مفاوضات المنامة السرية ضمت الأمارات لأول مرة. وتخميني هو أن أمريكا هي من أدخلت الأمارات بغرض إنهاء الحرب باعتبار أن الأخيرة طرف من أطرافها وله أهدافه. ويبدو من تسريبات الصحفي مزمل أبوالقاسم أن المفاوضات مع الجيش تتم عن طريق سياسة العصا والجزرة. العصا هي استمرار تدفق الدعم الأماراتي للمليشيا وغض الطرف الأمريكي مع كف الدعم المصري للجيش (إن لم ينصاع)، بينما تتمثل الجزرة في التعويضات وإعادة الإعمار وما يمكن أن تدفعه الأمارات بالذات كتعويض وكدعم في الوقت نفسه للعساكر ولكن بمقابل سياسي هو عودة الدعم السريع وكيل الأمارات في السودان وكذلك عودة قحت وإقصاء الإسلاميين وتهميش القوى الوطنية الأخرى.

فهذه المفاوضات ليست بين الجيش والدعم السريع إلا في الظاهر، ولكنها في الواقع مفاوضات بين الجيش من جهة والأمارات وأمريكا وبقية القوى الإقليمية وكل جهة وما تريدة في السودان حسب مصالحها ومخاوفها. الدعم السريع هو فعلياً عبارة عن دمية بلا إرادة مستقلة ولا تمثل هذه الدمية إلا مواقف أسيادها وأولياء نعمتها وكذلك القوى المدنية المتحالفة معها. فالتفاوض مع عبدالرحيم دقلو هو تفاوض مع الأمارات، ولكن الأمارات علاوة على ذلك حضرت بنفسها هذه المرة في المنامة. لقد جرى ويجري استخدام الدعم السريع كأداة لضرب الجيش وإخضاعه وبالتبعية إخضاع كل الشعب السوداني. ولا يمكن فهم المفاوضات السرية بمشاركة عدد من الدول الإقليمية وعلى رأسها أمريكا إلا ضمن هذا الإطار. فليس هناك وساطة متجردة لوجه الله. الهدف من التفاوض هو تحقيق أهداف الحرب بالنسبة للدعم السريع وداعميه، وجود الأمارات قد يدل على رغبة الأمارات في لملمة هذه الحرب ربما بضغط أمريكي ولكن ليس بدون مقابل، وكذلك أمريكا لا تعمل كفاعل خير ولا بقية الدول.

قيادة الجيش من جهتها قد تدخل المفاوضات طمعاً في وقف الحرب نعم ولكن بطمع أكبر في الدعم المالي الخارجي، وبالذات الأماراتي. ولقد ورد في التسريبات مطالبة الجيش بتعويض قدره 30 مليار دولار! بالتأكيد لا تملك عائلة دقلو هذا المبلغ والكباشي يريد من الكفيل أن يدفع.
يتصرف قادة الجيش بمفردهم ويقررون بمفردهم وكأن هذه البلد ملك أبوهم، وذلك على الرغم من ضعف قدراتهم وفشلهم البائن، فنحن لم نصل إلى هذه المرحلة الكارثية إلا بسبب هذه القيادة الهشة التي وضعتها ملابسات ثورة ديسمبر العبثية في أعلى هرم السلطة بدون أي مؤهلات تؤهلها لذلك؛ هم مجرد عساكر جيش محدودي القدرات ألقت بهم الأقدار فوق رأس الشعب السوداني. يتصرفون بلا رقيب أو حسيب لا يراجعهم برلمان ولا حكومة ولا يستشيرون أحداً. في الحقيقة نحن في وضع أسوأ من أيام وثيقة كورنثيا اللعينة التي كان فيها وجود ولو شكلي لقوى أخرى تراجع العسكر وتجادلهم في مواقفهم بنوع من الندية، ولكن المضحك أن تلك القوى هي قوى عميلة اختارت أن تمثل أجندة خارجية بدلاً من تمثيل الشارع الذي فوضها. مشكلتنا مع الجيش هو ضعف وفشل قادته وهي تظل مشكلة أقل من من العمالة بأي حال من الأحوال.

رغم كل شيء وقف الشعب السوداني وما يزال يقف مع الجيش بالدرجة الأساسية ومع قيادته الحالية برغم فشلها. فشلها في منع وصول الأمور إلى هذه النقطة منذ سقوط الإنقاذ وتوليها زمام الأمر في البلد وبالتحديد فشلها في التصدي لخطر الدعم السريع حينما كان ينمو ويتمدد وحتى فشلها في الحرب وفي حماية المدنيين وحماية مقدرات البلد وممتلكات الشعب السوداني من التدمير والتخريب. كل ذلك غفره الشعب السوداني ووقف وساند البرهان وأركان سلطته. وحتى حينما شعر الشعب السوداني بهزيمة الجيش في مدني بعد السقوط المهين للفرقة الأولى انتفض ووقف في المقاومة الشعبية المسلحة ودعم الجيش وأعاد له ثقته في نفسه. وما يزال الشعب السوداني يتحمل ويعطي بسخاء.

ولكن قيادة الجيش دائما كانت تواجه هذا التأييد وهذه المساندة بنوع من الخذلان بسبب ضعفها وتدني أداءها ليس إلى ما دون المستوى وحسب، وإنما إلى مستوى الريبة والشك! فقد كُتب على الجيش وعلى الشعب السوداني أن يخوض حربه الوجودية وقلبه في يده من خيانة القيادة. إن مجرد وجود نوع من عدم الثقة في قيادة الجيش هو بحد ذاته هزيمة في الحرب. ويجب أن يكون سببا كافا لتنحية هذه القيادة. لأنها فشلت في تحقيق ثقة الشعب والجيش في لحظة هو أحوج ما يكون فيها إلى الثقة في القيادة؛ بأنها لن تبيعه ولن تخذله ولن تتراجع أبداً قبل تحقيق ما ضحى من أجله المئات من الشهداء ويضحي من أجله كل الشعب بأغلى ما يملك. نحن نخوض حرباً تحت قيادة غير جديرة بالثقة، أثبتت ذلك مراراً وتكراراً، هذه هي الحقيقة. الخوف من البيع منتشر لدى الناس؛ بيع البلد وسيادتها وبيع الشعب السوداني وبيع الشهداء ودماءهم بالدرجة الأولى بتقديرات خاطئة ناجمة عن ضعف متأصل في هذه القيادة وبالدرجة الثانية من أطماع أنانية ضيقة. على الأقل هذا ما اجتهدت قيادة الجيش بإصرار عجيب على ترسيخه بشكل واسع لدى الشعب وحتى لدى جنود الجيش وضباطه.

نحن نثق في جنود وضباط القوات المسلحة ونقدر تضحياتهم ولكن قيادة الجيش لم تنجح منذ بداية الحرب إلا في بث الشك وعدم اليقين بأداءها الضعيف وسلوكها المشبوه.

لابد من وضع حد لإنفراد قيادة الجيش الحالية بالسلطة والقرار السياسي فهي غير مؤهلة وغير مؤتمنة. والشعب السوداني لا يملك أن يثق إلا في إرادته وفي بندقيته، لا في النوايا الطيبة للبرهان وكباشي ولا في قدراتهم. لقد نقلت المقاومة الشعبية المسلحة الشعب السوداني خطوة كبيرة في طريق نيل حرية قراره وسيادته على أرضه. إن سلاح المقاومة الشعبية هو الحل الأمثل أمام تغول قيادة الجيش على إرادة الشعب وكذلك أمام الأطماع والتدخلات الخارجية. ولذلك يجب أن تستمر هذه المقاومة وأن تبلور خطوطاً واضحة فيما يتعلق بكيفية إنهاء هذه الحرب ومصير مليشيا آل دقلو وشروط السلام ووقف الحرب، وكذلك أسس النظام السياسي في البلد ما بعد الحرب. هذا الأمر لا يخص قائد الجيش ونائبه لوحدهم وإنما يخص الشعب السوداني والشعب السوداني وحده من يقرر فيه.

حليم عباس

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الشعب السودانی الدعم السریع قیادة الجیش إلا فی

إقرأ أيضاً:

فرض عقوبات على قادة الدعم السريع السوداني

صراحة نيوز-أعلنت بريطانيا عقوبات على قادة قوات الدعم السريع شبه العسكرية السودانية، المتهمين بارتكاب عمليات قتل جماعي، وعنف جنسي، وهجمات متعمّدة ضد المدنيين في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان.

أكدت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر أن “الجرائم الشنيعة… لا يمكن أن تمرّ من دون عقاب”.

أُعلن عن العقوبات يوم الخميس، واستهدفت أربع شخصيات بارزة ضمن قوات الدعم السريع، من بينهم عبد الرحيم دقلو، نائب قائد القوات وشقيق قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.

وبموجب هذه العقوبات، تواجه الشخصيات الأربعة تجميد أصولها وحظر سفر دولي.

أوضح مسؤولون بريطانيون أن صور الأقمار الصناعية من الفاشر تكشف عن تجمّعات لجثث، وأرضٍ مخضّبة بالدماء، ومقابر جماعية يُشتبه في وجودها، في إطار ما وصفته المملكة المتحدة بأنه “حملة ممنهجة لبث الرعب والسيطرة على المدينة عبر الإرهاب”.

اعتبرت إيفيت كوبر أن الفظائع في السودان “تترك ندبة في ضمير العالم”، متهمة قوات الدعم السريع بعمليات إعدام جماعية، واستخدام التجويع كسلاح، والاغتصاب الممنهج كأداة حرب مخططة مسبقًا.

أكدت وزيرة الخارجية أن العقوبات تستهدف بشكل مباشر أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء، بينما ستقدّم حزمة المساعدات المعزّزة دعمًا إنسانيًا منقذًا للحياة للمتضررين.

تعهدت كوبر بأن “المملكة المتحدة لن تدير ظهرها، وستظل دائمًا إلى جانب الشعب السوداني”.

إلى جانب العقوبات، أعلنت المملكة المتحدة عن تقديم 21 مليون جنيه إسترليني إضافية كمساعدات إنسانية للمجتمعات المتضررة من النزاع، لتوفير الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الصحية وحماية النساء والأطفال.

وستدعم هذه الحزمة الجديدة نحو 150 ألف شخص من خلال الرعاية الطبية والمأوى، بالإضافة إلى الحفاظ على قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات.

يرتفع بذلك إجمالي الدعم الإنساني البريطاني للسودان هذا العام إلى 146 مليون جنيه إسترليني، وسط تدهور الوضع الإنساني الذي يعتبر الأسوأ في العالم، مع حاجة حوالي 30 مليون شخص للمساعدة، وتشريد 12 مليون داخليًا، وفرار نحو خمسة ملايين إلى دول الجوار.

عززت لندن ضغوطها الدبلوماسية خلال الأشهر الماضية، إذ اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني قرارًا تقوده المملكة المتحدة للتحقيق العاجل في فظائع الفاشر.

قدمت المملكة المتحدة أيضًا دعمًا فنيًا لآليات العدالة الدولية، واستثمرت 1.5 مليون جنيه إسترليني في مشروع “سودان ويتنس” لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الهجمات على المدنيين والعاملين في المجال الإغاثي.

وأشار مسؤولون إلى أن عقوبات إضافية قيد الدراسة ضمن جهود إنهاء الإفلات من العقاب.

حثّت الحكومة البريطانية جميع أطراف النزاع، بما في ذلك قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، على السماح بوصول غير مقيد للعاملين في مجال الإغاثة وضمان سلامة المدنيين المحاصرين.

القادة المستهدفون بالعقوبات هم:

عبد الرحيم حمدان دقلو: نائب قائد قوات الدعم السريع وشقيق “حميدتي”، متهم بالقتل الجماعي، الإعدامات العرقية، العنف الجنسي، الاختطاف، والهجمات على مرافق صحية.

جدّو حمدان أحمد: قائد قوات الدعم السريع في شمال دارفور، متهم بعمليات قتل جماعي، العنف الجنسي، والاختطاف.

الفاتح عبد الله إدريس: عميد في قوات الدعم السريع، متهم بالإشراف على أعمال عنف ضد المدنيين على أساس إثني وديني.

تيجاني إبراهيم موسى محمد: قائد ميداني في الدعم السريع، متهم بالاستهداف المتعمد للمدنيين في الفاشر.

مقالات مشابهة

  • حرب وأوبئة ومجاعة..أزمة ثلاثية طاحنة تضرب الشعب السوداني
  • هل تنجح باريس في تجنيب لبنان الحرب المحتومة؟
  • والي غرب دارفور: الاستجابه لنداء دعم الجيش تؤكد وقوف الشعب موحدا لحفظ وطنه
  • الجيش السوداني يتهم «الدعم السريع» بقتل جنود أمميين في كادقلي
  • عاجل .. البرهان يعلق على تظاهرت الشعب السوداني لدعم القوات المسلحة
  • معاناة بلا نهاية.. الشعب السوداني يعيش أعمق أزمة إنسانية
  • فرض عقوبات على قادة الدعم السريع السوداني
  • الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع
  • الجيش السوداني: ماضون في مسيرة تحرير الوطن والدفاع عن سيادته
  • جوتيريش: سنلتقي ممثلين عن الجيش السوداني والدعم السريع في جنيف