لا تقتصر الحرب في جنوب لبنان على الأضرار التي يحدثها القصف المعادي في الأرزاق والممتلكات، إنمّا لها تأثير ينطبع في مخيّلة الأطفال هناك. أتتخيّل ان تتبدّل حياتك لوهلة؟ أن تنقلب رأساً على عقب بدون سابق إنذار. أن تدمّر مدرستك أو حارتك وتسلخ عن محيطك ومنزلك الآمن هرباً من مدفعيّة لا تميّز بين كبير وصغير، بين قريب أو صديق أو غريب؟ هو حال أطفال لبنان في الجنوب، حيث لا يتوقّف العدوان ولا تهدأ المسيّرات من خرق هدوء الأجواء وتحطيم مساكن مخلّفة ذكرى أليمة لسكانها الذين لجأوا الى بلدات أخرى وأماكن إيواء أكثر "أمناً" من بيوتهم الدافئة.


ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أدّى التصعيد عند الحدود الجنوبية بين لبنان وإسرائيل إلى نزوح 76018 شخصاً من الجنوب حيث القرى والبلدات المتاخمة للحدود، والعاصمة بيروت ومنطقة بعبدا القريبة منها.
كما تشير المنظمة الى أن "حوالى 81% يقيمون حالياً مع أقاربهم و2% فقط من النازحين يقيمون في 14 مركز إيواء جماعي موزّعة في جنوب البلاد، لا سيّما في مدينة صور الساحلية وحاصبيا. أما البقية فقد استأجروا شققاً، أو انتقلوا للعيش في منازل أخرى يملكونها في مناطق أبعد من المناطق الحدودية المتوترة".
 
إضرابات وسلوكيّات غريبة عن أطفالكم
هذا النزوح القسري يحدث ندوباً نفسية واضطرابات لدى الأطفال الذين يشعرون أن أهلهم، مثلهم الأعلى، لا حول ولا قوة لهم سوى الانتقال من مكان الى آخر، ما يوثّر على سلوكياتهم ويجعلهم بحاجة لمتابعة لتخطّي الظروف الصعبة التي يمرّون بها.
وعن انعكاسات النزوح على أطفال الجنوب، تشير الاختصاصية في علم النفس تاتيانا نصّار لـ"لبنان 24"، الى أنه على الصعيد النفسي من الممكن أن يعاني الصغار من عوارض تتمثّل بالكوابيس، القلق، الأرق، الخوف من خسارة أشخاص مقربين أو ما يعرف بقلق الانفصال، تبدّل في نمط النوم وتناول الطعام، إضافة الى صعوبة في التعامل مع مشاعرهم "الصعبة".
أمّا على الصعيد السلوكي، فيمكن أن نلاحظ تغيراً في ردود الفعل لديهم، بطريقة مباشرة أو بعد فترة أيّام أو أشهر. وتعدد نصّار بعضاً من التبدلات في السلوك الناتجة عن الصدمة لدى الأطفال: "العنف، الانسحاب من التجمّعات، النزعة الانطوائية، مشاكل ثقة". وتضيف نصّار أنّه من "المرجّح أيضاً أن نلاحظ بعد السلوكيات التي تدلّ على تردي النمو العاطفي، كما أنه من الممكن أن يظهر عند البعض نوع من التخدير العاطفي".
كذلك، تشير بعض الدراسات الحديثة بشأن اضطرابات السلوك الناجمة عن صدمة الحرب لدى التلاميذ الى أنه قد يعني البعض من النكوص أي العودة الى سلوكيّات طفولية أقلّ من مرحلته العمرية، بحيث يقوم بـ"مصّ الإصبع" أو التبوّل اللاإرادي أو حتى استخدام عبارات "لغة الأطفال". كما تلفت الدراسة الى مشاكل الأكل بسبب الصدمة، فبعض الأطفال يتوقّف عن تناول الطعام أو يقلل من حجم حصصه الغذائية ويصبح فاقداً للشهية، في حين قد يفرط البعض الآخر في الأكل ويكثر من الأغذية السكريّة كالشوكولا والبسكويت.
بالإضافة الى ذلك، تتحدّث الدراسة عن عارض آخر وهو ضعف السيطرة على الإخراج. وتوضح أنه "في ظروف الضغط قد يصاب الطفل بالإسهال أو الإمساك، حصر البول أو عدم القدرة على التحكّم بالإفرازات".
كذلك، تؤثر الصدمة على السلوكيات الجنسية لدى الأطفال، بحسب الدراسة. إذ قد تزداد ملامسة الأعضاء الجنسية لديهم بسبب وجودهم في وضع ضاغط، فهم بهذا السلوك سيجدون تهدئة آنية لا تتطلب تنظيم وتركيز الأفكار أو السلوك.
وطبعاً للحرب والنزوح انعكاس كبير على المستوى الأكاديمي لدى الأطفال فهم يفقدون القدرة على التركيز والتذكر، ما يؤدي الى تراجع في الأداء العلمي والدراسي.
 
لا تغفلوا عن الأمور البسيطة
لأنّ البساطة في كلّ شيء هي السر وخاصة عند الحديث عن الأطفال، لا تغفلوا عن بعض الأمور السهلة والبسيطة في التعامل مع أولادكم خلال فترة الحرب أو النزوح القصري، فهم يحتاجون الى اهتمامكم للتأقلم بطريقة أفضل مع كلّ ما يشهدونه في تغييرات وانسلاخ عن المحيط الآمن.
وتشير نصّار في حديثها الى "لبنان 24" الى "أهمية اطلاع الأهل على العوارض التي تظهر لدى أطفالهم في حالات الحرب وعدم الضغط عليهم أو تعييرهم أو تسخيف مشاعرهم"، مشددة على ضرورة "عرض المساعدة والدّعم بشكل متكرّر واستخدام تقنية الاستماع الفعّال، بالإضافة الى التقرّب من الأطفال وإعلامهم بانهم ليسوا الوحيدين وان ما يشعرون به طبيعي".

وتلفت الاختصاصية في علم النفس الى "أهميّة خلق نوع من الـ"روتين" حتّى في حال النزوح". وتفسّر: "يجب تحديد وقت للعشاء لكلّ العائلة، وقت للتحدث أو للعب"؛ بمعنى آخر يجب القيام بنشاطات تساعد في خلق توازن والاعتياد على الوضع الراهن.
كذلك، تشدد على "أهميّة عدم تغيير الحقائق، لأنه على الطفل أن يشعر بالثقة مع الأهل والصراحة المحدودة هي ما يطمئن وليس تخفيف الحقائق أو تسخيفها". كما تنصح الأهل طلب المساعدة من اختصاصيين عند الحاجة.
 
ما هو دور لمعالج أو الإختصاصي في هذه الحالة؟
وعن الخطوات العلاجية لمساعدة الأطفال في تخطي الصدمة الناتجة عن الحرب، تقول نصّار إنّ "الأهمّ لدى المعالجين هو بناء الثقة والشعور بالأمان، وهم يقومون بتقييم متكرّر لحالة الطفل. ويلجأون الى "التثقيف العاطفي أي إعطاء معلومات عن العوارض والمشاعر وردود الفعل الطبيعية في مثل هذه الظروف غير الطبيعية".
كما يستعين المعالجون بأسلوب العلاج التعبيري عبر الرسم أو التمثيل أو اللعب أو الكلام، إذا كان عمر الولد يسمح بذلك. ويسعى ايضاً المعالجون، وفقاً لنصّار الى "تحفيز الطفل على الاسترخاء وتعليمه طرق التنفس، كما يسعون الى خلق مجتمع او عائلة داعمة لبعضها".
 
التحديّات التي يواجهها المعالجون في حالات "تروما الحرب"
في حالات معالجة صدمة الحروب لدى الأطفال، يعاني الإختصاصيون في علم النفس والمعالجون من صعوبات عدّة خلال المراحل الأولى من متابعة الأطفال. وتقول نصّار إن "أهمّ التحديّات هي في القدرة لدى الطفل على التكلم أو التعبير، فالافصاح عن مشاعره وأفكاره يكون محدوداً في الكثير من الأحيان. أمّا التحدي الثاني فيكمن في القدرة على اكتساب ثقة الولد في وقت قصير".
وتكمل نصّار أنه "في أغلب الأحيان تتحرّك الصدمة خلال فترة العمل مع الطفل وهنا يكون دور المعالج مساعدة الولد على اختبار مشاعره بشكل صحي"، كما تشير الى أنه "في بعض الأوقات يكون عدم اطلاع الأهل على التأثيرات النفسية أحد التحديات التي يواجهها المعالج".
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: لدى الأطفال الى أن

إقرأ أيضاً:

عقوبات صارمة لكل من يخفي طفلًا صدر بحقه حكما بتسليمه

في ظل تصاعد القلق المجتمعي حول مصير الأطفال الذين تُصدر المحاكم أحكامًا بتسليمهم ولا تُنفذ، يطرح الشارع تساؤلًا ملحًا: من يحمي الطفل عندما يُحرم ممن له الحق القانوني في رعايته؟.

الإجابة جاءت حاسمة في تعديلات قانون الطفل المصري، التي شددت العقوبات ضد من يثبت تورطه في إخفاء طفل صدر حكما بتسليمه، أو من يتسبب في تعريضه للخطر نتيجة الإهمال أو الإخلال بواجبات الرعاية.

انطلاق فعاليات برنامج جامعة الطفل بـ جنوب الوادي5 علامات تؤكد ذكاء طفلك المبكر.. انتبه لها قبل أن تضيعالبحوث الإسلامية يطلق سلسلة أخلاقنا الجميلة المرئية للأطفال لتعزيز الوعيالقبض على شخص تعدى على طفليه بالضرب في القاهرةالحبس والغرامة لمن يخفي طفلًا أو يساعده على الفرار

وفقًا للمادة 115 من قانون الطفل، يعاقب كل من أخفى طفلًا صدر حكم قضائي بتسليمه بالحبس أو الغرامة التي لا تتجاوز ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ولا تُطبق هذه العقوبة على الأب أو الأم أو الأجداد أو الزوج أو الزوجة، بل على من هم خارج هذه الدائرة.

الإهمال في الرعاية قد يُفضي إلى الحبس

المادة 114 من القانون تنص على أن من يُسلَّم إليه طفل ويتهاون في واجباته، فيُعرض الطفل للخطر أو الجريمة، يعاقب بغرامة تبدأ من 200 جنيه وتصل إلى ألف. وإذا ثبت أن الإهمال كان جسيمًا، فالعقوبة ترتفع إلى الحبس من 3 أشهر حتى سنة، وغرامة تصل إلى 5 آلاف جنيه.

لا سجن للأطفال مع البالغين

في خطوة لحماية الطفل داخل منظومة العدالة، تحظر المادة 112 احتجاز الطفل مع البالغين في نفس المكان، وتنص على الحبس والغرامة لكل موظف أو مسؤول يخل بهذا التنظيم، حيث تتراوح العقوبة بين 3 أشهر إلى سنتين حبسًا، وغرامة تصل إلى 5 آلاف جنيه.

متابعة صحية للأطفال في المدارس

امتدت الحماية القانونية إلى الجانب الصحي، إذ تلزم المادة 29 بتقديم بطاقة صحية عند الالتحاق بالتعليم قبل الجامعي، يتم فيها توثيق الفحوصات الدورية طوال سنوات الدراسة، لضمان بيئة تعليمية سليمة من الناحية الجسدية والنفسية.

الدولة تكفل الحماية في الطوارئ والنزاعات

وفي المادة 7 مكرر (ب)، أكدت الدولة التزامها التام بـحماية حياة الطفل في حالات الطوارئ والحروب والكوارث، مع ملاحقة كل من يرتكب جرائم في حق الأطفال، سواء كانت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

طباعة شارك الأطفال الحبس والغرامة الإهمال في الرعاية لا سجن للأطفال المدارس

مقالات مشابهة

  • نجدة الطفل تكشف مفاجأة عن بلاغات العنف ضد الأطفال
  • عقوبات صارمة لكل من يخفي طفلًا صدر بحقه حكما بتسليمه
  • إسحاق بريك .. النجاحات التي يتحدث عنها جيشنا بغزة غير واقعية
  • مع استمرار الحرب..التهاب السحايا مأساة جديدة تهدد حياة أطفال غزة
  • انطلاق فعاليات برنامج جامعة الطفل بـ جنوب الوادي
  • عاجل | معاريف عن اللواء احتياط إسحاق بريك: النجاحات التي يتحدث عنها جيشنا بغزة لا تتطابق مع الواقع المرير على الأرض
  • اعتقال وزيرتين سابقتين في سوريا.. قضيّة غامضة تعود إلى أطفال مغيّبين واحتضان مثير للجدل
  • إصابة 4 أطفال باشتباه تسمم فى قرية دندرة بقنا
  • تقارير تورط البوليساريو في إختفاء أطفال من مخيمات تندوف
  • لماذا يتصرف طفلك في عمر الثالثة كمراهق؟