التحديات الإماراتية والإيرانية أمام صفقة السلام السعودية في اليمن
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
في الساعات الاولى من مساء أمس السبت، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن عن صيغة غامضة لما أسماها خارطة طريق، توصلت بموجبها الأطراف اليمنية (بتأثير الدور السعودي والعماني) إلى "الالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة"، وسط مؤشرات على أن السعودية ستواجه متاعب كبيرة في طريق إعادة فرض نفوذها على المشهد اليمني عبر الأدوات السياسية.
العناصر التي تشكل مفتتح خارطة الطريق والأرضية التي تنطلق ستشمل: "التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة".
العناصر السابقة هي الصيغة الأوسع لتدابير بناء الثقة التي نُفذ معظمُها مع بدء تطبيق هدنة طويلة بدأت منذ الاول من نيسان/ أبريل 2022، لكنها لم تشمل دفع مرتبات، ولهذا أوضح غروندبيرغ في ذات البيان أنه سيعمل "مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها"، أي أنه ما من خارطة طريق جاهزة. فكما أوضح بيان المبعوث الأممي، فإن خارطة الطريق "ستنشئ آليات للتنفيذ وستُعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة".
جاء إعلان المبعوث الأممي بمثابة إجراء سياسي دعائي مفصول عن المصالح الجوهرية الـ30 مليون يمني الذين أشار إليهم البيان، فهناك رغبة ملحّة من الجانب السعودي وربما من الجانب الأمريكي والوسطاء لتثبيت خطوة ذات جدوى في مسار الأزمة والحرب في اليمن، لتأكيد أن ثمة ضميرا دوليا يتحرك لإنهاء الحرب الطويلة في اليمن، وقد يعطي هذا مؤشرا على أن الضمير الأمريكي وضمير العالم لم يمت بعد، وهذا في تقديري هو التعبير الأكثر وضوحا عن استمرار الرغبة الأمريكية في مكافأة الحوثيين
لقد جاء إعلان المبعوث الأممي بمثابة إجراء سياسي دعائي مفصول عن المصالح الجوهرية الـ30 مليون يمني الذين أشار إليهم البيان، فهناك رغبة ملحّة من الجانب السعودي وربما من الجانب الأمريكي والوسطاء لتثبيت خطوة ذات جدوى في مسار الأزمة والحرب في اليمن، لتأكيد أن ثمة ضميرا دوليا يتحرك لإنهاء الحرب الطويلة في اليمن، وقد يعطي هذا مؤشرا على أن الضمير الأمريكي وضمير العالم لم يمت بعد، وهذا في تقديري هو التعبير الأكثر وضوحا عن استمرار الرغبة الأمريكية في مكافأة الحوثيين ودعم دورهم المدمر للدولة اليمنية.
لا زلت أصر على أن إنجاز الأهداف الأخلاقية للحرب اليمنية، لن يتم عبر استجداء الأشرار وأولئك الذين أفسدوا العملية السياسية الناجحة في اليمن وزجوا باليمنيين في أتون حرب مدمرة، والأمر يتعلق بالأطراف الداخلية كما بالأطراف الخارجية كذلك، إذ لا يُتوقع من أهم ثلاث دول إقليمية أثرت بالأزمة اليمنية، وهي إيران والسعودية والإمارات، وكل واحدة منهما لها مشروعها وطموحاتها وأولوياتها وأهدافها العدائية في اليمن، أن تتفق على اجتراح حل يعيد السلام إلى اليمن.
وفي الآن ذاته لا نتوقع أن تقدم الجماعات المسلحة التي انبثقت من مشاريع معادية للهوية السياسية لليمن ولوحدته الترابية؛ تنازلات تفضي إلى استعادة السلام والاستقرار في اليمن على قاعدة الالتزام الكامل بثوابت الدولة اليمنية والتخلي عن المشاريع السياسية المتصادمة معها.
أكثر من ثمانية أعوام مضت على بدء التدخل العسكري للسعودية في اليمن، والذي لم يعد كذلك بعد أن تحول الدور السعودي إلى ما يشبه الوساطة، وباتت هذه الوساطة هدفا ملحا لقيادة المملكة، لذلك تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى دفع الأطراف اليمنية إلى القبول بخارطة طريق تنتهي بالتوقيع على اتفاق يسدل الستار على الوجه الخارجي للحرب، ويضمن للسعودية الانسحاب من المشهد اليمني موفورة الكرامة مع سيل متوقعٍ من الإشادات بإنجاز اتفاق السلام، وهو أمر يسمح به قاموس النفاق الدولي على كل حال.
أمام الجهود الأممية ومن خلفها السعودية تحديات حقيقية، ومنها شرط الانفصال الذي يضعه المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وتمسك الحوثيين المدعومين من إيران بصيغة الحكم التي تضع زعيمهم مرجعية مطلقة للدولة، وهما مشروعان لا يلتقيان مع هدف خارطة الطريق المحتكمة إلى مرجعيات معتبرة ومنها قرارات مجلس الأمن.
يجب أن تخجل الرياض من الاعتراف بأنها تخضع بشكل غير مسبوق لتحديات تطال سياساتها المتصلة باليمن، بسبب تزايد الدور العسكري والسياسي لكل من إيران والإمارات ولأدواتهما على هذه الساحة، وأنها بالفعل مضطرة إلى ممارسة السياسة والسياسة فقط للإبقاء على نفوذها على الساحة اليمنية
لن يكون موقف الانتقالي والحوثين سببا في استمرار خيار الحرب، ولكنه سيستمر في تحويل ملايين اليمنيين ممن يرفضون مشروع الحوثيين ويرفضون الانفصال ويصرون على استعادة دولتهم؛ إلى عالقين بين المشروع الانفصالي والمشروع الحوثي الإمامي الكهنوتي البغيض، بكل ما تعنيه كلمة "عالقين" من معنى. وسيترتب على فرض شرط الانفصال تقويضٌ تلقائيٌ للسلطة الشرعية التي تمثل رمزية مهمة للدولة اليمنية.
الإمارات تسعى وبقوة إلى تأمين البنية التحتية المؤسسية للدولة الانفصالية تحت مظلة سلطة شرعية ضعيفة ومرتعشة وخاضعة بالكامل لكل من الرياض وأبو ظبي. ومع ذلك فإن أخطر ما تواجهه الرياض هو تحدي خروج المجلس الانتقالي من تحت سيطرتها ليصبح أحد الأدوات المهمة للهيمنة الإماراتية في جنوب اليمن، إلى حد تحولت بسببه الإمارات إلى مكافئ إقليمي لإيران التي تمارس نفوذا كبيرا على الساحة اليمنية بسبب علاقاتها القوية والمتينة مع جماعة الحوثي.
لا يجب أن تخجل الرياض من الاعتراف بأنها تخضع بشكل غير مسبوق لتحديات تطال سياساتها المتصلة باليمن، بسبب تزايد الدور العسكري والسياسي لكل من إيران والإمارات ولأدواتهما على هذه الساحة، وأنها بالفعل مضطرة إلى ممارسة السياسة والسياسة فقط للإبقاء على نفوذها على الساحة اليمنية؛ الذي لطالما احتفظت به بشكل كبير جدا خلال العقود الستة الماضية وأكدت من خلاله قدرتها على التحكم بالقوة الجيوسياسية لليمن.
twitter.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن السعودية خارطة الطريق الحوثيين السعودية اليمن خارطة الطريق الحوثيين سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المبعوث الأممی خارطة طریق من الجانب فی الیمن على أن
إقرأ أيضاً:
إعلامي سعودي: السعودية ترفض استنساخ نموذج الحوثي في شرق اليمن والانتقالي يتحمل المسؤولية
قال الإعلامي السعودي زيد كمي نائب المدير العام لقناتي العربية والحدث إن التحركات الأحادية التي نفذها المجلس الانتقالي في حضرموت قبل أيام محاولة لخلف واقع يتجاوز المجتمع المحلي وتوازناته ويتجاهل الطبيعة الخاصة بهذه المنطقة، التي طالما حافظت على مسافة سياسية عن مراكز التوتر.
واعتبر كمي في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط بعنوان "ماذا يجري في حضرموت" إن تلك التطورات تفسر الحزمَ الذي أظهرته السعودية في بيانها، واعلانها بوضوح رفضها القاطع لسيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت، وعدّت ذلك خرقاً مباشراً للمرحلة الانتقالية وتقويضاً لسلطة الحكومة الشرعية، ومحاولة تستدعي مواجهةً سياسية لا تُبنَى على منطق السلاح.
وقال الكاتب إن ما يجرِي في حضرموتَ اليومَ لا يمكنُ قراءتُه بمعزلٍ عن تاريخٍ طويلٍ من التشكّل السّياسي والاجتماعي في جنوب اليمن، وأن جنوب اليمن لم يكن يوماً كتلةً سياسية واحدة، بل فضاءٌ واسع من الشَّبكات المحلية والولاءات والمراكزِ المتعددة، معتبرا هذه الخلفية تجعلُ أيَّ محاولةٍ لفرض السَّيطرة عَنْوَةً على محافظةٍ بحجم حضرموتَ مجردَ اصطدامٍ بتاريخ لا يقبل الهيمنةَ المفاجئةَ ولا التحولات القسريَّة.
وأكد أن الموقف السعودي وإصراره على إخراج قوات درع الوطن ليس مجرد إجراءٍ عسكري، بل محاولةٌ لقطع الطّريق أمام تكرار نماذجِ انفلاتٍ مشابهة شهدها اليمنُ خلالَ العقد الماضي، ولمنعِ انزلاقِ حضرموتَ إلى فوضَى لا طاقة لها بها.
وقال إن اختزالَ القضية الجنوبية في شخصٍ أو فصيل واحد لا ينسجم مع تاريخِ الجنوب ولا مع طموحاتِ شعبه، والقضية ـ كما تراها الرياض ـ تخصُّ أبناءَ الجنوب بكلّ تنوّعهم، ومن غيرِ المقبول تحويلُها إلى ذريعةٍ لفرض السّيطرةِ أو تغيير الوقائعِ بالقوة.
وحمل الكاتب السعودي المجلس الانتقالي مسؤوليةَ التجاوزات التي ارتكبتها قواتُه خلالَ الأيام الماضية في حضرموت، وما حدثَ من اعتقالات أو إخفاء قسري ونهبٍ وإخلاء للمنازل بالقوة، وقال بأنها أفعالٌ مقلقة وتتقاطع مع ممارساتِ جماعة الحوثي، ما يجعلُ رفضَ الرياض قاطعاً لأي محاولة لاستنساخِ هذا النموذج في الجنوب أو الشرق.
واعتبر كمي ما حدثَ في حضرموتَ ليس مجردَ تنازعٍ على السيطرة، بل اختبارٌ حقيقي لمدى قدرةِ اليمنيين على احترام رواسب تاريخهم، ولقدرتهم على بناءِ استقرار لا يقوم على فرض القوة، والعمل على منع تكرار أخطاء الماضي، وإعادة اليمن إلى مسار سياسي يضمن للجميع شراكةً عادلةً تحفظ الأمنَ، وتعيد رسمَ مستقبلٍ لا مكان فيه للمغامراتِ العسكريةِ ولا لمحاولات إعادةِ هندسةِ الجغرافيا السياسية عَنوَةً.