قال الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الاختلاف الفقهي المنضبط هو من الثراء العلمي للتراث الفقهي والإفتائي ومن سَعة الأفق والاجتهاد والسعي لتحقيق مراد الله من التيسير، فكل المجتهدين يجتهدون من أجل الوصول إلى مراد الله عز وجل، وكلٌّ له مقدماته وأدلته وبراهينه بما يغلب على الظن.

جاء ذلك في لقائه الأسبوعي في برنامج "للفتوى حكاية" مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس، خلال استكمال الحديث عن الفتوى الترانسفالية للإمام محمد عبده، التي أجاب فيها عن بعض الأسئلة لمستفتٍ من بلد تسمى ترانسفال بجنوب أفريقيا، مضيفًا أن اختلاف العلماء رحمة بالأمة، وهو ظاهرة إيجابية، لأن هذا الاختلافَ الفقهي له ما يُبرره شرعًا وعقلًا.

وأكد مفتي الجمهورية أن تغيُّر الحكم وَفْقًا للبيئات والأحوال والأزمنة والأمكنة أمر مُسلَّم به ومتفق عليه، لأنه يحقق مصالح الناس، وهو أمر موجود ومتعارف عليه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبعد هجرته الشريفة إلى المدينة نزلت تشريعات جديدة لم تكن موجودة في العهد المكِّي لتُنظِّمَ حياةَ الناس وتضبط بعض المعاملات التي شابها الغرر والجهالة، فنزلتْ ضوابطُ شرعيةٌ لبعض المعاملات، ثم سار الفقهاء أيضًا على هذا النهج من بعد النبي صلى الله عليه وسلم تحقيقًا لمصالح الناس، لأن الشريعةَ قائمة على التيسير ورعاية مصالح الناس، فالمصلحةُ هي أساسٌ للفتوى نتيجةَ الظواهر التي حَدَثتْ، وهذا من سماحة الشريعة ورحابتها.

وأشار المفتي إلى أن قضية الخلاف الفقهي، إنما وُضعت لها قواعد ضابطة لضبط حركة الخلاف في المجتمع، حيث إن الاختلاف الفقهي للعلماء منطقة واسعة، ولو أُخذ بالمعايير المنضبطة فسيكون ذلك رحمة للأمة، أما لو أُخذ بمنهج آخر إقصائي فإننا سنكون في مشكلة كبيرة.

وشدَّد مفتي الجمهورية على أنَّ البناء العلمي للأمة يتم ويكتمل بالاستفادة من خبراتها السابقة وليس بهدم المرحلة المباركة من عمر الحركة المذهبية، والتي استطاعت أن تحتوي الجميع، وأن تصبغهم بصبغتها الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة، الآخذة بيدها نحو كل ما هو يسير وسهل بفضل مسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نُقلت لنا عن طريق الصحابة ثم التابعين في انسياب تام وتعاون ملموس.

وأشار المفتي إلى أن المذاهب المعتبرة قد نشأت على أيدي أئمة عظام لا يُختلف على علمهم أو تمكُّنهم من أدوات النظر والاستدلال والاستنباط، وكل هذا لا يمنع ولا يتعارض مع التفاعل فيما يقع من حوادث ومستجدات، فهذه المذاهب تركت لنا المناهج التي تتيح لنا التعامل مع الواقع وَفق مراد الشرع الشريف فضلًا عن أن هذه المذاهب حظيت بعناية علمية شديدة، ساهمت في تأصيل وحفظ علم الفقه وإثرائه باجتهادات علماء هذه المذاهب على مر العصور، فلا يجوز بحال أن يدَّعِيَ مُدَّعٍ بأن تقليد هذه المذاهب يُعَدُّ خروجًا عن الطريق الصحيح لتلقِّي علوم الشرع الشريف.

وذكر المفتي أن الإمام محمد عبده حرص في فتاويه على إبراز قاعدة أصولية مهمة وهي: "لا يُنكر المختلف فيه ولكن يُنكر المجمع عليه"، مستدلًّا بمثال من الأمثلة التي هي من قسم المختلف فيه، كإنكار البعض على صلاة المتمذهب بمذهب الإمام الشافعي عند الصلاة خلف الإمام الحنفي لوجود بعض الاختلافات الفقهية المعتبرة في هيئة الصلاة، مستشهدًا في بذلك بردِّ الإمام محمد عبده على سؤال ورد في ثنايا الفتوى الترانسفالية قائلًا: "وأما صلاة الشافعي خلف الحنفي فلا ريب عندي في صحتها، ما دامت صلاة الحنفي صحيحة على مذهبه، فإن دين الإسلام واحد.وعلى الشافعي المأموم أن يعرف أن إمامه مسلم صحيح الصلاة بدون تعصب منه لإمامه، ومن طلب غير ذلك فقد عد الإسلام أديانًا لا دينًا واحدًا، وهو مما لا يسوغ لعاقل أن يرمى إليه بين مسلمين قليلي العدد في أرض كل أهلها من غير المسلمين".

واختتم المفتي بالتأكيد على أن هؤلاء العلماء كانوا يكنون لبعضهم كل تقدير واحترام، وسيرتهم في ذلك معروفة مشتهرة، منها -على سبيل المثال لا الحصر- ما يروى عن الإمام الشافعي في تركه للقنوت في صلاة الفجر عند زيارته لمسجد أبي حنيفة النعمان في العراق، وهو يرى وجوبه، ومن يتركه يسجد للسهو، ولما سئل عن ذلك أجاب الإمام الشافعي: تركته احترامًا لصاحب هذا القبر، ويقصد الإمام أبا حنيفة لأنه كان يكره من المنظور الفقهي قنوت الفجر.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: اختلاف العلماء الإفتاء في العالم الإمام محمد عبده الاختلاف الفقهي المذاهب الفقهية المفتي ظاهرة إيجابية قناة الناس مفتي الجمهورية مفتی الجمهوریة

إقرأ أيضاً:

أمينة الفتوى عبر قناة «الناس»: بر الوالدين يعادل أجر الحج

قالت الدكتورة هند حمام، أمينة الفتوى بدار الإفتاء، إن هناك أعمالا صالحة ربنا سبحانه وتعالى يسرها لنا تعادل ثواب الحج، لكنها لا تسقط الفريضة، لافتة إلى أن بر الوالدين من الأعمال التي تعادل أجر الحج، وهو ما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أتى رجل إليه فقال: أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه؟ قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: فأبل الله في برها، فإذا فعلت ذلك، فأنت حاج ومعتمر ومجاهد، فإذا رضيت عنك أمك ، فاتق الله وبرها.

بر الوالدين

وأوضحت أمينة الفتوى بدار الإفتاء، خلال حوار مع الإعلامية سالي سالم، بحلقة برنامج «حواء»، المذاع على فضائية «الناس»، اليوم الأحد: «من يبر والديه تقربا إلى الله سبحانه وتعالى، يحصل على أجر الحج والعمرة وهو في بيته، وأيضا من الأعمال الصالحة، إن العمرة فى شهر رمضان الكريم تعادل الحج، كما قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (عمرة رمضان تعادل حج)».

التبكير لصلاة الجمعة

وأضافت: «من الأعمال الصالحة أيضا التبكير لصلاة الجمعة تعادل الحج، وكل مسلم له فى يوم الجمعة ثواب حج وعمرة، كما أبلغنا سيدنا النبي، وهو في وقت الهجير، اللى هو الحر الشديد».

مقالات مشابهة

  • أمينة الفتوى عبر قناة «الناس»: بر الوالدين يعادل أجر الحج
  • الجامع الأزهر يعقد اللقاء الفقهي بلغة الإشارة عن معاني سورتي النصر والكافرون
  • جزء من الالتزام الديني.. رد حاسم من مفتي الجمهورية بشأن استخراج التأشيرة الرسمية للحج
  • مفتي الجمهورية: هناك توءَمة بين العلم والدين.. والنصوص الشرعيَّة تحثُّنا على إعمال العقل والتدبُّر
  • مفتي الجمهورية: المذاهب الفقهية المعتبرة حفظت لنا الدين
  • "فلوس حرام"| مفتي الجمهورية يكشف حكم عدم توثيق الزواج للحصول على المعاش
  • مفتي الجمهورية: غياب المقوِّمات العلمية عن المتصدِّر للإفتاء يُنتج آراء وفتاوى مشوَّهة
  • مفتي الجمهورية: الأرملة التي ترفض توثيق زواجها الجديد لتستمر في الحصول على المعاش «تأكل مالا حراما»
  • مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة
  • مفتي الجمهورية ناعيا والدة وزيرة الثقافة: «أنزلها الله منازل الأبرار»