الطريق الثالث فكرة حل أم هروب؟
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن أبتكار أطروحات و تصورات بهدف إيجاد حل للحرب الدائرة في السودان و الأزمة المستعصية، هي مهمة لا تعتمد على الهتاف، أو الإكتفاء برفع الشعارات من قبل القوى السياسية، لآن الشعار نفسه بات أداة تسكين، أو محاولة لتغبيش الوعي، يؤكد حالة العجز التي تعيشها أغلبية النخب السياسية التي ظهرت على المسرح السياسي بعد سقوط النظام السابق.
في أربعة مقالات كنت قد تحدثت عن أزمة “حزب الأمة القومي” و هي لا تنفصل عن أزمة بقية الأحزاب التقليدية الأخرى ” الاتحادي – الشيوعي – البعث – الإسلاميين” أن عجز القيادات التي تتحكم في هذه الأحزاب، كان عليها أن تبدأ بمعالجة أزمتها الداخلية و تحدث تغييرات جوهرية في مسار الأحزاب، من ناحية تجديد القيادات، و إدخال عناصر جديدة للقيادات لكي تضخ أفكارا جديدة. تحدث تغييرا في الخطاب السياسي لكي يتلاءم مع شعار ” عملية التحول الديمقراطي” و توسيع دائرة المشاركة في مؤسسات الحزب، و مشاركة في صنع القرار. أن تفتح حوارات داخل المؤسسات لكي ترسيخ الممارسة الديمقراطية. هذه التحولات و الفاعلية الداخلية للأحزاب، كان يمكن أن تدفع الأحزاب أن تكون معامل لإنتاج الثقافة الديمقراطية. و تسهم في حل أزمة الأحزاب السياسية، و بالضرورة تشكل أرضية صلبة في الحوار لحل أزمة البلاد. و لكن إذا تجاهلت القيادات الحزبية عملية إصلاح مؤسساتها الحزبية، سيظل التعطيل للعقل قائما و دون تجديد في الأفكار وسوف تتعمق الأزمة أكثر و تستمر الحرب طويلا.
نقلت ” الحاكم نيوز” ما سمته ” منشور مثير لرباح الصادق المهدي” قالت فيه ( للذين يحلمون بديمقراطية على يدي الدعم السريع، أو أنه يمكن الصمت على تجاوزاته مرحليا و من ثم زحزحته بعد الصعود على كتفيه، عليكم أن تراجعوا أنفسكم و كما قال السيد المسيح: كا ما ارتفع بالسيف فبالسيف ينزل) و تضيف قائلة ( على هذا الشعب النبيل أن يحفر طريقا ثالثا فلا المرفعين و لا السعلاة سيعبدان طريقنا للأمام، علينا فقط التفكير في كيفية وقف حربهما اللعينة و لأجل ذلك علينا مخاطبتهما معا بالمصلحة الوطنية، و الضغط الشعبي الدبلوماسي ، بدون عمل تحالفات مع هذا أو ذاك) أن الأستاذة رباح الصادق لم تقدم أي تفاصيل عن “الطريق الثالث” بل جعلت المهمة يقوم بها الشعب، مع تأكيدها أن هذا الطريق الثالث لا الجيش يستطيع حفره و لا الميليشيا. أن فكرة “الطريق الثالث” تحتاج لعصف ذهني أن يبدأ بنقد الطريقين السابقين، و معرفة الأسباب التي أدت لفشلهما، و بالنقد يتم تفكيك البنية الفكرية و الثقافية للمشروعين، و أيضا نقد الأدوات التي كانت مشاركة في الفشل، و هل لا تصلح أن تشارك مرة أخرى بذات مناهجها القديمة.
أن فكرة التفكير “خارج الصندوق” تحتاج لشغل عقلي، لأنها تحتاج لابتكار انماط جديدة في التفكير المغاير للسابق، و تحتاج أيضا لسعة الصدر، و تحتاج لتصحيح العديد من الشعارات التي تتسبب في تعميق الإزمة، و التي ترفع دون دراسة و تمد في عمر الأزمة. و يجب تجاوز العديد من العقبات التي صنعتها النخبة السياسية لكي تداري بها ضعف مقدراتها الفكرية و السياسية. أن الطريق الثالث مطلوب لأنه يعتبر مغاير لطريق التفكير السابق الذي عمق الأزمة و تسبب في الحرب. لكن في ظل جمود العقل السياسي لا يفهم بأنه طريق للتفكير الجديد، بل هي مؤامرة جديدة من مؤامرات النظام السابق، باعتبار أن النخب السياسية عندها كوابح جاهزة، عندما لا تسعفها مقدراتها في المجادلة الفكرية مع الرؤى الجديدة، تذهب مباشرة إلي الفزاعات و التشكيك رغم شعارات الديمقراطية التي ترفعها. هذه أصبحت إشكالية ليست قاصرة على النخب السياسية أيضا وسط المثقفين.. أن توقف أي تصور جديد قبل أن يجد بيئة طيبة للحوار فيه.
كما قال الدكتور عبد الرحمن الغالي في اللقاء الذي أجراه معه “راديو دبنقا” بعد أن اندلعت الحرب، لابد من تفكير جديدة لحل الأزمة، و لابد من حوار مفتوح مع كل القوى السياسية دون استثناء حول مستقبل السودان. و فكرة الغالي تحتاج لقيادات تتحلل من أثواب التعصب. و أذكر هنا حديثا لسكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد جاء في مقابلة أجرتها معه جريدة الرأي العام يوم 12\10\ 2002/ قال ( لا ديمقراطية مستدامة مع مظالم اجتماعية و قومية مستدامة، و لا ديمقراطية مستدامة مع جماعات التطرف و الإرهاب سواء من منطلقات دينية أو علمانية أو يسارية) أن نقد يرفض التطرف بجميع تمظهراته الفكرية، و التطرف في فرض الرؤية على الأخرين، هي نتاج لقصور في النظر و عدم ثقة القيادة في قدراتها في إدارة الأزمة. و نقد ليس سياسيا بل كان واحدا من فكري اليسار القادرين للتعامل مع التحديات المعقدة من خلال إجتراح الفكر.
أن فكرة الطريق الثالث كحل للأزمة: يجب أن لا تكون حالة هروب من مواجهة الصراعات الداخلية للأحزاب، أنما يجب أن تكون إحدى أجندة الحوار السياسي و الجدل حول وضع تصورات جديدة للحل.. خاصة أن عجز النخب السياسية يجعلها تتهرب من المصارحة و المواجهة، لأنها لم تتعود على ممارسة النقد، حيثت بنت ثقافتها السياسية على منهج التبرير، أي الهروب من الأعتراف بمسؤولية الإخفاق. كما أن الأحزاب التقليدية خاصة ” الأمة القومي – الاتحادي الأصل – الشيوعي – البعث الأصل” قد وصلت للقيادة قيادات متواضعة القدرات مقارنة بالقيادات السابقة، هذا التواضع يجعلها غير قادرة أن تبتكر أدوات جديدة في الممارسة السياسية، و أيضا تجدها عاجزة في إنتاج الأفكار التي تساعدها على الحل. نشكر الأستاذة رباح على الفكرة.. نسأل الله حسن البصيرة.
الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: النخب السیاسیة الطریق الثالث
إقرأ أيضاً:
كاتب عبري .. الرهان على “نصر مطلق” أو “محو حماس” ليس سوى هروب من الواقع
#سواليف
في مقال نُشر بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الصادرة بالعبرية، أكد الكاتب الإسرائيلي #ميخائيل_ميلشتاين أن #إسرائيل، وبعد مرور أكثر من 3 أشهر ونصف الشهر على استئناف العدوان على قطاع #غزة، تجد نفسها واقفة في ذات المفترق الإستراتيجي الذي واجهته قبل عام.
وأوضح أن إسرائيل، بعدما خاضت حربا دامية بلا إنجاز حاسم، وخسرت جنودا وأموالا ودعما دوليا، اكتشفت في النهاية ألا سبيل أمامها سوى أحد خيارين كلاهما مرّ: إمّا اجتياح شامل لغزة بكل ما يحمله من عواقب، أو التوجه إلى تسوية تُنهي #الحرب مقابل #انسحاب و #تنازلات.
ويشير الكاتب إلى أن إسرائيل دخلت الحرب بشعار #تدمير حركة المقاومة الإسلامية ( #حماس ) و #تحرير_الأسرى، لكنها لم تحقق أيًّا من الهدفين.
مقالات ذات صلة الجيش يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرة مسيّرة 2025/07/03وأكد أن حماس لا تزال تُدير المعركة وتُمسك بزمام السلطة داخل القطاع، فلا فوضى في غزّة كما تروّج بعض الجهات الإسرائيلية، ولا وُلدت سلطة بديلة، ولا خفّف الضغط العسكري من موقف الحركة في قضية الأسرى، بل إن كل المشاريع الموازية، وعلى رأسها توزيع المساعدات وتسليح المليشيات، تراوحت بين الفشل والتخبط.
ذات المعضلة
ويوضح الكاتب أن إسرائيل تُعيد إنتاج ذات المعضلة التي واجهتها خلال وجودها في جنوب لبنان قبل انسحابها عام 2000: البقاء في مستنقع دموي، أو الخروج باتفاق غير مُرضٍ سياسيا.
وحتى النموذج “المحدّث” الذي اعتمدته منذ نهاية 2024، والمتمثل في تنفيذ ضربات متفرقة ضد حزب الله دون التورط في اجتياح، يبدو أنه بعيد المنال في غزة حاليا، حيث تُراكم الحكومة الإسرائيلية أخطاءها عبر الاستنزاف الطويل.
وفي خضم هذه الأزمة، تتغذى الساحة السياسية على “أوهام التفاؤل”، كالحسم القريب أو بناء كيانات بديلة داخل غزة أو حتى إعادة تنفيذ خطة ترامب التي تقوم على تفريغ القطاع من سكانه.
ويشير ميلشتاين إلى أن كل هذه التصورات غير واقعية، إذ لم تُبدِ أي دولة عربية أو أجنبية استعدادا لتحمّل عبء القطاع، ولا توجد أطراف قادرة على ملء فراغ السلطة إذا تم إسقاط حماس.
تغيير الواقع في غزة يتطلب 3 ركائز أساسية: خطة مفصّلة وواقعية، وإجماعا داخليا واسعا، ودعما خارجيا صلبا، وهي غير متوفرة اليوم. وفي غياب هذه الشروط، فإن الرهان على “نصر مطلق” أو “محو حماس” ليس سوى هروب من الواقع
التحديات الحقيقية
ويحذّر الكاتب من أن الانشغال في غزة يأتي على حساب التحديات الحقيقية، وأبرزها التهديد الإيراني، فعملية “الأسد الصاعد” الأخيرة ضد طهران حققت إنجازا مهما في ضرب برنامجها النووي، لكنها ليست نهاية المعركة.
وتوقع أن تسعى إيران سريعا لترميم قدراتها النووية والصاروخية، مما يتطلب يقظة إسرائيلية وتركيزا إستراتيجيا، لا حرب استنزاف في غزة تُنهك الجيش وتستنزف الاحتياط وتُثير الانقسامات الداخلية والانتقادات الدولية.
ويضيف أن مواصلة الحرب قد تُفشل الانفتاح الإقليمي الجاري، لأن ضم الأراضي وإعادة الاستيطان في غزة يضعان مستقبل هذا الانفتاح في مهب الريح، ما يعمّق التوتر مع واشنطن، ويُقوّض رؤية ترامب لتشكيل شرق أوسط جديد.
تحول ضروري
ويشيد الكاتب بظهور ما يصفه بـ”الواقعية السياسية” في بعض أروقة المؤسسة الأمنية، حيث يجري الآن التفكير بتسوية تشمل إنشاء “منطقة آمنة” على طول الحدود، وترتيبات أمنية في ممر فيلادلفيا، مع الحفاظ على حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية داخل غزة عند الحاجة.
ويرى أن هذا التوجه يعكس تراجعا عن شعار احتلال غزة بالكامل أو إسقاط حماس، وهو تراجع “عقلاني” يجب أن يُقرأ كتحول ضروري وليس كمؤشر على الضعف.
ويتابع ميلشتاين موضحا أن التمسّك بشعارات من قبيل “يجب ألا نترك النازيين على الحدود”، يُدخل إسرائيل في مأزق أخلاقي وإستراتيجي، فاستمرار الاحتلال يعني إدارة شؤون أكثر من مليوني فلسطيني في بيئة عدائية، مع تصاعد مقاومة شعبية ومخاطر الانفجار الأمني، دون أي ضمان لتحرير الأسرى أو تحسين الموقف الإستراتيجي إزاء إيران.
وفي ختام المقال، يرى الكاتب أنه من الضروري الاعتراف بأن تغيير الواقع في غزة يتطلب 3 ركائز أساسية: خطة مفصّلة وواقعية، وإجماعا داخليا واسعا، ودعما خارجيا صلبا، وهي غير متوفرة اليوم.
وفي غياب هذه الشروط، فإن الرهان على “نصر مطلق” أو “محو حماس” ليس سوى هروب من الواقع.