البوابة نيوز:
2024-06-12@17:36:25 GMT

الحوار هو الحل (4)

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

 

في إحدى الروايات المصرية للحكاية الشعبية "ماري جرجس اللي قتل الوحش"، يحكي أحد الرواة المصريين المسلمين، قائلا: إنه ذات مرة هناك كانت مملكة يحكمها أحد الملوك، وكان هناك نهر يمر وسط هذه المملكة. كان هذا النهر هو شريان الحياة للمملكة كلها، ولا يوجد مصدر مياه آخر للمملكة سواه. ثم جاء ثعبان ضخم (وحش) وقام بسد هذا النهر، فمنع المياه عن المملكة.

اجتمع أهل المملكة؛ فى محاولة لإبعاد هذا الوحش عن المملكة دون أن يتمكنوا من تغيير شيء. اهتدى أهل المملكة لحيلة إهداء هذا الوحش فتاة بكرا، ونجحت الحيلة، وسمح لهم بمرور المياه، واختفى. في العام التالي، وفي الموعد نفسه، عاد الوحش وقام بسد النهر عن المملكة، فلجأ أهل المملكة إلى الحيلة نفسها، بإهدائه فتاة بكرا ثانية، فسمح لهم بفتح النهر. وظل على هذا النحو عدة سنوات، وفي كل عام يحدث أن يقدم له أهل المملكة الفتاة البكر، ويسمح لهم الوحش بعبور المياه. ومع مرور السنين، لم يعد يتبقى في المملكة سوى ابنة الملك، التي قرر التضحية بها، وتقديمها قربانا لهذا الوحش؛ إنقاذا للمملكة من الموت عطشا. وفي اليوم التي اجتمع فيها أهل المملكة، وهم يقدمون ابنة ملكهم، قربانا، وهم في قمة الحزن عليها، وكذلك لأنهم يعرفون أنها آخر فتاة في المملكة، وكان لسان حالهم: ماذا سيحدث للمملكة في العام التالي؟ وبمجرد اقتراب الوحش من الفتاة المستسلمة، انقض القديس ماري جرجس، الملقب بالشهيد على الوحش فقتله. عندئذ انهمر الماء في النهر، وهلل الأهالي فرحا بزوال الخط، وبإنقاذ ابنة ملكهم المحبوب. وفي قلب هذه الاحتفالات اختفى ماري جرجس. وبعد أن انتهى أهل المملكة من الاحتفال، راحوا يبحثون عن سبب الخلاص، فلم يجدوه، وأرسل الملك جنوده في كل أنحاء المملكة؛ بحثا عن ماري جرجس، وبعد مشقة وعناء، وجدوه نائما في أحد أطراف المملكة. استقبله الملك استقبالا يليق به، وطلب منه الزواج من ابنته، فوافق القديس. وعاش أهل المملكة في هناءة وسرور بسبب ماري جرجس".

 إن هذه الحكاية التي يحكيها راوٍ مصري مسلم لجمهور- معظمه إن لم يكن كله- من المسلمين، لم يجد غضاضة أو حساسية دينية، في أن يمجد من كرامات قديس بطل مسيحي. فهذه واحدة من كرامات كثيرة تُنسب إلى القديس ماري جرجس، على نحو ما ينسب غيرها لقديسين مسيحيين آخرين، يرويها رواة مسلمون، لأخذ العظة منها. والأمر نفسه لرواة مصريين مسيحيين يقومون برواية حكايات عن أولياء مسلمين وكراماتهم، دونما حساسية دينية؛ لأخذ العظة أيضا. إن الراوي المسلم أو المسيحي لا يهتم بمدى صدق مثل هذه الكرامات أو خياليتها، ومدى واقعيتها أو مبالغتها للواقع، وإنما ما يعنيه هو أخذ العظة والعبرة والدروس الإنسانية المستفادة. إن حكايتنا التي سردنا لها قد تحيلنا إلى موروث إنساني ممتد، منه على سبيل المثال، لا الحصر، أسطورة أوديب، ولكن روايتها في مصر تؤكد ثوابت وطنية ومجتمعية ممتدة عبر العصور، وترسخ للتعايش الإنساني بين المصريين، مترفعين على اختلافات النوع والعرق واللهجة، والدين. ولقد تماشىت كل أشكال المأثورات الشعبية المصرية مع هذا الخيط التعايشي العام للنسيج المصري. فعندما تحضر مولد السيدة العدرا في أسيوط، أو مولد ماري جرجس، تلاحظ مشاركات المصريين المسلمين وهي تفوق مشاركات الأخوة المسيحيين، وكذلك تلاحظ مشاركات المسيحيين في موالد المسلمين مثل سيدي أبو الحجاج الأقصري، أو سيدي عبد الرحيم القناوي، التي تفوق مشاركات المسلمين. وليست هذه هي فقط التي تؤكد الثوابت الوطنية والاجتماعية داخل النسيج المصري، بل إننا نلاحظ هذه الوحدة والتناغم الاجتماعي في أداء فريضة مهمة عند المسلمين والمسيحيين المصريين. فأغاني "التحنين" للحجاج المسلمين، التي يودع بها المسلمون أحباءهم وهم في طريقهم إلى مكة، هي نفسها أغاني "التقديس"، التي يودع بها المسيحيون في مصر أحباءهم  من الحجاج (المقدسين) المتوجهين إلى بيت المقدس، مع اختلافات بسيطة تتعلق بأسماء الأماكن، والصفات التي تطلق على الزائرين، مثل "الحاج أو الحاجة"، عند المسلمين، و"المقدِّس والمقدٍّسة" عند المسيحيين. ومن ذلك: 

فمن أغاني التقديس المسيحية:

مقدِّسة يا مقدسة.. يا أم شال قطيفة

رايحة فين يا مقدسة

رايحة‏ ‏أزور‏ ‏المسيح‏ ‏وأعول‏ ‏الضعيفة

****

مقدِّسة يا مقدسة.. يا أم شال لاموني

رايحة فين يا مقدسة

رايحة‏ ‏أزور‏ ‏المسيح‏ ‏وأملِّي عيوني 

 

 

وهي نفسها أغاني التحنين الإسلامية مع هذا التغيير البسيط:

حاجة يا حاجة.. يا أم شال قطيفة

رايحة فين يا حاجة؟..

رايحة أزور النبي محمد، والكعبة الشريفة

****

حاجة يا حاجة.. يا أم شال لاموني

رايحة فين يا حاجة؟..

رايحة أزور النبي محمد، ووأملِّي عيوني

وانطلاقا من هذا الأساس الثابت للعلاقة الإنسانية، نجد المنشدين الشعبيين يؤكدون هذا المعنى، فنجد أحدهم يقول:

أنا باوحد اللي خلق الناس

خلق مسلمين ونصارى

شوف ياما ناس عايشة على فرش وكناز (كنوز)

وناس ع المعايش حيارى

ويقول آخر:

وحياة من خلق محمد

وخلق عيسى ابن مريم

كل هذا يؤكد القيم الإنسانية الفطرية، التي ينشأ عليها المصريون، والتي ينبغي أن تسود، دون أن يعكر صفوها أمور دخيلة، سرعان ما تختفي؛ ليبقى أساس العلاقة المتينة التي تربط المصريين ببعضهم البعض برباط وثيق إلى يوم القيامة إن شاء الله. وللحديث يقية. 

* أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب، جامعة القاهرة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: ماري جرجس

إقرأ أيضاً:

المشاط: تعزيز الحوار المتبادل بين بنك التنمية الجديد والقطاع الخاص في مصر

عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي والمحافظ المناوب لمصر لدى بنك التنمية الجديد، مائدة مستديرة مع أنيل كيشورا، نائب رئيس بنك التنمية الجديد وكبير مسؤولي المخاطر، وبمشاركة العديد من ممثلي القطاع الخاص ومراكز الفكر والأبحاث في مصر، من بينهم أسامة الجوهري، مساعد رئيس الوزراء ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، محمد إيهاب، المدير التنفيذي لشركة إنطلاق، والدكتور سمير صبري، مقرر لجنة الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بالحوار الوطني، والدكتور سيف الله فهمي، رئيس مجلس إدارة المجلس الوطني المصري للتنافسية، كما حضر عبر الفيديو الدكتورة شيرين غنيم، مدير التواصل والتوعية السياسية بمنتدى البحوث الاقتصادية ERF، والدكتور ماجد عثمان، رئيس المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، إلى جانب فريق عمل وزارة التعاون الدولي.

يأتي ذلك في إطار الدور الذي تقوم به الوزارة لتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والإنمائي مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، والحرص على توطيد أطر العلاقات المشتركة مع بنك التنمية الجديد، الذراع الاقتصادي لتجمع دول "بريكس"، والتعرف على فرص التعاون وتبادل المعرفة والخبرات مع البنك ومختلف الجهات الوطنية سواء القطاعين الحكومي والخاص، أو مراكز الفكر والأبحاث، والأطراف ذات الصلة.

وفي مستهل اللقاء رحبت وزيرة التعاون الدولي، بنائب رئيس بنك التنمية الجديد، خلال زيارته لمصر، مؤكدة أن الهدف من اللقاء التعريف بما يقوم به البنك من أنشطة وما يقدمه من تمويلات وخدمات مُختلفة لتعزيز جهود التنمية، وتعزيز التواصل مع البنك ومختلف الأطراف ذات الصلة في مصر بما يمكننا من بلورة إطارًا للتعاون ومناقشات مستمرة تُعزز الأهداف المشتركة من الجانبين.

وأكدت أن هذا اللقاء يمكن أن يعد تأسيسًا للقاءات متتالية ودورية بين مراكز الفكر والأبحاث في مصر وبنك التنمية الجديد ومراكز الفكر والأبحاث في الدول أعضاء تجمع البريكس، بما يعزز من عملية تبادل الخبرات والاطلاع على المستجدات، ويعزز استمرارية الحوار بين الجانبين، لافتة إلى أن هناك العديد من الدروس المستفادة والتجارب التي يمكن تبادلها والاطلاع عليها بين الدول المؤسسة مثل الهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا وبين مصر، وما يمكن أن يقدمه البنك للقطاعين الحكومي والخاص في مصر.

ومن جانبه عبر السيد نائب رئيس بنك التنمية الجديد، عن سعادته بزيارة مصر وانعقاد الملتقى الأول للبنك في القاهرة، مشيرًا إلى أن بنك التنمية الجديد التابع لدول "بريكس"، تم تأسيسه في عام 2015 بعد دراسة مستفيضة من الدول الأعضاء، وأن البنك مازال يحظى بدعم واهتمام كبير من الدول المؤسسة والشخصيات التي دعمت رسالته ومن بينهم السيدة/ ديلما روسيف التي كانت رئيسة البرازيل وقت التأسيس، وهي الآن رئيسة للبنك، وسرعان ما قام البنك بتقديم أول تمويل في عام 2016.

وأكد نائب رئيس البنك، أن بنك التنمية الجديد مازال أمامه الكثير لينجزه في إطار رسالته لدعم الدول النامية والناشئة، موضحًا أن البنك ساهم بشكل كبير في دعم الدول الأعضاء خلال جائحة كورونا وحتى الآن تجاوزت التمويلات التي أتاحها البنك نحو 35 مليار دولار، لافتًا إلى اهتمام البنك بالتمويلات بالعملات المحلية، وتمويل مشروعات البنية التحتية المستدامة، وقطاعات ذات أولوية مثل المياه والطاقة المتجددة، كما أكد على رغبة البنك في توسيع نطاق عملياته بالعملات المحلية. ولفت إلى التكامل بين الأولويات الاستراتيجية لبنك التنمية الجديد والتي من بينها الصحة، والتعليم، والنقل، والمياه، وكذلك الأولويات التي تحتاجها جهود التنمية في مصر، لذلك فإن هناك تقاطع بين الأولويات المشتركة وهو ما يعزز فرص التعاون المستقبلية.

وعرض مسئولو المراكز البحثية والمشاركين في المائدة المستديرة رؤاهم وتطلعاتهم، والفرص المتاحة لتبادل المعرفة والخبرات مع بنك التنمية الجديد وتجمع دول "بريكس"، حيث استعرض السيد أسامة الجوهري، مساعد رئيس الوزراء ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، دور المركز الرائد باعتباره أحد أبرز مراكز الفكر في القارة، لتوفير المعلومات وإعداد الدراسات التفصيلية، والتقارير الدورية، حول الاستراتيجيات والرؤى الوطنية، حيث ساهم المركز في إعداد وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تعمل من خلالها على تمكين القطاع الخاص وتوسيع مشاركته في جهود التنمية، كما أشار أيضًا إلى التقرير الذي أصدره المركز حول علاقة مصر بتجمع البريكس والفرص الواعدة المرتقبة للعلاقات المستقبلية مع تجمع بريكس وكذلك بنك التنمية الجديد.

ومن جانبه تحدث محمد إيهاب، المدير التنفيذي لشركة إنطلاق، عن دور الشركة في دعم بيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة في مصر في إطار الجهود التي تقوم بها الدولة لتنمية وتمكين هذا القطاع الحيوي، وإتاحة برامج تسريع الأعمال والخدمات الاستشارية للشركات الناشئة، وتشجيع استثمارات رأس المال المخاطر.

كما تحدث الدكتور ماجد عثمان، رئيس مركز بصيرة، عن أهداف المركز الذي يضم مجموعة كبيرة من الأكاديميين والخبراء، ويعد أول مركز مستقبل لبحوث الرأي العام، وإتاحة البيانات الموثوقة والنوعية. كما تحدثت الدكتورة شيرين غنيم، مدير التواصل والتوعية السياسية بمنتدى البحوث الاقتصادية،  حول تأسيس منتدى البحوث الاقتصادية عام 1994، واحتفاله بمرور 30 عامًا على تأسيسه لتعزيز عملية البحوث الاقتصادية للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية في الدول العربية، من خلال شبكة كبيرة من الباحثين والخبراء الاقتصاديين.

وعرض فريق عمل وزارة التعاون الدولي، جهود الوزارة في تعزيز الاستفادة من الخدمات المالية وغير المالية التي يتيحها شركاء التنمية للقطاع الخاص في مصر، من خلال إطلاق منصة "حافز" للدعم المالي والفني للقطاع الخاص، والتي تعد منصة موحدة تجمع كافة المناقصات والخدمات التي يمكن أن يستفيد منها شركات القطاع الخاص بمختلف أحجامها.

مقالات مشابهة

  • بعمر “130 عامًا” واستُقبلت بالورود والهدايا.. وصول أكبر حاجة إلى المملكة لأداء مناسك الحج
  • المؤمنون يتوافدون إلى مكة لأداء مناسك الحج
  • الركراكي حول تغيير أسلوب اللعب وفك دفاعات الخصوم: المدربين الكبار ومازال مالقاو الحل
  • المبدأ الأساسي هو الحوار.. لقاء بين اللقاء الديموقراطي والتوافق الوطني
  • وصول أكبر حاجة تجاوز عمرها 130 عاما لأداء الحج .. فيديو
  • هذه اهداف موقف فرنجية...برّي: الحوار وحده يأتي بـ86 نائباً لانتخاب الرئيس
  • وزراء خارجية البريكس يرحبون بمقترحات الحل السلمي للصراع في أوكرانيا
  • المشاط: تعزيز الحوار المتبادل بين بنك التنمية الجديد والقطاع الخاص في مصر
  • فيها حاجة حلوة جدا" وكيل الأقباط الكاثوليك بالبحر الأحمر يشتري خروف العيد ليشارك المسلمين الاحتفالات
  • حج المخالفين بين الفتوى الشرعية وضيق اليد والمبالغة في التكاليف.. ما الحل؟