صحيفة أثير:
2025-12-12@09:57:37 GMT

نمر سعدي والكتابةُ بمياهِ الأحلام

تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT

نمر سعدي والكتابةُ بمياهِ الأحلام

مسقط-أثير

قراءة: ندى وردا أوراهَم، شاعرة سوريَّة مقيمة في السوِّيد

الكلمةُ هي روحٌ مستقلِّةٌ قد تنبعُ من وجدانٍ صادقٍ أو من تجاربَ عميقةٍ في الحياةِ، بعيداً عن ذاكرةِ الكتبِ و الدوائرِ العلميَّةِ. هي سلاحٌ ذو حدَّينِ لأنَّها ببساطةٍ الحربُ والسَّلامُ.
والكلمةُ هي سرٌّ من أسرارِ الشَّاعرِ والأديبِ الفلسطينيِّ نمر سعدي المقيم في الجليلِ.


ففي نصوصِ الشَّاعرِ تتجلَّى الروحانيَّاتُ النَّابعةُ من الوجدانِ، لتنقلنا إلى مهدِ التَّاريخِ وكأنَّنا نتجوَّلُ في بيئتهِ الجليليَّة ونلمسُ بصمةَ الأنبياءِ والقدِّيسين.
هو شاعرٌ متمرِّسٌ بارعٌ بكلِّ معنى الكلمة، تارةً يكتبُ الكلمةَ و تارةً أخرى الكلمةُ هيَ التي تكتبهُ.
إنْ كتبَ ستشعر حتماً أيُّها القارىء أنَّ الروحَ هيَ التي تكتبُ و تسترسلُ في فضاءات ملوَّنة، تحفُّها أسراب النوارس.
فهو شاعرٌ وأديبٌ مفعمٌ بالإحساسِ الفريدِ، الذي ينقلنا من عالم إلى آخر، كذلك هي كلماتهُ التي تحرِّك فينا الحنينَ و الحبَّ والشغفَ ومياهَ الأحلام، التي نشعرُ لوهلة وكأنهُ يخربشُ بها على صفحاتِ الهواءِ ويكتبُ بها قصائدهُ.
ها هو يترنَّمُ بعفويَّةِ العواطفِ المدفونةِ في داخلهِ من حُبٍّ، قلقٍ وحنينٍ:
“ترنيمةٌ”
كمْ الحنينُ خصوصيٌّ.. كمْ الحلُمُ
كقُبلةٍ ضيِّقٌ.. عارٍ.. كمْ الندَمُ
كصرخةٍ واسعٌ.. أعمى.. كمْ القلقُ
مراوغٌ وأليفٌ في شراستهِ
كثعلبٍ راحَ بي في الليلِ يلتصقُ
كمْ الوجودُ سرابيٌّ.. كمْ العدَمُ
حينَ تقرأُ نصوصَ الشَّاعرِ نمر سعدي ستدهشكَ تلكَ الثقافةُ العالميَّةُ الواسعةُ في كتاباتهِ، فهو متأثِّرٌ دونَ شكٍّ بالأدبِ العالميِّ قديمهِ وحديثهِ، من خلالِ إطِّلاعهِ الشَّاملِ على موروثه الجماليِّ، ومسكونٌ بالكلمةِ الغنيَّةِ بالأفكارِ المختلفةِ والمعاني الرشيقة. تتجوَّلُ في دواوينهِ وكأنّكَ تمشي معهُ في حدائق طاغور، وفي شتَّى الإتِّجاهات. والشاعرُ قد يتأثَّر بكثيرٍ من آبائهِ الشعريِّين ولكنَّه يتركُ بسلاسةٍ بصمتهُ الروحيَّة وانطباعهُ الشخصيَّ في قصيدتهِ التي ينحتها من صلصالِ قلبهِ ليفتحَ آفاقاً جديدةً ويؤسِّسُ لمدرسةٍ في الوقتِ نفسهِ، تشهدُ على تجربتهِ الشعريَّة وتحملُ اسمهُ وسماتِ حضورهِ.
إنَّه ابنُ فلسطين العربيَّة مهدُ الحضاراتِ، أمُّ البداياتِ.. وأمُّ النهاياتِ. وكم هذهِ المساحةُ الفارهةُ قد منحتهُ انزياحاتِ القصيدة وأعالي مفرداتها وفاكهةَ شتاءاتها.. كم أعطتهُ هذهِ البيئةُ العظيمةُ الكثيرَ الكثيرَ، ونسجتْ منهجاً خاصَّاً نلمسهُ في مفرداتهِ المتنوِّعةِ وتعابيرهِ الساطعة البديعة.
إليكم نصٌّ وجدانيٌّ يحاكي الذَّاكرةَ و الروحَ من قصائد نمر سعدي
أتذكَّرُ الولدَ الخجولَ
ونسوةً يرقصنَ في بهوِ الخريفِ
ورغبةَ الإيقاعِ، والحنَّاءَ، والقمرَ النحيلَ
أصابعَ الزيتونِ، دربَ العطرِ والليمونِ يفضي
للشموسِ الخضرِ في ليلِ الجليلْ
أتذكَّرُ الأعراسَ.. خفقَ الهالِ في كلِّ الجهاتِ الستِّ
والعطرَ الفرنسيَّ الثقيلْ
والريحَ في القمصانِ أو طعمَ الغبارِ
وجلوةَ امرأةِ النهارِ
وبحَّةَ الحادي وماءَ الحزنِ في عينيهِ والوجعَ النبيلْ
أتذكَّرُ العمرَ الجميلْ
ينسابُ من قلبي
ومن عينينِ حالمتينِ في أقصى المرايا..
والحنينَ المستحيلْ
أتذكرُّ الوادي.. جراحَ العشبِ والناياتِ
أحلى أغنياتِ القمحِ
رائحةَ الأنوثةِ في هبوبِ الصيفِ
والسهرَ الشتائيَّ الطويلْ
أجل هذا هو الوجعُ الإنسانيُّ النَّبيلُ الذي يريدُ الشاعرُ أن نراهُ من خلالِ بصيرتنا.
و لا شكَّ أنَّ هناكَ حزنٌ معجونٌ بالشغفِ يطلعُ من وراءِ سطورِ القصائدِ يحاولُ نمر سعدي أن يخفيهِ، لذلك يتَّبعُ المذهبَ الرمزيَّ أحياناً في قصائدهِ، فالرمزيَّةُ لديهِ نسيجٌ من المشاعرِ التي يخفيها بإتقان، و لا تكاد تظهر هذهِ الأحاسيس بما فيها من ولهٍ وحرائقَ خضراءَ وكناياتٍ واستعاراتٍ إلَّا بتحليلِ نسيجها و تفكيكهِ وقراءةِ ما بين السطورِ وما خلفها.
و هذا مثالٌ مذهلٌ من طلاسمِ حروفهِ:
شوكةٌ واحدةْ
لم تزلْ تتثاءبُ في دمِ أفعى
وفي قُبلةٍ مُرَّةٍ باردةْ
لايزالُ الشَّاعر نمر سعدي يبحثُ عن حقيقةِ الشِّعرِ الذي يأتي عفويَّاً صادقاً على هيئةِ عشقٍ أو كرمادِ رغبةٍ أو غوايةٍ طاعنةٍ في ليالي التشهِّي.
ها هو ذا يهمسُ:
أحبُّ صوتَ البحرِ الذي يأتي من قدميها وأصدافِ يديها أحتاجُ حبَّها لتكتملَ القصيدةُ فيها. كانَ جسدُها معجوناً بالأمطار الاستوائيَّةِ وعطرِ المانجا والموزِ المكسيكيِّ وكانت روحها تحملُ كلَّ سحرِ الأمازونِ وكلَّ أمجادِ كرةِ القدمِ والحضاراتِ العظيمةِ الغاربةِ
هكذا تكبرُ الكلمةُ وتزهرُ حين تُغذِّيها الروحُ الطيِّبةُ.
هكذا تنمو زنابق الوجد والهيام والجمال ويتسلَّقُ اللبلابُ ذاكرةَ الأبديَّة.
ولعلَّ الإلهامَ نعمةٌ كبيرةٌ للشعراءِ ما داموا يحسنونَ التعاملَ معها، أو ربَّما كانت غيرَ ذلكَ ما داموا قد رموها خلفَ ظهورهم ومضوا.
فهنيئاً لفلسطينَ هذا الشاعر المبدع.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

أمين عام هيئة كبار العلماء: الكلمة المنضبطة سلاح يجب استخدامه لخدمة الوطن

واصل مجمع البحوث الإسلامية فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلاميَّة الخامس عشر» الذي تنظمه الأمانة العليا للدعوة بالمجمع بالتعاون مع جامعة عين شمس، تحت شعار «الشباب بين مقاصد الدين ومحاولات التغريب».

البحوث الإسلامية يستهلّ فعاليات أسبوع الدعوة الإسلامية الـ ١٥ بندوة عن «التغريب» الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية: الأحداث المؤسفة تنذر بخلل قيمي

جاء ذلك برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وإشراف وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني،  والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الجندي؛ حيث عُقد اليوم اللقاء الرابع بكلية الإعلام بجامعة عين شمس، تحت عنوان: «الحفاظ على الوطن في ظل موجات التعريب»، بمشاركة نخبة من علماء الأزهر، وبحضور عدد من قيادات وأعضاء هيئة التدريس بالكلية.

في مستهل الندوة، رحبت الأستاذة الدكتورة هبة شاهين، عميد كلية الإعلام بجامعة عين شمس، بعلماء الأزهر الشريف معربة عن شكرها لشيخ الأزهر على دعمه الحوار مع الشباب بهدف تهذيب النفس وربطها باليقين من خلال تصحيح المفاهيم، مثمنة جهود الأزهر الشريف والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في نشر الدعوة الإسلامية والارتقاء بسلوك الإنسان، مشيرة إلى أن حديث الأزهر عن أهمية الوطن من رحاب كلية الإعلام يمثل إشارة مهمة للجميع بضرورة الحفاظ على الوطن في ظل موجات التغريب عبر العمل في كل المجالات، وأن هذا الحديث دعوة واضحة لخريجي الإعلام بشكل خاص إلى العمل على نقل الوعي في المجتمع من خلال جميع المنصات لدورها التنويري المنوط بها، خاصة في ظل التحديات التكنولوجية التي شكلت أنماطًا مختلفة من الحروب.

وفي كلمته أكد الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلناء بالأزهر، أن الإعلام لا يقل أهمية عن المنبر الدعوي، فكلاهما يشكل سلاحًا حيويًا في معركة الوعي والحرب الفكرية التي يواجهها الوطن، وشدد على ضرورة أن تلتزم الرسالة الإعلامية الصدق والأمانة وأن تخاطب العقول، نظرًا لقدرة الإعلام الفائقة على الانتشار، محذرًا من خطورة غياب هذه الرؤية عن العمل الإعلامي، لأن الإعلام الواعي يمثل ملاذًا هامًا للمجتمع، وبخاصة في ظل التحديات المصيرية التي تواجه مصر، وتتزايد أهمية هذا الدور في ظل توغل وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، والتي قد تتسبب في فصل الشباب عن قضاياهم الوطنية الجوهرية، نتيجة محاولة إلهائهم بمحتويات مختلفة، منبها إلى أن أخطر ما يمس الإعلام في العصر الحالي هو تحوله إلى مجرد تجارة هادفة لتحقيق المكاسب، وانجراره وراء "التريند" على حساب القيم والمبادئ الحقيقية.

وتناول الدكتور عباس شومان أهمية الانتماء للوطن كقيمة أصيلة، لأن الإنسان الذي يفتقر إلى هذا الانتماء هو إنسان بلا هوية وبلا وطن حقيقي، كما أن افتقاد روح الانتماء هو السبب الرئيسي الذي دفع المتطرفين لمحاولة التخريب في المجتمع،  ويتضح عمق هذا الشعور من خلال موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند الهجرة من مكة، حيث عبر عن تأثره بقوله: "لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت"، وهو دليل قاطع على حب الوطن، لذلك لا يمكن القول أن حب الوطن مجرد شعارات تردد، بل هو سلوك يمارس، يبدأ من أبسط الأفعال كعدم إلقاء ورقة في الطريق، وصولًا إلى الابتعاد عن السلوكيات الضارة بالمجتمع مثل سرقة الكهرباء والمياه، لأن السلوك الإيجابي وحده هو التعبير الصادق عن الانتماء والتقدير لوطننا.

وفي ختام كلمته وجّٰه فضيلة الدكتور عباس شومان توصية خاصة لشباب كلية الإعلام، محذرًا إياهم من البحث عن الشهرة السريعة على حساب القيم والثوابت الوطنية التي تحافظ على تماسك المجتمع، لأن الدور المنوط بخريجي الإعلام الحاليين هو أكبر بكثير من أي وقت مضى، ويحمل مسؤولية جسيمة، مع أهمية تحري الدقة والمسؤولية في كل كلمة تنقل للجمهور، لأن الكلمة سلاح مؤثر يجب استخدامه بحكمة لخدمة الوطن والحفاظ على وعيه.

من جانبه أكد فضيلة الدكتور حسن يحيى، أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر، أن بناء المجتمع واستقراره يقوم على ستة مكونات أساسية، تبدأ بالدين الإسلامي الذي يمثل المكون الأول والأكثر أهمية، كما أنه يعد الركيزة التي يحاول أعداء الوطن استهدافها عبر التشكيك وتحريف النصوص الإعلامية، بهدف فصل المجتمع عن هويته وإصابته في عقيدته، والمكون الثاني: قوة الدولة، حيث يجب أن تكون قادرة على فرض نفوذها، لكن هناك محاولات لأعداء الوطن لزعزعة الثقة، في قدرة الدولة، والمكون الثالث: الأمن العام الذي يتحقق من خلال تعزيز الوعي الفكري والسلوكي، في المجتمع من أجل أن يكون المجتمع واعي بكل ما يحيط به وما يحاك له.

وأضاف الدكتور حسن يحيى أن المكون الرابع من مكونات بناء المجتمع: هو العدل الشامل الذي يتحقق بالمساواة بين جميع أفراد المجتمع، وأن تكون المفاضلة على معايير أخلاقية، أما المكوّن الخامس: فهو الخصب الدائم، ويعني قدرة المجتمع على تحقيق النمو والتطور والاستعداد المستمر لمواجهة الأحداث الطارئة، وأخيرًا، يمثل الأمل الفسيح المكون السادس، وهو المرتبط بالشباب وقدرتهم على الحلم والطموح وتحقيق الإنجاز، إذ يعتبر الأمل هو المحرك الأساسي للعزائم والإرادة.

ودعا الدكتور حسن إلى اليقظة والانتباه للتهديدات المحدقة بالوطن، لأن الهدف الرئيس لأعداء الوطن هو العمل على زعزعة الأركان الستة جميعها في وقت واحد للعبث بأمن المجتمع واستقراره، وعلينا أن نواجه هذه التحديات من خلال  ضرورة التخطيط الفاعل للمستقبل الفردي ومستقبل الوطن، مؤكدًا على أهمية التعمق في فهم هذه المكونات الستة وحمايتها والمحافظة عليها بقوة، حتى لا يتمكن أي عدو من النيل من تماسك الوطن ووحدته  وأشار إلى أن هذا الفهم العميق والالتزام بحماية الأركان هو خط الدفاع الأول لضمان استمرار قوة المجتمع وتطوره في جميع المجالات.


ومن المقرر أن تستمر فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية خامس عشر» والذي يحمل شعار «الشباب بين مقاصد الدين ومحاولات التغريب»، بخطة شاملة على مدار خمسة أيام بدأت من الأحد ٧ ديسمبر وحتى الخميس ١١ ديسمبر، في مختلف كليات جامعة عين شمس، بمجموعة من المحاول تشمل: «التغريب مظاهره ومخاطرة وسبل مواجهته»، و«محاولات تغريب المرأة وسبل ومواجهتها»، و«أزمة الشباب بين التطرف والانحلال»، «الحفاظ على الوطن في ظل موجات التعريب»، و«بناء الشخصية السوية ودوها في مواجهة التغريب».

مقالات مشابهة

  • وظيفة الأحلام.. راتب بالدولار مقابل قيادة سيارة تشبه الهوت دوج
  • محافظ بابل يعفي مديري المجاري والبلديات بسبب غرق الأحياء السكنية بمياه الأمطار
  • محافظ البنك المركزي يلقي الكلمة الرئيسية في الاجتماع السنوي العشرين
  • الدكتور العيسى يلقي الكلمة الافتتاحية لمؤتمر إندونيسيا للوئام بين أتباع الأديان
  • أمة الأرق.. دراسة: كيف أثر طوفان الأقصى على نوم الإسرائليين؟
  • الكارثة الإنسانية تتفاقم في غزة.. 288 ألف أسرة بلا مأوى غارقين بمياه الأمطار
  • أمين عام هيئة كبار العلماء: الكلمة المنضبطة سلاح يجب استخدامه لخدمة الوطن
  • مشعل: نزع السلاح عند الفلسطيني يعني نزع الروح
  • محمد فاروق: فضيحة بمعني الكلمة للكرة المصرية
  • لجنة مكبرة بتعليم قنا تتابع تنفيذ البرنامج القومي لتنمية مهارات القراءة والكتابة