إرسال آلاف العمال الهنود لإسرائيل يثير سخط النقابات
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
مدينة روهتاك، الهند – في صباح يوم شديد البرودة من شهر يناير/كانون الثاني، والشمس لم تكن قد أشرقت بعد، اصطف برامود شارما وهو يرتعش خارج المدخل الرئيس لحرم جامعة مهارشي داياناند في روهتاك البلدة الصغيرة في ولاية هاريانا شمالي الهند، التي تقع على بعد 84 كيلومترا (52 ميلا) عن مدينة نيودلهي.
انضم إلى شارما، 43 عاما، مئات آخرين من الرجال للخضوع لاختبار مهارة للعمل بوظيفة نجار في إسرائيل، وهي المرة الأولى التي ينفتح فيها قطاع البناء على الهنود الذين سبق أن وجدوا عملا هناك كمقدمي رعاية أساسا.
بعد أكثر من 100 يوم من حرب إسرائيل على غزة، برزت أزمة نقص عمالة في البلاد كرَّسها قرارها بمنع عشرات الآلاف من الفلسطينيين من العمل في إسرائيل.
وأفادت تقارير في أكتوبر/تشرين الأول أن شركات الإنشاءات الإسرائيلية طلبت من حكومتها في تل أبيب السماح لها باستخدام نحو 100 ألف عامل هندي ليحلوا محل الفلسطينيين الذين أُوقفت تراخيص عملهم عقب بدء العدوان على غزة.
وفي الهند، كشف بحث إسرائيل المحموم، بدوره، عن عمالة تباينا بين ادعاءات النجاح الاقتصادي لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي –التي تصر على أن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي ساهم في أن تصبح الدولة قوة عالمية- وبين التجارب الحية لملايين الناس. وفيما الهند مقبلة على انتخابات عامة، يقدر معدل البطالة بحوالي 8%.
وفي ديسمبر/كانون الأول، أعلنت حكومة ولاية هاريانا عن 10 ألف وظيفة لعمال البناء في إسرائيل، من بينها 3 آلاف وظيفة لنجارين وحدادين، وألفين لمبلطي أرضيات، وألفين لعمال الجبس. وجاء في الإعلان أيضا أن راتب هذه الوظائف سيكون نحو 6100 شيكل (حوالي 1625 دولارا أميركيا في الشهر)، في بلد يبلغ متوسط دخل الفرد فيها حوالي 300 دولار شهريا.
وفي نفس الشهر، أصدرت أوتار براديش -أكثر ولايات الهند اكتظاظا بالسكان- إعلانا مشابها عن 10 ألف وظيفة لعمال. وأفادت تقارير أن حملة التوظيف بدأت في عاصمة الولاية، لوكناو، يوم الخميس، ووجد إقبالا من مئات مقدمي الطلبات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وصل إلى الهند مسؤولو التوظيف من إسرائيل لإجراء المعاينات.
وأبلغ مسؤول من شركة هاريانا كوشال روزغار نيغام المحدودة –وهي إحدى وكالات حكومة الولاية التي تشرف على حملة التوظيف- موقع قناة الجزيرة الإنجليزية الإلكتروني أن ما بين 500 إلى 600 من المتقدمين يوميا في المتوسط خضعوا لمعاينات خلال حملة التوظيف التي انتهت يوم الأحد واستمرت أسبوعا في بلدة روهتاك.
فرصة العمر
جاء شارما إلى روهتاك مع مجموعة من حوالي 40 عاملا من بيهار، التي تعد واحدة من أفقر الولايات في الهند، وتقع على بعد أكثر من ألف كيلومتر (620 ميلا) شرق روهتاك.
وقال شارما للجزيرة إنه خضع في البداية لاختبار شفهي أجرته معه وكالة توظيف في بيهار حول مواضيع تتعلق بأعمال البناء.
وتابع: "أخبروني أنني اجتزت الجولة الأولى، وأن موكَّلا إسرائيليا سيأتي الآن إلى روهتاك في جولة ثانية من المقابلات، وأن عليَّ الحضور إلى هنا.
"كنا ننام داخل الحافلة في هذا الزمهرير طوال الأيام الثلاثة الماضية ونستخدم حمام مطعم على قارعة أحد الطرق في انتظار معايناتنا".
ووفقا لشارما -الذي فقد وظيفته في مجال الإنشاءات في نيودلهي إبان جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) في عام 2020- فإن العمل في إسرائيل يبدو أنه "فرصة العمر" للانعتاق من ربقة الفقر.
ومنذ ذلك الحين، ظل يعمل بموجب نظام توظيف حكومي براتب يقل عن 3 دولارات في اليوم نظير 5 ساعات عمل في أحد الحقول. لكنه لا يزال يكافح لتوفير 3 وجبات مُشبِعة لزوجته وطفلين وأخت يعولها.
وقال: "لو تمكنت من الحصول على هذه الوظيفة في إسرائيل، فسوف أكون قادرا على إعالة أطفالي وتوفير ما يكفي لتزويج أختي".
وقال شيف براكاش –وهو عامل بناء آخر من بيهار- إن الراتب الذي تقدمه الشركات الإسرائيلية يزيد 3 أضعافا عما كان يتقاضاه في السابق. وتساءل ابن 39عاما: "من يريد أن يفوِّت فرصة كهذه؟".
فيكاس كومار،32 عاما، من منطقة بانيبات في هاريانا، خضع هو الآخر لاختبار المهارات. قال إن مسؤولين إسرائيليين أعدوا نماذج تحاكي أعمال إنشاءات متعددة، ويُطلب من المتقدم للوظيفة تقديم عرض حي في لجولة الختامية من الاختبارات.
ويشتغل كومار 12 ساعة في اليوم كعامل جبس ويتقاضى 120 دولارا (10 ألف روبية هندية) في الشهر. ويأمل في تأمين وظيفة له في إسرائيل لدعم عائلته المكونة من 6 أفراد.
الإسرائيليون والعمال الأجانب يفرون من الحرب
تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربة قوية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عندما شنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هجوما غير مسبوق على أراضيها، أسفر عن مقتل 1200 شخص. ومنذ ذلك الوقت، قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 24620 فلسطينيا، من بينهم 16 ألف امرأة وطفل في غزة.
كما أجبرت الحرب ما يقرب من 500 ألف إسرائيلي وأكثر من 17 ألف عامل أجنبي على مغادرة البلاد، وفقا لبيانات هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، أصبح حوالي 764 ألف إسرائيلي –أي ما يقارب خمس القوى العاملة في إسرائيل- بدون عمل بسبب عمليات الإجلاء أو إغلاق المدارس أو استدعاء جنود الاحتاط للانخراط في الحرب.
ويعتمد قطاع البناء الإسرائيلي أساسا على العمالة الأجنبية، وأغلبيتها من الفلسطينيين. غير أن الحكومة الإسرائيلية أقدمت على إيقاف تصاريح العمل الخاصة بما يزيد على 100ألف عامل فلسطيني قد عُلِّقت عقب بدء العدوان على غزة.
وفيما تعزو إسرائيل السبب في بحثها عن عمال في الهند، كانت حكومتها تعمل على خطة لاستجلابهم قبل أكثر من 8 شهور. ففي مايو/أيار 2023 وقع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين اتفاقية مع نظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار، تسمح لنحو 42 ألف من عمال البناء الهنود بالهجرة إلى إسرائيل للعمل.
على أن فئة العمال ليست وحدها التي ترغب في السفر إلى إسرائيل للعمل. فهناك شبان هنود متعلمون يتقدمون أيضا بطلبات للحصول على هذه الوظائف بحثا عن دخل مستقر.
فقد مثُل ساشين –وهو طالب هندسة في السنة النهائية يبلغ من العمر 25 عاما في إحدى جامعات هاريانا الحكومية- أيضا أمام لجنة المعاينة. ويقول عن ذلك للجزيرة: "لا أحد يريد الذهاب إلى مكان تطير فيه الصواريخ في سماء المنطقة ولكن هناك القليل من الفرص في الهند".
وفي تقرير أجرته جامعة خاصة رائدة، بلغ معدل البطالة في الهند بين خريجي الجامعات الذين تقل أعمارهم عن 25عاما، 42% بعد جائحة كورونا، وهي نسبة كبيرة.
معارضة هندية لإبعاد العمال الفلسطينيين
لكن خطة الهند لإرسال عمال إلى إسرائيل المتورطة فعلا في عمليات إبادة جماعية للفلسطينيين، تعرضت لانتقادات من مجموعات عمالية ومن المعارضة.
فقد أصدرت 10 من أكبر نقابات العمال في الهند بيانا شديد اللهجة في نوفمبر/تشرين الثاني، حثت فيه الحكومة على عدم إرسال عمال هنود إلى إسرائيل. وجاء في البيان: "ليس هناك ما هو منافٍ للأخلاق وأشد فداحة من ’تصدير’ الهند لعمال إلى إسرائيل. إن مجرد تفكير الهند بتصدير عمال يظهر أسلوبا ينم عن نزعة إلى تجريد العمال الهنود من إنسانيتهم وتحويلهم إلى سلعة".
وعارض اتحاد عمال البناء في الهند "أي محاولة لإرسال عمال البناء الفقراء في بلادنا إلى إسرائيل للتغلب على نقص العمال ودعم عمليات الإبادة الجماعية بأي شكل من الأشكال".
وقال تابان كومار سين -البرلماني الهندي السابق والأمين العام لمركز النقابات الهندية- إنهم لا يعارضون تنقل العمل عبر الحدود، لكن لا ينبغي أن يأتي ذلك على حساب العمال الفلسطينيين.
وتابع "نريد أن يجد جميع العمال عملا. لا نريد فصل أي شخص عن عمله ومنح وظيفته لشخص آخر". وأضاف البرلماني السابق: "يجب على كل عامل هندي أن يعارض استبعاد العمال الفلسطينيين واستبدالهم بعمال هنود".
وقال كليفتون دي روزاريو -السكرتير الوطني للمجلس المركزي لنقابات عمال عموم الهند- إن الحكومة الهندية كانت تتصرف وكأنها "مقاول" لإسرائيل، وإن "فكرة إرسال عمال إلى إسرائيل تذكرني بالعبودية المُلزمة للعمل لمدة زمنية خلال الاستعمار البريطاني في القرن الـ19.
وأضاف "إن الدولة التي تتفاوض على إرسال قسم من العمال إلى دولة معينة ذات سجل من قمع مجتمع آخر، ليحلوا بديلا (عن آخرين) تحت أي ظرف من الظروف أمر غير مقبول. وحتى لو لم يكن هناك صراع، فإني أقول إن هذا غير مقبول".
ومع تزايد الانتقادات، قال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية في الهند راندهير جايسوال للصحفيين الأسبوع الماضي، إن الحكومة كانت تعي مسؤوليتها عن توفير السلامة والأمن للمواطنين الهنود في الخارج. وأردف قائلا إن قوانين العمل في إسرائيل كانت "قوية وصارمة ، وتوفر حماية لحقوق العمال والمهاجرين".
وقد تواصلت الجزيرة مع المسؤولين الإسرائيليين الذين يجرون المعاينات، لكنهم رفضوا التحدث أو تقديم معلومات عن حملة التوظيف.
وفي هذه الأثناء، يقول الخبراء إن على الهند إجراء تقييم دقيق للشروط التي سيخضع لها العمال في إسرائيل، حتى لو كانت مفيدة ماليا.
لقد اتُّهمت إسرائيل بانتهاك حقوق العمال. وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش عام 2015 ، تقاضى العمال التايلنديون في القطاع الزراعي الإسرائيلي رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور. كما واجهوا ظروف عمل غير آمنة وأجبروا على العمل لساعات طويلة.
وكانت هناك أيضا أمثلة لعمال هنود حوصروا في نزاعات الشرق الأوسط.
واعترفت الحكومة الهندية في مارس/آذار 2018 بأن 39 عاملا هنديا قُتلوا بعد اختطافهم على يد تنظيم الدولة في العراق. وأفرج التنظيم المسلح عن مجموعة من 46 ممرضة هندية في يوليو/تموز 2 014 بعد بقائهن في الأسر لأكثر من أسبوع.
موقف هند مودي المؤيدة لإسرائيللطالما دعمت السياسة الخارجية للهند عبر التاريخ القضية الفلسطينية. بيد أن تحولا قد طرأ على هذه السياسة في العقد الماضي.
في عام 2017، أصبح ناريندرا مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل. كما أنه يصف نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أنه "صديق مقرب" على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعد فترة وجيزة من بدء حرب غزة، امتنعت الهند في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى وقف إطلاق النار. وبعد شهرين، أيدت نيودلهي قرارا آخرا للأمم المتحدة يطالب بوقف إطلاق النار.
وفي الهند، حظرت السلطات في العديد من ولايات البلاد التجمعات المؤيدة للفلسطينيين واعتقلوا الناس بسبب احتجاجهم أو حتى نشر رسائل تضامن مع فلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال الوزير والدبلوماسي السابق، ماني شانكار آيار، إن سياسة الهند خلال الخمسين عاما الماضية على الأقل كانت تشجع الهنود على الذهاب كعمال مهاجرين إلى الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم.
وزاد قائلا إن تحويلات هؤلاء العمال المالية إلى بلدهم تعد "جزءً مهما للغاية من اقتصادنا. لذلك، ولأسباب اقتصادية، سأدعم بالتأكيد فكرة ذهاب العمال الهنود إلى إسرائيل. ولكن، بالنظر إلى سياق الإبادة الجماعية الحالية لإسرائيل في قطاع غزة، فهذه هي أسوأ طريقة للهنود لكسب القليل من المال من إسرائيل".
وطبقا لتقرير الأمم المتحدة عن الهجرة الدولية، بلغت التحويلات المرسلة من دول الشرق الأوسط إلى الهند 38 مليار دولار في عام 2017.
وقال العديد من الهنود الطامحين للعمل في إسرائيل إن الحرب في غزة لن تقيدهم، حتى أن بعض العمال يدعمون إسرائيل في عملها ضد الفلسطينيين.
وقال ياش شارما -وهو من منطقة جيند في هاريانا، ويطمع للعمل في إسرائيل، لموقع الجزيرة الإنجليزي "إذا أُتيحت لي الفرصة، فأنا على استعداد للعمل لدى الجيش الإسرائيلي".
وهناك العديد من أمثال شارما لديهم مبرر أقوى. يقول شارما:" سوف أغتنم فرصتي. فالموت هناك أفضل من التضور جوعا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عمال البناء إلى إسرائیل فی إسرائیل عمال إلى فی الهند أکثر من
إقرأ أيضاً:
هدف حرب إسرائيل هو طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من غزة
قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إنه من الواضح أن إسرائيل ترفض وقف الحرب على غزة ، في ظل الأنباء حول اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى جزئي، وهي تسعى إلى تصعيد كبير قادم لا محالة في الضفة الغربية على خلفية خطط إقامة 20 مستوطنة جديدة، كما تواصل إسرائيل التهديد بمهاجمة إيران حتى في حال التوصّل إلى اتفاق نووي أميركي – إيراني.
وحسب تقديرات مصادر إسرائيلية مطلعة، فإنه لا يُتوقّع أن تعارض إسرائيل اتفاق وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا وإفراج حماس عن أسرى إسرائيليين، بينهم 10 أحياء ونصف الأسرى الأموات، مقابل الإفراج عن عدد غير معروف حاليًا من الأسرى الفلسطينيين، بموجب مقترح المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف.
إقرأ أيضاً: تفاصيل خطة أميركية جديدة لغزة تقترح اتفاقا لوقف النار بضمانة ترمب
لكن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من قطاع غزة بموجب مقترح ويتكوف، وإنما سيواصل حصار القطاع ليس من خارجه فقط، وإنما من داخله أيضًا، إذ ستبقى القوات الإسرائيلية في المواقع التي تواجدت فيها قبل استئناف الحرب، في 18 آذار/مارس الماضي، وبضمنها محور صلاح الدين (فيلادلفي) الذي يسيطر على معبر رفح مع مصر. وحسب التقارير الإسرائيلية، فإنه في إطار هذا الاتفاق سيُستأنف إدخال المساعدات الإنسانية بواسطة الأمم المتحدة.
طوال المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بوساطة أميركية وقطرية ومصرية، أصرّت الحركة على وقف إطلاق دائم وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة كله، ورفضت إسرائيل هذا المطلب بالمطلق. وبعد اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى السابق، في الفترة بين 19 كانون الثاني/يناير و18 آذار/مارس من العام الحالي، استأنفت إسرائيل الحرب وأعلنت أنها تسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها التي وضعتها في بداية الحرب، قبل حوالي 20 شهرًا، وهي القضاء على حماس وإعادة الأسرى من غزة.
ولم تحقق إسرائيل في حربها أيًّا من هذين الهدفين، ولا يتوقع أحد أنها ستحقّقهما في المستقبل المنظور من دون وقف الحرب بالكامل. بل يبدو أن الحكومة والجيش الإسرائيليين استسلما لهذه الحقيقة. وفيما ترفض حكومة نتنياهو حتى الآن الحديث عمّا يسمّى "اليوم التالي" في غزة بعد الحرب، وتُعلن في الوقت نفسه أن الحرب لن تتوقف، وأنها تسعى إلى تنفيذ مخطط طرد سكان غزة إلى خارج القطاع، فإنه أصبح واضحًا أن الحرب ليست ضد حماس فقط، وإنما هي بالأساس ضد سكان غزة المدنيين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من الشهداء والجرحى والمهجّرين الذين دُمّرت بيوتهم وحياتهم كلها.
واعترض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، على مقترح ويتكوف، وادّعى أن "حماس تتعرض لضغط وضائقة هائلة في الأيام الأخيرة نتيجة لتغيير منظومة توزيع المساعدات وفقدان سيطرتها على السكان في القطاع، إلى جانب الضغط العسكري المتواصل. وينبغي مواصلة تشديد الحبل على عنقها وإرغامها على صفقة استسلام مطلق مع (الإفراج عن) جميع المخطوفين دفعة واحدة. وسيكون هذا غباء مهووس أن نُخفّف الضغط ونُوقّع معها على صفقة جزئية تمنحها الأكسجين وحبل نجاة وتسمح لها بالانتعاش. ولن أسمح لأمر كهذا بأن يحدث. نقطة".
الادّعاء في الإعلام وأحزاب المعارضة في إسرائيل بأن سموتريتش وإيتمار بن غفير هما الجناح الأكثر تطرّفًا في حكومة نتنياهو هو ادعاء كاذب ومضلّل. ليس لأنهما ليسا متطرّفين، وإنما لأن الحكومة كلها، وبشكل خاص حزب الليكود، على شاكلتهما وتحمل أفكارهما نفسها. وسموتريتش وبن غفير انضما إلى حكومة نتنياهو ليس من أجل تولّي مناصب وزارية فقط، وإنما، وبالأساس، من أجل دفع عقيدتهما وأجندتهما التي تتمثل بتوسيع حدود إسرائيل لتشمل فلسطين التاريخية كلها، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين. ولذلك، لا ينبغي استبعاد أن الحرب على غزة بكل مأساويّتها وكارثيّتها هي مقدّمة لحرب قادمة على الضفة الغربية.
تعيين سموتريتش وزيرًا في وزارة الأمن لم يكن بهدف أن يكون مسؤولًا عن المستوطنات والمستوطنين، وإنما بهدف توسيع الاستيطان والسيطرة الإسرائيلية على الضفة، ليست كمنطقة محتلة، وإنما كمنطقة يجب ضمّ معظم مساحتها إلى إسرائيل.
مخطط ضمّ مساحات من الضفة إلى إسرائيل موجود منذ عقود. وحتى إنه موجود، على الورق، في خطط ومقترحات حل الدولتين، وهو جزء من عقيدة اليمين الإسرائيلي، في الحكومة وفي المعارضة أيضًا.
المستوطنون هم الذراع الإسرائيلية الطويلة لسرقة الأراضي في الضفة، وإقامة بؤر استيطانية عشوائية (من دون مصادقة إسرائيلية رسمية) من خلال اعتداءات متواصلة على الفلسطينيين وممتلكاتهم. وصعّدوا عمليات السرقة هذه في السنوات الماضية، بمساندة الجيش الإسرائيلي، وذلك بالتوازي مع حملة مصادقة واسعة للحكومة على مخططات استيطانية كثيرة.
في هذا السياق، أعلن الكابينيت السياسي – الأمني، أمس الخميس، أنه صادق قبل أسبوعين على إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة، وبعضها في عمق الضفة، إضافة إلى إعادة بناء مستوطنة "سانور" في شمال الضفة، التي تم إخلاؤها في إطار خطة فك الارتباط عن غزة في العام 2005، وشرعنة بؤر استيطانية، بينها "حوميش" التي أُقيمت في موقع تواجدت فيه مستوطنة تحمل الاسم نفسه وأخلاها الجيش الإسرائيلي قبل سنوات.
يُشار إلى أن إقامة هذه المستوطنات سيستغرق عدة سنوات، لكن قسمًا منها يُحاصر مدنًا فلسطينية، بينها رام الله ، بعد أن استولت إسرائيل على الأراضي في هذه المناطق وصادرتها. والهدف هو تكرار النموذج الاستيطاني في أراضي الـ48، حيث صودرت الأراضي من المواطنين العرب، وحوصرت مدنهم وقراهم، ومُنع توسيعها، ببلدات يهودية صغيرة لا يُسمح للعرب بالسكن فيها.
العملية العسكرية التي شنّها الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية غداة وقف إطلاق النار في غزة، في كانون الثاني/يناير الماضي، هي الأكبر في العشرين عامًا الأخيرة، وهدم خلالها مساحات واسعة في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة، وبشكل خاص في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وارتقى مئات الشهداء، وهُجّر أكثر من 40 ألفًا. وأدّت هذه العملية العسكرية إلى تدمير الاقتصاد في شمال الضفة. والأوضاع الأمنية المتوترة تمتد إلى وسط وجنوب الضفة، وإلى القدس أيضا. ونسبة البطالة مرتفعة في الضفة بعد أن أوقفت إسرائيل، في بداية الحرب على غزة، دخول أكثر من 120 ألف عامل للعمل في إسرائيل.
مخطط الضمّ من شأنه أن يستدعي، ربما، انتفاضة جديدة في الضفة، رغم أن حرب الإبادة في غزة لم تؤدِّ إلى تصعيد أمني كبير فيها. لكن سواء انتفضت الضفة أم لا، تتردد تقارير إسرائيلية حول مخطط ترانسفير في الضفة، في السنوات المقبلة، سيتم تنفيذه من خلال هجوم عسكري بالضرورة، قد يصل إلى حدّ حرب إبادة أخرى، يتخللها القتل والتدمير والتجويع. فإسرائيل باتت خبيرة في الإبادة. وفي هذه الأثناء، نُفذت عمليات ترحيل لتجمعات فلسطينية بدوية عن أراضيها في الأغوار وفي جنوب جبل الخليل.
كل ما ذُكر أعلاه يعني أن دولة فلسطينية بالنسبة لإسرائيل هو أمر مرفوض. وهذا واضح. لكنه يعني أن الصراع سيستمر إلى أجل غير مسمّى، وهذه مصلحة إسرائيلية. ومن أجل تحقيقها، يتعيّن على إسرائيل أن تحافظ على توتر دائم ليس مع الفلسطينيين فقط، وإنما توسيعه، كي تُنفّذ مخططاتها في غزة والضفة، وفي مقدمتها الترانسفير.
توسيع الصراع الذي يتحدث عنه نتنياهو يتّجه إلى إيران. وفيما تتحدث إدارة بايدن عن أن اتفاقًا نوويًّا جديدًا مع إيران قد يكون وشيكًا، فإن نتنياهو أرسل هذا الأسبوع وفدًا إلى واشنطن – ضمّ رئيس الموساد، دافيد برنياع، ووزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي – في محاولة لإقناع إدارة بايدن بعدم التوقيع على اتفاق نووي مرحلي مع إيران، ومن أجل القول إن اتفاقًا مرحليًّا كهذا ليس مقبولًا على إسرائيل ولا يُلزمها، أي لا يمنع إسرائيل من مهاجمة إيران.
ويصرّح نتنياهو أنه سيوافق على اتفاق نووي مع إيران فقط إذا شمل تفكيك البرنامج النووي الإيراني بكامله، وهو شرط يبدو أن إيران يستحيل أن توافق عليه. وتُظهر أقوال نتنياهو أنه قد يُوعز بمهاجمة إيران حتى من دون دعم أميركي، رغم أن إسرائيل ستكون بحاجة لدعم كهذا من أجل اعتراض ردٍّ إيراني. رغم ذلك، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تخلي الولايات المتحدة عن إسرائيل في حال الرد الإيراني هو أمر مستبعد.
ورغم ذلك، ربما يُطلق نتنياهو تهديداته ضد إيران لمجرد التهديد، لأن تنفيذها له عواقب على مستوى العالم، مثل ارتفاع أسعار النفط، وربما تؤثر على استقرار دول الخليج، حليفة الولايات المتحدة. لكن استمرار التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، حتى من دون تنفيذها، سيؤدي إلى استمرار التوتر في المنطقة، وهذا بحدّ ذاته هدف ومصلحة إسرائيلية.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية إسرائيل: ارتفاع أسعار الوقود في حزيران نتنياهو يخضع لـ"إجراء طبي" بالمستشفى إصابة 3 جنود إسرائيليين في معارك جنوب غزة الأكثر قراءة محدث: مجزرة يرتكبها الاحتلال بحق عائلة في عبسان الجديدة شرق خان يونس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يستدعي رئيس الشاباك المُعيّن الخارجية: جرائم المستوطنين في بروقين وغيرها مُخطط لها لتهجير شعبنا باراك: لا نصر في غزة.. وسنعود لنقطة الصفر بعد وقف العمليات عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025