اعتبر آرون ديفيد ميلر الزميل الباحث بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن نهاية الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول المنصرم، لا تزال بعيدة المنال.

ورأي ميلر في تحليل نشره بمجلة فورين بوليسي الأمريكية وترجمه الخليج الجديد، أنه وفقا لذلك يجب التخلي على عن ما وصفه بوهم اليوم التالي في القطاع سواء بالنسبة لحرب غزة أو الصراع الاوسع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ووصف فكرة اليوم التالي لغزة بعد الحرب، بأنها حسنة النية، وتقترح انتقالا منطقيا للصراع بين حماس وجيش الاحتلال من الحالة النشطة إلى واقع جديد يتميز بتغيير كبير في السياسة والاقتصاد والبيئة الأمنية في غزة.

لكن وفقا لميلر فإن فكرة "اليوم التالي" غير مناسبة لحرب غزة، إذ أنه من غير المرجح أن يكون هناك خط واضح يفصل بين الأنشطة العسكرية الإسرائيلية وفترة ما بعد الصراع حيث سيكون التركيز على الحكم وإعادة الإعمار.

وحاول ميلر تسليط الضوء على التحديات والتناقضات التي تجعل من فكرة وضع نهاية للحرب في غزة في المستقبل القريب أمر بعيد المنال.

وقف القتال لشهرين

وقال ميلر إن التقارير الواردة أفادت بأن إسرائيل قد تكون مستعدة لوقف القتال لمدة شهرين، وإعادة الانتشار من المراكز السكانية الرئيسية، وإطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، لكن حماس بدورها رفضت الفكرة.

وبالرغم من ذلك، قد تؤدي المفاوضات حول الفكرة إلى التوصل إلى اتفاق بشكل أو بأخر، وإذا حدث شيء من هذا القبيل بالفعل، فإن مستقبل غزة سوف يبدو أكثر إشراقاً بعض الشيء؛ لكنها لن تضع نهاية للحرب.

مقترحات أمريكية

وأشار إلى أنه في الواقع، تشير العديد من التحديات التي تواجه وضع نهاية لحرب غزة إلى أن الأمر سيكون طويلاً.

ربما تقرر الإدارة الأمريكية طرح "معايير بايدن"، بحيث توضح وجهات نظرها حول الشكل الذي قد يبدو عليه حل الدولتين والخطوات التي قد يتخذها كل جانب للوصول إلى هناك.

ولكن من الصعب تصور أي تحرك جدي لتحقيق هذا الهدف في أي وقت قريب.

في الواقع، يكاد يكون من المؤكد أن معظم عام 2024 سيركز على إدارة أزمة غزة بدلاً من الدفع بمبادرة سلام أوسع نطاقاً.

إذا حصلت إدارة بايدن على ولاية ثانية – إلى جانب تغييرات القيادة في إسرائيل ورام الله – فقد يكون من الممكن تصور مسار أفضل وأكثر إشراقًا للإسرائيليين والفلسطينيين.

وفي هذه الأثناء، من المؤكد أن إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية على مستوى ما في غزة طوال عام 2024؛ لأنه بدون ذلك من المستبعد إلى حد كبير أن تكون هناك حكومة مركزية أو قوة أمنية إسرائيلية على استعداد لضمان عدم عودة حماس إلى الظهور كقوة عسكرية.

شروط متناقضة

وفي أفضل الظروف، قد يستغرق الأمر عاماً كاملاً لتدريب ونشر قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وهذا لا يأخذ في الاعتبار سياسة عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، والتي هي في الوقت الحالي مجرد تجربة فكرية.

وفي الأشهر المقبلة، يكاد يكون من المؤكد أن إسرائيل ستنهي عملياتها الضخمة من الجو والمدفعية لصالح عمليات بحجم لواء تعتمد على الاستخبارات لملاحقة أنفاق وقادة حماس، ومنصات إطلاق الصواريخ المتبقية.

ولا يعني هذا أن إسرائيل تستطيع إعلان النصر على الجماعة وتحقيق أهدافها من الحرب التي أودت بحياة أكثر من 25 ألف شهيد حتى الآن.

وأوضح ميلر إن القضاء على قيادة حماس وسيطرة الحركة المركزية على القطاع شيء واحد؛ لكن قتل جميع مقاتلي المجموعة أو حتى معظمهم أمر مختلف تمامًا.

وفي الأسابيع الأخيرة، أطلقت حماس في شمال غزة وابلًا من الصواريخ على المجال الجوي الإسرائيلي من مناطق عملت القوات الإسرائيلية على تطهيرها.

ومن الصعب أن نتصور قدراً كبيراً من الاستقرار في غزة في ظل محاولة إسرائيل، بشكل مفهوم، مطاردة وقتل قادة حماس الذين يخرجون من الأنفاق.

وعقب بأن استقرار غزة يفرض شروطا متناقضة، موضحا أن إسرائيل لن تغادر القطاع ما لم تتوفر القوة الكافية لضمان احتياجاتها الأمنية. بينما يتطلب خلق بيئة أمنية مرضية إنهاء الوجود العسكري الإسرائيلي.

وفي أعقاب صعود حماس في 7 أكتوبر/ تشرين أول المنصرم، لا يوجد أحد تثق فيه إسرائيل لمنع هجوم آخر؟

غياب النهج الواقعي

ومع اقتراب نهاية الشهر الرابع للحرب بين إسرائيل وحماس، لا توجد حتى الآن خطة حقيقية لتحديد من أو ماذا سيحكم في غزة حتى أثناء المرحلة الانتقالية أو مرحلة الاستقرار، ناهيك عن وجود أساس دائم للاستقرار.

وذكر ميلر أنه لا يوجد نهج واقعي متكامل لإنهاء الحرب وجلب الاستقرار.

وعقب أن الفكرة التي تتبناها إسرائيل بأن كبار العائلات والعشائر في غزة ستكون قادرة على الحفاظ على النظام في القطاع، يذكرنا بفكرة "روابط القري" التي أقرتها إسرائيل في الضفة الغربية في السبعينيات، هي فكرة غير مقبولة.

اقرأ أيضاً

لا سلام إقليمي هذا العام.. حرب غزة ستحدد مصير برميل البارود

وأضاف أنه في المقابل فإن الفلسطينيين الذين يتعاونون مع إسرائيل فسوف يتعرضون للترهيب من جانب حماس أو ما هو أسوأ من ذلك.

وقال ميلر إنه على صعيد أخر، لن تنشر الدول العربية الرئيسية في المنطقة قواتها بينما يعمل الإسرائيليون عسكرياً، ولن يرغبوا تحت أي ظرف من الظروف في المجازفة بمراقبة الفلسطينيين أو قمع تمرد حماس.

وقد توافق مصر على القيام بدور في أمن الحدود والمساعدة في تدريب قوات الأمن الفلسطينية، لكنها لن تلتزم بدور خاص بها.

وأضاف أن فكرة إنشاء قوة تحظى بموافقة الأمم المتحدة، أو الوصاية على غرار ما حدث في كوسوفو، يشكل تفكيراً خياليا.

وبطبيعة الحال، فإن الحكم الفلسطيني في غزة هو الحل، ولكن هناك احتمال ضئيل لعودة السلطة الفلسطينية لغزة بعد مرور 17 عامًا على فقدانها السيطرة على القطاع بعد صراع مسلح مع حماس.

وفيما سيكون تدريب الآلاف من قوات الأمن الفلسطينية بمثابة خطوة أولى منطقية، لكن هذا سوف يستغرق ما يصل إلى عام أو أكثر، وحتى لو حدث ذلك، فإن السلطة الفلسطينية لن تتمتع بمصداقية في الضفة الغربية، ناهيك عن غزة.

كما أن فكرة انتخاب رئيس فلسطيني مجلس تشريعي لاتزال أيضا بعيد المنال، ونظراً لضعف السلطة الفلسطينية، فإنها ستحتاج إلى دعم حماس في غزة حتى تتمكن من العودة إلى الحكم.

وقد دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية علانية إلى مشاركة حماس في هيكل الحكم بعد الصراع، وهو أمر من المؤكد أن إسرائيل سترفضه.

حماس، من جانبها، ليس لديها أي نية للتنازل عن غزة، وبالنظر إلى الأمور الآن، فإنها قد تنجو من الحملة العسكرية الإسرائيلية مع الحفاظ على بعض أصولها العسكرية سليمة.

وأشار ميلر إلي زعيم حماس في غزة ومهندس هجوم 7 أكتوبر/ تشرين أول، يحي السنوار لديه النية لانتظار الإسرائيليين ومقايضة الرهائن الإسرائيليين الذين احتجزتهم حماس في ذلك اليوم بآلاف الفلسطينيين المسجونين ووقف الأعمال العدائية.

ونظراً لارتفاع شعبية حماس، وخاصة في الضفة الغربية، فمن الصعب أن نتصور أن أي خطة لحكم موحد في الضفة الغربية وغزة لن تتطلب موافقة حماس.

يبدو أن السلطة الفلسطينية، التي أضعفتها ممارساتها الفاسدة والاستبدادية وسياسات الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية، تفتقر إلى المصداقية والشرعية اللازمة للحكم بمفردها.

ربما يراهن النقاد الإسرائيليون على من سيترك منصبه أولاً، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو الرئيس الأمريكي جو بايدن.

لكن في الوقت الحالي، ومع عدم وجود آلية لإزالة الزعيم الإسرائيلي، فمن المرجح أن يبقى في السلطة لفترة من الوقت، ربما حتى خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام.

وقد أظهر نتنياهو بالفعل مدى الإشكال الذي يمكن أن يشكله كشريك، من خلال نشر استراتيجية "قول لا" لتطلعات الولايات المتحدة والدول العربية لسيناريو ما بعد الصراع.

الحل خارج واشنطن

ورأي ميلر أن هذا العام يمكن اعتباره جيدا جدا للرئيس الأمريكي قبل إعادة انتخابه، إذا تمكن من إقناع الإسرائيليين بإنهاء الحرب وخلق الوقت والمساحة لزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإذا تمكن من تسهيل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى، وتجنب انفجار كبير للقتال في الضفة الغربية، وتفادي وقوع حرب واسعة بين إسرائيل وحماس.

وبعد فوزه في نوفمبر/ تشرين الثاني بفترة ولاية ثانية وتحرره من القيود السياسية، قد يكون لدى بايدن مساحة أكبر لمتابعة مبادرة سلام أوسع نطاقا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

لكن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يكن قط حلا منفردا، بحيث يمكن لبايدن أن يقول ويفعل ما يشاء، ولكن الأمر يتوقف على عوامل ذات أهمية كبيرة خارج واشنطن.

وفي غياب رئيس وزراء إسرائيلي جديد يرغب في العمل معه، وقيادة فلسطينية أكثر مصداقية، وقبول جدي من جانب الدول العربية الرئيسية، فلن يتم العثور على مسار أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين.

وخلص ميلر إلى أن الصدمات التي أحدثها هجوم 7 أكتوبر/ تشرين أول المنصرم سوف تؤرق جيلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين لسنوات قادمة، مما يدفعهم إلى مزيد من الصراع والإرهاب والعنف ويبعدهم عن الأمن والسلام الذي حرموا منه لفترة طويلة.

اقرأ أيضاً

ليس فقط لأسباب إنسانية.. دافع عربي إضافي لوقف حرب غزة

المصدر | آرون ديفيد ميلر / فورين بوليسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حرب غزة نهاية حرب غزة السيطرة على قطاع السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة من المؤکد أن أن إسرائیل تشرین أول حماس فی فی غزة

إقرأ أيضاً:

تضارب في الأنباء حول تفاصيل مقترح ويتكوف التي وافقت عليه حماس

تضاربت الأنباء، بشأن موقف حركة حماس وحكومة الاحتلال الإسرائيلي على مقترح قدمه ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وأعلنت قناة "الأقصى" التابعة لحماس أن الحركة وافقت على مقترح ويتكوف، بينما نقلت مصادر إسرائيلية أن ويتكوف نفى موافقة حماس على مقترحه وقال إن "تل أبيب قبلت به".

وذكرت مصدر مقرب من الحركة بأن "حماس وافقت على مقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حرصًا على مصلحة شعبنا ووقفًا للإبادة المستمرة"، بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول".


وأضاف المصدر أن "ويتكوف قدم مقترحا قبل أيام يتضمن إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين من قطاع غزة على دفعتين مقابل هدنة تتراوح بين 60 يوما وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة إلى المنطقة العازلة الممتدة على حدود القطاع".

كما يتضمن المقترح، وفق المصدر، إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية بينهم "مؤبدات وأحكام عالية".

وأوضح أنه "خلال فترة الهدنة يتم البدء بمفاوضات جادة توصل إلى وقف حرب الإبادة وبضمان أمريكي".

ومن ناحية أخرى، قال الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، مراسل موقع "أكسيوس" الأمريكي و"واللا" الإسرائيلي: إن "ويتكوف يرفض ادعاء حماس بموافقتها على مقترحه بشأن اتفاق إطلاق نار وأسرى، ويقول لي: ما رأيته من حماس مخيب للآمال وغير مقبول بتاتًا".

????????????White House envoy @SteveWitkoff tells me Israel will agree to a temporary ceasefire and hostage deal that would see half of the living and half of the deceased return "and lead to substantive negotiations to find a path to a permanent ceasefire, which I agreed to preside… — Barak Ravid (@BarakRavid) May 26, 2025
وأضاف في منشور عبر منصة "إكس" أن "ويتكوف، يقول إن إسرائيل ستوافق على وقف إطلاق نار مؤقت واتفاق إطلاق نار وأسرى، يضمن عودة نصف الأحياء ونصف الموتى ويؤدي إلى مفاوضات جوهرية لإيجاد مسار لوقف إطلاق نار دائم، وهو ما وافقت عليه، وهذا الاتفاق مطروح على الطاولة، وعلى حماس قبوله".


في المقابل، ادعى موقع "والا" العبري أن ويتكوف "نفى" موافقة حماس على مقترحه الذي يتضمن إطلاق سراح نصف المختطفين الأحياء ونصف جثامين القتلى.

وترتكب "إسرائيل" بدعم أمريكي مطلق منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حرب إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • من إسرائيل وحماس والولايات المتحدة.. رسائل متضاربة عن الهدنة
  • ضابط سابق بجيش الاحتلال: حماس تساهم إعلاميا بتعميق انقسام الإسرائيليين
  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • اعتراف رسمي.. الضغط النفسي لحرب غزة يودي بحياة عشرات الجنود الإسرائيليين
  • مدريد/ الأناضول تباينت مواقف وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس ونظيره الألماني يوهان ديفيد فادفول، بشأن غزة، خلال لقائهما في مدريد. وفي المؤتمر الصحفي المشترك، الاثنين، بدا أن القاسم المشترك الوحيد بين ألباريس وفادفول هو تعريف حماس على أنها R
  • فاتن حمامة.. سيدة الشاشة التي صنعت مجد السينما المصرية وقلوب الجماهير لا تزال تنبض باسمها
  • تضارب في الأنباء حول تفاصيل مقترح ويتكوف التي وافقت عليه حماس
  • هآرتس: إسرائيل رفضت مقترحا قدمته "حماس" يتضمن إنهاء الحرب
  • الجيش الإسرائيلي : الحرب على غزة ليست بدون نهاية
  • برنامج الأغذية العالمي: العائلات الفلسطينية بغزة لا تزال على شفا المجاعة