التفسير الميداني وجهاد المقاومة.. قاموس المقاومة (12)
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
المسألة المهمة التي يمكن أن نشير إليها ضمن قاموس المقاومة هو ذلك التفسير والتأويل لآيات عدة وردت ضمن منظومة الجهاد، ولعل هذا الموضوع طرق أبواب ذاكرة حينما كنا نقوم بعمل بحث جماعي تحت إشراف أستاذتنا "الدكتورة نادية مصطفى"، أستاذة العلاقات الدولية، وكان الأمر يتعلق بمشروع العلاقات الدولية في الإسلام. ولا شك أن هذا المشروع قد اختط له منهجا غاية في الأهمية يتعلق بتأصيل العلاقات الدولية في الأصول، وكذلك تشوّف تلك العلاقات في التاريخ، إضافة إلى تلمّس أمور غاية في الأهمية في الفكر الإسلامي فيما يتعلق بموضوع العلاقات الدولية.
الشاهد في هذا أننا قد وجدنا مدارس كثيرة منها تلك المدرسة التي تقوم على التفسير بالمأثور، وتلك التي تقوم على التفسير بالمعقول، وتللك المدارس المختلفة التي تمثلت منهجا بعينه من مثل التفسير البلاغي للقرآن كالكشاف للزمخشري، وأدى ذلك إلى تتبع أمور غاية في الأهمية في هذا السياق، والبعض تحدث عن التفسير البياني، والبعض الآخر تطرق إلى ما يمكن تسميته بتفسير الآيات القرآنية بصورة علمية تتوافق مع الاكتشافات الحديثة، أي المدارس في تفسير القرآن أضافت إضافات في حضارة تجعل من النص القرآني محورا لها..
نعم النص القرآني محور هذه الحضارة، فإذا كانت الحضارات الأخرى لم تتعلق بنصوص مركزية لها؛ خاصة تلك النصوص التي مثلت وحيا مقدسا ضمن تفاعل هؤلاء الذين قاموا بعمليات التفسير والتأويل، فإنه كان من المهم أن تتبنى تلك المدرسة ما يمكن تسميته بالتفسير الحضاري للقرآن الكريم بما يعنيه ذلك من أدوات متعددة، وتكامل زوايا النظر إلى الآية الواحدة. وبعض من هؤلاء تتبع القرآن سورة بسورة، وكذا النظر إلى أجزاء القرآن الكريم باعتبارها وحدة يمكن تقديم تفسير مجمل لكل جزء من الأجزاء، والبعض تتبع القرآن في إطار ما أسمي بعد ذلك بالتفسير الموضوعي للقرآن.
الجدير بالذكر أنه ونحن نقدم تلك المقدمات المنهجية لتفسير القرآن علينا أن نحدد ونعين هذه المداخل المنهاجية، فصدر كتاب مجمع من مجموعة الأصول في العلاقات الدولية، وكان من نصيبي "القرآن العظيم"، وأنعم به من نصيب، ذلك أن الوعاء القرآني الذي كانت فيه آيات الجهاد أمر غاية في الأهمية، تفاعلت مع تلك المقدمات وفق تلك القواعد والضوابط، وكتبت في ذلك بحثا ضمن بحوثا أربعة، حتى نحدد الأصول المنهاجية للتعامل القرآني خاصة فيما يتعلق بمجال العلاقات الدولية، وعلى رأسها يتربع مفهوم الجهاد باعتباره مفهوما مركزيا في "الإسلام فوبيا" والتعامل الدولي. واستفدنا بعض أمور من ذلك، أكدت عليها في هذا السياق، كما تجدر الإِشارة إلى أن الذاكرة الحضارية المتعلقة بموضوع الجهاد الذي طاله غبش كبير وعدم تحديد أصيل؛ مما حدا بالبعض لأن يتعامل مع هذا المفهوم على غير الوجه الذي قصد به.
أيا كان الأمر فإن الجهاد من مادة لغوية شريفة ألا وهي الجذر اللغوي "جهد"، وهو ما حدا بـ"مارسيل بوازار" على سبيل المثال في كتابه إنسانية الإسلام لأن يؤكد في باب الجهاد أن الجهاد والاجتهاد من مادة ومن جذر لغوي واحد، وأن الاجتهاد وإن كان نظريا فإن الجهاد تطبيق عملي، وجعل من أصل الاجتهاد في البنية التي تتعلق بالشريعة ليؤكد على تلك المقولة التي أفردها الإمام السيوطي بتأليف مهم، حينما أسمى تلك الرسالة "الرد على من أخلد إلى الأرض، وجعل الاجتهاد في كل عصر فرض".
وكذا الجهاد فهو سنة إلهية ماضية ارتبطت بأمة المسلمين حتى يمكن لهذه الأمة أن تحفظ حياضها وأن تحمي بيضة الإسلام عزيزة مهابة قادرة على حماية الشرع والشرعية والشريعة. وفي هذا المقام نستطيع أن نقول إن الجهاد ضمن هذا التعريف هو "بذل للجهد فيما لا مزيد عليه للدفاع عن الإسلام وفي مواجهة العدوان والطغيان"، وفي القرآن الكريم "وجاهدهم به جهادا كبيرا"، فإن الأمر الذي يتعلق بالجهاد الكبير يتأكد لنا من فاعلية الإنسان المسلم في الدفاع عن أمته وعن شرعته وعن قيمه ومنظومتها الأساسية ومرجعيتها التأسيسية.
ومن هنا سيأتي علينا "داعش" الذي اقتنص عنوة مفهوم الجهاد فشوهه، ولم يكتف بذلك بل أعطى صورة معينة ليتأكد لنا مع كل أمر أن الغرب يقوم بصناعة هذه الأدوات، ثم يحاربها، وهو أمر اشتهر عنه حينما يصطنع عدوا. ومنذ عدة عقود كان قد اتخذ الغرب عدوا له بعد ذلك العدو الأحمر (الاتحاد السوفييتي السابق) ما أسماه بالعدو الأخضر، أي عالم المسلمين، وأراد أن يشير إلى مسألة تتعلق بأن عالم المسلمين إنما يشكل في الحقيقة "قوس الأزمات"، خاصة في المنطقة التي أسماها "الشرق الأوسط"، ثم تابع عمله ونشاطه في توسيع هذه المنطقة ما بين الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير.
فهذه الصناعة الغربية لما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا" وكل هذه الأمور أتت خاصة على مفهومين تأسيسيين؛ المفهوم الذي يتعلق بالخلافة والدولة الإسلامية، والمفهوم الذي يتعلق بالجهاد. وأدى هذا التعامل غير المسؤول وكذلك التعامل الغافل في هذا المقام، إلى إلصاق تهم بهذا المفهوم الذي يعبر عن كمالات العمران، فالجهاد هو القاصد لعمارة الأرض من دون استكبار أو طغيان، وهنا فإن الإشارات المهمة لربط الطغيان بخراب العمران أمر غاية في الأهمية في هذا المقام.
أما الجهاد فهو أصل أصيل يؤكد على المعنى العمراني، ومن ثم لم يكن مقصود الجهاد في أي آن من الزمان استئصال شأفة الخصم، ولكنه يعني إرغام الخصم على ألا يتخذ من الخراب طريقا ومسارا، ومن هنا فإنه يحاول وقف العدوان ووقف الخراب الذي يترتب عليه. إلا أنه من العجيب أن واحدا من أكبر الدبلوماسيين المصريين في اجتماع لدول عدم الانحياز أشار في خطابه إلى أت لدينا "مفهوما يزعج الغرب وعلينا أن نتناساه"؛ كان هذا المفهوم هو الجهاد؛ لأن هذا المفهوم يزعج الغرب، لأن هذا المفهوم يقاوم الطغيان، ولأن هذا المفهوم يقاوم الاستبداد، لأن هذا المفهوم يقاوم الاحتلال والعدوان.. كل هذا الأمر الذي تعلق بمفهوم الجهاد صار حجر عثرة في محاولة الغرب تطويع الأمة.
وهنا وجب علينا أن نتحدث عن موضوع يتعلق بالسياق الخاص بمسألة الجهاد؛ وقضية الجهاد في رؤيتنا الإسلامية والسياقات الواقعية.
فمن الأمور المهمة ما يتعلق بالعدو الذي هجم على غزة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى وسطها وغربها، فظل يتعامل مع غزة كأنها طعمة يستطعمها ويسيطر عليها في ساعات أو أيام، فإذا به يبقى يراوح مكانه أكتر من 116 يوما أو يزيد، ومع ذلك لم يستطع السيطرة بأي حال من الأحوال على غزة العزة، ووجد في كل أرض وفي كل شبر من غزة مقاومة تخرج من فوق الأرض ومن تحتها، من خلال أنفاقها؛ فتقوم ببذل غاية الوسع في مواجهة العدوان والاحتلال والطغيان.
ويتحدث القرآن كذلك عن آيات النفاق التي ارتبطت بهذا الفريق الذي قام بتخذيل جهاز المقاومة في الأمة ورميها بكل نقيصة، واستطاع من خلال خطابه أن يكون فريقا من المتصهينة والمطبعين مع العدو، ليقوموا بالنيل من المقاومة ولذلك كانت كل آيات النفاق دالة على هؤلاء بما قاموا به من أدوار متواطئة في هذا المقام.
twitter.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الجهاد الاسلام المقاومة الجهاد مفاهيم مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقات الدولیة غایة فی الأهمیة فی هذا المقام
إقرأ أيضاً:
الفقد والإبعاد يبدد فرحة عائلة الروم بتحرير أسيريها عماد وجهاد
رام الله- "أين أمي؟" كان السؤال الأول للأسيرين الفلسطينيين جهاد وعماد الروم (44 عاما) و(46 عاما) حينما سُمح لهما بالاتصال بالعائلة لإخبارهم بأن الاحتلال الإسرائيلي قرر إبعادهما للخارج.
بداية، حاولت العائلة مواصلة إخفاء خبر وفة الأم منذ 5 أشهر، ولكن بعد اقتراب موعد الإفراج كان لا بد من ذلك، لتذوب فرحة لقاء والدتهما قبل أن يغادرا السجن ويصبحا أحرار خارج أسواره بعد اعتقال دام 23 عاما.
والفرحة الثانية التي سرقها الاحتلال من الأسيرين، هي العودة إلى أحضان العائلة التي انتظرتهما طويلا، والمنزل الذي اعتقلا منه وحافظت والدتهما عليه كما كان قبل اعتقالهما "كي لا يتبدل عليهما شيء حين التحرر" كما كانت توصي أبناءها حتى وفاتها.
العقاب بالإبعاد
أفرج عن جهاد وعماد الروم من مخيم قدورة للاجئين الفلسطينيين القريب من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، في صفقة التبادل التي عقدتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع إسرائيل، ضمن اتفاقية وقف الحرب في غزة، التي دخلت حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأطلق بموجبها 250 أسيرا من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية، و1918 أسيرا من غزة.
وبدد الاحتلال فرحة الإفراج بإبعاد الأسيرين المحررين إلى الخارج، ليصلا إلى القاهرة حيث اجتمعا مع جزء من عائلتهما هناك.
وأصاب قرار الإبعاد العائلة التي كانت قد أعدت كل شيء لاستقبالهما في المخيم، بالصدمة، ويقول شقيقهما الأكبر فؤاد للجزيرة نت "لا يوجد أي سبب يستدعي إبعادهما للخارج، لم يكن هذا الخيار واردا على الإطلاق".
ومنذ تلقي العائلة الاتصال الهاتفي منهما وإبلاغها بالإبعاد، سافر شقيقاه وشقيقاته وبعض أفراد عائلته إلى الأردن ومنها إلى مصر، ولم ينتظروا حتى اليوم الثاني خوفا من إجراءات متوقعة من الاحتلال بمنع عائلات الأسرى المبعدين من السفر عبر معبر الكرامة، المنفذ الوحيد للفلسطينيين بالضفة الغربية للخارج، وهو ما كان في اليوم الثاني بالفعل.
وكانت الجزيرة نت قد زارت العائلة حين الإعلان عن عقد الصفقة في منزلها في المخيم، حيث لم تكن قائمة الأسماء قد نُشرت بعد، ولكن العائلة كانت متأكدة من الإفراج عنهما، وكان كل أفرادها يعملون كخلية نحل لترتيب استقبالهما؛ فهما من أسرى المؤبدات، وحسب المعايير الإسرائيلية لن يكون على أسمائهما أي اعتراض كي لا تشملهما الصفقة هذه المرة، ولا يوجد سبب لإبعادهما أيضا، أو هكذا كان الجميع يعتقد، ولكن الاحتلال كان له رأي آخر.
إعلانوعن ذلك، يقول فؤاد "الإبعاد عقوبة إضافية على الأسرى. تخيل أن إنسانا حُرم من عائلته لسنوات طويلة ثم يُبعد إلى بيئة ومكان لا يعرف عنهما شيئا، وهو الذي كان سيشعر بالغربة حتى لو عاد إلى سريره الذي اعتقل منه بعد هذه السنوات".
وعند زيارتنا للعائلة، كانت رائحة المخبوزات تفوح في كل أرجاء المنزل، خاصة الزعتر الأخضر، فهذا "كان طلب عماد عندما يُفرج عنه أن نحضر له فطائر الزعتر"، تقول شقيقة الأسيرين، نداء الروم، وأضافت للجزيرة نت وقد غلبتها دموعها "منذ اعتقالهما لم يتناولا فطائر الزعتر".
وابتهاجا بخبر الصفقة الذي انتظرته العائلة طويلا، أعدت نداء وشقيقاتها كميات كبيرة من أكثر ما اشتهياه شقيقيها وهما في الأسر، لتوزيعه رحمة على روح والدتهما التي توفيت وهي تنتظرهما، مؤكدة أن هناك المزيد في يوم الإفراج عنهما.
وكانت العائلة تعتقد أن عودة الأسيرين واجتماعهما في البيت مع جميع الأشقاء والأبناء والأحفاد حولهما سيخفف مصاب الخبر الذي لم يصلهما قبل 5 أشهر عن وفاة والدتهما، ومن قبلها شقيقتهما، ولكن الآن بات هذا الحزن المؤجل حملا إضافيا على الإبعاد.
وتقول نداء "كل أثاث المنزل حتى الذي اهترأ نحتفظ به كما أوصت الوالدة حتى الإفراج عنهم، الآن سيتم إبعادهما في بيئة ومكان وحياة جديدة لا يعرفان عنها شيئا، لا الوجوه ولا الأماكن مألوفة لهما".
ورغم كل هذه الغصة حرصت نداء وأشقاؤها على حمل كل ما تستطيع معها لهما؛ المعجنات المنزلية التي اشتهياها ومكسَّرات من محل اعتاد عماد على الشراء منه قبل اعتقاله، وملابس لهما وقليل من ذكرى والدتهما لعلها تخفف من عبء غربتهما القليل.
وفي حديث مع العائلة بعد أن اجتمعت منقوصة في الغربة التي أُجبروا عليها، قال فؤاد إنه لا معلومات مؤكدة حتى الآن عن مكان إبعادهما، ولكن بالنسبة لهم فإن الإفراج عنهما إلى أي مكان أفضل من بقائهما في جحيم السجن.
“#غزة فعلت المستحيل وحررتنا رغما عن أنف المحتل”.. وصول عدد من الأسرى الفلسطينيين المُبعدين إلى #القاهرة بعد الإفراج عنهم في صفقة التبادل بين إسرائيل وحـ ـمـ ـاس #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/uW8Yqb94SN
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 14, 2025
ألم الغربةيوافق عماد في حديثه مع الجزيرة نت من القاهرة على ما قاله شقيقه فؤاد، ولكنه في الوقت نفسه يخشى من ضبابية المستقبل الذي ينتظره وشقيقه، فكما أُبلغا هما وكل الأسرى المبعدين، ستكون ضيافتهما في القاهرة لأجل قصير قبل أن يتم إبعادهما إلى دول عربية أو تركيا. وتابع "لم نتوقع أن يتم إبعادنا، وأن ما يوجد لدى المقاومة من محتجزين إسرائيليين يحقق لنا إمكانية العودة إلى بيوتنا".
ويضيف أن الغربة التي فُرضت عليهم تتساوى في بعض الأحيان مع السجن، فسلخ الأسير من بيئته الاجتماعية أكبر عقوبة بعد السجن، ولكن الظروف الأمنية الصعبة تجعلهم مرغمين على القبول بها.
ويزيد من عبء الغربة -يواصل عماد- عدم تمكن العائلة من البقاء طويلا، إلى جانب عدم وجود خطة واضحة لمكان إبعادهما الأخير، ولا أي تصور لما سيكون عليه حالهما في الأيام المقبلة.
إعلانومع ذلك يبقى الأمل لدى عماد وشقيقه ببدء حياتهما من جديد رغم كل هذه الظروف: "لا يوجد لدينا خيارات سوى شق حياتنا من جديد أينما وصل بنا الحال، وسنبقى نحلم بالعودة إلى أرض الوطن ولو بعد حين" ختم قائلا.