محاولة إثارة الصدام بين القوميين والإسلاميين في تركيا

"قتلنا أعقل واحد (متين يوكسل في 1979) منكم (في إشارة إلى الإسلاميين) في ساحة مسجد الفاتح. فليكن الشيوعيون الخضر عقلاء!".

الحكومة التركية مطالبة بتدابير صارمة إزاء خطر السموم التي يبثها حزب الظفر (النصر) في المجتمع التركي وتهدد أمن البلاد واستقرارها وسلمها الأهلي.

تأجيج الصراع بين اليسار واليمين كان من تدبير القوى التي وقفت وراء انقلاب 1980 لتمهد له الطريق وتهيئ المجتمع التركي كي يتقبل الانقلاب ويرحب به.

قرار الحزب الجيد برئاسة ميرال آكشنير بخوض الانتخابات المحلية دون تحالف مع أي حزب، يجعل فوز مرشحي الشعب الجمهوري بأنقرة وإسطنبول وإزمير مهمة بالغة الصعوبة

تركيا مقبلة على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها نهاية مارس القادم. ويعاني حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، مشاكل عديدة بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

العنصريون الذين يقودهم أوزداغ وحزبه، لديهم مشكلة مع الإسلام وقيمه ورموزه. بل ويذهب بعضهم إلى أن إلههم الذي يؤمنون به ويسمونه "تَنْغْرِي"، غير الإله الذي يؤمن به جميع المسلمين!

حزب الشعب الجمهوري سيسعى لإثارة صراع بين الإسلاميين والقوميين في الانتخابات حفاظًا على شعبيته، وصرف انتباه الناخبين عن تحالفه مع الانفصاليين الأكراد، ومحاولة الإيقاع بين العدالة والتنمية وبين الحركة القومية.

* * *

شهدت تركيا قبل انقلاب 1980 العسكري صراعا مسلحا بين مجموعات يسارية وأخرى يمينية، راح ضحيته عدد كبير من الشباب من كلا الطرفين، واتضح فيما بعد أن تأجيج ذاك الصراع كان من تدبير القوى التي وقفت وراء الانقلاب لتمهد الطريق إليه وتهيئ المجتمع التركي كي يتقبل الانقلاب ويرحب به.

كما تم استهداف أمن تركيا واستقرارها بين الفينة والأخرى من خلال محاولات لإشعال صراعات بين الأتراك والأكراد أو بين السنة والعلويين أو بين العلمانيين والمتدينين. ويبدو أن محاولة القوى الدولية والإقليمية الجديدة تهدف إلى إشعال صدام بين العنصريين والإسلاميين.

حزب الحركة القومية الذي أسسه العقيد الراحل، ألب أرسلان توركش، هو الذي يمثل القوميين الأتراك في الساحة السياسية إلى حد كبير. ونجح رئيسه الحالي، دولت بهتشلي، في إبعاد أعضاء شبيبة الحزب التي يطلق عليها "الذئاب الرمادية"، عن الوقوع في الفخ الذي وقعوا فيه في أواخر سبعينيات القرن الماضي.

ولما فشلت محاولات جر شباب حزب الحركة القومية إلى الشوارع للاشتباك مع اللاجئين السوريين، احتاجت القوى الدولية والإقليمية التي تريد إشغال تركيا بمشاكل داخلية، إلى تيار سياسي يحرض الغوغاء ضد العرب واللاجئين السوريين باسم القومية التركية، ووجدت ضالتها في حزب النصر/الظفر برئاسة العنصري المطرود من حزب الحركة القومية، أميد أوزداغ.

الحزب الذي أسسه أوزداغ لا يقدم للشعب التركي غير شعارات تدعو إلى معاداة اللاجئين السوريين والأفغان. ومنذ تأسيسه، يحذر كثير من المحللين من أن مشاعر العنصرية التي يؤججها هذا الحزب تشكل خطرا كبيرا يهدد المجتمع التركي، كما لفتوا إلى أن خطر هؤلاء لن يستهدف اللاجئين فحسب، بل سيتعدى إلى المستثمرين والسياح العرب، والمواطنين الذين ينتمون إلى تيارات مختلفة، وحتى علاقات تركيا مع دول أخرى. وظهرت في الآونة الأخيرة عدة مؤشرات تؤكد صحة ذاك التحذير.

ومن تلك المؤشرات، ما حدث بعد تأجيل مباراة كأس السوبر التركي التي كان من المفترض أن يلعبها فريقا نادي فنربخشة ونادي غلاطة سراي التركيين في ملعب "الأول بارك" في الرياض، إذ بدأ المنتمون إلى تيار أوزداغ والمتأثرون بتصريحاته المثيرة، يشنون في مواقع التواصل الاجتماعي حملة شرسة ضد السعودية والعرب، لدرجة أن بعضهم تجرؤوا على الإساءة إلى الكعبة المشرفة. ووصف رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب أردوغان، تلك الحملة بــ"محاولة تخريب تستهدف مصالح تركيا وعلاقاتها مع الدول الشقيقة".

هؤلاء العنصريون الذين يقودهم أوزداغ وحزبه، لديهم مشكلة مع الإسلام وقيمه ورموزه. بل ويذهب بعضهم إلى أن الإله الذي يؤمنون به، ويسمونه "تَنْغْرِي"، غير الإله الذي يؤمن به جميع المسلمين، ويعتبرون انتماءهم القومي "دينا لا يحتاجون إلى غيره". ولذلك، يكرهون لغة القرآن الذي أنزله الله بلسان عربي مبين.

وفي إحدى تجليات هذا الكره، قام شاب عنصري بضرب مواطن في وجهه خلال عودته من مسيرة تضامن مع الشعب الفلسطيني وكان يحمل راية خضراء مكتوبا عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله". ومن غير المعروف حتى الآن مدى ارتباط ذاك الشاب بتيار أوزداغ، إلا أن المؤكد أن أنصار الأخير رحبوا بجريمته الشنيعة، وصفقوا له، ودافعوا عنه.

هناك حساب في منصة "X" يحمل اسم "الشباب المعارض"، ويُعتقد أن صاحبه على صلة بحزب الظفر. ونشر ذاك الحساب قبل أيام صورة جنازة متين يوكسل، أحد قادة الإسلاميين الذي تم اغتياله في مسجد الفاتح بإسطنبول في 23 شباط / فبراير 1979، وكتب في ذات التغريدة: "قتلنا أعقل واحد منكم في ساحة مسجد الفاتح. فليكن الشيوعيون الخضر عقلاء!"، في إشارة إلى الإسلاميين. وبعد أيام من هذا التهديد الصريح، تمت محاولة اغتيال إمام مسجد الفاتح من خلال طعنه داخل المسجد من قبل شخص يتظاهر بأنه يعاني من مشاكل نفسية.

تركيا مقبلة على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 31 آذار/ مارس القادم. ويعاني حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، من مشاكل عديدة بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أن قرار الحزب الجيد برئاسة ميرال آكشنير بشأن خوض الانتخابات المحلية دون التحالف مع أي حزب آخر، يجعل فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري في أنقرة وإسطنبول وإزمير مهمة في غاية الصعوبة.

لذلك، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري سيسعى إلى إثارة توتر بين الإسلاميين والقوميين في هذه الانتخابات للحفاظ على شعبيته، ولفت انتباه الناخبين عن تحالفه مع الانفصاليين الأكراد، ومحاولة الإيقاع بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك توتر متصاعد بين تركيا وإسرائيل بسبب موقف أنقرة من المقاومة الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي يجعل أهداف تل أبيب تتقاطع مع حزب النصر/الظفر وحزب الشعب الجمهوري في تحريض العنصريين ضد الإسلاميين وقضايا المسلمين؛ على رأسها القضية الفلسطينية، وإثارة القلاقل والاضطرابات في تركيا.

حزب الحركة القومية، كممثل رئيسي لتيار القوميين الأتراك، ما زال يشكل "صمام أمان" يحول دون تورط القوميين في أعمال العنف والكراهية. ودافع رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في كلمته أمام نواب حزبه، عن رفع راية التوحيد التي بدأ حزب الشعب الجمهوري يستهدفها لأغراض سياسية.

ومن المؤكد أن الإسلاميين أيضا على قدر كبير من الوعي والتجربة يجعلهم لا يقعون بسهولة في الفخ الذي ينصب لهم، إلا أن الحكومة التركية هي الأخرى مطالبة باتخاذ تدابير صارمة من أجل إزالة خطر السموم التي يبثها حزب النصر/الظفر في المجتمع التركي، وتهدد أمن البلاد واستقرارها وسلمها الأهلي.

*إسماعيل ياشا كاتب صحفي تركي

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تركيا الإسلاميين القوميين العنصريين حزب الظفر دولت بهتشلي الحركة القومية العدالة والتنمية مباراة كأس السوبر التركي الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری حزب الحرکة القومیة المجتمع الترکی مسجد الفاتح

إقرأ أيضاً:

قائد الحرس الجمهوري في بنين: قوات فرنسية خاصة ساعدتنا في مواجهة الانقلاب

كشف قائد الحرس الجمهوري في بنين ديودونيه دجيمون تيفودجري، اليوم الأربعاء، عن نشر فرنسا قوات خاصة لدعم الجيش في التصدي لمحاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد فجر الأحد الماضي.

وقال الكولونيل تيفودجري، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه تم إرسال قوات خاصة فرنسية من أبيدجان في كوت ديفوار إلى بنين، حيث شاركت في عمليات التمشيط بعد أن أنجز جيش بنين المهمة، حسب قوله.

وبعد يوم من عدم اليقين في كوتونو، أكبر مدن بنين، أعلن رئيس الدولة -الذي من المقرر أن يترك منصبه في أبريل/نيسان المقبل بعد توليه فترتين رئاسيتين- أن الوضع "تحت السيطرة تماما".

وكانت الرئاسة الفرنسية أفادت، الثلاثاء، بأن باريس ساندت حكومة بنين في إطار تحرك إقليمي شمل ضربات جوية شنتها نيجيريا على الانقلابيين.

وقال أحد مساعدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده قدّمت "المراقبة والرصد والدعم اللوجيستي" للجيش، بناء على طلب الحكومة، من دون تأكيد أو نفي نشر قوات فرنسية.

وجاءت محاولة الانقلاب في بنين، الأحد، إثر سلسلة من الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا شملت النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين، وأدت إلى تراجع نفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة.

وقدّر الكولونيل تيفودجري، الذي قاد شخصيا التصدي لهجوم على مقر إقامة الرئيس في وقت مبكر صباح الأحد، عدد الانقلابيين بنحو مئة، موضحا أن مدبري الانقلاب كانوا يمتلكون "العديد من الإمكانات" بينها مركبات مدرعة، لكنّه أشار إلى أنه رغم اعتمادهم على "عنصر المفاجأة" لم يتلقوا دعما من وحدات أخرى.

ولم يقدم تيفودجري إحصاء لعدد القتلى والجرحى في أحداث الأحد، لكنه أوضح أن الانقلابيين "غادروا ومعهم جثث وجرحى" إثر محاولتهم الهجوم على مقر إقامة الرئيس، بعد "معركة شرسة".

وأضاف "كان ممكنا أن يحدث الأسوأ. كجنود وأفراد موالين للجمهورية، قمنا بواجبنا فحسب".

إعلان

مقالات مشابهة

  • لليوم الثاني.. «الشعب الجمهوري» يواصل متابعة سير العملية الانتخابية في الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى
  • لليوم الثاني.. الشعب الجمهوري يواصل متابعة سير العملية الانتخابية في الدوائر الثلاثين الملغاة بالمرحلة الأولى
  • ترامب يتهم “نيويورك تايمز” بالخيانة.. والصحيفة ترد: الشعب يستحق الاطلاع على صحة القائد الذي انتخبه
  • قائد الحرس الجمهوري في بنين: قوات فرنسية خاصة ساعدتنا في مواجهة الانقلاب
  • تعرف على المنتخبات المتأهلة لربع نهائي كأس العرب
  • روبيو يشيد بالخطوات التي اتخذتها حكومة الشرع في سوريا
  • اختتام النسخة الأولى من برنامج «تحدي جائزة فورمولا إثارة الكبرى»
  • الرئيس السوري: علاقاتنا مع تركيا والسعودية وقطر والإمارات مثالية
  • الرئيس التركي يهنئ الشعب السوري بالذكرى الأولى لثورة الثامن من ديسمبر
  • عمارة مذهلة: تصاميم فرانك غيري الأكثر إثارة للجدل