فلسطينيون في غزة يجبرون على دفع آلاف الدولارات للهروب من الجحيم عبر رفح سماسرة يتلقون مبالغ خيالية لتمرير فلسطينيين عبر معبر رفح

وكأن الحرب لم تكتفِ من أهل غزة، ولم تشبع من إرسال صواريخها على رؤوس الأطفال والنساء، وإسقاط الحجارة على صدورِ الآباء المنهكين، وفطر قلوب الأمهات، حتى طاردهم شبحُ الحرب نحو الحدود، ومنعهم من الأمل، حتى وهم على بعد أمتار من الحياة.

تجارة على ظهر الحرب

90 يوما في عداد البشر وقرونٌ بالنسبة للفلسطينيين، منذ أن بدأ الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي تنفيذ أشد وأسوأ جرائم القتل في حق البشر، يردد اللاهث نحو الحدود المصرية، مقولة ربما تكون الأصدق في حق الإنسانية: "إذا كان حقُ الحياة مقرونٌ بدفع الرشاوى لسماسرة الحروب وحسب، فعلى أرضِ غزة يموتُ الحُلُم".

حياة جديدة ونوع مختلف من الطمأنينة التي نساها الناس في غزة

يسيرُ فلسطينيون يحملون الجوازات الأجنبية نحو معبر رفح البري، على الحدود المصرية؛ منتظرين لوائح تضم أسماء البشر، الذين كتبَ لهم القدر حياة جديدة، وأجبرهم على نوع مختلف من الطمأنينة، نساه الناس في غزة خلال أيام العدوان.

السائرون بخشية وقلق نحو المعبر، والذين مروا كغيرهم بعقبات لا تحصى حتى وصلوا؛ فواجهوا نقص الطعام بمعدات خاوية، وقاوموا برد الليل بأقمشة من الرُقَع، وغلبوا النعاس كي لا يفوتوا شكل الصاروخ الهابط على رؤوس النيام، كل هذا ناظروه على طريق رفح.

اقرأ أيضاً : كتيبة طولكرم: فجرنا سيارة مفخخة في قوة تابعة لجيش الاحتلال

ولكن الأمور لا تجري كما تسير الرغبات، على الأقل في غزة، فقد واجه حاملو هذه الجوازات حتى اليوم ما لم يخطر على بالهم، حينما حملوا أمتعتهم وفروا من قذائف ورصاص نازيي العصر، حيث عَلقوا ما بين الحدين، ومنعوا إلى الآن من دخول مصر، أو منعهم قُصرُ يدهم وفقرهم من ذلك.

عالقون يرون المعاناة

وهو ينظرُ إلى بابٍ حديدي موصد، يقول جميل رأفت أحد سكان منطقة الميناء في قطاع غزة، والذي يحملُ هوية إماراتية، إنه ينتظر منذ أسابيع لحظة دخوله الأراضي المصرية.

ويضيف: "أنا متواجد في المعبر منذ 40 يوما، بعدما تواصلت مع وزارة الخارجية الإماراتية أبلغوني بأن اسمي أضيف على كشوفات الإخلاء الخاصة بالإماراتيين ومعي زوجتي وأبنائي".

وتابع: "نزحت من مخيم النصيرات حتى وصلت إلى المعبر، وإلى اليوم لم يتم إخلائي ولا زلت جالسا في البرد والجوع".

ولا يختلف محمد الجزائري عن جميل؛ فقد أتى ليزور عائلة زوجته قُبيل بدء المجازر الاحتلال، وظل بعدها عالقا في أرض غزة، حيث ناشد سلطات بلاده للتدخل والتواصل مع السلطات المصرية لضمان خروجهم من المعبر.

وقال:" لا يوجد مأكل ومشرب في قطاع غزة، والمياه ملوثة إن وجدت أصلا، وقصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي متواصل ولا يتوقف".

فيما عبر إيهاب مخيمر الذي يحمل الجواز المصري عن ألمه مما يجري في القطاع من تدمير وجرائم قتل جماعية، حيث أوضح أنه يجلس في المعبر منذ شهر هو وعائلته على أمل أن يتم إخلاؤهم من قبل السلطات المصرية.

وأضاف: "لي شهر في المعبر مع عيلتي المكونة من سبعة أفراد، جالسين في البرد، للموت والمرض".

وتابع: "سجلنا في وزارة الخارجية المصرية مرتين ولم يحصل شيء، وكل من يدخل إلى الجانب المصري يدخل من خلال دفع الأموال".

العبور من خلال مكتب تنسيقات

معاناة المتواجدين في معبر رفح فتحت الباب حول المبالغ المالية التي يدفعها الباحثون عن النجاة لسماسرة وتجار حروب يستغلون الظروف الإنسانية الصعبة لجني المال مقابل تسهيل عملية النجاة.

وكان يعبر من رفح قبيل بدء العدوان على غزة 300 شخص بشكل يومي، وفقا لاتفاق مصري فلسطيني "إسرائيلي" سابق، كما علمت "رؤيا".

"رؤيا" بحثت في الملف المتعلق بدفع الأموال لسماسرة على الحدود يضعون أسماء حاملي الجنسيات المزدوجة داخل القوائم التي سيتم إخلاؤها من القطاع.

اقرأ أيضاً : واشنطن: تل أبيب لم ترتكب جرائم إبادة في غزة ولا دليل على ذلك

وقالت مصادر مطلعة لـ"رؤيا" إن مصر أوجدت قبل الحرب مكتبا تحت اسم "مكتب التنسيقات"، بحيث يعمل المكتب على إضافة أسماء عن الحد الأقصى للعدد المسموح له بمغادرة القطاع يوميا والبالغ 300 شخص.

وبينت المصادر أن المكتب واكب على إصدار قائمة يومية بأسماء المسموح لهم بالعبور وفقا لقائمة التنسيقات، وكانت هذه القائمة تعلن بشكل رسمي من قبل وزارة الداخلية في قطاع غزة.

أما فيما يتعلق بالمبالغ المالية التي يدفعها الراغبون بإضافة أسمائهم إلى لوائح المغادرين عبر المعبر، قبيل العدوان، كان هناك نظامين متبعين في المكتب، أحدهما يتعلق بدفع مبلغ مالي معين مقابل المغادرة وتستغرق في بعض الأحيان أوقاتا طويلة حتى ينتهي الأمر، فيما يكون نظام الدفع الآخر مرتبطا بالشخصيات المهمة والتي تدفع مبالغ مالية أكبر لإرفاق أسمائهم بالكشف.

ووفقا للمصدر، فإن مصر تتعامل مع مكتب التنسيقات باعتباره مكتبا قانونيا وليس مخالفا، فيما ينظر أهالي غزة إلى المكتب بوصفه يمنعهم من حقهم في النجاة، ويجبرهم على دفع مبالغ مالية بغير وجه حق في ظل ظروف صعبة يعانيها أبناء القطاع المحاصر.

آلاف الدولارات تدفع لسماسرة الحروب

وخلال العدوان الحالي، استغل تجار حروب الظروف الصعبة ورغبة الكثيرين من حاملي الجنسيات المزدوجة بمغادرة القطاع، حيث رفعوا الأسعار التي يتقاضونها لإدراج الأسماء في لائحة مكتب التنسيقات كما يسمى.

وقال مصدر مطلع من داخل غزة لـ"رؤيا" إن الأوضاع زادت سوءا خلال العدوان الحالي، وارتفعت الأسعار بشكل مبالغ فيه".

ووصلت الأسعار التي يدفعها أهالي غزة لسماسرة، للعبور في بعض الأحيان إلى نحو 15 ألف دولار أمريكي (نحو 10,500 دينار أردني).

الغزيون لم يحملوا المال حينما هربوا من الصواريخ فحرموا من المغادرة

وبعد بحث أجرته "رؤيا" تبين أن هناك صفحات مصرية عبر منصات التواصل الاجتماعي تقدم خدمة "التنسيقات" لولوج المعبر للأفراد والعائلات، مقابل الحصول على مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه مسبقا مع الراغبين بالمغادرة.

منشورات في تلك الصفحات، عرضت خدمات ترويجية مثل تقاضي المبلغ بعد الوصول إلى مصر، فيما طلب آخرون دفع المبلغ المالي بشكل مسبق.

بينما يقول مصدر مطلع لـ"رؤيا" إن الطرق المتبعة لتحويل رغبة السفر من غزة إلى العالم حقيقية تسمى "التنسيق" وتتم من خلال التواصل مع ضابط مصري في بعض الأحيان، ودفع مبلغ مالي له (رشوة)، دون الحاجة للانتظار الطويل على قوائم وزارة الداخلية في غزة.

وكما تشير تقارير سابقة فإن قوائم التنسيقات ترسل مباشرة من إدارة معبر رفح المصري إلى إدارة معبر رفح الفلسطيني، حيث تمنح الأسماء المدرجة على قوائم التنسيقات الأولية وتعبر حافلاتهم في الأوضاع الطبيعية وخلال الحروب قبل حافلات الفلسطينيين المسجلين على لوائح وزارة الداخلية في غزة.

وكان يدفع للوسيط قُبيل العدوان مبلغ يتراوح بين 1200 إلى 1500 دولار عن الفرد الواحد، حيث يحصل الضابط المصري والوسيط على نسبة تصل إلى 6 في المئة، كما كانت تصل المبالغ في بعض الأحيان إلى 3 آلاف دولار، يستدينها معظم الغزيون؛ محاولين الهرب من الجحيم، على أمل الوصول ذات يوم إلى شاطئ الأمل والحياة، في مكان ما في هذا العالم.

وخلال العدوان الحالي لم يعرف بشكل دقيق المبلغ المالي الذي يدفعه أهل القطاع، إلا أن ما عرف حتى اليوم، أن الغزيين يعانون ظَمأ الأرض، ويرتقون بداءِ الصواريخ، ويجمعون أجساد رفاقهم أشلاء، وختاما يحرمون من العبور؛ لأنهم لم يحملوا الأموال حينما هربوا من صواريخ الاحتلال الموجهة على سقوف منازلهم.

المصدر: رؤيا الأخباري

كلمات دلالية: الحرب في غزة معبر رفح الاحتلال الإسرائيلي مصر فی بعض الأحیان معبر رفح عبر رفح فی غزة

إقرأ أيضاً:

الموت أهون من النزوح.. استشهاد الحياة على شاطئ بحر غزة

من بين ركام الخيام التي تغطي الشاطئ الرملي غرب غزة، تبرز عينا مريم العجوز السبعينية وقد غلب عليهما الاصفرار والجفاف. كانت تجلس على لوح خشبي مكسور، تحتمي بقطعة من قماش ممزق يرفرف على عمود حديدي صدئ. تقول بصوت واهن تكاد الكلمات تتكسر في فمه: «من دارنا في حي الشجاعية طلعنا نمشي.. نمشي على رجلينا. ما كان معنا لا سيارة ولا عربة. مشينا أيام وأيام، كل ما نقول قربنا، ييجوا يقولوا لنا لا.. روحوا بعدوا أكثر، الجيش قادم».

رحلة عذاب

تستحضر مريم، التي تجاوزت الخامسة والسبعين، الرحلة من حيها إلى شاطئ البحر كما لو كانت رحلة عذاب في أعماق الجحيم. تركت خلفها بيتًا رمليًا بنته بيديها قبل خمسين عامًا، وذكريات عن زوج رحل قبل سنوات، وصور أبنائها الأربعة المعلقين على جدران غرفة الضيوف. لم تأخذ معها إلا ثوبها الثقيل ومصحفًا صغيرًا أخفته في صدرها.

«الولد الصغير تبعي، حفيدي، ما قدر يكمل الطريق. تعب كثير. اضطريت أحمله على ظهري. وأنا تعبانة ومريضة، بس ما قدرت أتركه. لما وصلنا البحر، فكرنا لقينا الأمان، بس لقينا الموت يستنانا هون كمان».

في الخيمة التي تقيم فيها منذ أسابيع، تحيط بها الحشرات من كل صوب، والماء المالح يتسرب إلى الأغطية كل مساء.

تقول مريم لـ«عُمان»: «الموت في دارنا كان أكرم. هون ما فيه حياة. إحنا نعيش مثل الحشرات، نأكل مرة ونصوم عشرة. لو أموت كان أهون من الذل هذا».

وهي تتحدث، تمتد يدها المليئة بالتجاعيد إلى كيس بلاستيكي يحتوي على رغيف خبز يابس. تتنهد وتهمس: «ما عاد في طعم للأكل. الطعم الوحيد اللي ضل هو طعم الخوف والذل في الفم».

قبل النزوح، كانت مريم تزرع البقدونس خلف بيتها، وتعجن الخبز وتوزعه على جيرانها. اليوم، هي امرأة أخرى، لا تزرع إلا الدموع في رمال الغربة الداخلية، ولا توزع سوى الألم على من حولها.

نزوحٌ قاتل

حين يُذكر النزوح في الحروب، عادةً ما يتبادر إلى الذهن مشهد الفرار للنجاة. لكن في غزة، بات النزوح مرادفًا للموت البطيء، حيث لا طريق يفضي إلى الأمان، ولا مخيم يضمن الحد الأدنى من الحياة. ومن رحم هذا الجحيم، تخرج الحكايات ثقيلةً كالرماد، ترويها أفواه لم تذق الراحة منذ شهور.

منذ بدأت حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، لم تهدأ قوافل النازحين. وفي مايو ويونيو 2025، تضاعف هذا النزوح قسرًا بعد أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء شرق القطاع بالكامل، ودفع أكثر من مليون إنسان نحو شواطئ غزة الغربية. لم تكن هذه الرحلة نجاةً، بل كانت نقلة من موت إلى موت، من ركام إلى بحر، ومن خوف إلى ذل.

الموت في غزة لا يأتي على هيئة صاروخ فحسب، بل يحمل وجوهًا كثيرة: جوعًا، عطشًا، بردًا، حرًا، واغتصابًا يوميًا للكرامة الإنسانية. هنا، لا يفر الناس من الحرب، بل منها وإليها في الوقت ذاته. فكل خيمة في غزة هي قبر مؤجل، وكل سلة غذاء هي معركة انتظار، وكل هدنة موعودة تتحول إلى لعنة جديدة من التأجيل والخذلان.

شاطئُ الوجع

من الشجاعية إلى جباليا، ومن خان يونس إلى رفح، تناثرت العائلات على رمال البحر التي لم تكن يومًا بهذا القدر من القسوة. لم يعد البحر صوتًا للحرية ولا مخرجًا للحياة، بل صار آخر خط في رحلة التيه. وعلى ضفافه، نصب الناس خيامًا ممزقة من بقايا الأكياس، وغطوا أطفالهم بأسمال لا تقيهم حر النهار ولا برودة الليل.

كلما اقتربت من شاطئ غزة في هذه الأيام، تسمع نداءات النساء وصرخات الأطفال المتعطشين لحليب أو دواء أو دفء.

تقول ميرفت خالد إحدى اللاجئات: «نحن نعيش تحت السماء، لا سقف يحمينا ولا ماء نشربه. البحر أمامنا، لكننا لا نستطيع حتى أن نغتسل بمائه».

كل صباح، تدفن عائلة ما طفلًا لم يصمد في وجه الجوع أو المرض أو الحمى. وكل مساء، تنتظر آلاف العائلات أن يُعلن عن هدنة حقيقية تتيح لهم العودة إلى حطام بيوتهم. حتى الموت، لم يعد يحظى هنا بمراسم وداع لائقة. الجنازات في مخيمات النزوح تتم بصمت، والتوابيت تُحمل على الأكتاف وهي ملفوفة في ملاءات النوم، وتُوارى الثرى في الرمال على عجل.

أنين الخيام

على امتداد شاطئ غزة الغربي، تنبسط خيام النزوح كقبور مؤقتة، تروي حكايات أناسٍ شُرّدوا من بيوتهم وأحلامهم، وسُجنوا في مساحات ضيقة من القهر والجوع والانتظار. في تلك الخيام، لا تُحكى القصص بالكلمات وحدها، بل بالتجاعيد التي حفرتها الشمس على الوجوه، وبالأنين المكتوم في صدور الأمهات، وبأقدام الأطفال التي اعتادت الرمل بدلًا من بلاط المنازل.

هنا، لا مجال للخصوصية ولا للراحة، ولا حتى للصمت. الكل يتقاسم الحرمان، والكل يشهد على انهيار المعاني الأساسية للحياة: بيت، طعام، دواء، كرامة. ومع كل غروب، تُطوى يوميات جديدة من النزيف البشري، تُسجل فيها شهادات لا تجد من يسمعها إلا الرمال والبحر. بين كل خيمة وأخرى، قصة خذلان، وجرح لم يُضمد، وأم مكلومة لا تعرف كيف تخفف عن رضيعها ألم الجوع.

هذه الشهادات القادمة ليست مشاهد عابرة من فيلم طويل، بل هي نبضٌ حيّ من قلوب ما زالت تنبض رغم اليأس، تروي بلسان أصحابها ما لا يمكن للإحصاءات أن تبوح به. هي روايات الخيام التي لا تغلق أبوابها لليل ولا للنهار، بل تظل مفتوحةً على قسوة الواقع، وشاهدةً على حجم الخسارة التي لا يقاس جزء منها بالموت فقط.

الموت أهون

«الموت أهون من النزوح»، هكذا قالت حسنية، وهي امرأة في السبعين من عمرها، لجأت من منطقة الزنة إلى شاطئ السودانية. كانت ترفع يدها إلى السماء وهي تصرخ: «نحن لسنا نازحين، نحن نموت في مكاننا، لو يموتونا بدل ما نذوق هذا الذل».

تعيش حسنية مع 6 من أحفادها في خيمة لا تتجاوز مساحتها مترين في مترين. تشكو من قلة الطعام، وتقول إنهم يأكلون وجبة واحدة كل يومين، وغالبًا ما تكون علبة فاصولياء منتهية الصلاحية.

تضيف لـ«عُمان»: «أقسم بالله أن الذباب صار أقرب لنا من الناس. ابنتي أتت بابنها مريض، لم نجد له دواء ولا حليب. نيمناه وقمنا بتغطيته بكيس، وصحينا لقيناه مات». وتكمل بصوت مخنوق بالبكاء: «هذه ليست حياة، هذا موت يومي ببطء، الله يعجل فينا».

جوع وذل

في خيمة نصبت على رمال خانيونس الغربية، تقيم أم عوض، امرأة في التاسعة والسبعين. تقول: «أنا مش خايفة من الموت، بس خايفة من هالحياة المذلة. ما عمرنا شفنا هيك ذل، لا أيام النكبة ولا النكسة».

كل يوم، تحمل أم عوض دلوًا وتبحث عن طعام وماء صالح للشرب. تعود بخيبة أمل أغلب الأحيان. تستند إلى عصا خشبية وتهمس: «بيقولوا وقف إطلاق نار؟ يا ريت. كل يوم بيزيد الطخ والشهداء، ولا شايفين هدنة ولا شيء ».

عندما تسألها عن أمنيتها، تقول لـ«عُمان»: "أموت في بيتي، أدفن جنبه، ما بدي أظل في هالخيمة. بدي أشوف الشمس من فوق سقف بيتنا، مش من خرقة مشققة".

,منذ مايو 2025، دخلت مفاوضات وقف إطلاق النار مرحلة جديدة عبر وساطة مصرية-أمريكية-قطرية، مع تعهدات إسرائيلية مبدئية بوقف مؤقت للعمليات العسكرية مقابل الإفراج عن أسرى. لكن في يونيو، تبخرت الآمال مجددًا، بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية رفضها مقترحات تتعلق بانسحاب كامل من غزة.

ورغم أن المقاومة الفلسطينية وافقت مبدئيًا على بنود تتضمن وقفًا طويل الأمد، وضمانات دولية، فإن الاحتلال أعاد المفاوضات إلى نقطة الصفر، بحجة أن "شروط حماس غير مقبولة".

ومع كل إعلان عن قرب التوصل لاتفاق، تزداد عمليات القصف والتنكيل. فيما تعتبر الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في غزة لم يعد يحتمل، وأن كل ساعة تأخير في الوصول لاتفاق تعني مزيدًا من الموت، لا سيما في مخيمات النزوح غرب القطاع.

,في الأربعين من عمره، فقد أدهم زين زوجته وابنه في قصف على حي الزيتون، ثم نزح مع ما تبقى من عائلته إلى شاطئ غزة. يقول: «اللي صابرنا هو الأمل. بس الأمل عم ينهار يوم ورا يوم. اليوم بيقولوا في صفقة، بكرا بيلغوها. صرنا نعيش على الوهم».

يحاول أدهم أن يرسم البسمة على وجه أطفاله، لكنه يعترف: «ما ضل عندي طاقة. بنلعب تحت الشمس، بس الطفل بعرف إنو اللعبة هاي ممكن تنتهي بصاروخ».

ورغم كل شيء، لا يزال أدهم يتمسك بالكرامة: «أنا ما بدي أطلع من غزة. بدي أعيش هون، ولو بخيمة. بس بكرامتي. إحنا شعب ما بينكسر بسهولة».

ختامٌ موجع

ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط مأساة، بل وصمة في جبين العالم الصامت. ففي خيام الرمل، لا يعيش الناس بل يحتضرون. يموتون بلا ضجيج، ويُغتالون بلا صور. هنا، على شاطئ بحر غزة، لم تعد الشمس تشرق للحياة، بل لتكشف وجوهًا أخرى من العذاب.

قد تكون الحرب قد سرقت أرواحًا، لكنها سرقت قبل ذلك كرامة الناس. فالنازح في غزة لا يحلم بالطعام أو الأمان فقط، بل بأن يُعامل كإنسان.

وحتى ذلك الحين، سيبقى الوجع سيد المكان، والبحر شاهدًا صامتًا على استشهاد الحياة في غزة.

مقالات مشابهة

  • الربو.. مرض مزمن لا يمنع الحياة الطبيعية
  • الداخلية تضبط قضايا تجارة عملة بقيمة 5 ملايين جنيه
  • رمضان السيد ينتقد التعاقد مع جون إدواردو: الزمالك لا يحتاج سماسرة
  • رمضان السيد ينتقد التعاقد مع جون إدواردو: الزمالك لا يحتاج "سماسرة"
  • الموت أهون من النزوح.. استشهاد الحياة على شاطئ بحر غزة
  • «يونيسف» تكشف عن أرقام مرعبة لتداعيات العدوان الإسرائيلي على أطفال غزة
  • مباحثات بين غرف التجارة السورية وغرف دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز التعاون
  • حماس تؤكد تسلم مقترحات من الوسطاء: نتعامل بمسؤولية عالية لوقف العدوان والانسحاب
  • «تجارة الشرقية» تضبط 282 مخالفة خلال زيارتها التفتيشية في يونيو 2025
  • “تجارة الشرقية” تنفذ 2,485 زيارة تفتيشية خلال يونيو 2025