فرديناند ماجلان.. أول من أبحر حول الأرض وأثبت كرويتها
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
رحالة بحري ومستكشف إسباني من أصل برتغالي، من مواليد في 1480، انضم لقوات الملك الإسباني تشارلز في 1517 وقاد أول رحلة استكشافية بحرية في العالم (1519-1522) أثبت من خلالها كروية الأرض، واكتشف الممر المائي الواقع في أميريكا اللاتينية الرابط بين المحيطين الأطلسي والهادي؛ فسمّي باسمه "مضيق ماجلان"، وفي طريقه لجزر الملوك بإندونيسيا قتل على يد زعماء فلبينيين، بسبب نزاعاته مع سلطانهم وبطلهم القومي المسلم لابو لابو قبل أن يكمل مهمته.
ولد فرديناند ماجلان في 1480 في بلدية سابروسا بمقاطعة تراس مونتيس في شمال البرتغال، وينحدر من عائلة تنتمي لطبقة النخبة، فقد كان والده عمدة لبلدية ميناء أفيرو، بينما كانت أمه عضوا في مجلس النبلاء.
وفي محيط الطبقة العليا الذي يتميز بالعناية والرعاية الكاملة للأولاد نشأ فرديناند وتربى، وكان شغوفا بالمغامرات والتحدي وهو لا يزال في مرحلة مبكرة من عمره.
الدراسة والتكوينبحكم مكانته الاجتماعية، تلقى فرديناند ماجلان تعليما متميزا، فقد درس الرياضيات والفلك وعلم الملاحة البحرية، وعندما أصبح في الـ12 من العمر أُرسل لمدينة لشبونة وبقي فيها حتى انضم للبلاط، وخدم الملك مانويل الأول الذي حكم البرتغال في الفترة بين 1495 و1521.
ومن داخل البلاط تلقى كثيرا من الدروس والفنون القتالية التي أهّلته إلى الانضمام للجيش في 1505.
التجربة العسكريةانضم ماجلان للجيش البرتغالي، وهو في مرحلة العشرين من العمر، وفي 1505 ذهب مع الحامية الملكية التي ترابط غرب الهند، ومنها شارك مع البعثات التي احتلت شرق أفريقيا.
وخلال هذه الفترة ركز جهوده في الخدمة البحرية، وأظهر تفوقه في مجال الملاحة والخطط الهجومية في البحار. وعندما أرادت القوات الملكية البرتغالية غزو مدينة ملقا في ماليزيا في 1511، كان فرديناند في طليعة القوات البحرية المسلحة.
وبعد السيطرة على ملقا أصبح البرتغاليون يتحكمون في مواني ماليزيا من خلال مضيق ملقا، وهو ما أعطى لقواتهم انتصارا كبيرا وتفوقا في المشرق. وقد عاين ماجلان الرحلات البرتغالية نحو جزر الملوك (جزر التوابل) في إندونيسيا الغنية بالثروات والتوابل المتنوعة.
وبعد احتلال ملقا رجع عن طريق البحر إلى البرتغال، وانضم لقوة التاج الملكي المكلفة بالاستكشاف، وشارك في غزو مدينة أزمّور المغربية التي أصيب فيها في رِجله حتى أصبح أعرج بشكل دائم.
وخلال معارك أزمور نهب ماجلان كثيرا وسرق، وحوكم على إثرها وتسبب ذلك في حرمانه من التقدم في الرتب العسكرية.
الولاء لإسبانيافي القرن 15 ازدهرت تجارة التوابل في أوروبا لدورها في حفظ الطعام وتحسين مذاقه، ولم تكن الأراضي الأوروبية صالحة لزراعتها بسبب المناخ البارد، فكانت تُجلب عن طريق البحر من جزر الملوك في إندونيسيا، وتنافست البرتغال وإسبانيا على الطرق البحرية من أجل الوصول إلى هذه الجزر، حتى هيمنت البرتغال على الطريق البحري الذي يمر عبر رأس الرجاء الصالح بأقصى جنوب أفريقيا، وهو الأمر الذي أثار حفيظة إسبانيا ولم تتقبله.
وخروجا من هذه المشكلة وتفاديا للاحتكاك بين الدولتين عرض فرديناند ماجلان فكرة تمويل رحلة للبحث عن طريق بحري آخر، لكن الملك البرتغالي مانويل لم يتبن الفكرة ورفضها.
وبموجب معاهدة تورديسيلاس في 1494 الموقّعة بين البرتغال وإسبانيا لتسوية النزاعات حول الأماكن المكتشفة، كانت سواحل أفريقيا والهند وشرق آسيا ملكا للبرتغال، بينما نصت الاتفاقية على أن إسبانيا تملك الأميركتين والمناطق التي تقع في الغرب.
وبعدما عجز ماجلان عن إقناع الملك البرتغالي في دعمه للقيام برحلة للاستكشاف عن طريق الإبحار بين القارات، توجّه نحو إسبانيا، ونزل في إشبيلية يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 1517.
وفي إسبانيا التقى بالملك تشارلز، وأخبره بأن جزر التوابل تعود لجغرافية إسبانيا، فاقتنع الملك بتمويل رحلة استكشافية تحت قيادته.
في الأول من مارس/آذار 1518 أصدر الملك الإسباني قرارا بتعيين ماجلان أدميرالا بحريا، وتمويل رحلة له هدفها البحث عن طرق بحرية جديدة، وكذا تحديد أماكن جزر الملوك الغنية بالتوابل.
جهّز ماجلان أسطولا يتكون من 5 سفن -أهمها سفينة ترينيداد التي يقودها الأدميرال وسفينة فيكتوريا التي استطاعت الرجوع من الرحلة- وطاقم يتألف من 270 جنديا من مختلف المدن الأوروبية، وانطلق من إشبيلية يوم 10 أغسطس/آب 1519.
اتجه جنوبا في مياه الأطلسي وساير سواحل البرازيل الشرقية حتى وصل في شهر مارس/آذار 1520 إلى ميناء سان جوليان جنوبي الأرجنتين، وبقي هنالك 5 أشهر بسبب التغيرات المناخية التي منعته من المواصلة.
وأثناء توقفه في الأرجنتين تحطمت إحدى سفنه ورجعت واحدة أخرى نحو إسبانيا، كما تمرّد بعض جنوده، لكنه استطاع التغلب على العصيان، وأعدم عددا من مرافقيه.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1520 واصل سيره نحو الجنوب حتى وصل لمضيق بحري في أقصى جنوب القارة الأميركية، وبعد 38 يوما من محاولة عبور هذا المضيق المليء بأسماك القرش، والمتميز برياحه الشديدة وأمواجه العاتية وصل لمحيط آخر أطلق عليه البحر الهادي.
فكان أول من اكتشف هذا المضيق الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادي، وقد حمل اسمه وبات يعرف بـ"مضيق ماجلان".
وبسبب الرياح البحرية القوية ابتعد عن طريق جزر التوابل التي كان يبحث عنها، كما ابتعد عن سواحل الأرجنتين، حتى عانى موكبه من نقص في التموين والغذاء، وتُوفي عدد من جنوده بسبب داء الأسقربوط.
وفي 6 مارس/آذار 1521 وصلت بعثة ماجلان إلى جزيرة غوام، وتزوّدت بالمؤن الأساسية وواصلت سيرها حتى وصلت منطقة سيبو بالفلبين.
الحرب مع سكان الفلبينوكانت خطة فرديناند كما جاء في رسالته للملك تشارلز هي التوجه من غوام نحو جزر الملوك الغنية بالتوابل والعودة نحو إسبانيا، ولكنه خلال إقامته في منطقة سيبو نسج علاقات قوية مع السكان المحليين، وأراد ضمهم للتاج الإسباني.
وقد كان أهالي منطقة سيبو في حرب ونزاعات مع سكان جزيرة ماكتان التي يسيطر عليها المسلمون، ومدّ سكان سيبو يد العون والمساعدة إلى ماجلان فقرر مشاركتهم في الحرب لإخضاع الجماعات المسلمة.
ورغم أن فريقه نصحه بالتركيز على مهمته ومواصلة الإبحار نحو جزر التوابل، فإنه رفض وعزم على دخول المعارك المحلية، مما كان سببا في عدم قدرته على إكمال رحلته التي أوشكت على النهاية بنجاح، ووصوله لجزر الملوك الغنية بالتوابل والعودة لإسبانيا.
ورغم أنه لم يصل لهدفه، وهو الوصول للجزر الإندونيسية، فإن جنوده أكملوا المهمة، فكانت الرحلة التي انطلقت من أوروبا، ومرت بأفريقيا وأميركا وآسيا، ورجعت لنقطة انطلاقها، أول رحلة دارت حول الكرة الأرضية في التاريخ.
توفي فرديناند ماجلان يوم 27 أبريل/نيسان 1521 بعد معارك خاضها مع زعيم الجماعات الفلبينية المسلمة في جزيرة ماكتان، السلطان لابو لابو، وتقول بعض الروايات إن ماجلان كان يريد تنصيره وضمه للحكم الإسباني.
وبعد وفاته واصل مساعده الإبحار حتى وصل لجزر الملوك في إندونيسيا، وحمّل السفن الإسبانية بالتوابل، وفي طريق العودة اعترضت القوات البرتغالية فريق الرحلة، واحتجزت كثيرا من أفراده وتعطّلت بعض سفنه.
وفي 8 سبتمبر/أيلول 1522 وصلت سفينة فيكتوريا نحو السواحل الإسبانية، وعلى متنها 17 جنديا وحمولة كبيرة من التوابل. وهي السفينة الوحيدة التي رجعت من الأسطول البحري الذي ذهب في الرحلة الاستكشافية لماجلان.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الإدارة التي تقيس كل شيء.. ولا تُدرك شيئًا
خالد بن حمد الرواحي
حين يصبح القياس هدفًا لا وسيلة أمام لوحةٍ إلكترونية مزدحمة بالأرقام والألوان، يقف مديرٌ يراقب مؤشرات خضراء ونسب إنجاز مرتفعة وتقارير أسبوعية محكمة. كل شيء يبدو متقنًا على الشاشة، فتعلو ابتسامة اطمئنان على وجهه. لكن حين يغادر مكتبه إلى الميدان، يكتشف صورةً أخرى: معاملات متأخرة، موظفين مرهقين، ومراجعين ينتظرون أكثر مما ينبغي. هناك فجوة صامتة بين ما تعرضه المؤشرات وما يعيشه الواقع؛ فجوة تختبئ خلف الأرقام وتُخفي الحقيقة بدلًا من أن تكشفها.
لم تكن المشكلة في الأرقام، بل في الطريقة التي صارت تُستخدم بها. فالمؤشرات التي صُمِّمت لتكون بوصلةً للتطوير تحوّلت تدريجيًا إلى غايةٍ في ذاتها. صار همُّ بعض المؤسسات أن ترفع النسب وتُحسّن الرسوم البيانية، لا أن تُصلح المسار أو تُشخِّص الخلل. وهكذا، تزداد الأشرطة الخضراء بينما تتراكم الشكاوى، وتُكتب تقارير النجاح في الوقت الذي يشعر فيه الناس أن شيئًا لم يتغيّر.
وفي أحد الاجتماعات، عُرض تقريرٌ يوضح أن المؤسسة عقدت خلال شهرٍ واحد 42 اجتماعًا مقارنةً بـ18 في الشهر الذي سبقه، فصفّق الحاضرون. لكن السؤال الذي لم يُطرح كان: ماذا تغيّر بعد كل تلك الاجتماعات؟ فزيادة اللقاءات لا تعني زيادة الفهم، وكثرة المؤشرات لا تعني تحسّن الأداء. ما يُقاس غالبًا ليس النتائج، بل النشاط؛ لا الأثر، بل الجهد المبذول.
السبب في هذا الانفصال بين الصورة الرقمية والواقع العملي أننا نقيس ما هو سهل لا ما هو مهم. فعدد الاجتماعات أسهل من قياس جودة القرار، وعدد المعاملات أسهل من فهم تجربة المستفيد. ولأن الأسهل يتغلب على الأهم، تمتلئ التقارير بالأرقام التي يمكن جمعها بسرعة، لكنها لا تشرح شيئًا عمّا يجري حقًا. إنها أرقام بلا روح؛ تصف النشاط بحماس، لكنها تصمت حين يُسأل عن المعنى والغاية.
ومع مرور الوقت، تنشأ حالة من الرضا الزائف، فيظن المسؤول أن الإنجاز متحقق لأن المؤشرات خضراء، بينما يشعر الموظف والمستفيد أن الواقع لا يتحرك. وهنا تكمن أخطر مشكلة: فالفجوة بين الشعور بالنجاح وتحقيقه فعليًا قد تبتلع أعوامًا من الجهد دون نتيجة، لأننا اكتفينا بقراءة الأرقام دون قراءة الحياة داخلها.
الحل لا يحتاج إلى ثورة في الأنظمة، بل إلى مراجعة في الفهم. فالمؤشرات ليست خصمًا، بل أداة حين تُستخدم بحكمة. المطلوب العودة إلى السؤال الجوهري: ماذا نريد أن نفهم؟ هل نبحث عن زيادة الأرقام أم عن تحسين الواقع؟ حين يكون الهدف واضحًا، يصبح القياس تابعًا له لا متقدمًا عليه.
ولعل الخطوة الأولى تبدأ بتقليل الأرقام لا زيادتها. فبدل عشرات المؤشرات التي تشتت الانتباه، يكفي اختيار خمسة مؤشرات تمسّ جوهر الأداء، مثل رضا المستفيد، ووقت إنجاز الخدمة، وجودة القرار، ومستوى التعاون بين فرق العمل. ومع الوقت، يتحوّل القياس من سباقٍ لملء الجداول إلى ممارسةٍ للتعلّم والتحسين، تُحرّر المؤسسة من عبء الشكل وتعيدها إلى روح العمل.
وفي سياق التحول الرقمي الذي تتبناه «رؤية عُمان 2040»، لا تكفي الشاشات الذكية ما لم تُترجم بياناتها إلى قرارات تُحسّن تجربة المواطن وترفع كفاءة الجهاز الإداري. فالرؤية لا تدعو إلى مزيدٍ من المؤشرات بقدر ما تدعو إلى حوكمةٍ أفضل للبيانات وربطها بما يعيشه الناس، حتى يصبح كل رقم خطوةً ملموسة على طريق التغيير، لا مجرد قيمة تُضاف إلى ملف العرض.
في نهاية المطاف، لا تُقاس المؤسسات بعدد الشرائح في العروض، ولا بكثرة المؤشرات التي تتلوّن بالأخضر، بل بما يتغيّر في حياة الناس. فالأرقام قد تمنح شعورًا بالنجاح، لكنها لا تصنع النجاح ذاته إلا إذا رافقها فهمٌ لما وراءها. وحين نضع الواقع قبل الرسم البياني، ونبحث عن الأثر قبل النسبة، يصبح القياس أداةً للتطوير لا غايةً للتزيين. وعندها فقط، تصبح المؤشرات شاهدةً على التقدم لا ستارًا يخفي هشاشة الإنجاز.