اختصمت دولة «جنوب أفريقيا»، دولة الاحتلال فى محكمة العدل الدولية برفع دعوى قضائية فى 29 ديسمبر الماضى، طلبت فيها إعلان انتهاك ومخالفة إسرائيل للالتزامات الدولية بارتكابها الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، كما دعت المحكمة إلى إصدار أوامر عاجلة بحماية الفلسطينيين من الإبادة لحين الفصل فى الأمر.

واكتسبت الدعوى أهمية خاصة باعتبارها مقامة من «جنوب أفريقيا»، الدولة التى سبق أن عانت من العنصرية ونظام الفصل العنصرى «الأبارتايد»، وأصبحت رمزاً للقضاء على هذه «السُّبَّة» التاريخية، فضلاً عن أنها مقامة أمام «العدل الدولية»، وهى الجهاز القضائى الرئيسى للأمم المتحدة، الذى يتولى الفصل طبقاً لأحكام القانون الدولى فى النزاعات القانونية التى تنشأ بين الدول، أما عن «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» فقد تم إقرارها وعرضها للتصديق والانضمام بموجب قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة فى 8 ديسمبر 1948، والتى تضمنت أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولى، وأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولى، كما جاء على الموقع الرسمى للصليب الأحمر الدولى.

وأكد الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى، أن جنوب أفريقيا طلبت من «العدل الدولية» أن تعلن فى جلساتها المرتقبة أن دولة الاحتلال انتهكت التزاماتها الدولية من عدة أمور، أولها أنها ارتكبت أشكالاً أو أنماطاً من الإبادة الجماعية والمحددة فى المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وثانياً أنها امتنعت عن التدخل لمنع جيشها وسلطاتها وهيئاتها التنفيذية الأخرى من ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وثالثاً أن إسرائيل قصرت فى الالتزام بإصدار تشريع وطنى داخلى يُجرم أفعال الإبادة الجماعية، بمثابة الخطوط الرئيسية العريضة للدعوى المكونة من 84 صفحة.

طالبت بتدابير مؤقتة احترازية لحماية المدنيين الفلسطينيين فى غزة

وبناءً على ما سبق، تقدمت جنوب أفريقيا فى دعواها، حسب «سلامة»، بطلب للمحكمة بأن تُصدر «أوامر قضائية إلزامية» ضد إسرائيل، تتضمن «تدابير مؤقتة احترازية» تهدف لحماية المدنيين الفلسطينيين فى غزة أثناء سير الدعوى، وتحمى حقوق وواجبات دولة جنوب أفريقيا المدعية أمام المحكمة فى الدعوى، وهى الحقوق والواجبات الواردة فى اتفاقية الإبادة الجماعية، وفق الاتفاقية، فى أن تمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية فى أى دولة من الدول الأطراف فى هذه الاتفاقية، التى بلغ عدد أعضائها 153 دولة (حتى أبريل 2022)، وهذا هو الباعث الرئيسى من رفع جنوب أفريقيا لهذه الدعوى، حيث تنص الاتفاقية، على أن تلتزم الدول الأعضاء فى هذه الاتفاقية بمنع الإبادة الجماعية، إذن فهذا واجب على جنوب أفريقيا، والمفروض أيضاً أنه واجب على كل الدول العربية المنضمة للاتفاقية.

أما عن «لماذا جنوب أفريقيا تحديداً التى بادرت بالتصدى لرفع الدعوى؟»، وما الأهمية الرمزية لذلك؟ فيجيب أستاذ القانون الدولى: «كانت جنوب أفريقيا تكاد تكون فيما مضى أكبر دولة صديقة لإسرائيل، لأن الدولتين حتى 1994 عام نهاية نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا (الأبارتايد)، برئاسة الرئيس الأبيض دو كلريك، حيث كانت تعانى من أفظع جرائم الفصل العنصرى، وهى جريمة ضد الإنسانية، وهى ذات الجريمة التى ترتكبها إسرائيل ضد كل الفلسطينيين».

ويضيف «سلامة» أن جنوب أفريقيا بتاريخها وإرثها باعتبارها كانت تقع تحت أفظع وأبشع نظام فصل عنصرى فى التاريخ، وضعت تشريعات وطنية تُلزمها بملاحقة مرتكبى الجرائم ضد الإنسانية، وهذه الرمزية وهذه الأسباب القانونية والسياسية هى التى جعلت إسرائيل تفاجئ العالم وتمثل للظهور أمام المحكمة فى مفاجئة تاريخية، خاصة فى ضوء أن إسرائيل تعتبر الأمم المتحدة بكل مؤسساتها وأفرعها الرئيسية، ومنها محكمة العدل الدولية، أعداءها ومنحازين ضدها، وذلك منذ قيام الدولة العبرية فى 15 مايو 1948، لأن أكبر قرارات فى منظمة الأمم المتحدة لم تصدر إلا تجاه دولة الاحتلال.

«سلامة»: إسرائيل تعتبر الأمم المتحدة بكل مؤسساتها وأفرعها ومنها محكمة العدل الدولية أعداءها ومنحازين ضدها 

وأوضح «سلامة» أن المحكمة التى تتكون من 15 قاضياً دولياً ستستغرق سنوات لإصدار «قراراتها القضائية الإلزامية»، علماً بأنها لا يكون فيها «طعن»، وتسمى لدينا فى القضاء الوطنى «أحكام باتة مبرمة».

وميَّز أستاذ القانون الدولى بين هذه القرارات القضائية الإلزامية، وبين «الأوامر العاجلة أو المستعجلة» المقرر أن تصدرها المحكمة، والتى تتضمن تدابير مؤقتة احترازية أو تحفظية، نظراً لأن الفلسطينيين تتم إبادتهم، وذلك على غرار وقف إطلاق النار وتمكين الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة فى قطاع غزة، والامتناع عن اتخاذ أى تدابير من شأنها إلحاق ضرر جسيم بالفلسطينيين يجعل حياتهم وبقاءهم ومعيشتهم فى قطاع غزة تكاد تكون مستحيلة.

وقال أستاذ القانون الدولى إن جنوب أفريقيا بالتعبير القانونى تعتبر دولة «مُدعية»، فى حين أن «بوليفيا» التى طلبت من المحكمة التدخل فى الدعوى ستعتبر «دولة متدخلة فى الدعوى»، إن قبلت المحكمة طلبها بالتدخل، وسيكون لبوليفيا كافة الحقوق أثناء سير الدعوى، كما أن المحكمة لن تقبلها إلا بعدما تقدم لها الأدلة على ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية، وأنها كما هو الحال مع جنوب أفريقيا متضررة أيضاً من جريمة الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، لأن هذه الاتفاقية لا تحمى حقوق الفلسطينيين فقط، ولكن تحمى الحقوق العالمية للإنسان.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل محكمة العدل جریمة الإبادة الجماعیة العدل الدولیة جنوب أفریقیا

إقرأ أيضاً:

«حشد» تدق ناقوس الخطر بشأن الإبادة الجماعية بغزة وتطالب باستجابة إنسانية عاجلة

أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد»، ورقة موقف حقوقية بعنوان: «الاستجابة الإنسانية المطلوبة للناجين ضحايا الإبادة الجماعية في غزة - في ضوء المعايير الدولية وميثاق اسفير»، أعدّتها المحامية والباحثة الحقوقية رنا ماجد هديب، تناولت فيها الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها الناجون من الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة، في ظل العدوان العسكري الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023، والانهيار التام في المنظومة الخدمية والإنسانية، واستمرار الصمت الدولي المخزي تجاه الجرائم المرتكبة.

وقالت الهيئة في ورقتها إن الاستجابة الدولية الحالية لا ترتقي لمستوى الكارثة الإنسانية والجرائم التي تُرتكب، مطالبة بتوفير استجابة شاملة ترتكز على المبادئ الإنسانية الأساسية، وتستند إلى المعايير الدولية المعتمدة، خاصة ميثاق اسفير والمعايير الدنيا للاستجابة الإنسانية في حالات الكوارث.

الانتهاكات في قطاع غزة ترتقي إلى جريمة إبادة جماعية

أكدت الورقة أن الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ بداية عدوانه الواسع على قطاع غزة، ارتكب جرائم ممنهجة تستوفي الشروط القانونية لجريمة الإبادة الجماعية المنصوص عليها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، لا سيّما في ضوء الاستهداف الواسع للمدنيين والأعيان المدنية، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، ومنع دخول المساعدات، وتجويع السكان عمداً.

ووفقًا للبيانات الواردة في الورقة، فقد أسفر العدوان حتى منتصف مايو 2025 عن:

- استشهاد أكثر من 70.000 فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال.

- إصابة أكثر من 123.000 آخرين بجراح متفاوتة، كثير منهم بإعاقات دائمة.

- تدمير أكثر من 88% من المباني السكنية والمنشآت الصحية والتعليمية والخدمية.

- نزوح داخلي قسري لما يزيد عن 1.9 مليون شخص، يعيشون في ظروف غير إنسانية، بلا مأوى أو خدمات أساسية.

- وفاة المئات جراء الجوع ونقص الدواء وانتشار الأمراض، لا سيما في المناطق الشمالية التي تعرضت لحصار وتجويع ممنهج.

قصور واضح في الاستجابة الإنسانية الدولية

أبرزت الورقة فشل النظام الإنساني الدولي في الاستجابة الفورية والفعالة للكارثة الجارية في غزة، إذ افتقرت الجهود إلى التنسيق، والشفافية، والكفاءة، ووقعت تحت تأثير الضغوط السياسية، خاصة مع استمرار سياسات التمييز في توزيع المساعدات، ومنع دخول المواد الإغاثية عبر المعابر.

كما أشارت الورقة إلى تقاعس الجهات الأممية في توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية والنفسية للضحايا، في وقت يعاني فيه الناجون من آثار نفسية واجتماعية جسيمة، تتطلب استجابة متعددة الأبعاد، تتضمن:

- دعم الصحة النفسية والدعم الاجتماعي.

- ضمان المأوى الآمن والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي.

- توفير الغذاء الكافي والمغذي دون تمييز أو ابتزاز.

- ضمان الوصول للخدمات الصحية الأساسية والمتخصصة.

ميثاق اسفير كمرجعية ملزمة

شددت الورقة على أهمية اعتماد ميثاق اسفير كإطار مرجعي ملزم لضمان الاستجابة الإنسانية، كونه يحدد المعايير الدنيا لتوفير الكرامة والحماية للناجين، من خلال أربعة محاور رئيسية:

- الحق في الكرامة الإنسانية.

- الحق في المساعدة.

- الحق في الحماية والأمن.

- الحق في المشاركة في صنع القرار.

وحذّرت الورقة من أن غياب تطبيق هذه المعايير في غزة يجعل المجتمع الدولي في موقع التواطؤ أو التقصير الجسيم، ما يستوجب تصحيح المسار فورًا، والتوقف عن تسييس المساعدات الإنسانية.

توصيات عاجلة للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية

اختتمت الورقة الحقوقية بتوصيات استراتيجية وعملية، طالبت فيها بما يلي:

- اعتراف المجتمع الدولي بأن ما يجري في غزة هو جريمة إبادة جماعية، ومحاسبة مرتكبيها أمام العدالة الدولية.

- توفير استجابة إنسانية عاجلة وشاملة، تتجاوز الإغاثة المؤقتة، وتشمل إعادة الإعمار والدعم النفسي والاجتماعي طويل الأمد.

- رفع الحصار فورًا، وضمان فتح المعابر بشكل دائم ومنتظم، وتيسير دخول المساعدات دون عوائق أو اشتراطات سياسية.

- إشراك منظمات المجتمع المدني المحلي والجهات الحقوقية في آليات الإغاثة وتوزيع المساعدات، ومراقبة أدائها.

- تعزيز آليات الرقابة الدولية على توزيع المساعدات، لمنع التلاعب أو الفساد أو الاستغلال السياسي.

في ختام موقفها، طالبت الهيئة الدولية «حشد» الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات الإغاثة الدولية، والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، بضرورة التحرك الفوري لإنهاء هذه المأساة المتفاقمة، ووقف الانتهاكات الجسيمة، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب.

وأكدت أن الكرامة الإنسانية للضحايا ليست محل تفاوض، وأن الصمت الدولي شجع الجناة على مواصلة جرائمهم، داعية إلى إعادة الاعتبار للعدالة الإنسانية، وتفعيل أدوات القانون الدولي لحماية المدنيين في غزة.

اقرأ أيضاً«حشد» تشيد بقرار منظمة الصحة العالمية وتدعو لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية إلى غزة

«حشد»: استهداف المستشفيات في قطاع غزة جريمة حرب تتطلب تدخلاً دولياً صارماً وفورياً

مقالات مشابهة

  • آن أوان العقوبات على إسرائيل مثل جنوب افريقيا زمن الفصل العنصري
  • 300 كاتب فرنكوفوني ينددون بـ"الإبادة الجماعية" في غزة ويدعون لفرض عقوبات على إسرائيل
  • «حشد» تدق ناقوس الخطر بشأن الإبادة الجماعية بغزة وتطالب باستجابة إنسانية عاجلة
  • عاجل.. المحكمة الرياضية الدولية ترفض طلب بيراميدز بتعليق الإعلان عن بطل الدوري
  • المحكمة الرياضية الدولية ترفض طلب بيراميدز بتعليق قرار إعلان بطل الدوري
  • 800 قانوني بريطاني يطالبون بعقوبات على إسرائيل.. خطر الإبادة الجماعية حقيقي
  • تحركات قانونية لدفع الحكومة البريطانية إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة
  • 800 محام وقاض بريطاني يطالبون ستارمر بفرض عقوبات على إسرائيل ويتهمونها بـ"الإبادة الجماعية" في غزة
  • إيران تندد بالدعوى الفرنسية ضدها أمام العدل الدولية
  • وزير الخارجية الألماني يشدد على ضرورة إنهاء جريمة الإبادة الجماعية في غزة