حزب الله... لا جديد رئاسيا ما لم تنتهِ مأساة غزة
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
يراهن البعض على بعض المتغيّرات في الملف الرئاسي. ويستندون في توقعاتهم هذا على ما يلتقطونه من إشارات خارجية خجولة ليبرّروا تفاؤلهم غير الواقعي. حتى أنهم يذهبون في تقديراتهم إلى تحديد شهر شباط كحدّ أقصى لإنهاء الشغور الرئاسي. ولكن ما بين التمنيات، وهي ضرورية، وما بين الواقع، وهو مخيّب للآمال، بونًا شاسعًا.
فقراءة الواقع بكل ما فيه من احباطات تفرض على جميع المتعاطين بتحديد المواعيد المنتظرة للانتخابات الرئاسية أن تكون لديهم رؤية واضحة عمّا يجري في المنطقة، سواء في قطاع غزة والضفة الغربية أو في جنوب لبنان، خصوصًا أن ردّ "حزب الله" على ما تتعرّض له غزة من عدوان متواصل يقابله قصف وغارات على القرى الحدودية على طول الخطّ الأزرق بوتيرة متصاعدة بما ينذر بما هو أسوأ، وبما يخشاه الذين لا يزالون يضغطون في اتجاه ابعاد كأس الحرب الشاملة عن كل لبنان، من جنوبه إلى شماله، ومن بقاعه إلى ساحله ومرورًا بجبله.
وهذه القراءة لواقع لا يتمناه أحد تفرض جمودًا في الحركة السياسية، التي لم ترقَ بعد إلى مستوى إزالة "الدبش" من على طريق بعبدا، وتقليع ما نبت على جوانبها من أشواك. فالاستحقاق الرئاسي موضوع في ثلاجة الانتظار إلى أجل غير مسمّى، أقّله ليس قبل أن ينقشع غبار الحرب في غزة المتألمة والموجوعة.
يسأل بعض اللبنانيين، وقد يكون في ما يسألون بعض من سذاجة: ما يمنع عدم تكرار توافق الذين مدّدوا لقائد الجيش ولسائر القادة الأمنيين في جلسة تميزّت بالسلاسة والمرونة السياسية من قِبل كل الأطراف، باستثناء نواب "التيار الوطني الحر"، والذهاب إلى جلسات انتخابية بدورات مفتوحة لا بدّ من أن ينتج عنها انتخاب رئيس يكون ثمرة توافق ما يفوق الـ 65 نائبًا في حال تأمّن نصاب الثلثين زائد واحد في الدورة الأولى؟
لقد أنتج التوافق على جلسة التشريع والتمديد إنجازات مهمة، أولها إنقاذ المؤسسة العسكرية من السقوط في فراغ القيادة، بالإضافة إلى مجموعة من القوانين، وبينها عدة اتفاقات لقروض دولية وعربية من شأنها أن تحرك العجلة الإنمائية في البلد.
ما لم يعد سرًّا أن الرئيس نبيه بري سيضع الجميع مطلع السنة الجديدة، أمام مسؤولياتهم في ما خصّ الملف الرئاسي، بعدما تأكد من خلال تجربة جلسة التمديد أن انتخاب الرئيس لن يكون واقعًا ما لم تتوافق معظم القوى السياسية على ما هو مطلوب من رئيس الجمهورية العتيد قبل البحث عن هوية هذا الرئيس.
إلا أن مساعي بري الجدّية تصطدم بما يجري في غزة والجنوب، وذلك باعتبار أنّ الملف الرئاسي مرهون بما يجري عسكرياً هنا وهناك، مع ما يرشح عن أجواء "حزب الله" من أن الملف الرئاسي سيصبح أولوية إقليمية، فور وضع بنود اتفاق ما بعد حرب غزّة، في ضوء التلاقي الأميركي - الإيراني، بهدف دفع الأمور لبنانيًا نحو انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، بعيدًا عمّا يدور حول لبنان في جزء منه من تطورات يجب أن تكون محفّزة لكي ينتخب اللبنانيون رئيسهم اليوم قبل الغد. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الملف الرئاسی
إقرأ أيضاً:
كابوس يلاحق المسلمين في بريطانيا.. ما الذي يجري؟
مرّ عام على هجوم ساوثبورت، الذي أشعل أعمال شغب عنصرية غاضبة في شوارع المملكة المتحدة. حشود غير منضبطة، تحفّزت بادعاءات كاذبة بأن الجاني مسلم، انطلقت في موجة عنف، وهاجمت المساجد، والمتاجر التي يملكها مسلمون، والمنازل، والأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون.
وفيما كانت أعمال الشغب مشتعلة، كنت أنهي روايتي بعنوان: "الظهور الثاني". تدور أحداث الرواية في مستقبل ديستوبي تستولي فيه مليشيا مسيحية مستلهمة من القومية الإنجليزية على لندن، وتحظر الإسلام، وتنفي المسلمين إلى مخيمات لاجئين في برمنغهام.
لقد جعلتني الأحداث التي كانت تتكشف في الشوارع أثناء كتابتي الفصول الأخيرة، أدرك أننا اليوم أقرب بكثير إلى العالم الديستوبي في روايتي مما كنت أتخيل.
المشاهد والصور التي ساعدتني على تشكيل هذا العالم الخيالي، استُلهمت من إنجلترا التي عشت فيها خلال شبابي، حين كانت أعمال العنف العنصري متفشية. كانت عصابات من الشبان البيض تطاردنا، خصوصا بعد إغلاق الحانات، في موجة تلو الأخرى مما كانوا يسمّونه "تحطيم الباكستانيين".
لم تكن الهجمات بالسكاكين أو القنابل الحارقة أمرا نادرا، ولا كانت المطالبات التي أطلقتها الجماعات اليمينية المتطرفة مثل "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" بإعادة "المهاجرين" السود (أي غير البيض) إلى أوطانهم أمرا مستبعدا.
كان الذهاب إلى المدرسة أحيانا يعني الركض عبر ممر من الأطفال العنصريين. وفي ساحة اللعب، كانوا أحيانا يحاصروننا، وهم يرددون أناشيد عنصرية.
كطالب، فقدت العدّ من كثرة عدد المرات التي تعرضت فيها لاعتداءات جسدية، سواء في المدرسة، أو في الشارع، أو في الحانات، أو في أماكن أخرى.
حين كنت أعيش في شرق لندن، كنت مع شباب منطقة بريك لين المحليين، حيث كانت تدور معارك بالأيدي لصد جحافل المهاجمين العنصريين.
إعلانلم تكن هذه الاعتداءات ظاهرة معزولة، بل كانت مشاهد مشابهة تتكرر في أنحاء البلاد، حيث كانت "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" ينظمان مئات المسيرات، ما منح العصابات البيضاء المتطرفة جرأة أكبر.
في تلك الفترة، تم اعتقالي مع عدد من أقراني، ووجهت إلينا تهمة "التآمر لصنع متفجرات" بسبب ملء زجاجات الحليب بالبنزين للدفاع عن مجتمعاتنا في وجه العنف العنصري؛ وقد عُرفت قضيتنا لاحقا باسم "برادفورد 12".
كانت هذه النضالات، سواء في بريك لين أو في برادفورد، جزءا من معركة أوسع ضد العنصرية المؤسسية والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة التي كانت تهدف إلى ترهيبنا وتقسيمنا.
كان العنف العلني المباشر في الشوارع خلال تلك السنوات مرعبا، لكنه كان ينبع من هامش المجتمع. أما الطبقة السياسية الحاكمة، فرغم تواطئها، كانت تتجنب الاصطفاف العلني مع هذه الجماعات. ومثال على ذلك مارغريت تاتشر، التي قالت في مقابلة شهيرة 1978، حين كانت زعيمة حزب المحافظين: "الناس في الواقع يخشون من أن يُغمر هذا البلد بأشخاص ذوي ثقافة مختلفة".
كان ذلك تلميحا مبطنا بالموافقة على خطاب الحشود العنصرية، إلا أن تاتشر، رغم ذلك، حين أصبحت رئيسة للوزراء، حافظت على مسافة بينها وبين الجماعات اليمينية المتطرفة.
اليوم، لم تعد تلك المسافة موجودة. فرئيس الوزراء كير ستارمر وأعضاء بارزون آخرون في حزب العمال، يرددون بانتظام خطاب اليمين المتطرف، متعهدين بـ"التصدي بحزم" لأولئك الذين يسعون للحصول على ملاذ آمن هنا.
ولم يكن سلفه المحافظ، ريشي سوناك، ووزراؤه مختلفين. فقد زعمت وزيرة داخليته، سويلا برافرمان، زورا أن عصابات الاستغلال الجنسي للأطفال يغلب عليها "ذكور بريطانيون من أصول باكستانية، يحملون قيما ثقافية تتعارض تماما مع القيم البريطانية".
وعلى الرغم من أن العنصرية البيضاء الفجّة القديمة لم تختفِ، فإن شكلا أشد خبثا منها- الإسلاموفوبيا- قد جرى تأجيجه على مدى العقود الماضية. ويبدو أن عصابات "ضرب الباكستانيين" القديمة قد حلت محلها موجة جديدة، تساوي بين الإسلام والإرهاب، وبين الاستغلال الجنسي والباكستانيين، وبين طالبي اللجوء وجحافل طفيلية على وشك اجتياح البلاد.
هذه هي التربة التي ترسّخ فيها حزب "ريفورم" (Reform) ونما، حيث باتت أشكال العنصرية الأكثر فجاجة تحظى بالاحترام وتصبح قابلة للانتخاب. فحين يصبح كلٌّ من حزب العمال والمحافظين ملاذا لشبكة معقدة من الفساد السياسي، يُقدَّم خطاب "ريفورم" المبسّط المعادي للمهاجرين والإسلاموفوبي كبديل نزيه.
وقد أوصل هذا الحزبَ اليميني المتطرف إلى صدارة استطلاعات الرأي، إذ يحظى بدعم 30 بالمئة من الناخبين، مقارنة بـ22 بالمئة لحزب العمال، و17 بالمئة لحزب المحافظين.
وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئا أن تختار مجلة "الإيكونوميست"، في الذكرى السنوية لأحداث الشغب، إجراء استطلاع يركّز على العِرق بدلا من قضايا التدهور الاقتصادي، والحرمان الاجتماعي، وسياسات التقشف المستمرة التي خضع لها الشعب العامل في هذا البلد.
وقد أظهر الاستطلاع أن نحو 50 بالمئة من السكان يعتقدون أن التعددية الثقافية لا تفيد البلاد، فيما رأى 73 بالمئة أن "أعمال شغب عرقية" جديدة ستقع قريبا.
إعلانإن تغذية العنصرية العنيفة في الداخل تسير جنبا إلى جنب مع التاريخ الطويل لإنجلترا في ممارستها في الخارج. فوجه العنصرية الجديد يتغذّى على الصور الاستعمارية القديمة التي تصوّر "الهمج" بوصفهم بحاجة إلى الترويض والانتصار عليهم عبر "الحكم الاستعماري المتحضّر". هذه الأيديولوجيات العنصرية، التي كانت أساس تماسك الإمبراطورية، عادت اليوم لتستقر في الداخل.
وهي تتجلى في العنف العنصري في الشوارع، وفي قمع الدولة لمناصري فلسطين، كما تتجلى في الدعم السياسي والعسكري الثابت الذي تقدّمه المملكة المتحدة لإسرائيل، حتى وهي تقصف المستشفيات والمدارس في غزة، وتجوّع الأطفال.
لقد علّمت الإمبراطوريةُ بريطانيا استخدام العنصرية لتجريد شعوب بأكملها من إنسانيتها، لتبرير الاستعمار، والنهب، ونشر الحرب والمجاعات. فالإبادة الجماعية جزء من الحمض النووي البريطاني، وهو ما يفسّر تواطؤها الحالي مع إسرائيل التي ترتكب الإبادة.
في ظل هذا العنف العنصري والإمبريالي، انتفض الناس من جميع الألوان والأديان- ومن لا دين لهم- وبدؤوا في التعبئة والمقاومة. ورغم أنهم لم ينجحوا في إيقاف الإبادة الجماعية، فإنهم فضحوا الأكاذيب الوقحة والنفاق الصارخ للنخبة السياسية البريطانية. وحدها مثل هذه التضامنات، وهذه المواجهة المباشرة للعنصرية، قادرة على منع العالم الكابوسي الذي وصفته في روايتي من أن يتحول إلى واقع.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline