متلازمة الجهل والتدليس وفساد المنطق في الصراع السياسي:
من أغبى الممارسات وأكثرها جهلا وفسادا أخلاقيا وأثارة للشفقة فكريا في النقاش العام هو اللجوء إلى الإرهاب بتصنيف الخصم الفكري بدلا من مناقشة وتفنيد حجته.

في نقاش ذكي ومستنير، لا يمكنك الفوز في جدال بوصف خصمك بأنه شيوعي أو إخواني أو سلفي أو ما بعد حداثي أو أنصاري أو سنبلي.

. يجب أن تفوز فقط بإثبات أن لديك حجة أفضل وأكثر اتساقًا مع الحقائق والمنطق. إن تصنيف أعدائك بأسماء، بدلاً من إثبات خطأ تحليلهم، هي خدعة من خدع العقل المعاق والضمير الميت .

والأسوأ من ذلك القول بأن الشخص بالضرورة إخواني لمجرد تقاطع موقفه مع موقف الإخوان وهذه حالة شديدة من الغباء وعدم الأمانة لا يمكن وصفها بكلمات مهذبة.

في تسعينات القرن رفضت لجوء المعارضة للعمل المسلح ضد نظام الأخوان وقلت أن هذه أكبر حماقة ترتكبها الحركة السيسية السودانية ولن تنتهي علي خير. فسارع دعاة العمل المسلح لاطلاق لقب كوز علي. والان نفس المجموعات التي ناصرت العمل المسلح تدعي حب السلام وتطلق علي لقب كوز فقط لرفضي لفقه الجنجويد وحلفهم الذي يخجل من اعلان نفسه. رغم أني لم أدعو لكوزنة أو لحرب أو لبل ولا في جملة واحدة في يوم في حياتي وها أنا ذا مع الغرابا في تهني وغاية إنسجام. .

الإنسان الحر يفكر بنفسه، ويقرر بناء على قيمه وحقائق الأمر. ولا يهمه موقف الإخوان أو الشيوعي أو مريم. إذا حدث أن أي مجموعة أخرى لديها موقف مماثل حول مسألة معينة فان ذلك لا يثبت أنه جزء من تلك المجموعة. أما الملتاث المطلساتى العاجز عن التفكير الحر فانه ينظر أين تقف جهة أبلسها ليتخذ موقفا مغايرا لا يسنده منطق ولا أخلاق.

إن القول بأن شخصًا ما هو من الإخوان لتبني الإخوان وجهة نظر مماثلة حول قضية ضيقة ومحددة عبارة عن تفكير غبي للغاية وغير أمين. إذا استخدمت طريقة التفكير اللا-منطقية الغبية هذه، فيمكنك إثبات أي شيء تريد إثباته. على سبيل المثال، إذا كان الإخوان يعتقدون أن واحد زائد واحد يساوي اثنين، فيمكنني أن أتهمك بأنك مكوز لأنك تتبنى نفس الاعتقاد. ويمكنني أيضًا أن أثبت أنك إخواني لأنك تؤمن مع الإخوان بالله ورسول الإسلام وهذه مساحة واسعة جدا تجمعك معهم.

وتزداد الوقاحة بملاحظة أنك عملت في أو دافعت عن حكومة انتقالية علي راسها جنرالات اللجنة الأمنية لنظام البشير وتتماهي مع قحت بها كيزان المؤتمر الشعبي – كمال عمر – ومراغنة خدموا في نظام الأخوان إلي يوم سقوطه. يا لوقاحتك وانت تعمل مع الأخوان ثم تتهمني بمناصرتهم بدون دليل.

منذ تسعينات القرن الماضي وطوال عمري كنت ضد العمل المسلح وضد الميليشيات من الحركة الشعبية إلي الدعم السريع مروروا بحركات دارفور. وفي ذلك الوقت تبنت معظم الأحزاب الممثلة في التجمع الوطني العمل المسلح والتف حوله المثقفون والناشطون، ولكني تمسكت برفض العمل المسلح وقلت أنه يعني نهاية السياسة وان الغلبة فيه للأكثر عمالة واكثر دموية فاتهمني دعاة الحرب حينها بميول إخوانية. . وقد كان. والان الذين مارسوا أو طبلوا للعمل المسلح ضد نظام البشير يدعون السلمية ويتهموني بالكوزنة لمجرد رفضي للخطاب الحلف الجنجويدي.

فلو رفض الأخوان اليوم الدعم السريع فان الأمانة تقتضي اتهامهم بالأقرعة لا أن تتهمني بالأخونة لرفضي المليشيات كما ظل موقفي منذ القرن السابق وقبل ميلاد الجنجويد الذين تعول عليهم.

وإذا كان منطقك يعتمد على إثبات أنني إخواني بدليل تلاقي صدفة حول قضية محددة، مثل اعتقادي بأن الجنجويد وتحالف الجنجويد يفتقران تمامًا إلى الشرعية والمشروعية ، فيمكنك إثبات أشياء أخرى كثيرة عني. على سبيل المثال، يمكنك إثبات أنني مسلم، ملحد، مضاد للإلحاد، صوفي، سلفي، تجاني، إدريسي، ماركسي، وجودي، ريكاردي، غرامشي، ستاليني، رأسمالي، متغرب، مناهض للغرب، نيوليبرالي، ماوي، أنصاري، بوذي، ود شاطوطي قرنقي، وضعي، شيعي، سني، مهرطق، محمودي، وهكذا. ويمكنك أن تثبت أن نورمان فنكستين ونعوم شومسكي من الأخوان وان ميشيل فوكو كان من الشيعة الأثني عشرية وربما كان ماركس شخصيا كان أنصاري من أنصار محمد أحمد المهدي.

ومن الواضح أنني لا أستطيع أن أنتمي إلى كل هذه المجموعات لمجرد أنني أتفق معهم في نقطة واحدة محددة. إذن القصة بأكملها هي أنك مزيج قذر من الغباء والجهل وعدم الأمانة.
ويمكنني أن أثبت نفس الصفات عليك أيها الجاهل المدلس.

معتصم اقرع

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

من يقاوم الجنجويد ويدعم دولته ضد الغزاة، يحق له نقد الجيش نقدا عادلا لا يخلو من وعي إستراتيجي

تناقضات تفتقد الحشمة:
في هذه الحرب فقد الكثير من المعلقين الحشمة والحياء. خذ علي مثال من يوفرون كل سلاحهم الكلامي لطعن الجيش من خلف وأمام وهو يقاوم في غزو أجنبي معية ميليشيا متوحشة. هؤلاء هم نفسم المسرعين بإدانة الجيش عند سقوط مدينة أو حلة في يد الجنجويد والأعلي نباحا عن فشل الجيش في حماية المواطن. مشكلة هؤلاء إنهم لا يرون التناقض في قولهم فهم قد صاروا “جمل لا يري عوج رقبتو.”

لاحظ إن إدانة الجيش علي فشل الحماية تعني أن هؤلاء يؤمنون:
– أن الجنجويد خطر علي المواطن.
– أن واجب الجيش توفير الحماية للمواطن.
النقطتان أعلاه هو المنطق الضمني ولكنه صريح الذي يرتكز عليه هؤلاء. ولكن هذا المنطق له مستحقاته الأخلاقية التي يهرب منها أصحابه.

فلو كان الجنجويد خطرا علي المواطن، من واجب هؤلاء أيضا مقاومتهم ما تيسر لهم ولكنهم لا يفعلون ولا بتويتة من الغرف الامنة في المهاجر ويوفرون كل نبالهم لضرب الدولة وجيشها.
المستحق الثاني للمنطق المخاتل هو أن أهله لو كانوا حقا يؤمنون بان من واجب هذا الجيش حماية المواطن فعليهم مساعدته في القيام بواجبه وألا يتركوه وحيدا في التصدي للغزاة ليقدم الشهداء والسهر ويقدمون التريقة والطعن من خلف وأمام بما يفيد المليشيا والغزاة عمليا حتي لو إدعوا حيادا هم أول من يعرف فساده. حماية الوطن من الغزاة وهمجية ميليشيا الإستعباد الجنسي واجب الجميع وليس الجيش وحده.

في الجانب الآخر، من يقاوم الجنجويد ويدعم دولته ضد الغزاة، يحق له نقد الجيش نقدا عادلا لا يخلو من وعي إستراتيجي بهدف تحسين الاداء. نقد يدرك أن هؤلاء الجند والضباط ليسوا روبوتات ولا رقيقا أعطاناه الرب ليموتوا نيابة عنا ونطعنهم بفلسفة وحذلقة أشد إجراما من بندق الجنجويد ثم نبصق علي تضحياتهم ونحن رقاد في المهاجر علي مؤخرات تفوقنا الأخلاقي المدني الديمقراطي العميل.
معتصم اقرع معتصم اقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • عاجل : مصادر دبلوماسية تكشف عن بنود سرية لإتفاق واشنطن مع الحوثيبن .. أبرزها  تسليم مليشيا الحوثي لأسلحتهم والانخراط في العمل السياسي..  تفاصيل
  • الشعب يرفض وصول المسيرات الصينية إلى الجنجويد ويعتبر الصين مسئولة عن ذلك
  • متلازمة غزة.. اضطرابات ما بعد الصدمة تضرب إسرائيل وجنودها
  • كان منزلنا في قلب الحصار الذي فرضته مليشيا الجنجويد، المدججة بالأسلحة والمركبات
  • حظر الأردن لجماعة الإخوان المسلمين.. وانعكاس ذلك على مسار الإصلاح السياسي
  • من يقاوم الجنجويد ويدعم دولته ضد الغزاة، يحق له نقد الجيش نقدا عادلا لا يخلو من وعي إستراتيجي
  • تأجيل إعادة محاكمة نائب إخواني و3 آخرين في قضية اقتحام مركز شرطة العدوة
  • ثني أصابع اليدين بسهولة قد ينذر بمشكلة خطيرة في الرئة!
  • ارتفاعُ حصيلة القتلى في الصراع المسلح بين الهند وباكستان
  • تكسير طموح الموظفين سلوك شائع داخل بيئة العمل.. معلومات لا تعرفها عن متلازمة المدير