كيف ستلقي هدنة الاحتلال مع إيران بظلالها على صفقة التبادل في غزة؟
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
شهدت الساعات الماضية دخول قرار وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران حيز التنفيذ في خطوة قد تفتح الباب أمام تهدئة أوسع تشمل قطاع غزة، توقعات بأن يسهم وقف إطلاق النار في تسريع مفاوضات صفقة تبادل الأسرى بين الطرفين.
وأعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل أدى إلى عرقلة جهود تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وجاء التصريح خلال مؤتمر صحفي بالدوحة، ليكشف عن استعداد الوسيط القطري لاستئناف مفاوضات التهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس "خلال يومين"، معولا على تراجع التوتر الإيراني – الإسرائيلي لإعادة الزخم إلى جهود الوساطة المتوقفة، بعد أن دخل قرار وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت مبكر حيز التنفيذ.
الدوحة تعود إلى الطاولة
أكد رئيس الوزراء القطري أن الدوحة كانت قريبة جدًا من التوصل إلى اتفاق تهدئة شامل في غزة قبيل اندلاع المواجهات المباشرة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، وقال إن العدوان الإسرائيلي على إيران أثر بالسلب على جهود الوساطة وإبرام صفقة بتبادل أسرى بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، محذرا من أن يستغل الاحتلال الإسرائيلي قرار وقف إطلاق النار مع إيران ليزيد من قصفه في غزة.
أعلن وزير الخارجية القطري عن نجاح جهود وساطة عاجلة قادتها بلاده بالتنسيق مع واشنطن، نتج عنها الاتفاق على وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل، عقب توتر منتكِس بسبب تبادل القصف في الأيام الماضية.
قال رئيس الوزراء القطري إن "الدفاعات القطرية أسقطت معظم الصواريخ الإيرانية التي أُطلقت نحو قاعدة العديد، باستثناء واحدة، مشيداً بـ"التصدي البطولي للقوات القطرية"، مضيفا أن الإدارة الأمريكية هي من طلبت من الدوحة وساطتها، وقد تواصلت مع الطرفين الإيراني والأمريكي، ما أسفر عن الاتفاق على وقف إطلاق النار.
وقف إطلاق النار الإيراني – الإسرائيلي: التوقيت والرمزية
في فجر 13 حزيران / يونيو، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عملية أُطلق عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت منشآت نووية إيرانية حيوية، بينها موقع نطنز للتخصيب وفوردو وأصفهان، بالإضافة إلى مئات المواقع العسكرية ومطارات استراتيجية
وشارك أكثر من 200 طائرة إسرائيلية من نوع F‑35I محمّلة بأكثر من 330 صاروخًا وقنابل، وأسفرت العمليات عن تدمير البنية التحتية فوق الأرض وقتل عدد من العلماء والعسكريين الإيرانيين، لم تعلن طهران عن سقوط أي كميات إشعاعية ملحوظة بعد القصف.
الرد الإيراني الصاروخي ودخول أمريكا
ردت إيران على نحو واسع بإطلاق أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا وعدة طائرات مسيّرة، استهدفت بنيات تحتية مدنية وحكومية داخل الأراضي المحتلة، و أدت هذه الهجمة إلى وقوع إصابات في تل أبيب وشمال البلاد، مع وقوع أضرار مادية طفيفة بوساطة أنظمة الدفاع الجوّي الإسرائيلية "القبة الحديدية" .
في تطور لافت، انضمت الولايات المتحدة إلى الغارات بتوجيه ضربات استهدفت نطنز وفوردو وأصفهان، مستخدمة طائرات شبحية "B‑2" وصواريخ "توماهوك" وبطائرات "ممرات ثقيلة"،كان الهجوم ضمن ما أُطلق عليه "عملية مطرقة منتصف الليل"، وقد أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن الضربات تسببت بـ"ضرر هائل" وأوقفت التهديد النووي الإيراني
رداً على الضربات الأمريكية، أعلنت طهران استهداف قواعد أمريكية في قطر والعراق، بينما هددت بإغلاق مضيق هرمز، وهو ما يهدد 25 بالمئة من حركة النفط العالمية، وخرجت تحذيرات أوروبية وأمم متحدة، وكانت تعليق رافائيل غروسي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية واضحاً: "الخطر على عدم الانتشار النووي صارخ"، داعيًا إلى دبلوماسية عاجلة.
غزة... الملف المؤجل
المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية ألقت بظلالها على غزة. فالمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، التي كانت قد بلغت مراحل متقدمة بوساطة قطرية ومصرية، توقفت فجأة، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري بعودة المفاوضات خلال يومين يعيد مشهد غزة إلى الصدارة من جديد.
وكانت صحيفة هآرتس العبرية قد أكدت أن التصعيد الإيراني "جمد المسار السياسي مؤقتا"، في حين أشارت مصادر مطلعة لصحيفة الغارديان إلى أن إسرائيل أوقفت اتصالاتها مع الوسطاء، وطلبت "مهلة للتقييم الأمني".
غزة مفتاح التغيير
ومن جانبه أكد الكاتب والمحلل الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، فراس ياغي، أن التهدئة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي قد تكون مفتاحاً لتغيير أوسع في المنطقة، يشمل إنهاء الحرب في غزة، بل وإعادة تشكيل المشهد السياسي في إسرائيل.
وقال ياغي لـ"عربي21" إن "غزة كانت البداية، ومن غزة ستكون النهاية، إذا نجح وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، سنذهب نحو صفقة في غزة، وربما انتخابات مبكرة في إسرائيل خلال تشرين الأول / أكتوبر".
ويتابع: "نتنياهو يسعى لاستثمار ما يعتبره انتصاراً على إيران، ولذلك قد يوافق على صفقة شاملة تشمل تبادل أسرى وهدنة طويلة، تمهيداً لانتخابات يأمل فيها إنقاذ مستقبله السياسي".
وأضاف ياغي أن المشهد السياسي بعد الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة سيتغير، قائلاً: "في غزة ستكون الكيانية أو الدولة، وسترتبط الضفة الغربية إدارياً ومالياً بغزة، وستكون حركة حماس جزءًا أساسياً من النظام السياسي، كما هو حال حزب الله في لبنان."
وأضاف أن العلاقة بين أمريكا وإيران ستتحول إلى تعاون واستثمارات اقتصادية، موضحًا أن الموقع الجيوسياسي لإيران كدولة ارتكاز استراتيجية أثبت أنه أقوى من القنبلة النووية، مذكرا أن الإيرانيين "لا تحكمهم العواطف بل مفهوم البقاء وعدم الاندثار، ويحكمهم مصالحهم وكرامتهم، وقد حققوا ذلك معًا"، وأكد أن نتيجة هذا ستؤدي إلى وقف الحرب في غزة عبر هدنة تمتد حتى تشرين الأول/أكتوبر، حيث سيتم إنهاؤها بشكل نهائي.
وعن سبب تحديد توقيت وقف الحرب في تشرين الأول / أكتوبر، أشار ياغي إلى أن "الدولة العميقة العالمية التي قادت المعارك منذ سنتين هي من قررت ذلك"، معتبرًا أن "المرحلة المقبلة ستشهد لغة الدبلوماسية بدلاً من لغة الدمار والكوارث الناتجة عن الحروب، بعد أن جربت المنطقة الدمار فعليًا".
وأشار إلى أن "إسرائيل التي اعتقدت أنها ستتوسع وتتوج نتنياهو ملكًا عليها، ستعود إلى جادة العقل بعد أن أنهكها الطوفان رغم قوتها وجبروتها"، مضيفًا أن "رأي الجمهور الإسرائيلي سيتغير بعد إدراك حجم الخسائر خلال عامين من عمر الطوفان، وستُشكّل لجان تحقيق متعددة".
وأضاف ياغي أن الهزيمة الإسرائيلية في غزة استراتيجية، تتمثل في "عدم القدرة على فرض القوة واستخدام شريعة الغاب، إلى جانب الخسائر الكبرى على صعيد الرأي العام العالمي".
واختتم تصريحاته بالقول إن "إسرائيل اليمينية الصهيو-دينية انكشفت حقيقتها ولن تستطيع استعادة سمعتها إلا بعد عقود، وإن إيران لم تهزم ولم تنتصر لكنها ربحت كونها دولة إقليمية كبرى". وأكد أن غزة "أسطورة حية، خلقت لتكون بداية ونهاية هذا الصراع".
هل اقتربت صفقة التبادل؟
بحسب معلومات سربتها وسائل إعلام إسرائيلية، فقد كانت المفاوضات السابقة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، تتضمن ثلاث مراحل: هدنة أولية لمدة ستة أسابيع تتخللها عمليات تبادل أسرى تدريجية، إدخال مساعدات إنسانية موسعة وعودة سكان غزة إلى مناطق شمال القطاع، ومفاوضات حول وقف نار دائم وإعادة إعمار، مقابل إطلاق جنود إسرائيليين أسرى.
وكانت حماس قد وافقت مبدئياً على هذه البنود، في حين طلب الاحتلال الإسرائيلي مزيدًا من التنازلات، ومع التهدئة الجديدة بين طهران وتل أبيب، يعتقد مراقبون أن إسرائيل ستعيد النظر في موقفها، خصوصاً مع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية.
صحيفة معاريف نقلت عن مصادر أمنية إسرائيلية أن "الهدنة مع إيران تخفف الضغط على جبهات أخرى، وتتيح العودة إلى ملف غزة".
نتنياهو: أزمة داخلية ومستقبل غامض
يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخروج من أزمته السياسية المتفاقمة، فالحرب على غزة استنزفت الجيش، وأثقلت كاهل الاقتصاد، وأثارت انتقادات غير مسبوقة في الداخل الإسرائيلي.
ووفقًا لاستطلاع نشره معهد "ديالوغ" فإن شعبية نتنياهو انخفضت إلى أقل من 24 بالمئة، بينما يرى 61 بالمئة من الإسرائيليين أنه “فشل في إدارة الحرب”.
ورغم خطابه المتشدد، إلا أن تقارير من داخل حكومته تشير إلى استعداده للموافقة على صفقة التبادل، خصوصاً بعد أن تعهد الوسيط الأمريكي بإخراج جميع الجنود من غزة “أحياء أو أموات”، بحسب قناة NBC.
تداعيات إقليمية ودولية
التهدئة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي أوقفت مؤقتاً احتمالات اندلاع حرب إقليمية كبرى، لكن الوضع لا يزال هشًا. وتراقب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مسار الأحداث في غزة، تحسباً لانفجار جديد.
صحيفة لو موند الفرنسية رأت أن "الشرق الأوسط يقف الآن أمام لحظة اختبار"، إما أن تختار الأطراف التهدئة والدبلوماسية، أو تنزلق نحو جولة جديدة من العنف.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد عبّر عن أمله في أن "تكون تهدئة إيران وإسرائيل مقدمة لوقف دائم للعدوان في غزة، ولعملية سياسية شاملة تضمن العدالة والكرامة للفلسطينيين".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية وقف إطلاق النار الاحتلال غزة القطري إيران إيران غزة قطر الاحتلال وقف إطلاق النار المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بین الاحتلال الإسرائیلی والاحتلال الإسرائیلی بین إیران والاحتلال وقف إطلاق النار بین رئیس الوزراء بعد أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فجر اليوم الثلاثاء موجة من التحليلات في الصحف الإسرائيلية، ركزت على أن هذه الهدنة جاءت تتويجًا لهجوم إسرائيلي غير مسبوق حقق توازن ردع جديد، ولكنها تمنح طهران فرصة للتعافي وإعادة بناء قوتها.
كما أنها تترك أسئلة مفتوحة بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني ومصير غزة، فيما اعتبر باحث مختص بالشأن الإيراني بأن موافقة إسرائيل على ذلك هو قرار غير عقلاني، ويسمح لإيران بالتعافي والخروج أقوى.
الصحفي الاستقصائي والمحلل الأمني البارز في صحيفة يديعوت أحرونوت، رونين بيرغمان افتتح مقاله المطول في الصحيفة بالقول، "وقف إطلاق النار ساري المفعول الآن. من فضلكم لا تخرقوه! بهذه الكلمات التي تحمل طابعًا ساخرًا ومقتضبًا، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر تغريدة، انتهاء واحدة من أكثر جولات التصعيد خطورة بين إسرائيل وإيران، وربما تدشين مرحلة جديدة تقوم على "اتفاقات مصيرية"، تشمل حسم ملف غزة والتوصل إلى صيغة تسوية للبرنامج النووي الإيراني".
وكتب أن الضربات التي نُفذت ضد إيران الليلة الماضية لم تكن عادية، بل كانت "الأعنف منذ بداية الحرب"، مشيرا إلى أن تقارير متعددة ذكرت أن إسرائيل استهدفت رمز النظام ذاته، بما في ذلك المقر الرسمي للمرشد الأعلى علي خامنئي في طهران، في غارة شملت مؤسسات سيادية ومصرفية في قلب العاصمة.
وأضاف "لكن في ذروة هذه المواجهة، أُعلن وقفٌ لإطلاق النار بدا هشًّا، حتى مع إعلان ترامب عنه بأسلوب استعراضي لا يخلو من المفارقة"، ووصف تغريدة ترامب بأنها "أقرب إلى احتفال ختامي لمشروع تخرج ماراثوني"، بل وأضاف ساخرًا: "هكذا هم من يقبلون بتواضع ترتيبات ترامب، ينتهي بهم الأمر إلى تلقي ابتسامة، وقبعة، ومعاملة متساوية".
إعلانوعلق المحلل العسكري على الاتفاق قائلا "ليس من المؤكد أننا سنشهد جولة أخرى أو جولة ونصف من تبادل الضربات"، مشيرا إلى أن خيبة أمل أصابت بعض الأوساط اليمينية عند سماعهم باتفاقٍ مفاجئ لم يكن متوقعًا، ولكنه استدرك بالقول، "يبدو أن كلا الجانبين كانا مستعدين لتقديم تنازلات كبيرة من أجل إغلاق مشهد المواجهات".
وقال: "الشريك الثالث، الولايات المتحدة، وبشكل أدق: ترامب، فضّل هو الآخر التهدئة بدلًا من الدخول في حرب استنزاف طويلة"، في إشارة إلى وجود تيارات أميركية داخل الحزب الجمهوري الأميركي تعارض العملية برمتها.
وفيما عبّر بيرغمان عن التناقض الصارخ بين تغريدة ترامب التهكمية، وبين حقيقة أن هذا الرجل نفسه، قبل أقل من 48 ساعة، أطلق أكبر أسطول جوي أميركي منذ حرب الخليج لضرب أهداف إيرانية، فإنه يستنتج أن ذلك تم في إطار "مسرحية سياسية معقدة، تحاول إنهاء الحرب من دون إهانة أي طرف".
وفي تفسيره لخطوة إسرائيل، يكشف بيرغمان أن ما حصل ليس ارتجالًا، بل يُحتمل أنه جزء من "إستراتيجية خروج" تمت مناقشتها في أروقة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وتقوم الخطة على التالي: تُعلن واشنطن وقف إطلاق النار، مع تنسيق مسبق مع إسرائيل، وتسمح للإيرانيين بإطلاق "الطلقة الأخيرة"، ثم يدخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ خلال 24 ساعة.
ويتابع: "هكذا، يمكن لخامنئي أن يقول إنه دمر تل أبيب، ويمكن لنتنياهو وترامب أن يدّعيا بأنهما دمّرا المشروع النووي الإيراني".
هذه الخطة، بحسب بيرغمان، لم تكن موضع ترحيب في إسرائيل حين طُرحت لأول مرة، بل قوبلت بهجومٍ واسع من قبل محللين وسياسيين رأوا فيها "وهمًا وانهزامًا"، لكن المفارقة "أنها قد تم تبنّيها لاحقًا من قِبل الأطراف باعتبارها الخيار الوحيد لتجنّب حرب استنزاف طويلة كانت ستشعل المنطقة بأسرها".
غير أن المحلل العسكري لا يزال يطرح أسئلة كبرى بعد انتهاء الضربات وتثبيت التهدئة، يرى أنها تظل بلا إجابات، ويقول "ماذا عن المنشآت النووية؟ هل فُككت أم ضُربت؟ هل لا تزال إيران قادرة على إعادة بناء البنية التحتية للتخصيب بسرعة؟ كم تبقّى من الصواريخ الباليستية ومنصات الإطلاق؟ وهل الاتفاق المفترض سيعالج كل ذلك؟".
ويؤكد في المقابل أن "الطريقة الصحيحة لمنع إيران من امتلاك مشروع نووي يُعرّض إسرائيل للخطر هي اتفاقٌ يخضع لرقابة صارمة، وبنود عقابية قاسية، وتاريخ انتهاء صلاحية أبعد بكثير من 10 سنوات".
ويقتبس عن شخصية أمنية بارزة قولها: "هذه الفترة (10 سنوات) هي الحد الأقصى الذي يمكن أن يتحمله العالم، وخصوصًا دولة مثل إيران. وكانت هذه نقطة الضعف الحقيقية في اتفاق 2015 الذي وقّعه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع إيران". ويختم هذه الفقرة بالقول: "سيُظهر الاتفاق الجديد، إذا تم، حدود النجاح الحقيقي للحرب التي خاضتها إسرائيل".
ورأى بيرغمان أن التطورات في غزة لا تنفصل عن مشهد الاتفاق مع إيران. فإعلان هدنة في القطاع، وسحب القوات، وعودة "الرهائن" المحتجزين، كلها ملفات قد تم بحثها في مكالمة حاسمة جرت بين ترامب ونتنياهو في 9 يونيو/حزيران، هي نفسها المكالمة التي وافق فيها ترامب على الهجوم الإسرائيلي ضد إيران.
إعلانوكتب: "قد تكون لهذا الاتفاق، إذا اكتمل، تداعيات هائلة على السياسة الداخلية الإسرائيلية، بدءًا من إنهاء إحدى أعقد حلقات أزمة الرهائن، إلى استقرار ائتلاف نتنياهو". بل إن توقيت الانتخابات الإسرائيلية المقبلة -كما يقول- قد يتأثر بمآلات هذه الاتفاقات، وجودًا أو غيابًا.
وفي عنوانه الرمزي "في الطريق إلى زمن الاتفاقات المصيرية"، يطرح بيرغمان قراءة شاملة لتطور يبدو أنه سيشكل نقطة تحوّل في النزاع مع إيران. فالاتفاقات الثلاثة التي تُنسج في الخفاء -وقف إطلاق النار مع إيران، وإنهاء الحرب في غزة، والعودة إلى طاولة التفاوض النووية- قد لا تكون نهائية أو مثالية، لكنها تُنهي 3 جبهات في آنٍ واحد، وتفتح صفحة جديدة من إدارة الصراع بدلاً من تصعيده.
ويختم مقاله بالتساؤل: هل ما تحقق هو انتصار أم أنه مجرد خروج مشرف من مأزق خطير؟ والأهم: هل ستقبل طهران وتل أبيب وواشنطن بتثبيت هذه التسوية أم أن جولةً جديدة تُخبئها الأيام المقبلة؟
ضربة قاسية لإيرانوفي مقاله بصحيفة هآرتس، قال المحلل العسكري الإسرائيلي البارز عاموس هرئيل إن وقف إطلاق النار شكّل تتويجًا لموجة قتال غير مسبوقة، أسفرت عن "توازن ردع جديد"، لكنه أضاف أن الطريق إلى اتفاق فعلي ومُلزم لا يزال طويلًا، وغامضًا، وربما مشروطًا بتنازلات إسرائيلية في غزة.
وافتتح هرئيل مقاله بتعليق ساخر على إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار، حيث غرّد قائلاً: "جاءتني إسرائيل وإيران، في آن واحد تقريبًا، وقالتا: سلام!… سيشهد كلا الشعبين الحب والسلام والازدهار الرائع في مستقبلهما"، ويعلّق المحلل السياسي على هذه الصيغة بقوله: "الحياة كبرنامج تلفزيوني الواقع، مرة أخرى. لولا هذا الواقع المحزن، لكان المرء ليضحك".
وبحسب هرئيل، فإن استمرار إيران في إطلاق الصواريخ لفترة قصيرة بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار كشف عن ضعف القدرات النارية الإيرانية، لكنه كشف أيضًا عن ثغرات في منظومة الدفاع الإسرائيلية.
وسلّط المحلل العسكري الإسرائيلي الضوء على ردة فعل الرئيس الأميركي على إطلاق إيران النار على قاعدة العديد في قطر التي توجد فيها قوات أميركية ردًّا على قصف الولايات المتحدة منشآت إيران النووية في فوردو ونطنز وأصفهان، حيث قال ترامب علنًا إنه "يشكر الإيرانيين على التحذير المسبق"، وهو ما يراه الكاتب تعبيرًا عن اتفاق مسبق غير معلن بين الجانبين لضبط حدود المواجهة، مع المحافظة على قواعد اللعبة.
ورأى هرئيل أن إسرائيل وجّهت "ضربة موجعة ومباغتة لإيران"، استهدفت منشآت نووية ومستودعات صواريخ ومواقع للقيادة والسيطرة، ضمن عملية مشتركة ومنسقة مع الولايات المتحدة. ويقول: "ما حدث في الأيام الـ12 من الحرب مع إيران يبدو على النقيض تمامًا من الفشل الذي واكب إدارة الحرب في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول".
وبينما يتساءل كثيرون عن مدى استدامة هذه الضربة، أشار المحلل العسكري إلى أن "نجاح سلاح الجو الإسرائيلي في تدمير منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ترك طهران مكشوفة للهجمات"، مضيفًا أن المشروع النووي والصاروخي الإيراني تلقّى ضربة إستراتيجية غير مسبوقة، وقد تكون لذلك تداعيات على استقرار النظام الإيراني نفسه، ولو في المدى المتوسط أو البعيد.
لكنه، في المقابل، حذّر من المبالغة في تصوير هذه الضربة على أنها نهاية الطريق. فالحديث، حتى الآن، لا يدور حول "اتفاق" فعلي، بل "تفاهمات ميدانية" أو "هدوء مقابل هدوء"، وهو ما يعني -بحسبه- أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو غياب اتفاق رسمي، مع بقاء الوضع عرضة للاشتعال مجددًا عند أول خرق.
إعلانوقال: "ما الذي يُعدّ انتهاكًا في غياب اتفاق مفصل؟ وهل يُسمح لإسرائيل بالهجوم مجددًا لمجرد عودة الطرد المركزي إلى الدوران؟ هل يُمكن إعادة فرض عقوبات مشددة دون غطاء قانوني دولي؟".
واعتبر أن الإيرانيين سيحاولون -كما فعلوا في الماضي حسب زعمه- كسب الوقت، والمناورة، والعودة لاحقًا إلى خرق القيود إذا لم تُفرض عليهم آليات رقابة صارمة.
ماذا طلب ترامب من نتنياهو؟ينتقل هرئيل إلى الجانب السياسي، متسائلًا عن ثمن هذا الاتفاق غير المُعلن. فقد أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيانًا قال فيه إن إسرائيل أزالت "التهديد المزدوج الفوري، في المجالين النووي والصاروخي"، وأعلنت وقف الحرب بعد تحقيق أهدافها. لكنه لم يوضح -حسب الكاتب- ما جرى الاتفاق عليه مع ترامب خلف الكواليس.
وهنا يطرح المحلل العسكري تساؤلات لافتة:
"هل طلب ترامب من نتنياهو دفع ثمن في غزة؟" "هل يشمل ذلك إنهاء القتال هناك، أو الانسحاب الكامل مقابل إطلاق سراح الرهائن؟" "هل هناك التزام إسرائيلي بتقديم تنازل سياسي في المسار الفلسطيني مقابل إعادة إحياء اتفاق التطبيع مع السعودية؟".
ويؤكد في هذا السياق أن ترامب لم يتخلَّ عن حلمه بتدشين تحالف إستراتيجي إقليمي جديد، يُضم إليه العرب السُّنة وإسرائيل، وربما أيضًا يُتوّج بجائزة نوبل للسلام، على حد تعبيره.
أشار هرئيل إلى أن نتنياهو قد يُجبر على تقديم تنازلات داخلية، فاستمرار قضية "الرهائن"، واستنزاف الجيش الإسرائيلي في غزة، يُعدّ "جرحًا وطنيًّا مفتوحًا"، ولا يمكن -كما يقول- التوجه إلى انتخابات جديدة دون معالجته.
وكتب: "خلافًا للرسالة التي يُحاول أنصار نتنياهو ترويجها، فإن نجاح 13 يونيو/حزيران (في ضرب إيران) لا يُمحي وصمة 7 أكتوبر/تشرين الأول"، في إشارة إلى يوم هجوم حماس، الذي يُعد في إسرائيل يوم الفشل الأمني الأكبر منذ تأسيس الدولة.
وختم المحلل العسكري بالقول: "إنجازات إسرائيل ضد إيران مُبهرة، وقد لا تكون تحققت لولا إصرار نتنياهو… لكن لا يمكن لهذه الإنجازات أن تُخفي التاريخ الحديث، ما دام رئيس الوزراء يرفض الاعتراف بأي مسؤولية عن الكارثة في غزة، ويستعدّ لشن حملة جديدة ضد أسس النظام الديمقراطي الإسرائيلي".
من ناحية أخرى، نشرت صحيفة معاريف تقريرا تناول موقف الباحث الإسرائيلي المختص في الشأن الإيراني بيني تسيفتي، عبّر فيه عن استيائه من قرار وقف إطلاق النار.
ونقلت الصحيفة عن تغريدة للباحث على شبكة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا)، جاء فيها "وقف إطلاق النار وسط إطلاق الصواريخ على إسرائيل وكذلك القتلى، قرار غير عقلاني انقلب ضد أنفسنا".
وأضاف أن "إيران ستخرج من هذا بقوة لأن أرواح المدنيين والدمار ليسا مهمين بالنسبة لها" حسب زعمه. وذكر أنه "ذات مرة، خلال حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973)، قطعنا الهاتف عن الأميركيين، والآن لن يتم حل المسألة إلا من قبلهم".
ويبدو أن الباحث تجاهل أن الجسر الجوي الذي قدمته الولايات المتحدة آنذاك أنقذها من هزيمة منكرة بعد أن تمكنت الجيوش العربية من استرجاع الجولان وسيناء.
كما قال في تغريدة ثانية "أسمع أصوات وقف إطلاق النار مع إيران وأقول: يجب ألا نتوقف! تتدحرج كرة الثلج وأي شخص يحاول إيقافها سيؤذي نفسه. لا ينبغي السماح لإيران بالتعافي والخروج أقوى. لا تترك مريضا في منتصف العملية! وإلا فلن يكون اليوم الذي سيتم فيه افتتاح المنشآت النووية وإعادة تأهيل حزب الله بعيدا. وسترفض حماس أيضا إعادة الرهائن. لذا فكر مرة أخرى!".