المصريون يواجهون الغلاء بـ«مسمار البطن»
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى يعيشها العالم أجمع، وانعكست ظلالها على المصريين، غيرت من أنماط الاستهلاك لدى جموع الشعب واختفت المائدة الشاملة، التى تحتوى على أفخر الأطعمة من كل لون ونوع، والتى كانت لا تخلو أبدا من اللحوم والأسماك والدواجن، إلى مائدة أحادية تقريبًا تحتوى على أنواع بسيطة متكررة بصفة شبه يومية، وعاد الفول سيد المائدة ليحتل مكان الصدارة من جديد متربعًا على العرش محاطًا بدعوات الغالبية العظمى أن يديمه الله سترًا ونعمة غير قابلة للفناء والغلاء.
وحكاية المصريين مع الفول قديمة، حيث لعب دورًا مهمًا فى التاريخ المصرى واستخدمه قدماء المصريين لإطعام الجنود خلال الحروب والغزوات، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه تم استخدامه دينيًا فى طقوس الشفاء والتطهير، ووصل الحد فى قدسيته إلى أنه استخدم قربان لبعض الآلهة المصرية القديمة.
وعثر على الفول فى المقابر الفرعونية بجوار المتوفى ضمن الأطعمة التى سيتناولها فى الحياة الأخرى، كما وجد فى مقابر الأسرة الثانية عشرة، وكذلك الأمر فى مقابر مدينة طيبة «الأقصر حاليا»، كما عثر على بذور الفول فى مقابر سقارة بالجيزة، وكوم أوشيم بمحافظة الفيوم، وبعضه معروض حاليًا بالمتحف الزراعى فى الدقى.
وكان تتم زراعة الفول قرب العاصمة المصرية القديمة منف، وتأكيدًا على عشق المصرى القديم للفول نحت رسوماته على جدران المقابر ضمن المحاصيل الزراعية التى كانت تقدم قربانًا للآلهة المصرية القديمة، وظهر فى مقبرة الوزير «رخميرع» وزير الملك تحتمس الثالث مجسدًا عملية تسليم المحصول إلى المعابد للتخزين، كما ورد ذكره فى الورديات الطبية بنفس الاسم المعروف به حتى الآن.
على مدار آلاف السنين، تغيرت مصر وتبدلت الأحوال والأنظمة ودخلتها أطعمة من الشرق والغرب، دام بعضها وانقرض الآخر وبقى الفول متوجًا فى كل العصور والأزمنة صامدًا ومتربعًا على عرش بطون المصريين لا ينافسه منازع.
وكل أشكال الطبخ التى ظهر عليها الفول فى عصرنا الحديث استخدمها الفراعنة قديمًا ولكن بأسماء مختلفة، حيث كانوا يضعونه فى قدور كبيرة تدفن فى رمال الفرن لساعات طويلة إلى أن ينضج ويتم تناوله، وكانوا أول من قام بـ«تدميس» الفول، وكان يطلق عليه قديمًا «تمس» أى مدمس، وكذلك تفنن القدماء المصريون فى صناعة «البسارة» وتعنى باللغة الفرعونية «بست أورو» ومعناها الفول المطبوخ.
وقدم المصريون الفول لعظمة مكانته من خلال البوفيه المفتوح، وفقًا للرسومات المنحوتة على جدران المعابد والمقابر للملوك والملكات ونبلاء الفراعنة، وتفنن القدماء فى التخلص من قشرة الفول التى كانت تزعجهم أحياناً عبر نقعه فى الماء ليظهر بعد ذلك «الفول النابت».
باختصار.. الفول وجبة فرعونية عمرها ممتد إلى جذور المصريين عبر التاريخ، ونظرًا لقيمتها الغذائية وفوائدها التى لا تحصى تمسك المصرى بتلك الوجبة كاتبًا لها الخلود، وزاد ارتباطها بجموع المصريين فى العصر الحديث لتنتقل من مصر إلى العالم أجمع وجبة حلوة المذاق تحمل براءة اختراع مصرية.
ونظرًا لأهميتها فقد ارتبط الفول بعدة مصطلحات تجسد عشق المصرى له منها «إذا خلص الفول أنا مش مسئول» و«كباب الفقراء» و«مسمار البطن» و«أكلة الغفير والوزير»، كما ارتبط الفول بشهر الصيام وخاصة وجبة السحور كونه يظل فى المعدة لساعات طويلة يقاوم بها مشقة الصيام.
تبقى كلمة.. المصرى قاهر الأزمات عبر العصور، أعاد وحش المائدة إلى الصدارة من جديد ليستعيد عرشه فى مواجهة الحالة الاقتصادية التى جعلت العديد من السلع الغذائية خاصة اللحوم ومشتقاتها والدواجن والأسماك فوق إمكانياته ليتمسك بجذوره الفرعونية ويعود مقبلًا على الفول كوجبة رئيسية على الرغم من أنه اكتوى بنار الغلاء مثل غيره من السلع، إلا أنه يبقى الوجبة الأمثل لملايين الأسر لتهدئة البطون الثائرة على طريقة «إذا جالك الغصب خليه بجميله».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار الازمة الاقتصادية التاريخ المصري
إقرأ أيضاً:
أكثر من 12 مليون شخص في مناطق الحوثيين يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي
كشف تحليل حديث أن أكثر من 12 مليون شخص، أو نحو نصف السكان في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين (SBA)، شمال اليمن، سيعانون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، خلال الأشهر المقبلة، بفعل استمرار الصراع، والصدمات المناخية، والتدهور الاقتصادي، وانخفاض المساعدات الإنسانية.
ووفق أحدث تحليل صادر عن المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، فإنه "من المتوقع أن يواجه حوالي 12.2 مليون شخص أو ما نسبته 49% من السكان في المناطق الخاضعة للحوثيين، انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويحتاجون إلى مساعدات غذائية إنسانية عاجلة، خلال الفترة المقبلة.
وأضاف التحليل أن من بين هؤلاء سيعاني 8.5 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف IPC 3)، فيما سيواجه حوالي 3.7 مليون آخرين مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد على مستوى الطوارئ (المرحلة الرابعة من التصنيف IPC 4).
وأشار التحليل إلى أن النتائج تشير إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي الحاد في مناطق الحوثيين، إذ "تواجه جميع المديريات الـ215 التي تم تحليلها مستويات عالية من الأزمة الغذائية، من بينها 102 مديرية ومجموعة واحدة من ثلاث مديريات في حالة طوارئ غذائية، وهو ما يمثل زيادة قدرها مديريتين مقارنة بالفترة بين مارس/آذار ومايو/أيار 2025".
وأوضح أن تدهور الأمن الغذائي يُعزى بشكل رئيسي إلى مزيج من الأزمات المتداخلة المرتبطة بالصراع النشط، ونقص فرص العمل، والصدمات المناخية، وتأثيرات العقوبات الناجمة عن تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية (FTO)"، وإعاقة الأنشطة الاقتصادية، "كما أن أزمة البحر الأحمر المستمرة منذ أكتوبر 2023، والأضرار التي ألحقتها الغارات الجوية بالبنية التحتية لموانئ البحر الأحمر، أدت إلى تعطيل سلاسل الإمداد وسبل العيش، وبالتالي تفاقم انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير".
ونوّه التحليل إلى أن توقف برنامج المساعدة الغذائية الإنسانية (HFSA) بداية من مايو/أيار الماضي "يُشكل تهديداً خطيراً للسكان الذين يعتمدون عليه لتلبية احتياجاتهم الغذائية وسبل العيش، فخلال الثلث الأول من هذا العام، تم الوصول إلى ما يقرب من 2.85 مليون شخص في 89 منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين، لكن في الأربعة الأشهر القادمة، لن تصل هذه المساعدات سوى إلى 61,000 شخص فقط، بسبب تخفيضات التمويل".
وشدد على ضرورة وقف الأعمال العدائية، وتهدئة التوترات (محلياً، والبحر الأحمر، وإقليمياً)، والاستئناف الفوري للمساعدات الغذائية ودعم سبل العيش وتوسيع نطاقها، وتحسين بيئة العمل الإنساني، بما فيها ضمان سلامة وأمن العاملين في المجال الإنساني، وإزالة القيود المفروضة، وتسريع الموافقات على اتفاقيات الشركاء المتعاونين، وهي "أولويات حاسمة لضمان حلول مستدامة لانعدام الأمن الغذائي في مناطق الحوثيين، وضمان التعافي الاجتماعي والاقتصادي في عموم البلاد"