«تجويع وتعطيش».. غزيون يشربون ماء ملوثا بعد انقطاعها لأيام
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
أمام مركبة لتعبئة المياه، يقف فلسطينيون من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، في طابور طويل حاملين معهم غالونات بلاستيكية للحصول على كميات قليلة منها.
بعض المنتظرين قد لا يحالفهم الحظ كما يحصل عادة، وربما يعودون إلى منازلهم «بخفي حنين» بعد ساعات طويلة من الانتظار.
فهذه المركبة لها سعة محدودة لا تتمكن من تعبئة المياه لمئات الفلسطينيين الذين ينتظرونها عادة.
وتعاني كافة مناطق قطاع غزة أزمة كبيرة في المياه، جراء تدمير جيش الاحتلال للبنى التحتية وخطوط ومحطات تحلية المياه، فيما تظهر بشكل جلي في محافظتي غزة والشمال حيث الدمار الأوسع وانعدام مقومات الحياة. ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع في 7 أكتوبر الماضي، قطعت إسرائيل إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس أوضاعا متدهورة للغاية. فيما تعطلت منشآت تحلية مياه البحر وشبكات مياه الصرف الصحي بغزة، بسبب نقص الوقود والكهرباء، وذلك منذ منتصف أكتوبر الماضي، وفق سلطة المياه الفلسطينية. ولأكثر من مرة، حذرت مؤسسات أممية ودولية من انتشار الأمراض والأوبئة جراء أزمة المياه في القطاع، وانعدام مستلزمات ومستويات النظافة.
والخميس، قال متحدث منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير، للأناضول، إن «الناس في غزة يعيشون كارثة، وهم معرضون للموت من الجوع وسوء التغذية والعطش، أو من الرصاص والإصابات وانهيار المباني فوق رؤوسهم».
مياه ملوثة
في منطقة أخرى من المخيم، يتزاحم فلسطينيون أمام أحد خطوط المياه التي دمرها الجيش الإسرائيلي، للتعبئة بشكل مباشر من هناك.
يقول الفلسطيني الثلاثيني كرم أبو ندى، الذي ينتظر دوره لتعبئة المياه من الخط المدمر، إن سكان المخيم «يتجمهرون للحصول على المياه رغم تلوثها».
وأضاف في حديثه للأناضول: «بالعادة نستخدم المياه الملوثة لأغراض الغسل والتنظيف والطبخ».
وتبقى هذه المياه غير صالحة للشرب بشكل مباشر، إلا إذا انقطعت سبل الحصول على مياه أقل تلوثا فيضطر الفلسطينيون إلى شربها، وفق قوله.
ويوضح أنهم يقضون أياما طويلة قد تصل في بعض الأحيان إلى 10 أيام للحصول على هذه المياه، أو المياه المحلاة التي لا تتوفر إلا نادرا.
يضطر الفلسطينيون في قطاع غزة إلى ترشيد استهلاك المياه كونها لا تتوفر إلا كل بضعة أيام مرة واحدة فقط. فعكف الفلسطينيون على تقليل حصة مياه الشرب للفرد الواحد، وتقليص كميات المياه التي تستخدم لأغراض الاستحمام وغسل الأطباق والتنظيف. هذا أيضا، ما يفعله سكان الشمال حيث قال أبو ندى إنهم «قننوا استهلاك المياه التي تتوفر لديهم بكل الإمكانيات المتاحة». وأشار إلى أن تلوث المياه فضلا عن قلة توفرها أصابهم خاصة الأطفال بـ»أمراض معوية وجفاف»، وسط عدم توفر أدوية لعلاج هذه الحالات بسبب انهيار القطاع الصحي هنا. وناشد أبو ندى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات الإنسانية بـ»ضرورة النظر لمتطلبات الحياة والوضع المعيشي في الشمال وسط انعدام توفر مقومات الحياة».
انقطاع لأيام
من جانبه، يقول الفلسطيني الخمسيني رائد رضوان، من سكان مدينة غزة، إن عائلته تواجه أزمة انقطاع المياه لعدة أيام متواصلة. وأضاف للأناضول: «نحصل على المياه من خلال تعبئة عدد قليل من الغالونات البلاستيكية من أحد الأندية في المنطقة التي يقيم فيها، والذي يضخ المياه من بئر خاصة به مرة واحدة كل 3-4 أيام بسبب شح توفر الوقود المشغل لمولد الطاقة البديل عن التيار الكهربائي». وأوضح أن الكميات التي يحصلون عليها لا تكفي لسد احتياجات عائلته لمدة يوم واحد، ما دفعهم لتقليص استهلاكهم. وأكمل: «هذه المياه قبل الحرب كانت تستخدم فقط لغسل الأواني والتنظيف، لكننا اليوم نستخدمها للشرب ما أصابنا بعدة أمراض بدءا من النزلات المعوية وصولا لأمراض الكلى والجفاف». وأدان صمت العالم إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون من حرب وسط اتباع سياسة التجويع والتعطيش للسكان، خاصة في مناطق شمال القطاع.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطاع غزة مخيم جباليا نقص المياه بغزة
إقرأ أيضاً:
ما قصة تماثيل عين غزال الأردنية التي احتفل بها غوغل؟
احتفى محرّك البحث العالمي "غوغل" بتماثيل "عين غزال" الأردنية، مسلطًا الضوء على واحدة من أقدم الشواهد الفنية في تاريخ البشرية.
هذا الاحتفاء أعاد هذه التماثيل إلى الواجهة، حيث تعتبر تماثيل عين غزال، نافذة على بدايات التفكير الرمزي والديني لدى الإنسان في العصر الحجري الحديث.
تماثيل عين غزال تعد شاهدة على مجتمع استقر قبل نحو تسعة آلاف عام على أطراف عمّان الحالية، وترك خلفه إرثًا فنيًا وروحيًا ما زال يثير أسئلة العلماء والمؤرخين حتى اليوم.
موقع عين غزال
يقع موقع عين غزال الأثري في الجزء الشرقي من العاصمة الأردنية عمّان، قرب مجرى سيل الزرقاء، في منطقة كانت تُعدّ من أكبر المستوطنات البشرية في العصر الحجري الحديث قبل الفخاري.
وتشير الدراسات الأثرية إلى أن الموقع كان مأهولًا بشكل متواصل تقريبًا بين عامي 7200 و5000 قبل الميلاد، أي في مرحلة مفصلية من تاريخ البشرية شهدت الانتقال من الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة والاستقرار.
ما يميّز عين غزال عن غيره من المواقع المماثلة في المنطقة، هو ضخامته نسبيًا؛ إذ قُدّر عدد سكانه في ذروة ازدهاره بالآلاف، وهو رقم كبير جدًا بمقاييس تلك الفترة. هذا الاستقرار السكاني الكثيف أتاح نشوء أنماط اجتماعية ودينية معقدة، انعكست لاحقًا في طقوس الدفن والعمارة والفنون، وعلى رأسها تماثيل الجص الشهيرة.
اكتشاف تماثيل عين غزال عام 1983
بدأت قصة الاكتشاف في عام 1983، عندما كانت أعمال توسعة عمرانية تجري في المنطقة. وخلال حفريات إنقاذية، عثر فريق من علماء الآثار على مجموعة غير متوقعة من التماثيل المدفونة بعناية تحت أرضية أحد المباني السكنية القديمة. لاحقًا، كشفت حملات تنقيب إضافية عن مجموعتين رئيسيتين من التماثيل، يعود تاريخ دفنهما إلى نحو 6500 قبل الميلاد.
شكّل هذا الاكتشاف صدمة علمية حقيقية، إذ لم يكن معروفًا آنذاك وجود تماثيل بشرية كاملة الحجم تقريبًا تعود إلى هذا الزمن السحيق. ومنذ ذلك الحين، أصبح اسم «تماثيل عين غزال» حاضرًا في أبرز المراجع الأكاديمية، وغالبًا ما يُشار إليها بوصفها من أقدم التماثيل البشرية في العالم.
تماثيل من الجص
صُنعت تماثيل عين غزال من مادة الجص (الجبس الجيري)، وهي مادة كانت تُحضّر عبر حرق الحجر الجيري ثم خلطه بالماء لتكوين عجينة قابلة للتشكيل. وقد بُنيت التماثيل حول هيكل داخلي من القصب أو الأغصان، ثم جرى تغليفها بطبقات من الجص المصقول بعناية.
تتراوح أطوال التماثيل بين نصف متر ومتر تقريبًا، وبعضها تماثيل كاملة، فيما صُنعت أخرى على شكل أنصاف تماثيل (بوست). اللافت للنظر هو التركيز الشديد على ملامح الوجه، ولا سيما العيون الكبيرة المصنوعة غالبًا من القار أو الصدف، والتي تمنح التماثيل نظرة حادة ومقلقة، كأنها تحدّق في المشاهد عبر آلاف السنين.
ملامح بلا أفواه
من أكثر ما يثير الجدل العلمي حول تماثيل عين غزال، هو غياب الفم في معظمها، مقابل إبراز واضح للعيون والرؤوس. هذا الاختيار الفني المتكرر دفع الباحثين إلى طرح تفسيرات متعددة، من بينها أن التماثيل لم تكن تمثّل أفرادًا بعينهم، بل كائنات رمزية أو أسلافًا مقدسين، أو ربما آلهة مرتبطة بالخصوبة والحياة والموت.
كما يرى بعض العلماء أن غياب الفم قد يرمز إلى الصمت الطقسي، أو إلى عالم روحي لا يحتاج إلى الكلام، فيما تبقى العيون وسيلة الاتصال بين العالم المرئي والعالم غير المرئي.
لماذا دُفنت تحت الأرض؟
لم تُترك التماثيل معروضة أو مهجورة، بل دُفنت بعناية فائقة داخل حفر خاصة تحت أرضيات المنازل، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للتأويل. فالبعض يرى أن الدفن كان جزءًا من طقس ديني دوري، حيث تُصنع التماثيل وتُستخدم في شعائر معينة ثم تُوارى الأرض بعد انتهاء دورها الرمزي.
ويذهب رأي آخر إلى أن هذه التماثيل كانت مرتبطة بطقوس حماية المنزل أو الجماعة، وأن دفنها تحت الأرضية يهدف إلى ضمان البركة أو الحماية الروحية لسكان المكان.
وعُثر في موقع عين غزال على ما يقارب 32 تمثالًا وتمثالًا نصفيًا، وهو عدد كبير قياسًا بالفترة الزمنية التي تعود إليها.
أين توجد تماثيل عين غزال اليوم؟
تتوزع تماثيل عين غزال اليوم بين عدد من المتاحف العالمية، أبرزها متحف الأردن في عمّان، الذي يضم مجموعة مهمة تُعدّ من أثمن معروضاته الدائمة.
كما توجد تماثيل أخرى في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني في لندن، ومتحف اللوفر في باريس، ضمن سياق التعاون العلمي الذي رافق عمليات التنقيب والدراسة.
ويُنظر إلى عرض هذه التماثيل في متحف الأردن على وجه الخصوص بوصفه استعادة رمزية للإرث الحضاري المحلي، وربطًا بين سكان عمّان المعاصرين وأحد أقدم فصول تاريخ مدينتهم.