موقع النيلين:
2025-07-27@15:19:06 GMT

أنا والليل وهذه الحرب

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT


لم تعد المحامية الفلسطينية زينب الغنيمى تحب الليل: «يملؤنى بالخوف ويذكرنى بحكايا أمى عن الغول المرعب الذى يمشى بين الأزقة ليلتهم كل ما هو حى ويتحرك، ولا يشبع». تؤكد على ذلك طيلة يومياتها التى تدونها منذ بداية الحرب على غزة. هو ليل ثقيل تنتظر أن ينجلى بصبح لكى يمنحها مثل الكثيرين أملا فى أن هنالك حياة.

المحامية والناشطة السبعينية التى تدير مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة، وكانت ضمن مؤسسيه مع عدد من زميلاتها عام 2005، توثق أكثر من مائة يوم من العزلة تحت مرمى الصواريخ، وتستمر فى الكتابة رغم القصف الشديد وأبخرة الفسفور السامة. بدأ الموضوع برسائل تبعثها لابنتها الوحيدة، الكاتبة الشابة فرح برقاوى التى تعيش حاليا فى نيويورك، لكى تطمئنها كل طلعة شمس. صار الأهل والأصدقاء، خارج غزة، يحاصرونها بالأسئلة، يريدون أن يعرفوا الأخبار بالتفصيل. ومن هنا جاءت فكرة تعميم الرسائل اليومية التى تشرح الوضع من وجهة نظرها الشخصية أو كما تعيشه هى، وأخذت الابنة على عاتقها مهمة نشر نصوص أمها القصيرة بالعربية والإنجليزية من خلال صفحتها على الإنستجرام أو موقع (blog.politicalــstudies.net/journalــgazaoui).

تحولت اليوميات إلى وسيلة مقاومة فعالة تسمح لها بالتعبير عن غضبها ومشاعرها المختلفة. تغيب فقط حين ينقطع الإنترنت. ونتابعها نحن مثلما نتابع عددا من الناشطين فى الداخل، نشاركها إحساسها حين تقول: «ندرك أننا نحبكم عندما نشعر أننا فقدنا التواصل معكم». نتنقل معها بين الأيام وهى تصف ليلة أخرى من الجحيم أو لحظات الهدوء التى تسبق العاصفة أو قصف مستشفى المعمدانى أو عجزها حين لا يجد الناس الدواء وما يحميهم من برودة الطقس أو صوت المذياع الذى يرتفع فى البيت ليُعلمها باقتراب الخطر أو مشهد قنابل الإنارة فى السماء التى تخترق عتمة الغرف، وكأن «قائد الطيارة التى تحمل أطنانا من الصواريخ يحدق بعيونه فينا فردا فردا، ليختار من سيقتل فى تلك اللحظة. وتتضرع الأكف إلى السماء كى لا يأتى الدور علينا. خفقان القلوب بات عاليا، نخشى أن يسمعه قائد الطائرة فيصطادنا بقذيفة، حتى التمتمة بالدعاء من أجل النجاة تحدث بصمت».تحكى عن خناقات أبناء الجيران الذين دب بينهم الخلاف حول من سيذهب لشراء الخبز لأنهم خائفون بعد قذف العديد من المخابز وعن مشكلة أخرى نشأت بسبب عدم توافر المياه. عادات الناس تتغير، صبرهم ينفد وعصبيتهم تزداد، خوفا من المجهول، ما يدفعهم للانجرار نحو صراعات صغيرة. تتساءل: «كيف استطاع الناس التكيف فى الخيام داخل المدارس المخصصة للإيواء؟ (…)

حيث يصبح الاختلاط بين الغرباء ومن الجنسين أمرا طبيعيا فى ظل وجود أكثر من عائلة فى غرفة مدرسية واحدة، بعد أن كان الاختلاط من الممنوعات والمحظورات بسبب طبيعة مجتمعنا المحافظة». العادات تتغير طمعا فى البقاء على قيد الحياة، وقد تنازلت هى أيضا عن الكثير من طقوسها اليومية، وكذلك هو الحال بالنسبة لابنتها فى الغربة التى اعتادت القفز البهلوانى بين توقيتين تفصلهما سبع ساعات طوال، «فلا يكون النوم نوما ولا الصحو صحوا، بل أعيش فى برزخ لا خروج منه إلا بنجاتها هى ومن معها».ظلت زينب الغنيمى حبيسة منزلها فى الأيام الأولى، ولم تنزل إلى الشارع سوى فى الرابع والعشرين من أكتوبر. انتقلت صديقة للعيش معها بسبب الدمار الذى حل بالمدينة، ثم اضطرت لمغادرة بيتها والخروج نحو المجهول فى الثامن من نوفمبر الماضى بسبب التوغل البرى. وكان السؤال: إلى أين؟ فكل من كان من الممكن أن تجد عندهم مأوى سبقوها واتجهوا إلى الجنوب، والجميع واقع فى المأزق نفسه. الترحال والتنقل كُتِبا عليها وعلى أهلها، فقد وُلدت فى مدينة رفح عام 1953 لعائلة لاجئة تعود أصولها إلى مدينة يافا المحتلة. انخرطت فى شبابها المبكر فى نشاطات الحركة الطلابية والتحقت بحركة فتح وتعرضت لتجربة السجن مرتين وعملت فى القطاع الغربى لمدينة بيروت عام 1977. كانت إحدى كوادر مركز دراسات الوطن المحتل، ثم جهاز الإعلام الفلسطينى الموحد، وكتبت فى عدة صحف وعايشت حصار بيروت عام 1982، ثم استقرت فى مخيم اليرموك بسوريا إلى أن عادت إلى فلسطين عام 1995 بعد اتفاقية أوسلو التى اعتبرتها «ممرا إجباريا بعد تشتت الثورة الفلسطينية فى الخارج وتراجع الداعمين لها» بسبب الظروف السياسية.تقارن بين هذه الحرب ودخول قوات الاحتلال إلى قطاع غزة عام 1967: «حينها اضطررنا لمغادرة منزلنا (…)

وأذكر أننا لجأنا وكل أهل حارتنا إلى مسجد الحى، ولكن اليوم لا محل للجوء لأى مسجد أو كنيسة فقد كانت هذه المبانى من أول ما تعرض للتدمير، كما تصعب المقارنة بين تلك الحرب وهذه من حيث عنف العدوان ونوع الأسلحة». مع مضى الأيام وصلت إلى قناعة بأن دولة الاحتلال لن تتوقف عن تنفيذ مخططها النازى وتدمير ما تبقى من القطاع، لكنها تحاول أن تتمسك بالأمل: «الحياة تتجدد بميلاد أطفال جدد»، ويظل السؤال الذى يلاحقها: «المحاصرات والمحاصرون فى مدينة غزة وشمالها هل سيصبحون عرب 23؟».تساؤلات ومخاوف مشروعة تأتينا عادة من خلال يوميات الحروب. رأينا ذلك من قبل خلال الحربين العالميتين، فحين تتعرض الشعوب لخطر الإبادة الجماعية تزدهر الكتابات الشخصية والتدوينات، يحاول الأفراد التأكيد على وجودهم وسرد حكاياتهم مهما كانت بسيطة، وهو ما نشهده حاليا وبقوة فى انتظار انقشاع الغمة. عبرت فرح برقاوى، الابنة والشاعرة، عن حالة الذين يعيشون مثلها حرقة الترقب وانتظار نهاية الأحداث من خلال أبيات قالت فيها: «بعد المجزرة، إن ظل لى شىء بعد المجزرة، سأكتفى بالحب والغضب. سأرعى من أحب حد الموت، ولن أسامح من خذل حتى الموت».

داليا شمس – الشروق نيوز

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بأجساد هزيلة وأعين غائرة وبطون خاوية.. أطفال غزة هدف مشروع لآلة القتل الصهيونية

 

الأسرة /متابعات
بعد أن دمر الاحتلال الصهيوني كل شيء في قطاع غزة من منازل ومشافي ومرافق خدمية وجه إجرامه في الأسابيع الأخيرة نحو الأطفال والنساء فقتل عشرات الآلاف منهم مع عائلاتهم في خيام النازحين وفي طوابير انتظار المساعدات الغذائية وفي محطات مياه الشرب ومازال يتفنن في إزهاق أرواح الأطفال الفلسطينيين مدفوعا بفتاوى من سياسيي الكيان المتطرفين والقائلين بأن أطفال غزة ليسوا أبرياء وهم أهل لأن يقتلوا.
في أزقة قطاع غزة التي تحولت إلى ركام، وبين البيوت المدمرة والملاجئ المكتظة، تبرز مأساة إنسانية تتجاوز حدود الاحتمال، مأساة يدفع ثمنها الأضعف: أطفال القطاع.
الحصار “الإسرائيلي” الكامل على تدفقات المساعدات الإنسانية، جعلت منظومة الحياة تتهاوى، وأصبحت المجاعة سلاحا فتاكا لقتل بيد العدو الصهيوني لقتل الأطفال .
وتؤكد تقارير فلسطينية ومحلية ان شهداء سوء التغذية الحاد من أطفال غزة بلغ أكثر من سبعين طفلا بسبب استمرار الحصار المشدد الذي تفرضه سلطات الاحتلال الصهيوني وإغلاقها المعابر ومنع حليب الأطفال والمكملات الغذائية المخصصة للفئات الهشة والضعيفة وخصوصا الرضع والمرضى منهم.
ويؤكد مسؤولون إنسانيون أن الأطفال هم الضحايا الأبرز للحصار المستمر، حيث يفتقرون إلى الغذاء العلاجي والأدوية الأساسية.
ودأب العدو الصهيوني على التشكيك في أرقام الجهات الرسمية الفلسطينية عن أعداد الضحايا من الأطفال جراء الاستهداف الناري المباشر من قبل جيش الاحتلال أو ضحايا المجاعة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي لكن جهات مستقلة ودراسات غربية أكدت أن ما تعلنه وزارة الصحة بغزة أقل بكثير من العدد الحقيقي للضحايا في أوساط الأطفال وذلك بسبب صعوبة التوثيق الدقيق في ظل جريمة الإبادة الشاملة والتي ينفذها جيش الاحتلال
من الدراسات المستقلة حول عدد ضحايا حرب غزة، تلك التي أجراها الباحث ميشائيل سباغات من كلية رويال هولواي بجامعة لندن. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول بداية يناير/كانون الثاني من هذا العام، وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الفلسطينيين في العدوان على غزة أكثر من 80 ألفاً غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال .
المجاعة والأمراض
الدراسة خلصت إلى أن ما بين 7 أكتوبر و5 يناير 2025م، بلغ عدد وفيات الحرب المباشرة حوالي 75,200، بينما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، للفترة نفسها 45,805 شهيداً. لقد أثبت باحثو فريق سباغات والشقاقي أن عدد القتلى الفعلي أعلى بنحو 60 في المائة من العدد الذي أعلنته وزارة الصحة في غزة. هذا يعني أن واحداً من كل 25 شخصاً تقريباً في قطاع غزة، البالغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة، قد قُتل منذ بداية الحرب.
ويُضاف إلى هذا العدد ما يُسمى بـ “وفيات الحرب غير المباشرة”، أي جميع من لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية أو الأمراض في ظل ظروف الحرب أو نقص التغذية، مع استثناء عدد الأشخاص الذين كانوا سيموتون بسبب الشيخوخة أو المرض بغض النظر عن وضع الحرب. ويقدر الباحثون عدد وفيات الحرب غير المباشرة بـ 8540 حالة خلال الفترة المعنية.
سوء التغذية
بحسب اليونيسف، في شهر مايو من هذا العام وحده، تم علاج 5119 طفلاً تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات من سوء التغذية الحاد هذا هم العدد أقل بكثير مما قدّره المراقبون في السابق. وقد قدرت دراسة نُشرت نتائجها في مجلة “ذا لانسيت” الطبية في يوليو/ 2024م أنه مقابل كل حالة وفاة تم إحصاؤها، يجب إضافة أربع وفيات حرب غير مباشرة. وقد حذّرت منظمات الإغاثة منذ أشهر من احتمال وفاة المدنيين في غزة بسبب سوء التغذية والأمراض، وتحدث الكثيرون عن عشرات الآلاف من وفيات الحرب غير المباشرة.
وتؤكد منظمة الأمومة والطفولة الأممية “يونيسيف” بأنه وفي ظل استمرار القصف الإسرائيلي لغزة وغياب الغذاء، وتوقف الرعاية، لم يعد الموت في القطاع فعلا مباشرا للحرب فقط، بل للجوع والعطش وانهيار الأمل.
وتضيف لقد تأذى أطفال غزة كثيراً أزهقت أرواح عشرات الآلاف منهم وتمزقت الأسر، ودمرت المنازل والمدارس ومازال الأطفال هناك يدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب الوحشية ولم يعد هناك أي مكان آمن للأطفال في أي من أنحاء قطاع غزة المدمر.

مقالات مشابهة

  • يديعوت أحرونوت: ارتفاع كبير للجنود المصابين بأزمات نفسية بسبب حرب غزة
  • صدام يلوح في الأفق بين ترامب وستارمر "بسبب غزة"
  • مهاجم الزمالك السابق يكشف عن المراكز التى يحتاجها الفريق
  • بلادك حلوة أرجع ليها دار الغربة مابترحم
  • اليوم .. بعثة الأهلي تعود من تونس بعد نهاية المعسكر الخارجي
  • تسقط الحركة الاسلامية،ولا يسقط الاسلام !!
  • بأجساد هزيلة وأعين غائرة وبطون خاوية.. أطفال غزة هدف مشروع لآلة القتل الصهيونية
  • حماس: الكرة الآن في ملعب إسرائيل وهذه هي النقطة المركزية في النقاشات الأخيرة
  • إبراهيم عبدالخالق: صفقات الزمالك مرضية.. وهذه رسالتي لـ عبدالله السعيد
  • ألواح النور.. أنظمة الطاقة الشمسية تنقذ بيوت السودانيين من الظلام