يواجه الكثير من الآباء صعوبة في غرس القيم والمبادئ الأساسية التي يؤمنون بها في أطفالهم؛ فإقناع طفل صغير بأهمية قيم مثل الصبر، أو احترام كبار السن، أو حتى التعاون والإيثار، ليس بالأمر السهل. لكن مختصي التربية قدموا مجموعة من الحلول التي من شأنها مساعدة الوالدين على إنجاز المهمة.

اختصاصية الأطفال مارسيلا أليخاندرا كافولي شددت في تقرير نشرته مجلة "آتر بارون" الفرنسية، على أهميّة استغلال اللعب مع الأطفال في زرع القيم والمبادئ بسن مبكرة، لما يوفّره من فوائد لتنمية مهاراتهم الاجتماعية.

كافولي قدّمت 4 خطوات بسيطة يمكن تطبيقها مع الصغار:

1- حدد القيمة المُراد تعليمها للطفل

يعد سن الطفل أحد أهم العوامل المعتمدة في اختيار القيمة التي يرغب الوالدان بزرعها، إذ من الممكن أن تتراوح بين حدود بسيطة مثل "لا تصرخ على أمك وأبيك"، وتصل إلى "عامل أجدادك باحترام". ينبغي على الوالدين تحديد القيمة التي يرغبان في نقلها إلى طفلهما، والتفكير جيدا في الطريقة المثلى لصياغتها.

حدد القيمة التي تريد زرعها في طفلك وفكر جيدا في كيفية صياغتها بإيجابية (شترستوك) 2- اشرح القيمة للطفل بوضوح

حتى يفهم الأطفال معنى القيمة وأهميتها، من الضروري أن تكون مكتوبة بطريقة إيجابية. على سبيل المثال، قد تبدو عبارة "لا ينبغي معاملة الأجداد بطريقة غير محترمة" واضحة للغاية، إلا أن صياغتها سيئة. سيكون من الأفضل تغييرها إلى "يجب معاملة الأجداد بالحب والاحترام"، لأن اللغة التي نستخدمها في إيصال القيمة مهمة جدا عند وضع القواعد، خاصة عندما يتم تفضيل الصيغة الإيجابية على السلبية.

3- استخدم اللعب في ترسيخ القيمة

بمجرد شرح القيم، يحين وقت الشروع في تنفيذها. ولإيصال الفكرة عبر اللعب، يمكن اختراع لعبة مسلية يقوم المشاركون فيها بتكرار القاعدة مرتين. أولا بالصوت، ثم بتقليد صوت شخص آخر في العائلة.

يقوم أحد الوالدين بترديد عبارة "يجب أن يُعامَل الأجداد بالحب والاحترام" بصوته أولا، ثم مقلدا صوت الجدة مثلا. وهكذا، سيستمتع الطفل بالتقليد، في الوقت الذي تحفر فيه القيمة في عقله الباطن.

غرس القيم في الأطفال من خلال اللعب مفيد لجميع أعضاء الأسرة (شترستوك) 4- حدد عواقب عدم اتباع القاعدة

بعد تعلم الطفل أهمية قيمة ما، يتوجب على الوالدين شرح عواقب تجاوزها. تذكّر أن العائلة بأكملها تشكل جزءا من اللعبة، لذلك يمكن للجميع المشاركة في اختيار عواقب تجاوز قاعدة ما.

حاول أن تجعل هذا التمرين ممتعا قدر الإمكان، يمكنكم -مثلا- الجلوس في دائرة يقدم كل طفل فيها أفكاره حول عواقب مخالفة القيم. الأهم في الأمر، هو أن تستمع العائلة بكاملها بعملية زرع القيم وترسيخها في الأطفال!.

غرس القيم من خلال اللعب مع الأطفال مفيد للجميع، ويحفز على تطوير المهارات الاجتماعية المستقبلية. وكلما كان طفلك أصغر سنا، كان أكثر استعدادا للتعلّم وتقبّل التوجيه.

كلما كان طفلك أصغر سنا كان أكثر استعدادا للتعلّم وتقبّل التوجيه (غيتي) نصائح لحوار عائلي إيجابي

وفي إطار متصل، ينصح عالم النفس وأستاذ التربية توماس ليكونا عبر مقال كتبه في موقع "سايكولوجي توداي"، بجعل الاجتماعات العائلية -سواء للتعلم أو لمناقشة أي أمور أسرية من خلال اللعب- بسيطة في البداية، ولا تتعدى مدتها نصف ساعة مرة واحدة في الأسبوع لفترة.

ومع مرور الوقت يمكن زيادة وقتها ومناقشة المزيد من الأمور، وتاليا بعض النقاط التي عليك اتباعها لحوار عائلي إيجابي:

حدد أسسا وقواعد للاجتماعات العائلية: مثل ضرورة الاستماع للمتحدث والنظر إليه وعدم مقاطعته، واحترام كل شخص لما يقوله الآخر حتى وإن لم يتفق معه، مع عدم السماح بالسخرية من رأي أحد أو التقليل منه، والحرص على التوصل لحلول ترضي الجميع. إضفاء المرح: يمكن إضفاء نوع من المرح إلى الجلسة عبر تحضير نوع حلوى خاص وتناوله أثناء النقاش، أو جعلها نزهة للأسرة إذا لم يكن الأمر جادا، ويحتاج للنقاش المطول. حدد موضوعات النقاش: يجب التأكيد على أن الغرض من الاجتماع العائلي هو التعاون وحل المشكلات، وليس تحديد المذنب وإلقاء اللوم على بعضنا البعض، وتعلم الجديد.

ابدأ وانته بالمديح: بدلا من البدء بالتحدث عن المشكلة فورا، يمكن خلق أجواء إيجابية أولا بالإشادة بمجهودات أفراد الأسرة في التعاون معا، أو مدح كل شخص بشكل خاص على شيء يقوم به، ثم التحدث عن القضية التي تجب مناقشتها. وعقب الانتهاء من المناقشة يمكن الإشارة إلى الإيجابيات التي تشاركها الأسرة معا مرة أخرى.

ينصح بإضفاء نوع من المرح للاجتماعات العائلية ما لم يكن موضوع النقاش جادا (شترستوك) أشرك الجميع: يجب ألا يكون دور أي فرد سلبيا بأن يكتفي بالصمت. وفي المقابل، احرص على إعطاء فرص متساوية للجميع، حتى يعبّر كل شخص عن رأيه. ناقش الحلول المقترحة: حاول التوصل إلى خطة يوافق عليها الجميع، وينصح بتجنب التصويت على الخيارات المتاحة، إذ قد يتسبب ذلك في انقسام أفراد الأسرة إلى "فائزين" و"خاسرين"، وليس هذا الهدف من الاجتماع. امنح الجميع فرصة للقيادة: تساعد هذه الفرصة أبناءك على الشعور بالمسؤولية وإدراك أهمية الاجتماعات العائلية، وتعلم إدارة الحوار، والتعرف جيدا على قواعد الحوار وكيفية تطبيقها. تابع تنفيذ القرارات: احرص على متابعة تنفيذ القرارات التي تم اتخاذها خلال الاجتماع العائلي، لترسيخ أهمية هذا الحوار والقرارات التي تم الاتفاق عليها، وأنه ليس مجرد جدال. لا تستسلم: إذا لم يسر اجتماعك الأول بالشكل المطلوب، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يعتاد الجميع على التحدث معا ومناقشة الأمور العائلية، فلا تستسلم سريعا. وحتى بالنسبة للآباء الذين لم تكن عائلاتهم تعقد اجتماعات للحديث معا، يمكنهم تجربة ذلك مع أبنائهم، وبالوقت سيصبح الأمر معتادا ومألوفا مثل الاجتماع على الغداء.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

القيم والأخلاق.. صراع البقاء في عالم القوة

 

 

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

ما من شك أن البشرية شهدت في العقود الأخيرة قفزات هائلة في مجال العلم والتكنولوجيا، قفزات غيرت وجه الحياة على كوكب الأرض بشكل لم يسبق له مثيل، فتأثير هذا التقدم العلمي لا يتوقف عن التوسع يومًا بعد يوم، حتى باتت البشرية بحق تملك مفاتيح قوة لا تضاهى، تقودها نحو آفاق جديدة من الفهم والاكتشاف، فلو نظرنا إلى السماء، سنجدها مليئة بالأقمار الصناعية التي تطلقها أيدٍ بشرية، شاهدة على مدى الإنجاز البشري الذي امتد ليطال حتى الفضاء الخارجي، وربما يومًا ما يستشرف أبعد من حدود مجموعتنا الشمسية.

لكن مع كل هذا التقدم، يطرأ في أذهان البعض سؤال مؤرق: هل العلم نفسه بريء؟ أم أنه يحمل في طياته بذور الخراب، كما هو الحال مع القنابل النووية التي دمرت وأحدثت أهوالًا لا توصف؟ وهل يُمكن أن يكون العلم بلا أخلاق وأخلاقيات؟ الحقيقة أن العلم بحد ذاته مجرد أداة، لا تحمل في جوهرها خيرًا أو شرًا، فالقوة التي يمنحها العلم هي محايدة، أما من يوجهها فهي الإنسانية بأخلاقها وقيمها، فالإنسان هو من يقرر كيف يستخدم هذه القوة، هل في بناء عالم أفضل يزدهر بالسلام والتقدم، أم في صناعة دمار يدفع ثمنه الجميع؟

التاريخ مليء بالأمثلة التي توضح هذا التوازن الحساس، في العصر الحديث، شهدنا كيف ساهمت التكنولوجيا الحيوية في تطوير لقاحات غيرت مسار الأوبئة العالمية مثل جائحة كوفيد-١٩، حيث استطاع العلماء بتعاونهم وجهودهم تحقيق إنجاز علمي ضخم أنقذ ملايين الأرواح وفتح آفاقًا جديدة في مجال الطب.

لكن بالمقابل، هناك أمثلة على كيف يمكن للعلم أن يتحول إلى أداة للدمار إذا غاب عنها البوصلة الأخلاقية، فالقنابل التي أُسقطت على غزة ولبنان تركت جروحًا لا تلتئم في وجدان أصحاب الضمائر اليقظة، وأظهرت كيف يمكن لقوة علمية هائلة أن تتحول إلى كارثة إنسانية عندما تسيطر عليها مصالح ضيِّقة وأنانية مفرطة.

وفي هذا السياق، يبرز سؤال مهم: هل يمكن لأصحاب القيم والمبادئ أن يحافظوا على قيمهم ومبادئهم دون امتلاك القوة العلمية؟ الجواب بسيط لكنه قاسٍ: لا. فبدون العلم، تصبح القيم مجرد كلمات لا وزن لها أمام تحديات العالم الواقعي. إن امتلاك المعرفة العلمية يمنح أصحاب القيم القدرة على التأثير وصياغة واقعهم بدل أن يكونوا مجرد متفرجين يتراجعون أمام من يملك القوة.

لنتأمل في مثال آخر: في عالم السياسة والدبلوماسية، لا يمكن لقادة يحملون رؤى إنسانية نبيلة أن ينفذوا أجندتهم إذا لم تدعمهم قوة العلم والتكنولوجيا في مجالاتها المختلفة.

لذا، على أصحاب القيم أن يدركوا أن امتلاك العلم ليس فقط خيارًا؛ بل ضرورة حتمية، فالعلم هو السلاح الذي يحمي القيم ويعززها، وهو الجسر الذي يربط بين المبادئ الإنسانية والواقع المعاصر، وبدون العلم، قد تتلاشى القيم تحت وطأة الضغوط، أو تُستغل من قبل من يفتقرون إليها.

قد يبدو امتلاك العلم معقدًا أو بعيدًا عن جوهر القيم، لكن الواقع يقول إن غياب هذه القوة يعني حتمًا ضياع القيم وتعثرها، ولذا فأصحاب القيم الذين لا يمتلكون قوة العلم، سيجدون أنفسهم عاجزين عن حماية مبادئهم، وستتراجع مكانتهم حتى تختفي، تاركين الساحة لمن يملكون القوة العلمية، مهما كانت نواياهم.

قد يدّعي البعض أن الله وعدهم بالنصر، وأن الأرض هي ملك لله يورثها لعباده الصالحين، وهذا وعد صحيح بلا شك، لكن هذا النصر لا يتحقق بمجرد التمني أو الانتظار، بل مرتبط بشروط واضحة لا يمكن تجاهلها، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

هذا يعني أن التغيير الحقيقي يبدأ من داخل الإنسان، من إرادته وعزيمته على العمل والاجتهاد، لا فائدة من انتظار النصر أو التقدم دون بذل جهد حقيقي في طلب العلم والتقنيات المختلفة، اكتساب المعرفة، وتطوير الذات، فالكسل والتواكل لن يوصلا إلى أي نتيجة، والاعتماد على الآخرين سيبقي النصر بعيد المنال.

لذلك، إن لم يسع أصحاب القيم إلى امتلاك العلم، فإنَّ مصيرهم سيكون الخُسران؛ بل وربما الاندثار في مواجهة عالم يتغير بسرعة، لا يرحم الضعفاء، ولا يمنح الفرص لمن تخلى عن أدوات القوة.

ختامًا، لا بُد من تحذير صارم: قيم بلا عِلم، هي قيم مُهددة بالاندثار، وأصحابها، مهما كانت نواياهم، معرضون لأن يصبحوا ضحايا واقع لا يرحم إلّا الأقوياء، العِلم هو القوة، والقوة تضمن بقاء القيم، أو على الأقل تمنحها فرصة للثبات في عالم لا يعترف إلا بالقَوِيّ.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • دراسة: العلاقات الأسرية السعيدة تُحسّن نوم الأطفال ليلاً
  • مي عجلان: التمكين السياسي للمرأة يبدأ من الاستقلال الاقتصادي والتنشئة الأسرية
  • عاجل | الملك : السلام الدائم يبنى على القيم لا القوة
  • العلاقات الأسرية القوية تدعم النوم الهادئ للأطفال.. دراسة تؤكد
  • نشرة المرأة والمنوعات| 5 أبراج تكرة الصيف.. خطوات لحماية طفلك من حمو النيل.. نصائح لأبنك طالب الثانوية العامة تخلصه من التوتر
  • سعر شيري تيجو 8 برو العائلية.. بحالة كسر الزيرو
  • التضامن الاجتماعي تطلق تدريبات للرائدات الاجتماعيات لنشر مفاهيم التربية الإيجابية
  • وقاية مبكرة.. خطوة واحدة تحمي طفلك من سرطان الأمعاء مستقبلاً
  • القيم والأخلاق.. صراع البقاء في عالم القوة
  • بنك العز الإسلامي يُبادر بشراكة استراتيجية مع "منصة بستان" لغرس القيم العُمانية في نفوس الأطفال