الدوحة- طالبت السفيرة الفرنسية لدى سوريا بريجيت كرمي النظام السوري بتقديم تنازلات قيّمة للعمل على تسوية الأزمة السورية المندلعة منذ نحو 13 عاما، معتبرة أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتسوية الصراع، ومستبعدة تقديم "هدايا مجانية لحكومة دمشق التي غابت عنها الإرادة الصادقة لحل الصراع".

وقالت في حوار مع الجزيرة نت إن تعنت النظام السوري أدى إلى وصول كافة محاولات التطبيع التي أجريت العام الماضي إلى طريق مسدود، سواء من خلال إعادة إشراك دمشق في الجامعة العربية أو محاولة التقارب مع أنقرة أو المناقشات التي أجريت بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري.

وأوضحت السفيرة الفرنسية غير المقيمة في سوريا أن موقف باريس تجاه دمشق لم يتغير، وأنه لا تطبيع أو رفع للعقوبات أو إعادة إعمار دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية، مما يعني ضرورة تقديم النظام السوري تنازلات ملموسة.

وأكدت أن الوضع القائم على الأرض يظهر بشكل جلي أنه لا يمكن تسوية هذا الصراع عسكريا، وأن الحل السياسي وحده الذي سيحقق السلام الدائم في سوريا.

وأضافت أن سوريا تعاني من تداعيات الصراع الدائر في قطاع غزة، مما يزيد خطورة وصول الصراع إليها، محذرة من أن فتح جبهة جديدة مع إسرائيل في سوريا من شأنه أن يزيد زعزعة استقرار البلاد.

وفي ما يلي نص الحوار..

السفيرة الفرنسية لدى سوريا: تعنت النظام أدى إلى وصول كافة محاولات التطبيع مع دمشق إلى طريق مسدود (الأناضول) بعد سنوات من الحرب في سوريا، هل تعتقدين أن فرصة إحداث تغيير حقيقي فيها أصبحت صعبة؟ ولماذا؟

بعد مرور 13 سنة على الصراع في سوريا والجبهات هادئة نسبيا منذ عام 2020، نواجه الآن خيارا مستحيلا، فإما المضي قدما نحو التطبيع دون القيام بأي تنازلات أولية أو القبول بالوضع الراهن، ولا يشكل أي من هذين الخيارين حلا مقبولا.

لقد أدى تعنت النظام إلى وصول كافة محاولات التطبيع التي أجريت في عام 2023 إلى طريق مسدود، سواء من خلال إعادة إشراك سوريا في الجامعة العربية في مايو/أيار الماضي أو بمحاولة التقارب التي تمت بين أنقرة ودمشق، أو بالمناقشات بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري.

وباءت هذه المحاولات بالفشل تباعا في ظل غياب أي إرادة لدى النظام للتسوية، وهو ما أدى إلى تعزيز قناعتنا بأنه لا فائدة من تقديم الهدايا له قبل قيامه بأي تنازل ذي قيمة.

كما أن الوضع الراهن ليس حلا قابلا للاستمرار أيضا، فقد شهدت سوريا مؤخرا أسوأ تصعيد عسكري لها منذ 4 سنوات مع ارتفاع حدة التوتر والعنف في أرجاء البلاد كافة، كما أن الوضع الإنساني أليم وظروف السوريين المعيشية تستمر بالتدهور.

وبالتالي، فإن ترك الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى زيادة حدة عدم الاستقرار، ليس في سوريا فحسب وإنما في المنطقة بأكملها، كما أن الأزمة الحالية في غزة تظهر كيف يمكن للأزمات "المجمدة" أن تنفجر في أي وقت في حال لم تتم معالجة جذور الصراع.

يتعين علينا أن نعمل معا لإيجاد مسار ثالث، فالوضع القائم على الأرض وتوازن القوى بين مختلف الأطراف يظهران بشكل جلي أنه لا يمكن تسوية هذا الصراع عسكريا، فالحل السياسي وحده هو الذي سيحقق السلام الدائم في سوريا ويسمح للسوريين بالعيش في أمان وكرامة.

ندعو المجتمع الدولي برمته إلى عدم التغاضي عن الصراع القائم في سوريا بذريعة أنه "مجمد"، لأن الأمر ليس كذلك، فالحرب لا تزال مستمرة في البلاد مثلما يظهر من التصعيد العسكري، كما أن الحد من عملنا على إدارة الأزمات في سوريا قد يؤدي إلى تأجيج الصراع المحتدم في المستقبل.

هل تعتقدين أن دمشق منفتحة على الحلول السياسية؟

لا يزال الوضع القائم على الأرض يطلعنا على الحقيقة عينها منذ أكثر من عقد من الزمان، فالحل السياسي هو السبيل الوحيد لسلام واستقرار دائمين في سوريا والمنطقة.

نحن نعلم أن النظام لم يحرك ساكنا في هذه القضية ولم يشارك قط في العملية السياسية بنية حسنة، لكن الانقسام المستمر في البلاد والاحتجاجات المتواصلة في السويداء والسخط المتزايد بين السكان العلويين تذكرنا بأن موقف دمشق لا يمكنه أن يدوم، وأنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار.

مرة أخرى أظهر النظام تعنته في سياق إعادة إشراك سوريا في الجامعة العربية، إذ إن دمشق لم تقدم أي تنازلات لنظرائها العرب، بل على العكس زاد معدل تهريب الكبتاغون بتواطؤ من النظام وجيشه، مما يحول البلاد إلى دولة مخدرات.

ولا تزال شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة لـ6 ملايين لاجئ سوري و6 ملايين نازح داخليا غير مستوفاة، بسبب عدم رغبة النظام في تقديم ضمانات لحماية العائدين.

يتعين علينا أن نستمر في العمل للتوصل إلى حل سياسي للصراع، لأنه السبيل الوحيد لدفع النظام إلى تغيير سلوكه، ونحن حريصون على مواصلة حوارنا مع مجموعة الاتصال العربية في هذا الاتجاه.

كيف ترين وضع حقوق الإنسان في سوريا؟ وهل هناك إحصائيات عن أعداد النازحين والمعتقلين والوفيات؟

الصراع في سوريا كان مميتا ودفع المدنيون ثمنه باهظا، إذ أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 500 ألف شخص، ووفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد شهد العام الماضي وحده مقتل نحو 4360 شخصا، بينهم 1889 مدنيا، مما يدل على أن الحرب لم تنته بعد.

ولا تزال تسجل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في سوريا، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان تم توقيف أكثر من 112 ألف شخص منذ مارس/آذار 2011، وهم ما زالوا في عداد المفقودين، ومن بينهم 3105 أطفال و6698 امرأة، كما وثقت الأمم المتحدة أعمال العنف التي تم ارتكابها بحق المدنيين.

تضاف إلى ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها استخدام النظام المنهجي للتعذيب والعنف الجنسي ضد النساء والأطفال والرجال في السجون الخاضعة لسيطرته، ووثق عدد كبير من المنظمات غير الحكومية الانتهاكات التي سجلت في سوريا منذ العام 2011، وجمعت الأدلة والبيانات ذات الصلة.

لقد أجبر السوريون على الهروب من منازلهم بسبب الحرب الدائرة في سوريا والتهديدات بالخطف التي أطلقها النظام، إذ إن قرابة 12 مليون سوري -أي نصف سكان البلاد- أُجبروا على مغادرة أماكن إقامتهم الأصلية بسبب الصراع، كما فر نصف هذا العدد ولجؤوا إلى خارج سوريا، ولا سيما في الدول المجاورة.

أما في ما يخص الستة ملايين الآخرين فقد نزحوا داخليا، وفي معظم الأحيان أكثر من مرة، واستغل النظام فرصة مغادرتهم البلاد لتطبيق نظام يسمح له بالاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، والتالي إعاقة حقهم في العودة إلى ديارهم.

وبعد مرور هذه الحقبة الزمنية من الصراع لا تزال الفجوة كبيرة بين الفظائع الجماعية التي تم ارتكابها في سوريا ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم، ولطالما التزمت فرنسا بمكافحة الإفلات من العقاب، ونحن مصممون على البحث في كافة السبل التي تضمن المساءلة عن هذه الجرائم.

كما ندعم بقوة عمل لجنة التحقيق والآلية الدولية المستقلة والمحايدة، ونرحب بالمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا التي أنشئت في يونيو/حزيران 2023 للبحث في مصير المفقودين في سوريا وتقديم الدعم المناسب للضحايا وللناجين ولأسر المفقودين.

ذكرتم خلال مشاركتكم في منتدى الدوحة أن بدائل نظام الأسد متاحة ويمكنكم المساعدة في إيجادها، ما تفسير ذلك؟ وهل لدى فرنسا قناة حوار مع المعارضة السورية؟

ما هو أكيد أنه لن يتم بناء مستقبل سوريا دون السوريين، ولهذا السبب فإن فرنسا تدعم المعارضة السورية التي نجري معها حوارا بشكل دائم، وقد التقيت في باريس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوفد من الائتلاف الوطني السوري برئاسة رئيسه الجديد هادي البحرة.

نحن ندعم جميع السوريين الذين ناضلوا للعيش بكرامة، وقد اتخذ نضالهم أشكالا مختلفة، فأتى طورا على شكل حركات وتجمعات احتجاجية مثل المظاهرات التي حصلت مؤخرا في السويداء ودرعا، وتارة بإنشاء منتديات جديدة لجمع القوى الدافعة السورية أينما كانت.

وجميع هذه المبادرات تظهر أن السوريين لم يتنازلوا عن مطلبهم بالعيش في سلام وكرامة، وفرنسا تقف إلى جانبهم في سعيهم هذا.

إن السوريين كافة -سواء كانوا لا يزالون يعيشون في سوريا أو أولئك الذين أجبروا على مغادرتها- يتمتعون بالوسائل الضرورية التي تمكنهم من إعادة بناء سوريا حرة حيث الكرامة والسلام طالما أن الحل السياسي يمنحهم المساحة لتحقيق ذلك، ويتعين علينا أن ندعم كل هذه القوى الدافعة التي تمثل الأمل الحقيقي لمستقبل سوريا.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد في أغسطس/آب الماضي رفضه إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي قبل بذل الجهود لمكافحة الجماعات الإرهابية وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فهل يتعارض هذا مع نهج الحديث عن بدائل للأسد؟

موقف فرنسا تجاه سوريا لم يتغير، وهو يتوافق مع موقف الاتحاد الأوروبي، وهو واضح لا لبس فيه، ولا تطبيع ولا رفع للعقوبات ولا إعادة إعمار دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية، وهو ما يعني ضرورة تقديم النظام السوري تنازلات ملموسة ومؤكدة.

يرتكز عمل باريس على محاور وأولويات عدة، من بينها تعزيز الحل السياسي للصراع عبر توفيرنا الدعم للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، ومكافحة الإفلات من العقاب، كما تهدف فرنسا -إلى جانب شركائها في التحالف الدولي في الحرب ضد داعش– إلى مواصلة مكافحتها للإرهاب.

تدعم باريس السكان المدنيين السوريين، سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، كما كان التزامها المالي بالمساعدات الإنسانية في سوريا ثابتا، وهو لا يزال يشكل ثاني أكبر ميزانية لعملنا الإنساني، نحن نؤمن بأن مساعدة الشعب السوري اليوم هي مساعدة سوريا غدا، وهذا ما يدفعنا إلى دعم مبادرات المجتمع المدني السوري داخلها أو في البلدان المضيفة أو في الشتات.

هل للحرب في غزة تداعيات على الأزمة السورية؟ وما مدى إمكانية اتساع رقعة الصراع؟

من الواضح أن للسياقين الإقليمي والدولي انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على سوريا، تعاني سوريا اليوم من تداعيات الصراع الدائر في غزة، وهو ما يزيد خطورة وصول الصراع إلى الساحة السورية، ففتح جبهة جديدة مع إسرائيل في سوريا سيزيد زعزعة استقرار البلاد، وسيكون الشعب السوري مرة أخرى أول ضحايا هذا الأمر.

كما أن العدد المتزايد للأزمات حول العالم يهدد بتعميق الكلل الدولي القائم في ما يتعلق بسوريا، ومع ذلك فإن من المهم جدا أن يستمر المانحون الدوليون في توفير التمويل اللازم لمواجهة الوضع الإنساني القائم في كافة أرجاء سوريا.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية اتجه اهتمام المجتمع الدولي نحو الأزمة في غزة، لكن ينبغي ألا نشيح النظر بعيدا عن الوضع في سوريا، فاليوم وأكثر من أي وقت مضى من المهم أن نبقى متأهبين بشأن الأزمة السورية للتوصل إلى حل سياسي للصراع.

وفي الواقع، إن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي والحرب التي تلته يثبت مرة أخرى أن الصراعات التي تعتبر "مجمدة" إنما هي قنابل موقوتة ومصدر تهديد دائم ما لم تتم معالجة أسبابها الجذرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: النظام السوری الحل السیاسی فی سوریا لا تزال أنه لا فی غزة کما أن

إقرأ أيضاً:

تحليل لـهآرتس: الشرع يواجه تحدي إعادة بناء سوريا في ظل إملاءات إدارة ترامب

خلال العام الذي انقضى منذ سقوط نظام الأسد، يُملي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياساته على دمشق، وبينما يبدو من غير المرجح أن يكرر الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع نهج طغيان سلفه، إلا أن المصالحة والأمن وتحقيق العدالة للأقليات، ما زالت تبدو أهدافًا بعيدة المنال.

في مقال تحليلي نشرته صحيفة هآرتس العبرية، قال المحلل السياسي تسفي برئيل، إن الرئيس ترامب طرح عقيدته الجديدة خلال زيارته للعاصمة الرياض في أيار/مايو الماضي، ولكن وبحسب برئيل، ففي النهاية، دمّر من يُسمّون انفسهم بـ"بناة الأمم" دولًا أكثر بكثير من تلك التي بنوها، حيث كان أنصار عقيدة التدخل الخارجي يتدخلون بشؤون مجتمعات معقدة لم يفهموها حتى هم ذاتهم"، وقال: "لم يأتِ هذا التحول العظيم من أصحاب عقيدة التدخل الغربيين... الذين يُلقون عليكم المحاضرات عن كيفية العيش أو كيفية إدارة شؤونكم الخاصة".


كعادته، انتقد ترامب في خطابه الكبير تريليونات الدولارات التي أنفقها الرؤساء الأمريكيون السابقون في العراق وأفغانستان، ولكنه نسي أن يذكر أن زميله الجمهوري جورج بوش الذي بدأ الحملة الأكثر إسرافًا في التاريخ الأمريكي،وفي المناسبة نفسها، نفّذ ترامب ما وعد به سابقًا، إذ صافح الرئيس السوري أحمد الشرع، ووعده بدعمه في بناء الدولة السورية.

تسفي برئيل يضيف قائلًا، صحيح أن الولايات المتحدة لا تنفق أي أموال في سوريا سوى على المساعدات الإنسانية. لكن منذ ذلك الاجتماع، رفع ترامب معظم العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية المفروضة على الحكومة السورية، ورفع عن الشرع تصنيفه إرهابيًا جهاديًا، ومنحه شرعية دولية، ممهدًا بذلك الطريق لبناء الدولة في سوريا.

وهنا، ترامب ليس مجرد متفرج لا ينوي أن يقول لسوريا والسوريين "كيف يعيشون"، بل إنه يُملي سياستها الخارجية والداخلية، سواءًا بشكل مباشر أو من خلال تركيا والدول العربية الداعمة لسوريا، وعلى سبيل المثال، هو يدفع سوريا نحو التوصل إلى ترتيبات أمنية مع إسرائيل، وربما حتى الانضمام إلى اتفاقيات "أبراهام"، في الوقت نفسه، وعلى عكس وجهة النظر الإسرائيلية، يتفق مع الشرع والدول العربية في ضرورة بناء سوريا كدولة موحدة تحت حكومة مركزية واحدة، بدلًا من دولة مكونة من كانتونات شبه مستقلة أو مناطق حكم ذاتي، على غرار النموذج العراقي.

لا تزال سوريا تبدو وكأنها مستودع لقطع الغيار
كما يدفع ترامب أيضًا الأكراد السوريين للانضمام إلى الجيش السوري، ولا يدعم الحكم الذاتي للدروز في جنوب سوريا، كما فوّض تركيا والسعودية بتوجيه النظام السوري واستقراره، حتى لا تضطر إدارته يومًا ما إلى الاعتراف بخطئها، ورغم كل ذلك، وبعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، لا تزال البلاد تبدو وكأنها مستودع لقطع الغيار، تنتظر الشرع ليجمعها ويبني منها دولة.

برئيل يضيف، لا يزال نحو 35 بالمئة من مساحة البلاد خارج سيطرة الحكومة، تعيش أقلياتها الرئيسية الثلاث - الأكراد والدروز والعلويون - في خوف على حياتهم ومصيرهم، ويطالب كلٌّ منهم بتقرير مصيره بنفسه، بالنسبة لجميع السوريين، وليس فقط الأقليات، فإن الأمن الشخصي بعيد كل البعد عما ينبغي أن توفره الدولة، خاصة بعد المجازر التي طالت العلويين في آذار/مارس، والدروز في تموز/يوليو، فعمليات القتل والنهب والسرقة تحدث يوميًا، ولا تزال الخدمات العامة مجرد فكرة نظرية، وكذلك نظام العدالة، فرغم أن الجيش السوري بات يتشكل بفضل الدعم التركي، لكن عشرات المليشيات والعصابات لم تُلقِ سلاحها بعد وتنضم إلى الجيش.

أموال مجمدة حتى يثبت الشرع قدرته على إدارة البلاد
نظريًا، تلقى الشرع تعهدات بمساعدات غير مسبوقة بقيمة 28 مليار دولار، لكن هذه الأموال ستبقى في عهدة أصحابها حتى يثبت قدرته على إدارة البلاد، كما لا يزال ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في المنفى في أوروبا والدول العربية، إلى جانب ملايين النازحين داخليًا، يخشون العودة إلى ديارهم.

وبالتي فإن أي أفكار للمصالحة المدنية، وتسوية الصراعات القديمة، وتوزيع التعويضات عن الأضرار الجسدية والنفسية الهائلة التي لحقت بالسوريين خلال 14 عامًا من الحرب الأهلية، لا تزال تبدو وكأنها ليست أكثر من مجرد أحلام بعيدة، والتجارب المريرة التي مر بها العراق وأفغانستان والدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي، تظهر أنه من المستحيل فصل السياسة الداخلية عن السياسة الخارجية.

اختبار الشرع الحقيقي.. هو ترسيخ العقد الاجتماعي
برئيل يقول، إن استقرار حكومة الشرع لا يتوقف فقط على مقدار الأموال التي تبدأ في التدفق إلى البلاد؛ أو على الاتفاقيات التي يوقعها (أو لا يوقعها) مع إسرائيل؛ أو على جودة الأسلحة والذخيرة والتدريب الذي يحصل عليه جيشه؛ أو على عدد الاجتماعات والمصافحات التي يجريها الرئيس مع ترامب، بل سيكون اختباره الحقيقي، هو طبيعة العقد الاجتماعي الذي تُبرمه حكومته مع مواطنيها، وحتى الآن، النتائج غير مُشجعة، وفقا للكاتب.

وضع الشرع دستورًا مؤقتًا وشكّل برلمانًا، وفي تشرين الأول/أكتوبر، أجرى أول انتخابات في ظل النظام الجديد، إلا أن الدستور كان في الواقع مفروضًا من قبل الحكومة، مما منح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة، حيث لم يُنتخب البرلمان عبر اقتراع عام، بل من خلال لجان مختارة خصيصًا، ومن بين أعضائه البالغ عددهم 210 أعضاء، عيّن الشرع 70 عضوًا، فيما لا يزال من غير الواضح متى، أو حتى ما إذا كانت ستُجرى انتخابات عامة نظامية.

فُصل أكثر من 60 بالمئة من القضاة
كما شهد القضاء تطهيرًا واسع النطاق، وكما كان متوقعًا خلال فترة تغيير النظام، فُصل أكثر من 60 بالمئة من القضاة، بل قُدّم الشرع بعضهم للمحاكمة، ومع ذلك، تولى مناصب المسؤولين المفصولين قضاة، كثير منهم يفتقر إلى التعليم القانوني، وميزتهم الوحيدة هي التخرج من كليات الشريعة الإسلامية في الجامعات السورية.

بحسب برئيل، يتطلع الشعب السوري إلى هذا النظام القانوني تحسباً لـ"العدالة"، والتي تعني محاسبة ليس فقط مرتكبي الجرائم خلال نظام الأسد، ولكن أيضاً المليشيات التي ارتكبت مجازر بحق الدروز والعلويين في اللاذقية وطرطوس والسويداء، في تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأت محكمة عدل حلب النظر في قضايا 14 مشتبهًا بهم (من بين مئات) شاركوا في هذه الأعمال، ويبدو أن المحاكمات قد أُجِّلت حتى الآن. فيما يخشى الكثيرون من أن العدالة لن تتحقق قريبًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن العديد من المتهمين أعضاء في قوات الأمن أو فصائل تابعة للنظام.

آليات إعادة الإعمار تثير الشكوك والريبة
ومن وجهة نظر برئيل، فأن الآليات الاقتصادية وإعادة الإعمار تثير هي الأخرى الشكوك والريبة حول قدرتها على إدارة الفرصة التي وقعت في أيدي الدولة، كما هو الحال بالنسبة للقضاء الذي يبدو حاليًا مجرد واجهة ديكورية لا هيكل خلفها، وفي تموز/يوليو، نشرت رويترز تحقيقًا حول الآليات الاقتصادية الجديدة. وأفادت أن شقيق الرئيس، حازم الشرع، الذي كان قبل الحرب المدير العام لشركة بيبسيكو في مدينة أربيل بكردستان العراق، يشرف على اللجنة الاقتصادية.

وهو من يقرر من يفوز بالمشاريع في البلاد وبأي شروط، وكيف وإلى أين تُحوّل أموال المساعدات التي تتلقاها البلاد، كما ويميل إلى مقاطعة شركات رجال الأعمال الذين تعاونوا مع نظام الأسد، دون أن يعلم أحد أين تذهب عائداتها، وقد يكون لدى سوريا وزير اقتصاد ووزير مالية، لكنهما يشغلان مناصب رفيعة دون سلطة حقيقية، وهي السلطة التي يملكها رجال الشرع، يقول منتقدو الرئيس الجديد إن معظم آليات الحكم الآن يديرها "رجال إدلب" من المنطقة التي كان الشرع يحكمها سابقًا، وإن الاختلاف الثقافي بينهم وبين مجتمع دمشق المنفتح والمتنوع يُسبب بالفعل احتكاكات ومواجهات يومية. 

حرية التعبير اليوم مشابهة لتلك التي سبقت ربيع سوريا
أعرب صحافيون وأكاديميون زاروا سوريا مؤخرًا عن إعجابهم بحرية التعبير الواسعة، والنقد الذي يتبادله المواطنون معهم علنًا، والحوار السياسي غير المقيد، وهي أمور كانت تعتبر مسألة حياة أو موت في أيام نظام الأسد، ولكن "الربيع السوري" ظهر مؤقتًا في بداية حكم بشار الأسد في عام 2000، عندما تجمع المثقفون في الصالونات الاجتماعية، وناقشوا الأفكار السياسية، بل ووقعوا على عرائض تدعو إلى تغيير النظام.


تحول الشرع إلى نظام استبدادي قد يفقده الشرعية الشعبية
ومع هذا فأن، تلك اللحظة العابرة مرت سريعًا، ووجد هؤلاء المثقفون أنفسهم إما مسجونين أو مجبرين على الفرار من البلاد، ومن المرجح أن يكتشف الشرع قريبًا أيضًا أن حرية التعبير خطيرة، وأن من مصلحته العودة إلى أساليب الإدارة القاسية التي أدخلها عندما كان يحكم محافظة إدلب.

برئيل يختم قائلًا: "من السابق لأوانه الجزم بأن الشرع سيسير على خطى الأسد ويصبح طاغية، لكن لا يمكن تجاهل المؤشرات التي تُشير إلى تشكيل نظام استبدادي، قد يُفقده الشرعية الشعبية. فهل سيؤثر فقدان الشرعية المدنية أيضًا على الشرعية الدولية والدعم الدولي؟، في هذه الأثناء، يستطيع الشرع أن يعتمد على وعد ترامب بعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وأن يعتمد على المجتمع الدولي الذي يميل إلى محبة الطغاة، وخاصة أولئك الذين يملكون خزائن وفيرة.".

مقالات مشابهة

  • غنائم الانسحاب.. وثائقي للجزيرة يكشف حجم الأسلحة الأميركية التي استولت عليها طالبان
  • فرنسا وسوريا تطالبان لبنان باعتقال مهندس قمع السوريين
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • WSJ: أمريكا محبطة من عدوانية إسرائيل ضد النظام الجديد في سوريا
  • تحليل لـهآرتس: الشرع يواجه تحدي إعادة بناء سوريا في ظل إملاءات إدارة ترامب
  • الكونغرس يمهد لإلغاء قيصر… تحوّل مفصلي في الملف السوري
  • مجلس النواب الأمريكي يصوت على إلغاء قانون قيصر بشأن سوريا
  • الكونغرس يمهّد لإنهاء حقبة قانون قيصر… خطوة أمريكية جديدة نحو إعادة تشكيل العلاقة مع سوريا
  • مصرف سوريا المركزي: لدينا خطة للاندماج في النظام العالمي فور إنهاء قانون قيصر
  • تحطم طائرة شحن عسكرية في السودان يفاقم الأزمة الإنسانية