمؤرخ أقرأ أيضا في السياسة والأنثروبولوجيا والاقتصاد والأدب والثقافة والدراسات الدينية، وهذه الأمور تثري السرد التاريخي في كتبي لأنها تمنحني منظورا متعدد التخصصات يمكننا من قول المزيد.

ما فعله الاستعمار في القرن الـ19 هو أنه سلَّح الاستشراق ليصبح جسما من الدراسات الثقافية، وجنّده لخدمة مصالح الاستعمار. وقد فعلوا ذلك من خلال أخذ نصوص دراسة المنطقة، التي كانت تُظهر في بعض الحالات أن عصر مجد المنطقة كان في الماضي البعيد، عصر الخلافة الأموية أو العباسية. ومنذ ذلك الحين، كان يُنظر إلى الفترة المعاصرة على أنها حقبة انحدار؛ والحضارة المتدهورة تكون متاحة للاحتلال من قبل حضارة جديدة ديناميكية صاعدة. وبهذه الطريقة، استخدموا الدراسات لتبرير الاستعمار (استخدموا العلم لتبرير الإمبريالية).

إعلان كيف تم توظيف الاستشراق لخدمة الإمبريالية في القرن الـ19؟

ما فعله الاستعمار في القرن الـ19 هو أنه سلَّح الاستشراق ليصبح جسما من الدراسات الثقافية، وجنّده لخدمة مصالح الاستعمار. وقد فعلوا ذلك من خلال أخذ نصوص دراسة المنطقة، التي كانت تُظهر في بعض الحالات أن عصر مجد المنطقة كان في الماضي البعيد، عصر الخلافة الأموية أو العباسية.

ومنذ ذلك الحين، كان يُنظر إلى الفترة المعاصرة على أنها حقبة انحدار؛ والحضارة المتدهورة تكون متاحة للاحتلال من قبل حضارة جديدة ديناميكية صاعدة. وبهذه الطريقة، استخدموا الدراسات لتبرير الاستعمار (استخدموا العلم لتبرير الإمبريالية).

وكثير من هؤلاء العلماء كانوا جزءا من هذا الفكر الذي ميّز العصر الإمبريالي واعتقدوا حقا بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية. لذا لم يكن الأمر مجرد اختطاف لمقاصد العلماء، بل كانوا (العلماء أنفسهم) مقتنعين بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية من خلال دراساتهم. لكن النقطة الأهم أن الاستشراق تم توظيفه واستخدم كسلاح لخدمة هدف الهيمنة على الشعوب الأخرى، وهذه هي سمة مميزة للاستشراق الإمبريالي في القرن الـ19.

عندما حاولت الحركة الصهيونية تبرير مطالبها بفلسطين، استندت إلى تلك التقاليد الاستشراقية التي صورت فلسطين كأرض بلا شعب، وكأنها متخلفة وغير متطورة. واستغلوا علم الآثار والتاريخ لدعم هذا الطرح، وقالوا إنه من الطبيعي أن تركز الصهيونية على فلسطين لأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

كيف تم توظيف الاستشراق في دعم المشروع الصهيوني في فلسطين؟

بالتأكيد، عندما حاولت الحركة الصهيونية تبرير مطالبها بفلسطين، استندت إلى تلك التقاليد الاستشراقية التي صورت فلسطين كأرض بلا شعب، وكأنها متخلفة وغير متطورة. واستغلوا علم الآثار والتاريخ لدعم هذا الطرح، وقالوا إنه من الطبيعي أن تركز الصهيونية على فلسطين لأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

إعلان

والأهم من ذلك أنهم استطاعوا كسب دعم الإمبراطورية البريطانية لهذا المشروع، وهو ما تجسد في وعد بلفور، الذي وضع فلسطين على مسار استعماري خاص، حيث خضعت فلسطين للاستعمار الصهيوني في ظل الهيمنة الإمبريالية البريطانية.

وبلغ الأمر ذروته عام 1948 عندما انسحبت بريطانيا من فلسطين وحاولت الحركة الصهيونية الاستيلاء على الأرض. إذن هناك رابط مباشر بين الإمبريالية المبنية على الاستشراق وبين الطريقة التي برزت بها الصهيونية للاستيلاء على فلسطين عام 1948.

في كتاباتي، حاولت أن أعيد النظر في العلاقة العثمانية-العربية وأبرزت أن العثمانيين كانوا في الحقيقة مفسرين لكثير من أفكار وتكنولوجيات الحداثة في القرن الـ19 في العالم العربي، كما كان الحال في العالم الناطق بالتركية. وأعتقد أن العثمانيين لعبوا دورا مهما في تطوير وتحديث شرق البحر المتوسط بطريقة متميزة عن أوروبا..

كيف ترى تاريخ العثمانيين وعلاقته بالعرب؟

التاريخ العثماني مثير للاهتمام لأنه يمثل حالة من "الاستشراق العربي" تجاه العثمانيين. ومع ظهور القومية العربية في القرن الـ20، كان هناك جهد لرفض الماضي العثماني واعتباره فترة من التخلف المفروض. ولا يزال يُذكر بهذه الطريقة في العالم العربي حتى اليوم.

في كتاباتي، حاولت أن أعيد النظر في العلاقة العثمانية العربية، وأبرزت أن العثمانيين كانوا في الحقيقة مفسرين لكثير من أفكار وتكنولوجيات الحداثة في القرن الـ19 في العالم العربي، كما كان الحال في العالم الناطق بالتركية.

وأعتقد أن العثمانيين لعبوا دورا مهما في تطوير وتحديث شرق البحر المتوسط بطريقة متميزة عن أوروبا. وهناك الآن جهود بحثية جديدة من قبل مؤرخين عرب لإعادة التفكير في الماضي العثماني بهذه الطريقة.

التاريخ العثماني مثير للاهتمام لأنه يمثل حالة من "الاستشراق العربي" تجاه العثمانيين. ومع ظهور القومية العربية في القرن الـ20، كان هناك جهد لرفض الماضي العثماني واعتباره فترة من التخلف المفروض. ولا يزال يُذكر بهذه الطريقة في العالم العربي حتى اليوم.

يوجين روغان: قوة الذكاء الاصطناعي تعتمد على المستخدم والطريقة التي يوجه بها السؤال (شترستوك) ما هو مفهوم "الاستشراق الجديد" في رأيك؟ إعلان

أعتقد أن مفهوم الاستشراق الجديد لا يزال قيد التطوير، وهو فكرة جديدة تعكس القرن الـ21. لقد أصبح من الواضح أن تبادل الأفكار لم يعد يتم عبر الوسائل التقليدية كالكتب والتلفزيون فقط، بل يجري اليوم في عالم رقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي.

وهناك رد فعل صحي في العالم العربي والإسلامي حيث أصبح الناس ينظرون لما يكتبه الغرب عنهم ويقولون: لا، هذا غير صحيح، نحن نعرف أنفسنا أفضل منهم، ويمكننا الكتابة عن أنفسنا بشكل أفضل. وقد أصبح تركيز الكتابة ينتقل من الغرب إلى الشرق الأوسط.

كما لم يعد هناك خط فاصل واضح بين الشرق والغرب، إذ إن تدفق المهاجرين من جنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا وأميركا أدى إلى نشوء مجتمعات عربية ومسلمة كبيرة أصبحت جزءا من ثقافة أوروبا.

والإسلام نفسه يتغير عبر تفاعله في أوروبا وأميركا، وربما تعود بعض هذه التغيرات إلى قلب العالم الإسلامي. وهذه كلها جزء من الاستشراق الجديد، الذي يعيد التفكير في كيفية وصفنا وتفكيك التصورات الخاطئة.

هناك رد فعل صحي في العالم العربي والإسلامي حيث أصبح الناس ينظرون لما يكتبه الغرب عنهم ويقولون: لا، هذا غير صحيح، نحن نعرف أنفسنا أفضل منهم، ويمكننا الكتابة عن أنفسنا بشكل أفضل. وقد أصبح تركيز الكتابة ينتقل من الغرب إلى الشرق الأوسط.

ما هو تأثير الذكاء الاصطناعي في هذا السياق؟

مقاربتي للذكاء الاصطناعي ما زالت نظرية، فأنا باحث من الطراز القديم وأعتمد على الذكاء البشري. لكن ما يهمني هو أن الذكاء الاصطناعي كما نستخدمه اليوم يعتمد على نماذج لغوية ضخمة تستند إلى ملايين الكتب والمقالات التي يتم تحميلها على الخوادم، ثم تُدرّب الخوارزميات لإنتاج إجابات تحاكي طريقة تفكير البشر. وهذا قد يعني أننا سنظل نكرر التصورات الاستشراقية نفسها إلى الأبد، لأن هذه النماذج مبنية على النصوص الاستشراقية نفسها.

إعلان

ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي أداة في يد المستخدم، وما تحصل عليه منه يعتمد على طريقة طرحك للسؤال. فإذا توجهت إلى "تشات جي بي تي" وطلبت منه تفسيرا نيواستشراقيا لقضية ما، فسيعطيك شيئا مختلفا تماما عن تلك التحيزات التقليدية. في النهاية، قوة الذكاء الاصطناعي تعتمد على المستخدم والطريقة التي يوجه بها السؤال.

كلما سألنا الذكاء الصناعي عن الشرق الأوسط أو الإسلام أو مواضيع استشراقية، فإنه يتطور أكثر. ربما لن يقدم نفس الإجابة مرتين، وقد يقترب من إجابات قياسية، لكنه سيستمر في التطور مع كل تفاعل، بطرق لا يمكننا التحكم فيها تماما. لذلك، ما أطلقناه سيكون شيئا لن نستطيع السيطرة عليه بشكل كامل، وسنرى في المستقبل ما إذا كان سيعطينا أدوات تقدم رؤية أكثر تنويرا أم أكثر استشراقية

هل الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتطور فعلا نحو الفهم الأعمق؟

لا يمكننا تدريب الذكاء الاصطناعي إلا بالتكرار، ومع كل طلب نوجهه له، يتطور ليصبح أكثر قدرة على الاستجابة بطريقة تشبه البشر. وكلما سألناه عن الشرق الأوسط أو الإسلام أو مواضيع استشراقية، فإنه يتطور أكثر.

ربما لن يقدم نفس الإجابة مرتين، وقد يقترب من إجابات قياسية، لكنه سيستمر في التطور مع كل تفاعل، بطرق لا يمكننا التحكم فيها تماما. لذلك، ما أطلقناه سيكون شيئا لن نستطيع السيطرة عليه بشكل كامل، وسنرى في المستقبل ما إذا كان سيعطينا أدوات تقدم رؤية أكثر تنويرا أم أكثر استشراقية.

مقالات مشابهة

  • ممثل سلطان عمان: نقدر الدور البناء للرئيس ترامب في اليمن وعودة الملاحة
  • المؤرخ الأميركي يوجين روغان: الاستعمار سلّح الاستشراق والعثمانيون أولوا الحداثة عربيا
  • اليمن يستهدف عمق الكيان بصاروخ للمرة الثانية
  • بعد 52 يوماً من العدوان على اليمن.. ترامب يعترف بشجاعة أنصار الله ويرفع الراية البيضاء
  • بالتنسيق مع واشنطن.. اليمن يوجه ضربة موجعة لشبكات تهريب السلاح للحوثيين
  • تقرير أمريكي: إغراق مدمرة وثلاث سفن إمداد في معركة البحر الأحمر مع اليمن
  • اليمن تُرعب واشنطن ..
  • الاحتلال يتحدث عن صاروخ من اليمن بعد غارات إسرائيلية على الحديدة
  • “الجولاني” يعرض التطبيع مع الكيان الصهيوني
  • الجولاني يعرض التطبيع مع الكيان الصهيوني