ذكرى وفاة "الكروان".. محطات في مسيرة كارم محمود
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
تحل علينا ذكرى وفاة الكروان كارم محمود الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 1995، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 72 عاما، بدأ حياته مقرئ للقرآن الكريم في مسقط رأسه بمحافظة البحيرة.
اتجه كارم محمود إلى القاهرة عام 1938، ليلتحق بمعهد الموسيقى العربية ويدرس على يد عباقرة الطرب أبرزهم محمد الموجي، رياض السنباطي، كامل محمود، اكتشف موهبته الغنائية المخرج توجو مزراحي وقدمه في أول أعماله الفنية عام 1946.
شارك كارم محمود في بطولة عدد كبير من الأعمال الفنية أبرزها: "ملكة الجمال، ورد شاه، الخمسة جنيه، فايق ورايق، لسانك حصانك، نور عيوني، حلاق بغداد، نص الليل، شادية الوادي، قتنة، معلهش يا زهر، ليلة غرام" وغيرها من الأعمال الفنية العالقة في أذهان الجمهور حتى وقتنا هذا.
حصل الفنان الراحل كارم محمود على عدة ألقاب منها "الكروان" لأنه تميز بصوته العذب، حيث إنه كان يجيد مخارج ألفاظ اللغة جيدًا، لذلك كان يرشح دائمًا لعمل العديد من الاوبريتات الشهيرة مثل: "مصرع كليوباترا، ليلة من ألف ليلة وليلة، العشرة الطيبة".
رحل كارم محمود عن عالمنا داخل مستشفى سانت ماري في لندن بعد إجرائه عملية جراحية وكانت جملته الأخيرة "الرجاء حماية الاحبال الصوتية طوال الجراحة".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: كارم محمود الأعمال الفنية مقرئ مطرب
إقرأ أيضاً:
عالمنا على حافة الرعب النووي!
(1)
مهما حاول المرء أن يغفل أو يتغافل عما يحدث حولنا في هذا العالم المضطرب المجنون من صراعات وحروب وتهديدات بالفناء العام (بلغة مؤرخي الحضارة)، فإنه يبقى بوعيه ولحظته المعيشة في قلب العاصفة وعلى سطح صفيح ملتهب من الأحداث المفزعة المتسارعة وبخاصة مما يدور في الشرق الأوسط وعالمنا العربي خلال الأسبوعين الماضيين؛ مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران.
وفي وسط ذلك كله يلوح شبح الرعب النووي مخيمًا لا على الأجواء في الشرق الأوسط فقط، بل على العالم أجمع؛ شرقه وغربه. فهناك خطر حقيقي يحذر منه الجميع تحت وطأة الضربات العنيفة التي وجهت إلى المفاعلات النووية الإيرانية، أو التي من المحتمل أو من المتوقع أن توجه لها خلال الفترة القليلة المقبلة!
في هذه الأجواء المرعبة؛ يقدم كتاب جيم باجوت «القنبلة الذرية ـ التاريخ السري أول حروب الفيزياء» (1939-1949)، الصادر ترجمته العربية أخيرًا عن دار آفاق للنشر والتوزيع بالقاهرة، وبتوقيع المترجم والكاتب المتخصص في الثقافة العلمية أحمد سمير سعد.
الكتاب ضخم جدا يقع فيما يزيد على الستمائة صفحة، ورغم ذلك فإنه ميسور القراءة للغاية، خاصة مع تمرس مؤلفه بهذا النوع من الكتابة الموجهة لأكبر شريحة من القراء من غير المتخصصين، ويضاف إلى ذلك أيضًا خبرة المترجم الكبيرة في الكتابة العلمية الموجهة لغير المتخصصين؛ وقد أصبح على رأس الطبقة الأولى في هذه الدائرة النادرة من الكتابة في الثقافة العربية خلال السنوات العشر الأخيرة..
لم يكن غريبًا -إذن- أن تصف مجلة "هيستوري أوف ووار" الكتاب بأنه "مثال ممتاز على الكتابات العلمية للعامة، يشرح سلسلة من المفاهيم الصعبة بوضوح واتساق، من دون التضحية بالدقة. عندما يجتمع هذا بقصص العلماء الشخصية، فالنتيجة دراسة ممتازة لتطوير أول قنبلة ذرية".
(2)
لكن قبل التعرض لفصول الكتاب وتكثيف المادة المعرفية الغزيرة التي يقدمها حول الموضوع؛ أقف عند جزئية مهمة قد تغيب عن كثير من السادة المترجمين الذين يتصدون لهذا النوع من التأليف العلمي. أقصد ربط الموضوع باللحظة الراهنة؛ تأملا وتحليلا، عودة إلى الماضي لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، وربط الموضوع كذلك بما يحدث في عالمنا على أرض الواقع.
هذه الفكرة بالضبط هي ما يميز دائما اختيارات المترجم في كل ما يكتب أو يعلق أو يترجم أو يحرر! ذلك أنه يتسم بوعي شديد الرهافة والحساسية فيما يخص قراءة تاريخ العلم ومستجداته، وفلسفته وتأملاته، فهو ممن يومنون بالعلم في سبيل خدمة البشرية، وليس لتمجيد العلم للعلم من دون رد آثاره وتطبيقاته على واقع البشر وفي خدمتهم.
ومن هنا؛ تبدو لفتات أحمد سمير سعد الذكية وتعليقاته واستدعاءاته النصية التي يدلل بها على وجهة نظره في مسألة الربط هذه؛ أو الوصل الذكي بين موضوع كتاب عكف على ترجمته أو تأليفه أو تحريره، وبين ما يدور على الأرض من وقائع وأحداث.
قبل أيام قليلة لفت أنظار كل المتابعين للحرب المشتعلة بين إيران وإسرائيل، خبر تم تداوله عن هزة أرضية مركزها شرق إيران بقوة 5 درجات على مقياس ريختر! تعددت التفسيرات لهذه الهزة في هذا التوقيت بالذات. يمسك أحمد سمير سعد بطرف هذا الخيط ليستدعي نصا من كتاب جيم باجوت عن القنبلة الذرية فيما يتعلق بطريقة أو طرائق إجراء الاختبارات النووية! فماذا يقول مترجم كتاب (القنبلة الذرية) بين يدي هذا النص المقتطف؟
(3)
في البداية أُجريت الاختبارات النووية في أبراج مرتفعة عن الأرض، ثم أُجريت في عرض البحر، وأخيرًا في جوف الأرض". وبذكاء شديد واختيار واع يعرض المترجم مقطعًا من الكتاب (القنبلة الذرية.. أول حروب الفيزياء)، يتحدث فيه مؤلفه جيم باجوت عن أول اختبار لقنبلةٍ ذرية أُجري على الإطلاق؛ يقول:
وصل العد التنازلي إلى الصفر. أُغلِقت دائرة الإطلاق. أطلقت المُفَجِّرات الإلكترونية الموضوعة في تماثل فوق سطح الرجل البدين ليتزامن 32 انفجارا منفصلا. اخترقت الانفجارات الحارقة القنبلة صوب مركزها، أُجبِرت الموجات الصدمية المتوسعة على الانحراف، من أجل تركيز طاقتها على اللب. انهار مَدَك اليورانيوم على نفسه، وأتبعه لب البلوتونيوم الصلب. عندما سُحِق مُكَوِّنا البادئ من البولونيوم والبريليوم معا، أدت جسيمات ألفا التي تحررت من البولونيوم إلى خروج شظايا النيوترونات من أنوية البريليوم. انهمرت النيوترونات على الكتلة الحرجة الفائقة، صغيرة الحجم، شديدة الكثافة. وَلَّد الانشطار فوق الانشطار لأنوية البلوتونيوم 239، موجة فوق موجة من النيوترونات، في حين أخذت المادة تتحول إلى طاقة أولية. وصف فريش ما حدث لاحقًا:
وبعدئذ، ومن دون صدور صوت، أخذت الشمس تسطع، أو هكذا بدت. أخذت التلال الرملية على حافة الصحراء تتلألأ بضوء براق للغاية، يكاد يكون بلا لون أو شكل. استدرت، إلا أن ذلك الجسم في الأفق الذي بدا مثل شمس صغيرة ما زال براقا للغاية، ولا يمكن النظر إليه. ظللت أطرف بعيني، محاولا أن أخطف لمحات، وبعد عشر ثوانٍ أخرى أو نحو ذلك زاد في الحجم وخفت إلى ما يشبه حرائق آبار البترول الهائلة.. كان مشهدا مهيبا، مَن شهد ذات يوم انفجارا ذريا، لن ينساه مطلقا. غمر الصمت التام كل ذلك، ثم جاء الدوي بعد دقائق مرتفعًا للغاية على الرغم من أنني سددت أذنيْ، أتبعه صوت قعقعة طويل أشبه بصوت زحام مروري بعيد جدا. ما زلت أستطيع سماعه.
لقد صارت المشكلة العلمية المجردة التي تصدى لها فريش ومايتنر عشية عيد الميلاد في كونجالف حقيقة مرعبة.
ضحك البعض. بكى البعض. التزمت الأغلبية الصمت. استعمل فيرمي تجربةً بسيطة، تقيس المسافة التي حملت خلالها الموجة الصدمية بعض القصاصات الورقية الصغيرة، لكي يُقَدِّر أن القنبلة وَلَّدت انفجارا مكافئا لـ 10000 طن من التي إن تي TNT.10!!
(4)
في مقدمته للترجمة العربية للكتاب، يوضح أحمد سمير سعد أن جيم باجوت (مؤلف الكتاب) يُشَبِّه الصفقة التي عقدها هايزنبيرج حين وافق على الانضمام إلى المشروع الألماني لبحث تصنيع قنبلة ذرية بصفقة "دكتور فاوست" الذي وَقَّع عقدًا مع الشيطان، إذ عزم هايزنبيرج على أن يضمن لنفسه ولزملائه مكانة رفيعة، وأن يستمر في ممارسة الفيزياء التي يحبها مهما تعقدت الأمور.
وفي المقابل، يبحث فرضية بناء مفاعل نووي أو "قنبلة ذرية"، وهي الفرضية التي ظن أنها بعيدة المنال، على الأقل بالنسبة للإطار الزمني للحرب. لقد صار هايزنبيرج بذلك سفيرًا للنازية، وأثار حنق وخوف زملائه الذين اضطروا إلى الهروب من قهر النازية وبطشها.
في المقابل، عقد العلماء الذين اجتمعوا في بلاد الحلفاء صفقتهم كذلك، وهي صفقة مع السلطة، وأي سلطة مجبولة على بسط النفوذ والهيمنة، ويخطئ مَن يظن أن المارد إذا خرج قد يعود إلى القمقم مرة أخرى!
إنها مقامرة محفوفة بالمخاطر، وهي في كل الأحوال مقامرة خاسرة، إلا أن البعض قد يراها مقامرة حتمية. إذا كان هايزنبيرج قد عقد صفقته مع الشيطان، ففي ظني أن علماء الحلفاء قد لعبوا "البوكر" مع الشيطان، وظنوا أنهم قد يربحون!
إلا أن السؤال في حقيقة الأمر صعب للغاية، هل تترك وطنك وناسك لأنك تختلف مع النظام الحاكم أم توفق أوضاعك؟ وإذا كنت على الجانب الآخر من اللعبة، هل تعتزل الحرب أم تحاول أن يكون لك دور في الوقوف ضد الشر المستطير الذي يوشك أن يهبط بستائره الظلامية على كل شيء؟
وما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه ما دار قبل قرابة المائة عام بما دار في العقد الأخير قبل انتصاف القرن العشرين! لا أحد يتعلم من تجاربه ولا من جرائمه ولا خطاياه! إنه الإنسان!