البوابة نيوز:
2025-05-19@20:39:45 GMT

الحوار هو الحل (4)

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

 

في إحدى الروايات المصرية للحكاية الشعبية "ماري جرجس اللي قتل الوحش"، يحكي أحد الرواة المصريين المسلمين، قائلا: إنه ذات مرة هناك كانت مملكة يحكمها أحد الملوك، وكان هناك نهر يمر وسط هذه المملكة. كان هذا النهر هو شريان الحياة للمملكة كلها، ولا يوجد مصدر مياه آخر للمملكة سواه. ثم جاء ثعبان ضخم (وحش) وقام بسد هذا النهر، فمنع المياه عن المملكة.

اجتمع أهل المملكة؛ فى محاولة لإبعاد هذا الوحش عن المملكة دون أن يتمكنوا من تغيير شيء. اهتدى أهل المملكة لحيلة إهداء هذا الوحش فتاة بكرا، ونجحت الحيلة، وسمح لهم بمرور المياه، واختفى. في العام التالي، وفي الموعد نفسه، عاد الوحش وقام بسد النهر عن المملكة، فلجأ أهل المملكة إلى الحيلة نفسها، بإهدائه فتاة بكرا ثانية، فسمح لهم بفتح النهر. وظل على هذا النحو عدة سنوات، وفي كل عام يحدث أن يقدم له أهل المملكة الفتاة البكر، ويسمح لهم الوحش بعبور المياه. ومع مرور السنين، لم يعد يتبقى في المملكة سوى ابنة الملك، التي قرر التضحية بها، وتقديمها قربانا لهذا الوحش؛ إنقاذا للمملكة من الموت عطشا. وفي اليوم التي اجتمع فيها أهل المملكة، وهم يقدمون ابنة ملكهم، قربانا، وهم في قمة الحزن عليها، وكذلك لأنهم يعرفون أنها آخر فتاة في المملكة، وكان لسان حالهم: ماذا سيحدث للمملكة في العام التالي؟ وبمجرد اقتراب الوحش من الفتاة المستسلمة، انقض القديس ماري جرجس، الملقب بالشهيد على الوحش فقتله. عندئذ انهمر الماء في النهر، وهلل الأهالي فرحا بزوال الخط، وبإنقاذ ابنة ملكهم المحبوب. وفي قلب هذه الاحتفالات اختفى ماري جرجس. وبعد أن انتهى أهل المملكة من الاحتفال، راحوا يبحثون عن سبب الخلاص، فلم يجدوه، وأرسل الملك جنوده في كل أنحاء المملكة؛ بحثا عن ماري جرجس، وبعد مشقة وعناء، وجدوه نائما في أحد أطراف المملكة. استقبله الملك استقبالا يليق به، وطلب منه الزواج من ابنته، فوافق القديس. وعاش أهل المملكة في هناءة وسرور بسبب ماري جرجس".

 إن هذه الحكاية التي يحكيها راوٍ مصري مسلم لجمهور- معظمه إن لم يكن كله- من المسلمين، لم يجد غضاضة أو حساسية دينية، في أن يمجد من كرامات قديس بطل مسيحي. فهذه واحدة من كرامات كثيرة تُنسب إلى القديس ماري جرجس، على نحو ما ينسب غيرها لقديسين مسيحيين آخرين، يرويها رواة مسلمون، لأخذ العظة منها. والأمر نفسه لرواة مصريين مسيحيين يقومون برواية حكايات عن أولياء مسلمين وكراماتهم، دونما حساسية دينية؛ لأخذ العظة أيضا. إن الراوي المسلم أو المسيحي لا يهتم بمدى صدق مثل هذه الكرامات أو خياليتها، ومدى واقعيتها أو مبالغتها للواقع، وإنما ما يعنيه هو أخذ العظة والعبرة والدروس الإنسانية المستفادة. إن حكايتنا التي سردنا لها قد تحيلنا إلى موروث إنساني ممتد، منه على سبيل المثال، لا الحصر، أسطورة أوديب، ولكن روايتها في مصر تؤكد ثوابت وطنية ومجتمعية ممتدة عبر العصور، وترسخ للتعايش الإنساني بين المصريين، مترفعين على اختلافات النوع والعرق واللهجة، والدين. ولقد تماشىت كل أشكال المأثورات الشعبية المصرية مع هذا الخيط التعايشي العام للنسيج المصري. فعندما تحضر مولد السيدة العدرا في أسيوط، أو مولد ماري جرجس، تلاحظ مشاركات المصريين المسلمين وهي تفوق مشاركات الأخوة المسيحيين، وكذلك تلاحظ مشاركات المسيحيين في موالد المسلمين مثل سيدي أبو الحجاج الأقصري، أو سيدي عبد الرحيم القناوي، التي تفوق مشاركات المسلمين. وليست هذه هي فقط التي تؤكد الثوابت الوطنية والاجتماعية داخل النسيج المصري، بل إننا نلاحظ هذه الوحدة والتناغم الاجتماعي في أداء فريضة مهمة عند المسلمين والمسيحيين المصريين. فأغاني "التحنين" للحجاج المسلمين، التي يودع بها المسلمون أحباءهم وهم في طريقهم إلى مكة، هي نفسها أغاني "التقديس"، التي يودع بها المسيحيون في مصر أحباءهم  من الحجاج (المقدسين) المتوجهين إلى بيت المقدس، مع اختلافات بسيطة تتعلق بأسماء الأماكن، والصفات التي تطلق على الزائرين، مثل "الحاج أو الحاجة"، عند المسلمين، و"المقدِّس والمقدٍّسة" عند المسيحيين. ومن ذلك: 

فمن أغاني التقديس المسيحية:

مقدِّسة يا مقدسة.. يا أم شال قطيفة

رايحة فين يا مقدسة

رايحة‏ ‏أزور‏ ‏المسيح‏ ‏وأعول‏ ‏الضعيفة

****

مقدِّسة يا مقدسة.. يا أم شال لاموني

رايحة فين يا مقدسة

رايحة‏ ‏أزور‏ ‏المسيح‏ ‏وأملِّي عيوني 

 

 

وهي نفسها أغاني التحنين الإسلامية مع هذا التغيير البسيط:

حاجة يا حاجة.. يا أم شال قطيفة

رايحة فين يا حاجة؟..

رايحة أزور النبي محمد، والكعبة الشريفة

****

حاجة يا حاجة.. يا أم شال لاموني

رايحة فين يا حاجة؟..

رايحة أزور النبي محمد، ووأملِّي عيوني

وانطلاقا من هذا الأساس الثابت للعلاقة الإنسانية، نجد المنشدين الشعبيين يؤكدون هذا المعنى، فنجد أحدهم يقول:

أنا باوحد اللي خلق الناس

خلق مسلمين ونصارى

شوف ياما ناس عايشة على فرش وكناز (كنوز)

وناس ع المعايش حيارى

ويقول آخر:

وحياة من خلق محمد

وخلق عيسى ابن مريم

كل هذا يؤكد القيم الإنسانية الفطرية، التي ينشأ عليها المصريون، والتي ينبغي أن تسود، دون أن يعكر صفوها أمور دخيلة، سرعان ما تختفي؛ ليبقى أساس العلاقة المتينة التي تربط المصريين ببعضهم البعض برباط وثيق إلى يوم القيامة إن شاء الله. وللحديث يقية. 

* أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب، جامعة القاهرة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: ماري جرجس

إقرأ أيضاً:

أوربان يدعو أوروبا للحاق بالنهج الأميركي في أوكرانيا: "الحل في التفاوض مع موسكو لا في العقوبات"

دعا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة استراتيجيته تجاه الحرب في أوكرانيا، والانضمام إلى النهج الأميركي في التعاطي مع الأزمة، معتبرًا أن استمرار الأوروبيين في السير في مسارات مستقلة يُضعف فرص الحل السياسي ويُفوت عليهم مكاسب اقتصادية محتملة، وفي مقابلة مع قناة TV2 المجرية، قال أوربان:

"إذا قررت أوروبا التخلي عن العقوبات، والعمل على وقف إطلاق النار، والعودة إلى علاقات اقتصادية طبيعية مع روسيا، فستُفتح أمامها فرص اقتصادية هائلة".

موسكو تجهز مطالبها لوقف إطلاق النار وترامب يدخل على خط الوساطة: مفاوضات أوكرانيا تفتح باب الأمل الحذر عاجل|حماس تطرح مبادرة للإفراج عن أسرى مقابل هدنة مشروطة: مفاوضات الدوحة بين التقدم والحذر

وشدد على أنه "من غير المجدي السير في اتجاهات متباينة"، داعيًا دول الاتحاد الأوروبي إلى "الالتحاق بالمسار الأميركي" في معالجة الصراع، الذي يرى أن حله لن يكون ممكنًا إلا من خلال مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، يليها أو توازيها محادثات أوروبية روسية.

الحل السياسي: مفاوضات كبرى لا تقتصر على كييف وموسكو

أوربان أوضح في تصريحاته أن المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، على أهميتها، لن تكون كافية وحدها لإنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن التوصل إلى تسوية شاملة يتطلب دورًا أميركيًا مباشرًا في المفاوضات. كما أعرب عن أمله في لقاء قريب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب لبحث مستقبل الأزمة، ومسائل العقوبات والتعاون الاقتصادي.

مفاوضات إسطنبول: تقدم محدود في تبادل الأسرى وسط استمرار الجمود السياسي

وكانت مفاوضات جديدة قد عُقدت بين روسيا وأوكرانيا في مدينة إسطنبول التركية يوم الجمعة، واستمرت نحو ساعتين، حيث أعلن رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي عن اتفاق مبدئي على تبادل موسّع للأسرى يشمل ألف أسير من كل طرف. 

كما ناقش الجانبان مقترحات أولية تتعلق بوقف إطلاق النار، بينما طلب الوفد الأوكراني عقد قمة مباشرة بين زيلينسكي وبوتين، وهو ما قالت موسكو إنها تنظر فيه بجدية.

كييف: عدم حضور بوتين المحادثات المقررة في إسطنبول سيكون إشارة واضحة على عدم رغبة موسكو في إنهاء الحرب عاجل|الرئيس السيسي يغادر موسكو عائدا إلى القاهرة بعد حضوره احتفالات عيد النصر موسكو: الحوار هو الحل.. والعقوبات لم تُجدِ نفعًا

من جانبها، لا تزال موسكو تؤكد استعدادها لمواصلة التفاوض، حيث شدد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على أن روسيا تسعى إلى تسوية سلمية دائمة تعالج جذور الصراع وتراعي مصالحها الاستراتيجية.

في الوقت ذاته، أكدت القيادة الروسية مرارًا أن العقوبات الغربية لم تحقق أهدافها، بل تسببت في أضرار بالغة للاقتصاد العالمي، مقارنة بالتأثير المحدود الذي طال الاقتصاد الروسي، وفق ما جاء في التصريحات الرسمية.

السيسي من موسكو: العلاقات المصرية الروسية إستراتيجية وفرص التعاون تتسع سفير موسكو بالقاهرة: 400 شركة روسية تعمل في مصر أوروبا بين ضغط العقوبات وفرص الحل السياسي

تصريحات أوربان تأتي في وقتٍ تشهد فيه السياسات الأوروبية انقسامًا واضحًا حول جدوى استمرار العقوبات وطبيعة الموقف من موسكو، وبينما يسعى البعض لتشديد الضغوط على الكرملين، يروج آخرون – مثل المجر– لفكرة الانخراط في مفاوضات مباشرة على غرار النهج الأميركي، في مسعى لإنهاء الحرب بأقل الخسائر السياسية والاقتصادية.

مقالات مشابهة

  • بوتين: ترامب أشار أن روسيا تؤيد الحل السلمي للأزمة في أوكرانيا
  • تسليم 23 نموذج تصالح نهائي بمركز قوص
  • رئيس مركز قوص يتفقد مشروعات الطرق ويشدد على سرعة الإنجاز
  • الكورد في قلب مرحلة الحل
  • هل سيتعلم قادة “حزب الدعوة”من قادة”الاخوان المسلمين”في مصر !
  • الماسكارا الأنبوبية.. الحل السحري لتلافي تلطخ العيون في حرارة الصيف
  • هدم العقارات الخطرة.. محافظ القاهرة يتفقد تطوير عزبة جرجس والعسال بشبرا
  • الحل لدى بغداد.. خسائر بقيمة 10 مليارات دينار تلحق بمربي دواجن كوردستان
  • أوربان يدعو أوروبا للحاق بالنهج الأميركي في أوكرانيا: "الحل في التفاوض مع موسكو لا في العقوبات"
  • «حكماء المسلمين»: العالم في حاجة لتغليب العقل ورفض الكراهية