هل يمكن تغيير مسار الاقتصاد العالمي؟
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
التعاون والشراكة وخفض الديون .. ضرورات ملحة لتحسين آفاق الاقتصاد العالمي
مخاطر عديدة تحد من الاستثمارات وحركة التجارة حيث تتفاقم النزاعات والإشكاليات المزمنة في بنية النمو العالمي
التقارير الدولية تبدي نظرة غير متفائلة لكنها تؤكد أن المخاطر ليست مصيرا حتميا على العالم مواجهته
جاءت جميع التوقعات الصادرة عن المنظمات الدولية مجمعة على أن نمو الاقتصاد العالمي سيشهد تباطؤًا للعام الثالث على التوالي خلال 2024، ومن المرجح أن يتراجع معدل النمو تحت تأثير عوامل مباشرة تتقدمها السياسات النقدية المتشددة وارتفاع كلفة الائتمان وضعف حركة التجارة والاستثمار عالميا، وفضلًا عن هذه العوامل الآنية، ما زالت المخاطر طويلة الأمد تحد من إمكانيات التحسن قريبا في المشهد الاقتصادي العالمي حيث يتفاقم نطاق الحروب والتوترات والنزاعات، ويشهد التعاون الدولي تراجعا مستمرا غير مسبوق وتستمر الإشكاليات المزمنة في بنية النمو العالمي مثل مستويات الديون المرتفعة وعدم تعافي أسواق العمل منذ تفشي الجائحة.
بسبب هذه العوامل تظل الظروف غير مواتية لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري، كما تلقي بملامح قاتمة على الآفاق المستقبلية للنمو في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يفرض ضرورات ملحة للعمل على تغييرات جذرية تساهم في تحسين الآفاق الاقتصادية العالمية عبر تعزيز التعاون والشراكة العالمية وتقليص حجم الديون خاصة في الاقتصادات الناشئة والتركيز على تعافي سوق العمل كوسيلة أساسية لتحسين الدخل وتحقيق الرخاء للدول، وعلى الرغم من صعوبة هذا التغييرات، لكنها تبدو الطريق الوحيد لتلافي مزيد من المخاطر وتوقي انزلاق الاقتصاد العالمي إلى هوة ركود قد يظل فيها لسنوات طويلة.
في عام 2020 شهد العالم التفشي القاسي للجائحة، وقبل أن يستفيق من تبعاتها اندلعت الحرب في أوكرانيا بتأثيراتها الواسعة من ارتفاع أسعار السلع خاصة الطاقة والمنتجات الغذائية وما أدى إليه النزاع من قيود على حركة التجارة وتدفق سلاسل الإمداد، ونتج عن ذلك صعود متوالٍ في معدل التضخم مسجلًا مستويات غير مسبوقة منذ عقود أيضا شهدت ثقة المستثمرين تراجعًا مستمرًا وتأثرت معنوياتهم بحالة عدم اليقين في المشهد العالمي.
مع هذه الأزمات المتلاحقة، تراجع معدل النمو العالمي من 6 بالمائة في عام 2021 إلى 3.2 بالمائة في عام 2022 ثم 2.7 بالمائة في عام 2023، وهو ما وصفته المنظمات الدولية بأضعف أنماط النمو على الإطلاق منذ عام 2001، باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية في 2007 والمرحلة الحرجة من تفشي جائحة «كوفيد-19»، وبينما كانت الآمال معلقة بأن يشهد الاقتصاد العالمي تحسنا خلال العام الجاري، جاءت التوقعات لتقلص من معدلات النمو المتوقعة خلال عام 2024، وتم تخفيض معدل النمو المرجح من 2.7 بالمائة إلى 2.4 بالمائة، ومن الممكن أن يستمر خفض التوقعات خلال الفترة المقبلة، فحتى الآن، تعتبر تقارير صندوق النقد الدولي أن النشاط الاقتصادي في العالم لا يزال أقل من المسار الذي كان عليه قبل الجائحة، خاصة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية مع تباينات متزايدة بين مختلف مناطق العالم، ويحذر الصندوق من أن ميزان المخاطر التي تهدد النمو العالمي يميل نحو الجانب السلبي بفعل تفاقم الأزمات وقد يزداد الأمر سوءًا إذا تعرض النمو في الصين لأزمة تؤثر عليه مع ما يترتب على ذلك من آثار غير مباشرة على مستوى الاقتصاد العالمي، كما أن الاقتصادين الأكبر في العالم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مستمران في التباطؤ وتظل تبعات الحرب في أوكرانيا والتضخم عوامل تحد من أي تحسن قريب وتزيد من وضع عدم يقين تجاه آفاق النمو.
وفيما تقدم تقارير المنظمات والمؤسسات الدولية نظرة غير متفائلة للوضع الاقتصادي العالمي الذي يتضرر بفعل العديد من الصدمات الشديدة والمتوالية، لكن هذه التقارير تتضمن أيضا توصيات مهمة لإنجاز تقدم وتؤكد على أن التوقعات السلبية ليست مصيرا يتحتّم على الاقتصاد العالمي مواجهته لكن يمكن تغيير المسار عبر العمل على زيادة نطاق التعاون الدولي وخفض الدين العالمي وإحداث تعافٍ في سوق العمل.
ومن جانبه، أكد تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) على تراجع في المؤشرات التي تشير لإمكانية حدوث تحسن وشيك في المشهد الاقتصادي العالمي خاصة مع ارتفاع مستويات الديون وتفاقم أعبائها في الدول منخفضة الدخل، خاصة أن أكثر من ثلث الديون الخارجية لهذه الدول تخضع لشروط أسعار الفائدة المتغيرة التي يمكن أن ترتفع فجأة، ويؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى المزيد من الصعوبات التي تواجه تلك البلدان وهو ما يزيد من تكلفة السداد واحتمالات التعثر.
وفي ظل المشكلات التي تواجه سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع الأسعار والنزاعات التجارية والسياسية المتصاعدة، تتزايد الضغوط أيضا على النمو المتوقع في حركة التجارة العالمية، حيث تشير منظمة التجارة العالمية إلى أن التضخم المتصاعد وأسعار الفائدة المصرفية المرتفعة والحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها على الاقتصادات في غالبية الدول، وخلال العام الماضي قلّصت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لنمو حركة التجارة العالمية بنحو النصف لتقل عن واحد بالمائة، محذرة من أن التباطؤ المتوقع في التجارة يدعو للقلق بسبب الانعكاسات السلبية على مستوى معيشة البشر في أنحاء العالم.
كما حذرت تقارير البنك الدولي من تباطؤ النمو العالمي بشكل حادٍ، وزيادة مخاطر الضغوط المالية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية وسط ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وقام البنك الدولي بخفض متوالٍ لتوقعات النمو في الأسواق الناشئة والنامية وغالبية الاقتصادات المتقدمة، لكن التقارير الصادرة عن البنك الدولي حددت العوامل التي يمكن أن تحدث تغييرًا إيجابيًا في أداء الاقتصاد العالمي، فقد لفتت الانتباه إلى أنه من المهم الأخذ في الاعتبار أن المخاطر ليست مصيرًا حتميًا، وهناك فرصة لتغيير مجرى الأمور، لكن الأمر يتطلب العمل بشكل جماعي بين دول العالم، وتظل الطريقة الأمثل لنشر الرخاء هي من خلال التوظيف على الرغم من أن تباطؤ النمو يجعل فرص العمل أكثر صعوبة، وتظل الآمال معلقة بانتعاش للنمو في الأسواق الناشئة التي تحقق أفضل معدل للنمو بين الاقتصاديات العالمية، وكان تأثرها محدودا بأزمات مثل التعثر المصرفي في الاقتصادات المتقدمة خلال العام الماضي، لكن عليها التعامل مع البيئة المتشددة للائتمان التي رفعت كلفة التمويل وأدت إلى فقدان متزايد لقدرة الأسواق الناشئة والنامية على الوصول الفعلي إلى أسواق السندات الدولية كوسيلة للتمويل.
ومن بين عديد من التغيرات التي على العالم القيام بها لتوجيه النمو العالمي نحو مسار إيجابي، يكتسب التعاون والعمل الجماعي بين الدول أهمية قصوى، في وقت أدت فيه النزاعات التجارية والسياسية إلى تفضيل متزايد للمصالح الشخصية للدول والتكتلات العالمية، وقد بدت نتائج ذلك واضحة على عدم الثقة في آفاق النمو وتراجع معدل حركة التجارة العالمية، وهو ما يظهر بوضوح من خلال مؤشرات منها بارومتر المنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون العالمي، ويستخدم المؤشر 42 مؤشرًا لقياس الدعائم الخمس للتعاون العالمي بين 2021 و2022؛ وهي التجارة ورأس المال، والابتكار والتكنولوجيا والمناخ والموارد الطبيعية، والصحة والعافية والسلم والأمن، واظهر المؤشر أن التعاون الدولي كان صامدا في عدة أبعاد من 2012 إلى 2020، لكنه شهد تراجعا خلال الفترة من 2020 إلى 2022.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الأسواق الناشئة الاقتصادی العالمی التجارة العالمیة الاقتصاد العالمی النمو العالمی حرکة التجارة خلال العام فی عام وهو ما
إقرأ أيضاً:
مسؤولون دوليون: المنظمة العالمية للمياه قادرة على القيام بدور محوري في مواجهة التحديات المتسارعة في قطاع المياه
البلاد – الرياض
ناقش مسؤولون وقياديون بارزون في مجال المياه من عدة دول أبرز قضايا المياه على مستوى العالم، وتأثير أهداف الإدارة المتكاملة للمياه في إيجاد معالجات للتحديات التي تواجهها، بالإضافة إلى الدور المأمول للمنظمة العالمية للمياه، لتحقيق تلك الأهداف.
جاء ذلك خلال الجلسة الحوارية الوزارية، التي أقيمت اليوم في الرياض، ضمن حفل التوقيع على ميثاق المنظمة العالمية للمياه وتدشين أعمالها، بمشاركة ممثلين لثماني دول هي المملكة العربية السعودية، الكويت، قطر، إسبانيا، اليونان، السنغال، باكستان، وموريتانيا.
وفي مستهل الجلسة، أكد وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبد الرحمن بن عبدالمحسن الفضلي، أهمية إيجاد حلول لتحديات المياه حول العالم، والمتمثلة في ندرة مصادر المياه وجودتها، وما تتعرض له المياه من تلوث بسبب التعديات البشرية، إضافةً إلى ارتفاع تكلفة المشاريع الرأسمالية والتشغيلية للمياه وخدمات الصرف الصحي، وغيرها من التحديات، مبينًا أن المنظمة العالمية للمياه أمامها فرصة كبيرة للنجاح، من خلال التحدي، والتعاون بين أعضائها، ويمكن أن تقوم المنظمة بدورٍ مهم فيما يتعلق بتبادل المعارف، والتجارب والخبرات، مما يُعد مكسبًا للعمل الجماعي في مواجهة قضايا المياه.
وأشار إلى أن هناك حاجةٌ ماسة لإعادة النظر في الأعمال الهندسية لمشاريع المياه، مما يستوجب تشجيع ودعم البحث والابتكار؛ لإيجاد حلول مبتكرة لتحديات المياه حول العالم، مشدّدًا على ضرورة البحث عن مصادر تمويل مختلفة لتلك المشاريع، وإشراك القطاع الخاص في تنفيذها، مبينًا أن التمويل الحكومي يقف عائقًا أمام تلك المشاريع.
من جانبه أكد وزير الكهرباء والمياه والطاقة المتجددة في دولة الكويت الدكتور صبيح بن عبدالمحسن المخيزيم أن المنظمة العالمية للمياه قادرة على القيام بدور محوري لدعم وتعزيز التعاون في مواجهة تحديات المياه، ويمكنها التحول إلى مرجعية للسياسات العالمية للمياه، متطلعًا إلى أن تتوسع المنظمة في مواجهة تحديات قطاع المياه المتسارعة، من خلال التعاون وتضافر الجهود بين الدول.
وأبان وزير الموارد المائية في باكستان محمد معين وتو أن التوقيع على ميثاق المنظمة العالمية للمياه، يضعها موضع القيادة لمعالجة تحديات المياه العالمية، من خلال التنسيق بين الدول، وإدارتها بكفاءة، من خلال النمو الاقتصادي، وضمان عدالة وصول المياه إلى الجميع، خاصةً في الدول النامية، مشيرًا إلى أن المنظمة يمكنها أن تسد الفجوات في مجال توفير المياه، عبر الإدارة المتكاملة، وتعزيز جهود الدول الأعضاء، ويمكنها أيضًا أن تصبح مركزًا عالميًا لتبادل أفضل الممارسات، والبحوث والابتكار؛ لوضع حلول تقنية مبتكرة لمعالجة تحديات المياه.
إلى ذلك، وصف معالي وزير المياه والصرف الصحي في جمهورية السنغال الدكتور شيخ تيجيان ديي المنظمة العالمية للمياه، بأنها أكثر من مجرد منصة، وستؤدي دورًا مهمًا على المستوى الدبلوماسي، وتوجيه الجهود الدولية، والعمل المشترك؛ لتوفير المياه بشكل عادل من خلال الحوار، إضافةً إلى توفير أفضل التقنيات لإيجاد حلول لمشاكل المياه، داعيًا المنظمة إلى لعب دور أكبر في قارة أفريقيا، التي ستتضاعف معاناة سكانها لتوفير المياه بحلول عام 2050.
وأوضحت معالي وزيرة المياه والصرف الصحي بموريتانيا آمال بنت مولود أن إنشاء المنظمة العالمية للمياه، تعد خطوة إستراتيجية، جاءت في توقيت مفصلي، وهي تعبر عن وعي جماعي بأهمية التعاون الدولي، ورؤية طموحة لحوكمة هذا المورد المهم، مشيرة إلى أهمية أن تمتلك المنظمة مستقبلًا آلية للتدخل السريع لمعالجة الأزمات المياه حول العالم.
وقالت وزيرة الدولة للتعاون الدولي بدولة قطر مريم بنت علي إن إطلاق المنظمة العالمية للمياه، خطوة مهمة لصناعة السلام، تعكس رؤية إستراتيجية طويلة الأمد، مشيرة إلى أن المنظمة ستكون منصة لتفعيل آليات التعاون الدولي.
فيما أشارت القائمة بأعمال سفارة إسبانيا في المملكة آنا إلفيرا إلى أهمية دعم جهود التعاون الدولي، وتبادل الخبرات؛ للاستفادة من مصادر المياه بين الدول، مبينة أن إنشاء المنظمة العالمية للمياه، يعد خطوة رئيسة للحصول على حوكمة أفضل للمياه على مستوى العالم، لافتة إلى أن أجندة المياه ينبغي أن تكون من أهم الأولويات، مؤكدة أهمية البحث عن التوافق للحصول على نتائج أفضل، وأهداف مشتركة.
وأكد سفير جمهورية اليونان لدى المملكة اليكسيس كونستانتوبولوس، استعداد بلاده لدعم ومشاركة الجهود الدولية لمواجهة تحديات المياه، من خبرتها في مجال المياه على الصعيد الأوروبي.