سلوك الفرد والمجتمع تجاه الحق العام
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
لا شكَّ أن سلوك الشخص يعكس مدى ثقافته، ومدى أخلاقه، ومدى تربيته، ومدى حضارته، وكذلك سلوك الأمم والشعوب يعكس مدى قيمها وتحضرها، بل إن سلوك الشخص يعكس مدى إيمانه بوطنه، وإيمانه بربه، لأنه لو راقب الله عز وجل حق المراقبة لانضبط سلوكه وتصرفه، وقد قال أحد المفكرين الحكماء: من الصعب بل ربما كان من المستبعد أو المستحيل أن نجعل لكل إنسان جنديًّا أو شرطيًّا أو حارسًا يحرسه، وحتى لو جعلنا لكل شخص حارسًا أو جنديًّا أو شرطيًّا يحرسه، ولكن من السهل أن نُربي في كل إنسان ضميرًا حيًّا ينبض بالحق ويدفع إليه، راقبناه أم لم نراقبه، لأنه يُراقَب ممن لا تأخذه سنة ولا نوم، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»، وحيث يقول (عز وجل): «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ»، ويقول سبحانه على لسان لقمان عليه السلام فى وصيته لابنه: «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ «، ويقول سبحانه: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ», ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «ثَلاثٌ كَفَّارَاتٌ وَثَلاثٌ دَرَجَاتٌ وَثَلاثٌ مُنْجِيَاتٌ وَثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ ثَلاثٌ كَفَّارَاتٌ وَثَلاثٌ دَرَجَاتٌ وَثَلاثٌ مُنْجِيَاتٌ وَثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ, فَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، وَنَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ، وَالصَّلاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ».
ومن أهم السلوكيات التي ينبغي أن نُركز عليها هو التمييز بين السلوك الإيجابي والسلوك السلبي تجاه الحق العام، والشأن العام، والمال العام، ففي جانب السلوك الإيجابي الذي يؤكده الإسلام ويُرشدنا ويحثنا عليه خير الأنام سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) إماطة الأذى عن الطريق، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»، وعندما سأل رجل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن عمل يُدخله الجنة قائلاً يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ (صلى الله عليه وسلم): «أَمِطِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» على أن إماطة الأذى عن الطريق لا تتوقف عند مجرد رفع حجر هنا أوهناك عنه، وإن كان ذلك أمرًا مشروعًا ومطلوبًا وجيدًا، ولا يٌستهان أو يٌستخف به، إنما حق الطريق أبعد من ذلك، وأول حقوقه عدم الاعتداء عليه، أو الإجحاف به، أو عدم الوفاء بحقه، فقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه يومًا: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَقَالُوا : مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ»، على عكس السلوك السلبي الذي قد يتمثل في الاعتداء على المساحة المخصصة للطريق سواء بالبناء أم بالإشغال أم بالإزعاج أم بالخروج على الآداب العامة، ويلحق بالطريق في ضرورة إعطائه حقه والمحافظة عليه كل ما في حكمه من مسارات السكة الحديد، ومترو الأنفاق، وخطوط المياه، والغاز، والكهرباء، وسائر المرافق العامة.
وكذلك السلوك تجاه المال العام الذي هو مال الله، ومال الأمة، ومال الوطن، ومال المواطنين، حيث يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» .
على أن حُرمة المال العام أشد من المال الخاص، فإذا كان للمال الخاص صاحب يدافع عنه ويطالب به في الدنيا والآخرة، فإن المال العام الذي هو حق للمجتمع كله قد يترتب على ضياعه جوع يتيم، أو وفاة مريض، أو فوت مصلحة عامة للوطن، يؤثر ضياعها على أفراد المجتمع كله، مما يجعلهم جميعًا خصومًا لمن اعتدى عليه سواء في الدنيا أم «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».
وزير الأوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أ د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف صلى الله علیه وسلم المال العام ف ی الس
إقرأ أيضاً:
سبب دخول والد البنات الجنة .. الإفتاء توضح
عندي أربعة بنات وربيتهم أحسن تربية وتعليمهن عالي وزوجتهن جميعا، هل أثاب على ذلك؟ سؤال ورد الى دار الإفتاء المصرية.
وأجاب عن السؤال الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وقال: نعم لك الثواب من الله عز وجل ويكون ذلك العمل سببا في دخولك الجنة بإحسانك وتربيتك لهن.
سبب دخول والد البنات الجنة
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "من كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَوْ ثِنْتَانِ فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَوْ وَاحِدَةٌ".
وتابع خلال فيديو مسجل له عبر قناة الإفتاء على اليوتيوب: ان الشخص الذي لديه ابنتان وقام بتربيتهما حتى يبلغا، يدخلاه الجنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا ، وضم أصابعه".
إنجاب البنات والجنة
فنّد مجمع البحوث الإسلامية، مسألة تشغل بال بعض الناس وهو "أن بعض الناس ينتابه الهم والحزن عندما يرزقه الله عز وجل بالبنات ويقول (البنات هم للممات).
وأجاب المجمع في منشوراته الإلكترونية ضمن حملة افهم صح، أن هذا الفعل وهذا المثل يدل على جهل صاحبه، فالبنات سبب من أسباب دخول الجنة فنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهِنَّ، وَضَرَّائِهِنَّ، وَسَرَّائِهِنَّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ "، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَوِ اثِنْتَانِ"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَوْ وَاحِدَةٌ".وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ».
وأشار إلى أن الله هو الذي وهب الأنثى، وليس الذكر، الذي تريده أم السيدة مريم كالأنثى التي رزقها الله بها، فهذه رسالة للرجال الذين يعترضون على الأنثى لأنها هبة من الله.
واستشهد بقوله تعالى "لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ".