خطيب المسجد النبوي: أمر واحد يمنع الشر عند العجز في الدفاع عن النفس
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
قال الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي ، إن قصة مريم ابنة عمران حين صمتت في موقفها العصيب، تعلمنا أن الإنسان يبلغ به الحال أحياناً مرحلة العجز حتى في الدفاع عن نفسه، فإن علم أن الله وليّه وهو كافيه، كفاه شرّ كل ذي شرّ، ودفع عنه بأس كل ذي بأس.
قصة مريم ابنة عمران تعلمناوأوضح "الثبيتي" خلال خطبة الجمعة الأولى في رجب من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، في قصة مريم حين أراد الله أن تنجب عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وفي قصص القرآن عظة وعبرة، ودروس لا تنضب، يغرسها القرآن، وتتألق راسخة بفصاحته وقوة بيانه، منوهًا بأن من عاش في رحاب القرآن علا قدره، واستبان له أمره، إذ احتفى القرآن بسيرة سيدة ماجدة، وامرأة فاضلة، وفتاة عابدة قانتة، خلّد القرآن ذكرها في سورة سمّيت باسمها.
واستشهد بقول الله تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ" فقد زكّيت قبل ميلادها، وبزغ فجرها في بيت صلاحه متسلسل، واصطفاؤه مستحق، أثنى الإله عليه بقوله: "إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" فعمران والد مريم ابنة عمران أم موسى ابن مريم عليه السلام، ولهذا قال سبحانه " ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".
وأضاف أن البيت الذي يضلّله الدين، ويضاء بالطاعة، ويحيا بالذكر ويدور مع الشرع حيث دار، بيتٌ كريمٌ، يخرج نباته طيباً، ويثمر بإذن ربّه ولو بعد حين، مبيناً أن امرأة عمران قبل الميلاد رسمت مستقبل ما في بطنها، وحدّدت له هدفاً سامياً في الحياة، فوصف القرآن نيّتها الصادقة حيث قالت تعالى "رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" مبيناً أن ذلك يعني أن الذي في بطني محرر لعبادتك، وحبسته على طاعتك، وخدمة قدسك، لا أشغله بشيء من الدنيا.
مفتاح الصلاح والإصلاحونبه إلى أن الدعاء للذرية أساس التربية، ومفتاح الصلاح والإصلاح، فلا يفتر لسان الوالدين عن اللهج به، ولا يغفل قلبهما عن استحضاره في كل وقت وحين، ومن الخطورة بمكان أن تخرج الأم عن طورها حال الغضب والانفعال فتدعو على الذرية بالهلاك وعدم التوفيق، فيوافق ذلك ساعة إجابة.
وأشار إلى أن امرأة عمران عليها السلام أحاطت النية الصادقة بدعاء خالص أن يتقبّل الله منها، فتقبّل الله دعاءها في مولودتها قال الله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) ورسم لها ولفتاتها بل ولكل فتاة مسلمة معالم الطريق في الحياة، السعي لرضا الله، والنبات الحسن بكمال الأدب والعفّة والحشمة، والصحبة الصالحة التي تعين على الطاعة والعبادة.
وأفاد بأن القنوت والسجود والركوع هو من شكر المنعم الذي وهب لك الجمال، وجعلك مسلمة، ومتّعك بالصحة والعافية، وهو حصانة من منافذ إبليس وخطوات الشيطان، وهو موطن التكريم لمن رامت الكرامة، ومحراب العزة لمن ابتغت إلى ربّها سبيلاً، مشيرًا إلى أن الابتلاء سنّة الحياة.
ابتليت الصدّيقة مريموتابع: فقد ابتليت الصدّيقة مريم، فقد تنحّت واعتزلت عن قومها لتتفرغ للعبادة، فأرسل الله إليها جبريل فتمثّل لها في صورة رجل تام الخِلقة، بحسن فائق، وجمال رائق، فظهر منها الورع والعفاف، قالت إني استجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنتَ تقياً، فقال لها، إنما أن رسول ربك لأهب لك غلاماً من غير أبٍ، علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى.
ولفت إلى أنه أثنى الله عليها بقوله سبحانه: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا)، منبهًا إلى أنه في أوج المواقف العصيبة والمحن يأتي الفرج ويمتد اللطف، مستشهداً بقول الله سبحانه: "فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ".
واستطرد: فنتصوّر حالها وقد وقع الأمر عليها أن تصبح حاملاً بلا زوج ولا مساس من رجل، حتى اضطرتها شدة الحال إلى تمني الموت "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا"، محذرًا من اتهام الناس في أعراضهم وتصدير سوء الظن، وإصدار الأحكام قبل التثبّت، مبيناً أن ذلك إفكٌ وإيذاء بالغٌ، وبهتان محرّم، فقال تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ".
ونوه بأن قصة مريم في موقفها العصيب تعلمنا درساً تاريخياً أن الصمت في بعض الأحيان أبلغ من الكلام، وأن السكوت أولى من النطق، وتعلمنا كراهة مجادلة السفهاء، فالسكون عن السفيه واجب، ومن أذلّ الناس، سفيهٌ لم يجد مسافهاً، مؤكدًا أن من كان مع الله لا يحزن، ومن حفظه الله لا يقلق، ومن أقبل على الله قرّت عينه، ومن عاش في رحاب الدين حماه الله، وضمن له السلامة وهناء العيش، فلا ترهق نفسك بالتفكير، فالله عنده حسن التدبير، ولا تحمل همّ المستقبل، فالأمر كله بيد الله".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد النبوي خطيب المسجد النبوي قصة مریم إلى أن ل الله
إقرأ أيضاً:
السيد القائد: من المقامات التي جاءت في القرآن عن النبي إبراهيم عرض دلالات وبراهين واضحة لما يدعو قومه إليه لعبادة الله وحده
قال السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي: في إطار المقامات التي عرضها الله في القرآن الكريم لنبيه إبراهيم عليه السلام بين قومه، نصل إلى مقامٍ حاسم من مقاماته بينهم، ما بعده كان هناك خطوة عملية كبيرة وحساسة جداً، قام بها نبي الله إبراهيم عليه السلام.. وما بعد ذلك أتى الحديث عن هجرته، وهذا المقام أتى بعد مقامات قبله، كان فيها عرض كبير للأدلة والبراهين الواضحة، لما يدعوهم إليه من العبادة لله سبحانه وتعالى وحده، وترك الشرك، ونبذ الأنداد التي يتَّخذونها من دون الله.. والعنوان في العبادة هو عنوانٌ جامع، يعني: يدخل في التوحيد لله سبحانه وتعالى، في ألوهيته، أنه وحده الإله الذي لا نعبد إلا هو، ثم نبني مسيرة حياتنا على أساسٍ من العبادة لله سبحانه وتعالى، على أساس الطاعة والانقياد التام لله جل شأنه؛ باعتبارنا عبيداً له، نطيعه، نثق به، نخضع له، نلتزم بأوامره، بتوجيهاته، بتعليماته، نقبل شرعه وهديه ونهجه، ونتحرك في مسيرة حياتنا على أساس نهجه وهديه وتعليماته.
وأضاف السيد القائد خلال محاضرته استكمالا لمحاضرات القصص القرآني، مساء اليوم الأربعاء 1 ذو الحجة 1446هـ الموافق 28 مايو 2025م: نبي الله إبراهيم عليه السلام قدَّم لقومه من الحجج، والبراهين، والدلائل الواضحة والنيرة، ما يوضِّح لهم الحقيقة، وما يصل بهم إلى القناعة، إلى الوضوح التام.. ولكنَّ المشكلة هي فيهم هم، بما كانوا قد ألفوه جداً، وتشبَّثوا به بشدَّة من الباطل الذي هم عليه، بعد أن وصلوا إلى مستوى أن لم يبق لديهم أي حُجَّة يحاولون أن يستندوا إليها، ولم يكن لديهم أي مبرر صحيح، هم يحاولون أن يبرِّروا بمبررات غير صحيحة، لا تُمثِّل حُجَّةً لهم، ولم يظهر لهم أي مستند يعتمدون عليه في تشبُّثهم بما هم عليه من الباطل.. ولذلك فالمقامات التي سبق الحديث عنها ذات أهمية كبيرة، لنستوعب أهمية هذا المقام الحاسم، وما تبعه من خطوةٍ عمليةٍ مهمةٍ وضرورية.