لجريدة عمان:
2025-06-27@16:55:20 GMT

هوامش ومتون :أشخاص بلا أعمار!

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

تملي علينا الأيام الأخيرة من كلّ عام مراجعات نجدها ضروريّة، حيث ينتصب الزمن على امتداد قامته، لكي يُشعرنا أنه ماض إلى الأمام، تلك المراجعات لا تتوقّف عند العام الذي يلفظ هذه الأيام أنفاسه الأخيرة، بل يتجاوز ذلك إلى الأعوام السابقة، بل والعقود المنصرمة، وفي تلك المراجعات نعثر على صور قديمة، وأشخاص، ومواقف، قد تعود إلى عقود كما حدث معي قبل أيام في بغداد، التي فيها للماضي ملاذات، جعلتني أردّد مع أحمد شوقي قوله: كلما جئتك.

. راجعتُ الصبا فأبتْ أيامه أن ترجعا قد يهون العمر إلا ساعة وتهون الأرض إلا موضعا ففيها تتفتح الذاكرة، وتدبّ الحياة في الماضي، الذي عشناه فتجود علينا بما خبّأت لنا في جعبتها، وهكذا جادت عليّ بغداد بذكرى قديمة، لطلاب يجلسون في فصل دراسي، كان مكتظا بالأحلام، والحماس، والنشاط، رغم كراسيه المتهالكة، ونوافذه المفتوحة لكلّ الاحتمالات على مدار العام الدراسي، حدث ذلك بينما كنت أهمّ بالخروج من مطعم يسترخي على ضفاف نهر دجلة، إذا بالكاتب والمخرج عمران التميمي يستوقفني، وهو من أصدقاء الدراسة الثانوية، إذ درسنا معا في ثانوية (التأميم) بمدينة الحرية، وعزّز علاقتنا اشتراكنا في مهرجانات شعرية طلابية، وتردّدنا على العروض المسرحيّة الطلابية التي كانت تقام في معهد وكليّة الفنون الجميلة كمشروعات تخرّج، فحفر لقاؤنا أرضيّة تلك الذكريات العزيزة، في سنوات التكوّن، والتشكّل الثقافي، جذبته إليّ ولسان حالي يردّد مقطعا للشاعرة الروسية مارينا تسفيتايفا علق في ذهني استللته من إحدى قصائدها: «تعال يا صديقي ادخل دون أن تطرق لا يوجد باب لصداقتنا» كانت أبواب الماضي مفتوحة، وكذلك القلب، وبسرعة خاطفة أخذني من يدي إلى طاولة طويلة يجلس عليها مجموعة من الأشخاص الستّينيين، وعلى رأس الطاولة يجلس رجل أشيب ثمانيني، هادئ الملامح، وقال التميمي: جئت في الوقت المناسب، فمعنا اليوم لقاء شهري لمن تبقّى من زملائنا في إعدادية (التأميم)، مع الفاضل طه المشهداني، أستاذ مادّة الكيمياء.

يا لعجلة الأيّام ! كم هي سريعة ! هكذا تبدو لمن ينظر إليها من خارجها.

لقد أعادني ذلك المشهد إلى سنوات بعيدة خلت، وحين تصفحت الوجوه لم أتذكر غير صور قديمة تعود إلى ما قبل أكثر من أربعين سنة، لكن الحميميّة التي قوبلت بها، سكبت قطرات ندى باردة على الذاكرة فأنعشتها، وفي المقابل أحسست بوطأة الزمن، تذكرت الانطباع الذي نقله لي الصديق الشاعر الراحل كريم العراقي عندما زار مدينة صباه بعد سنوات فراق طويلة والتقى أصدقاء الدراسة، ولاحظ أن الشيب قد غزا وجوههم وأذقانهم، والبعض كان يتكئ على عصا، قال لي «في تلك اللحظة شعرت أنني كبرت، وأن حكم الزمن يسري على الجميع دون استثناءات للشعراء وسواهم» أصدقاء الماضي مرايا عاكسة لوجوهنا، يقول المثل «خير مرآة صديق قديم»، وها هي المرايا كلها مجتمعة تشهد أن الزمن قال كلمته الفصل، وإن حاولنا مراوغته، بالتحسينات والأصباغ، محاولين نسيان سلالم الأعمار، يقول الكاتب الفرنسي ميلان كونديرا «جميعنا في جزء ما من أنفسنا نعيش وراء الزمن.. ربما لا نعي أعمارنا إلا في لحظات استثنائية؛ لأننا معظم الوقت أشخاص بلا أعمار!» وتلك هي اللحظات الاستثنائية التي تباغتنا فجأة وتجعلنا نعود إلى الوراء، لا لنجلس في الماضي، بل لننطلق بقوة إلى المستقبل، فرغم كل الأزمات التي تحيط بالعالم علينا أن نفتح ذراعينا للحياة، تقول الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا «هذا العالم المريع لا يخلو من مفاتن لا يخلو من صباحات تستحق أن نستيقظ من أجلها»، لاسيما ونحن في استقبال عام جديد.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من الهجرة إلى النهضة .. قراءة في كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي لإعادة بناء الوعي

يمانيون / تحليل / خاص

في معرض كلمته بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية ، يستحضر السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) الهجرة النبوية الشريفة كمحطة عظيمة لها دلالاتها العميقة والراسخة في وجدان الأمة الإسلامية، وفي هذا السياق يؤكد السيد القائد على أهمية هذه المناسبة في استنهاض الوعي، وتصحيح المسار، واستثمار الزمن فيما يعود بالخير على الأمة أفراداً وجماعات.

الوعي بالهدف واستثمار الزمن 

يؤكد السيد القائد أن قدوم عام هجري جديد لا ينبغي أن يمر كحدث تقليدي، بل هو لحظة توقف وتفكر، تعيد للأذهان سؤال الغاية من الوجود الإنساني في هذه الحياة، وتذكرنا بمسؤوليتنا في استثمار أعمارنا فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة. فالهجرة النبوية لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل كانت خطة استراتيجية موفقة لتأسيس كيان الأمة على أساس من الإيمان والعمل والبذل والتضحية، ما يجعل من ذكرى الهجرة مناسبة لليقظة الفكرية والنفسية.

الزمن والهوية والمسؤولية

يلفت السيد القائد إلى أن نهاية عام وبداية عام جديد فرصة ثمينة لمراجعة الذات على مستوى الأفراد والمجتمعات والأمة ككل ، لإنها مناسبة تدفعنا إلى إدراك قيمة الوقت الذي نعيشه، وعدم هدره فيما لا ينفع. ويشير إلى واقع مؤسف يسود بين المسلمين اليوم، حيث يضيع الزمن بلا إنجاز، وتُهدر الطاقات في اللهو، بل وفي كثير من الأحيان في ارتكاب المعاصي، بما يمثل خدمة للباطل وإضراراً بالإنسان نفسه وبأمته.

انفصام في الاهتمامات والأولويات

من أبرز الإشكاليات التي يبرزها السيد القائد هي حالة الضياع التي يعيشها كثير من المسلمين في سلم أولوياتهم واهتماماتهم، حيث تُغلب الأمور الجزئية على القضايا الكبرى. فبدلاً من التركيز على مواجهة التحديات المصيرية، ينشغل كثيرون بقضايا هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع. وهنا تبرز الخطة الممنهجة التي يقودها الأعداء لتشتيت الأمة وإغراقها في دوامة الاهتمامات الثانوية على حساب الأهداف المصيرية.

المفارقة مع الأمم الأخرى

يقارن السيد القائد بين واقع المسلمين والأمم الأخرى التي نهضت وحققت التقدم والإنجاز، لأنها أدركت قيمة الزمن، وجعلت منه معياراً للإنجاز العملي. فالبلدان المتقدمة تضع خططها على أساس دقيق، وتسعى إلى استغلال الوقت أقصى استغلال، وتُقيم أداءها بناءً على تحقيق أهداف ملموسة، بينما تمضي العقود على كثير من شعوب المسلمين وهي عالقة في أزمات صنعتها هندسة العدو.

الهوية الإسلامية والتقويم الهجري

ينبه السيد القائد إلى خطورة تخلي المسلمين عن هويتهم الرمزية والدينية، ومن ذلك تهميشهم للتقويم الهجري الذي يعبر عن ذاكرة الأمة وتاريخها، ويشكل جزءاً لا يتجزأ من كينونتها الحضارية، فقد بات كثير من المسلمين يعتمدون التقويم الميلادي حتى في عباداتهم ومناسباتهم الدينية، ما يعكس حالة من الاغتراب الذاتي، وضعف الارتباط بتاريخ الأمة النبوي.

الدعوة إلى تقييم الذات والمسار

في ظل هذه الظروف، ومع مطلع عام هجري جديد، يدعو السيد القائد حفظه الله إلى لحظة تقييم حقيقية على المستويات كافة: الشخصي، المجتمعي، والوطني. فالأمة بحاجة إلى يقظة عميقة تعيد ترتيب الأولويات، وتصحح مسارها، وتستحضر قيم الهجرة في الوعي والعمل والتنظيم والنهضة.

العودة إلى الهجرة كمحطة إلهام

رسالة السيد القائد ليست مجرد تأمل في حدث تاريخي، بل هي دعوة إلى عودة روحية وفكرية ومنهجية إلى الهجرة النبوية كقصة تحوّل كبرى. الهجرة تعلمنا أن التحول لا يكون إلا بالتخطيط والإرادة والتضحية، وأن الأمة التي تضيع وقتها ستظل تدور في دوامة التبعية والشتات، في حين أن الأمة التي تعي قيمة الوقت، وتحدد أولوياتها، وتربط حاضرها بجذورها، قادرة على مواجهة التحديات، وتحقيق النهوض الحقيقي.

مقالات مشابهة

  • بالصور... إنهيار مدرسة قديمة
  • الزمالك يسابق الزمن لحسم ملف تجديد عقد عبد الله السعيد.. والبديل تحت السن جاهز
  • «زايد الإنسانية» تستضيف محاضرة «ازرع الإمارات»
  • «زايد الإنسانية» تستضيف مـحــاضــرة «ازرع الإمــارات»
  • من الهجرة إلى النهضة .. قراءة في كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي لإعادة بناء الوعي
  • العثور على مسيّرة قديمة في أعالي جبال عكار
  • تجاعيدُ النصِّ المسرحيّ
  • البلوجر أم مكة تتهم أشخاصًا بالإعتداء عليها في شبرا الخيمة.. وهذه عقوبة المتهمين
  • قصة 4 أشخاص قتلوا ابن عمهم بسبب خلافات قديمة فى البدرشين
  • 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكسر حاجز الزمن