الرقص على حبل خفض التصعيد المشدود
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
الرقص على حبل خفض التصعيد المشدود
تحوّل وقف إطلاق النار إلى استحقاق لا يمكن الهروب منه إلا نحو حرب إقليمية تترقبها روسيا والصين؛ للانتقام من أمريكا لإنهاء زعامتها الدولية.
تواجه أمريكا معضلة استراتيجية لن تستطيع إدارتها بالرقص على حبل سياسة خفض التصعيد والاحتواء المشدود التي يتبناها بلينكن، ويكاد ينقطع دون وقف إطلاق النار.
العدوان على غزة يهدد بمضاعفة الخسائر الاستراتيجية الأمريكية مع عجز إسرائيلي عن الحسم، وهي مسألة تضغط على أعصاب صانعي القرار والمخططين الاستراتيجيين في أمريكا.
المكانة الاستراتيجية الأمريكية مهددة فالكيان الصهيونيي ليس مجرد خزان انتخابي أو لوبي يمكن تجاوزه؛ بل نقطة ارتكاز أساسية في الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة العربية.
التصعيد وصمود المقاومة في غزة وعجز الاحتلال عن تحقيق نصر وانقسام نخبته، حال دون تمكين أمريكا من إدارة الصراع وضبط مدخلاته ومخرجاته، وهدد بمضاعفة خسائر أمريكا الاستراتيجية عربيا وودوليا.
انكشاف أمريكي يتجاوز الجانب العسكري، بعد أن عجزت عن ردع جنوب أفريقيا عن التوجه لمحكمة العدل الدولية، لإدانة الكيان الصهيوني بالإبادة الجماعية في الحرب على قطاع غزة مما استقطب اهتمام دول عديدة.
* * *
لا يُتصور ألا يكون هناك قتلى في الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، بعد أن تجاوزت العشرات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلا إذا كانت تلقي على القوات الأمريكية البسكويت والورود، كما لا يُتخيل ألا تتسبب 18 مسيّرة وصاروخان مجنّحان وثالث بالستي بأي أضرار للمجموعة القتالية البحرية الأمريكية يوم الأربعاء في البحر الأحمر، إلا إذا كانت مصنوعة من ورق، وشظاياها تحترق في السماء قبل أن ترتطم بالقطع البحرية.
لذلك يمكن القول؛ إن بلينكن لم يذهب للبحرين لمهمة دبلوماسية، بل لتفقد الأسطول الخامس الأمريكي ومقره دولة البحرين، بعد استهداف مجموعة حاملة الطائرات داويت أيزينهاور في البحر الأحمر، فيما وُصف في بيان القيادة المركزية بالعملية المعقدة.
الهجوم يعد الأول من نوعه بعد 25 هجوما مسلحا على سفن الشحن وناقلات النفط المرتبطة بالكيان الإسرائيلي المحتل، فالهجوم المباشر على القوات الأمريكية يؤكد فشل السياسة الأمريكية التي يقودها بلينكن لخفض التصعيد واحتواء آثار الحرب المعلنة إسرائيليا على قطاع غزة.
عملية حركة أنصار الله الحوثية في اليمن أحرجت الدبلوماسية الأمريكية؛ وتحدت استراتيجيتها، فالتصعيد في الإقليم واقع قائم، لم تفلح الجهود الأمريكية الدبلوماسية والتحركات العسكرية في منعه، فالتصعيد منحنى صاعد في العراق وسوريا ضد المصالح والقواعد الأمريكية، والمعارك تتوسع في جنوب لبنان بين المقاومة التي يقودها حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
التصعيد تحوّل إلى حالة انكشاف استراتيجي للولايات المتحدة؛ إذ لا يُتخيل أن تعلن أمريكا عن قتلى وجرحى وإصابات في قطعها البحرية؛ إلا إذا كانت لديها نية لرد عسكري واسع، وتصعيد كبير يقود إلى حرب إقليمية، الأمر الذي لا ترغب فيه، وتسعى لاحتوائه بالدبلوماسية والتكتم وإشراك الحلفاء والأصدقاء.
انكشاف أمريكي لم يقتصر على الجانب العسكري، بعد أن عجزت عن ردع جنوب أفريقيا في التوجه إلى محكمة العدل الدولية بدعوى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لارتكاب الكيان الإسرائيلي المحتل جرائم إبادة جماعية في حربه المعلنة على قطاع غزة، في سابقة سرعان ما استقطبت اهتمام العديد من دول العالم، ومن ضمنها العربية والإسلامية التي انضمت إلى جنوب أفريقيا في دعم توجهها، والترافع معها في محكمة العدل يوم الخميس (11 كانون الثاني/ يناير).
التحذيرات الأمريكية والتهديدات والتحالفات التي أنشأتها في المنطقة، واستصدرها قرار في مجلس الأمن، يدعو لوقف هجمات الحوثيين على السفن التي تنقل بضائع للكيان، لم تفلح في خفض التصعيد أو ردع القوى المنخرطة في المواجهة، كما لم تفلح في احتواء الصراع وتداعياته على مكانتها ونفوذها وفاعلية تأثيرها في الساحة الإقليمية والدولية.
والسبب تمثل بانخراطها في الحرب والعدوان على قطاع غزة، وفشل الاحتلال في حسم المعركة وهزيمة المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس؛ ما أطال أمد الأزمة وهدد مكانة أمريكا واستراتيجيتها في المنطقة.
فأمريكا تواجه صعوبات متزايدة في جمع حلفائها قبل شركائها في عملية حارس الازدهار في البحر الأحمر، وفي جمعهم في الجمعية العامة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما من المحافل الدولية، في حين تجتمع دول العالم حول جنوب أفريقيا، ويتعاظم التعاطف العربي والإسلامي مع حركة أنصار الله وحكومتها في اليمن.
المكانة الاستراتيجية الأمريكية مهددة أكثر من أي وقت مضى، ذلك أن الكيان الإسرائيلي لا يعد مجرد خزانا انتخابيا أو لوبيا ضاغطا يمكن تجاوزه؛ بل نقطة ارتكاز أساسية في رسم معالم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية وغرب آسيا، والضرر الاستراتيجي الناجم عن عملية طوفان الأقصى وقع، والجهود لتداركه واحتوائه فشلت ولن تفلح المناورات الأمريكية والدبلوماسية في إصلاحه، لكنها تستطيع وقف التدهور بوقف الحرب.
فالحرب على غزة يتهدد بمضاعفة الخسائر الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في ظل العجز الإسرائيلي عن الحسم، وهي مسألة تضغط على أعصاب صانعي القرار والمخططين الاستراتيجيين في أمريكا، وهو قلق عكسته تسريبات القناة 13 العبرية مساء الأربعاء
بالقول؛ إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أبلغ المسؤولين الإسرائيليين خلال زيارته الأخيرة لـ"تل أبيب"، بأنه "من المستحيل القضاء على حماس بشكل كامل"؛ وهي نقطة تحول ستبني عليها أمريكا سياساتها خلال الأسابيع المقبلة؛ بحثا عن مخرج يحد من الخسائر ويمنع تفاقم الأضرار الاستراتيجية.
ختاما، التصعيد وصمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعجز الاحتلال عن تحقيق نصر وانقسام نخبته السياسية والعسكرية، حال دون تمكين أمريكا من إدارة الصراع والتحكم في مدخلاته ومخرجاته، وهدد بمضاعفة خسائر أمريكا الاستراتيجية في المنطقة العربية وغرب آسيا ليمتد أثرها إلى الساحة الدولية.
وهي معضلة استراتيجية لن تتمكن أمريكا من إدارتها من خلال الرقص على الحبل المشدود لسياسة خفض التصعيد والاحتواء التي يتبناها بلينكن، وتكاد تنقطع دون وقف إطلاق النار، الذي تحول إلى استحقاق لا يمكن الهروب منه إلا نحو حرب إقليمية تترقبها روسيا والصين؛ للانتقام من أمريكا لإنهاء زعامتها الدولية.
*حازم عياد كاتب صحفي من الأردن
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل أمريكا الاحتلال غزة خفض التصعيد الإبادة الجماعية وقف إطلاق النار الحرب على غزة المكانة الاستراتيجية الاستراتیجیة الأمریکیة وقف إطلاق النار جنوب أفریقیا على قطاع غزة خفض التصعید فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
رئيس الإمارات يبحث مع ترامب العلاقات الاستراتيجية والتطورات الإقليمية
أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، أهمية زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دفع علاقات التعاون الاستراتيجي بين البلدين على جميع المستويات.. مثمناً ما عبر عنه الرئيس الأمريكي من توجهات إيجابية تجاه تعزيز العلاقات «الإماراتيةـ الأمريكية» منذ توليه منصبه والتي ترتكز على رؤية مشتركة للتقدم والازدهار.
جاء ذلك خلال استقبال الشيخ محمد بن زايد، اليوم الخميس، الرئيس دونالد ترامب في قصر الوطن في أبوظبي، والذي يقوم بـ"زيارة دولة" إلى الإمارات، حيث بحثا العلاقات الاستراتيجية التي تجمع دولة الإمارات والولايات المتحدة والعمل المشترك على تعزيزها وتوسيع آفاقها في مختلف المجالات بما يحقق مصالحهما المشتركة، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وفقا لوكالة الأنباء الإماراتية (وام).
واستعرض الرئيسان آفاق التعاون وفرص توسيع مجالاته خاصة الاستثمار والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والصناعات وغيرها من الجوانب التي تخدم رؤية البلدين تجاه تحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً للجميع.
كما بحث الجانبان عدداً من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك تركزت حول التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها الجهود المبذولة تجاه وقف إطلاق النار في قطاع غزة واحتواء التصعيد في المنطقة الذي يهدد أمنها واستقرارها.. حيث أكد الشيخ محمد بن زايد أهمية مواصلة هذه الجهود ودفعها نحو المسار السياسي لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم الذي يقوم على أساس «حل الدولتين » ما يضمن الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة كافة.
وأكد الشيخ محمد بن زايد، أن دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية تجمعهما علاقات صداقة وتحالف استراتيجي متين يقوم على أسس راسخة من الثقة والاحترام المتبادلين والمصالح المشتركة.. إضافة إلى ارتكازها على تاريخ طويل من التعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
كما شدد على حرص دولة الإمارات على مواصلة تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل رؤاهما المشتركة بشأن العمل من أجل السلام والاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط والعالم وبناء موقف دولي فاعل تجاه التحديات العالمية المشتركة.. وذلك انطلاقاً من نهج دولة الإمارات الثابت تجاه دعم الاستقرار والسلام والتنمية على المستويين الإقليمي والعالمي من خلال العمل الدولي الجماعي متعدد الأطراف.
وأكد الجانبان، خلال اللقاء، حرصهما على مواصلة تعزيز علاقات التعاون الإستراتيجي بين البلدين في ظل الاهتمام الذي توليه قيادتاهما لتطوير هذه العلاقات بما يحقق مصالحهما المشتركة.
وقال الشيخ محمد بن زايد، إن دولة الإمارات والولايات المتحدة ترتبطان بصداقة متينة على مدى عدة عقود كانت دولة الإمارات خلالها شريكاً موثوقاً للولايات المتحدة، مؤكدّا حرص دولة الإمارات على مواصلة تعزيز هذه الصداقة وتقويتها لمصلحة البلدين وشعبيهما بجانب مواصلة العمل معًا في كل ما يحقق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
وأشار إلى الشراكة القوية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة من أجل المستقبل، والتي عززها دعم الرئيس ترامب خاصة في مجالات الاقتصاد الجديد والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
من جانبه.. أشاد الرئيس الأمريكي بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.. مؤكداً أن العلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة بلغت أعلى مستوياتها وتواصل تحقيق مزيد من التطور.
كما شهد الشيخ محمد بن زايد، والرئيس الأمريكي إعلان تدشين «مركز بيانات للذكاء الاصطناعي بسعة 1 جيجاوات» وهو جزء من مجمع ذكاء اصطناعي مشترك بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
وأقام الشيخ محمد بن زايد، مأدبة عشاء تكريماً للرئيس الأمريكي والوفد المرافق.
وكان الرئيس الأمريكي قد كتب كلمة في سجل الزوار في قصر الوطن عبّر خلالها عن سعادته بزيارة دولة الإمارات ولقاء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مؤكداً أن العلاقات الإماراتية - الأمريكية استراتيجية راسخة، ويواصل البلدان العمل معاً على تعزيزها بما يخدم التنمية المشتركة متمنياً لدولة الإمارات وشعبها مزيداً من التقدم والازدهار.