عمّان ـ العُمانية: دعا المشاركون في «المؤتمر الأردني الدولي الأول للّغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي» إلى تشجيع المؤسسات التعليمية والجامعات على البحث والنشر في مجالات تطبيقات الذكاء الاصطناعي باللغة العربية.

وأوصى المؤتمر الذي عقده مجمع اللغة العربية الأردني على مدار يومين إلى تطوير الأدوات والبرمجيات التكنولوجية المستخدمة في معالجة اللغة العربية بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي كان له دور للإسهام في تطوير حلول فعّالة لتحسين فهم اللغة العربية واستخداماتها.

واتفق المؤتمرون على أهمية تدريب المعلمين على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في الغرفة الصفّية لتحقيق الاستفادة القصوى منها في تعزيز عمليتَي التعلم والتعليم، ونشر الوعي وتعميق فهم العاملين في مجال اللسانيات وعلوم اللغة العربية بمبادئ الذكاء التوليدي وتطبيقاته في مجال اللغة الطبيعية من خلال عقد المؤتمرات وحلقات العمل المتخصصة.

وبيّن المشاركون بالمؤتمر الحاجة الملحّة للنهوض بمهام مجامع اللغة العربية في تحديد محاور البحوث والتطبيقات التي تخدم اللغة العربية في مجالات التحليل النحوي والصرفي والدلالي المحوسب، والسعي إلى ترسيخ مبادرة إنتاج النموذج التوليدي الشامل للغة العربية وعلومها، من خلال تكاتف خبرات الباحثين اللغويين الذين يعملون في مجال الحوسبة الذكية.

ونبّه الباحثون في توصياتهم بأهمية السعي لإنشاء المدوّنات المحوسبة للمعاجم العربية الشهيرة من مثل: «أساس البلاغة»، و«لسان العرب»، و«المحيط في اللغة»، و«معجم تهذيب اللغة».. بهدف جمع وتشكيل ذخيرة لغوية ثرية بمفردات الكلم العربية ومعانيها، وتتبّع التغير الطارئ على دلالة الألفاظ عبر العصور، والتي ستشكل النواة التي ترتكز عليها النماذج اللغوية الكبيرة للذكاء التوليدي.

وأوصوا بضرورة الاستثمار في البحث العلمي والتطوير المستمر لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في تطوير اللغة العربية، وتحسين الأدوات والتقنيات الحالية بشكل مستمر لتلبية الاحتياجات المتغيرة والتحديات اللغوية المستمرة.

وكان اليوم الأول للمؤتمر قد اشتمل على جلستين، ناقشت الأولى موضوع الذكاء الاصطناعي وفهم اللغة، وشارك فيها د.جعفر عبابنة ومأمون الحطاب، بينما تناولت د.هند الخليفة «النماذج اللغوية الضخمة للّغة العربية: الإمكانات والتحديات»، وتحدث د.محمد زكي خضر عن «تحديات استعمال اللغة العربية في أنظمة الذكاء الاصطناعي».

أما د.زهر الساعي فشاركت مع الطالبتين لجين عصفور وليان حياصات بورقة حملت عنوان «تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعزيز اللغة العربية: مراجعة أدبية»، بينت فيها التحديات التي تواجه اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي، لافتة إلى أهمية فهم الكيفية التي يمكن بها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تحدث تحولًا جذريًا في تطوير اللغة العربية وتحسينها، مؤكدة ضرورة الاستثمار في البحث والتطوير المستقبلي، وتعزيز التعاون الدولي والتبادل المعرفي، وتطوير أدوات وبرمجيات تكنولوجية متقدمة وتعزيز الوعي والتثقيف الرقمي، ودعم التعليم والتدريب.

وفي الجلسة الثانية التي ترأّستها د.الساعي، قدم د.حسن مظفر الرزو ورقة بعنوان «المدونة اللغوية المحوسبة: معجم القاموس المحيط للفيروز آبادي أنموذجًا»؛ قال فيها إن تقنيات الذكاء التوليدي المحوسب تفرض مسألة توفّر ذخيرة لغوية محوسبة لغرض الاستمداد من مادتها في ممارسة مختلف أنماط المعالجات التي ستشكل النواة التي ترتكز عليها النماذج اللغوية الكبيرة للذكاء التوليدي.

أما د.صديق بسو فشارك بورقة بحثية حملت عنوان «التحليل الآلي للمشاعر في النصوص الأدبية»، بيّن فيها مراحل جمع وبناء مجموعة كبيرة من التعليقات العربية، وشرح التقنيات المستخدمة في تنظيف ومعالجة البيانات المجمعة، مصنفًا «الشعور» إلى 3 فئات: إيجابي وسلبي ومحايد، ومتكئًا على دراسة 6 خوارزميات لتصنيف النصوص.

من جهته، استعرض د.محمد أبو شريعة في ورقته حول «التعرف الآلي على كلام اللغة العربية الفصحى باستخدام طرق التعلم العميق»، حوسبة اللغة العربية، والفصحى خاصة، من خلال تقنية التعرف الآلي على الكلام، مبينًا أن هذه التقنية تقوم على تحويل الكلام المنطوق والمحكي إلى سلسلة نصوص مكتوبة في اللغة ذات الاهتمام، موضحًا خطوات تصميم وتطوير وتقييم نظام التعرف الآلي على كلام اللغة العربية الفصحى ومكوناته باستخدام طرق متنوعة كنموذج «ماركوف» المخفي الإحصائي. واختُتمت الجلسة بورقة د.أسل القضاة التي جاءت بعنوان «التعرف الآلي على كلام اللغة العربية الفصحى لذوي الاضطرابات الصوتية»، واستهلتها باستعراض مشكلة الاضطرابات الصوتية وتعريفها وأنواعها، كما وضحت مجالات الذخائر النصية المتوفرة للاضطرابات الصوتية، والذخيرة النصية والصوتية التي وظفتها في ورقتها البحثية، والقاموس اللفظي الذي جرى تطويره واستخدامه في هذه الورقة البحثية.

واشتمل اليوم الثاني للمؤتمر على جلستين، الأولى شارك فيها د.محمد عطير بورقة حملت عنوان «الذكاء الاصطناعي في تطوير تطبيقات اللغة العربية: تحديات وحلول»، وضح فيها ضرورة تقديم مراجعة شاملة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال اللغة العربية، مع التركيز على التحديات التي تواجه هذه التطبيقات والحلول المقترحة لها، مستعرضًا جملة من التحديات التي تواجه تطبيقات اللغة العربية، ومنها محدودية البيانات المتاحة للتدريب والتعلم، وتنوع القواعد النحوية والصرفية للغة العربية، وصعوبة فهم النصوص العربية المكتوبة بخط اليد.

أما د.أنس الهناندة فحملت ورقته عنوان «اللغة العربية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي: الفرص والتحديات وآفاق المستقبل»، وأوضح فيها العلاقة بين تطبيقات الذكاء الاصطناعي واللغة العربية، والفرص الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في تعلم اللغة العربية وخدمتها من حيث استخدامات نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة التي تهدف إلى فهم المحتوى وتدقيقه، والإنجازات العربية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تساعد على سد الفجوة بين اللغة العربية والتكنولوجيا الحديثة مع عرض للآفاق المستقبلية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي واللغة العربية.

وشارك الباحث المغربي د.عمر مهديوي بورقة حول «البعد اللساني الهندسي في حوسبة اللغة العربية في ضوء الذكاء الاصطناعي» شاركه في إنجازها د.محمد أبو شقير، وتوقف الباحثان عند العلاقة بين اللساني والمهندس من أجل بناء تطبيقات ذكية للغة العربية، مشيرًا إلى حدود التقاطع بينهما في المعالجة الهندسية للغة العربية.

وقدم د.مجدي صوالحة ورقة بعنوان «التحليل الصرفي لنصوص اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي: القواعد والمعايير والموارد اللغوية والتقنيات الحديثة»، بيّن فيها أهمية القواعد اللغوية التي يحتاجها المحلل الصرفي لإنتاج تحليل دقيق للنصوص والمعايير التي يجب اتباعها في المدخل والتحليل والنتائج، مستعرضًا أهم هذه المعايير ومجموعات العناوين الصرفية والنحوية لترميز نوع الكلمة وخصائصها الصرفية في رمز يُسهل استخدامه في البرامج الحاسوبية، كما يُسهل تطبيقه في إنتاج ذخائر لغوية محلّلة.

وفي ورقة بحثية مشتركة لكلّ من د.رعد محمد الخطيب ود.محمد أبو شقير ود.عمر مهديوي حملت بعنوان «مجذع لغوي عربي خفيف ذكي مبني على خوارزميات اللغات الطبيعية والذكاء الاصطناعي»، استعرض الخطيب خوارزميات الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات المستخدمة بالتقييم واشتقاق الأفعال العربية والنتائج والمقارنات.

وتضمنت الجلسة الثانية لليوم الختامي للمؤتمر ورقة للدكتور عبد المجيد نصير بعنوان «خواطر حول تطبيق الذكاء الاصطناعي في الأردن، في الأخلاقيات والتعليم»، بينما قدم د.ياسر محمد الطرشاني ورقة حملت عنوان «التحديات الأخلاقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ووسائل علاجها لخدمة العربية»، ركز فيها على التحديات الأخلاقية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في اللغة العربية، واقترح استراتيجيات ووسائل عملية للمحافظة على الأخلاق الإسلامية عند استخدام هذه التطبيقات.

من جانبه، قدم د.جلال الكايد ورقة بحثية بعنوان «ضوابط وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في ترجمة العقود القانونية باللغة العربية»، شرح فيها الطبيعة القانونية لأنظمة الذكاء الاصطناعي ومفهومها، والأساس التشريعي لهذه الأنظمة، كما استعرض التطور التشريعي لأنظمة الذكاء الاصطناعي والضوابط والأخلاقيات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تطبیقات الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی اللغة العربیة فی العربیة ا فی تطویر فی مجال د محمد

إقرأ أيضاً:

حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي

كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.

إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.

تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».

انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.

طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».

أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!

حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».

ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».

لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».

الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.

كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.

وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.

في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري لـ «العربية»: من يدعون إلى التظاهر أما السفارات المصرية يقفون في خندق واحد مع إسرائيل ضد مصر
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • بالصور.. هذه هي كنيسة رقاد السيدة التي سيشيّع فيها زياد الرحباني
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟
  • الأوقات التي تُكرَه فيها الصلاة؟.. الإفتاء توضح
  • وزير التربية التعليم يكشف آخر مستجدات تطوير منهج اللغة العربية برياض الأطفال والمرحلة الإعدادية
  • اللغة التي تفشل
  • وزير التربية .. تطوير امتحان (التوجيهي) ليكون إلكترونيًا من خلال بنك الأسئلة
  • البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا
  • بانكوك تستضيف مؤتمرا دوليا لتعزيز مكانة اللغة العربية