تأثير سفاراتنا بالخارج بين التقليدية والرقمنة
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
تلعب السفارات السعودية مدعومة من وزارة الخارجية دورًا هامًا في تعزيز مكانة المملكة من خلال التمثيل الدبلوماسي، وحماية مصالح الرعايا، وتعزيز العلاقات الثنائية، وخدمات إضافية تساهم في تحقيق الأهداف المرجوة، ولعل هذه الأهداف تعتبر تقليدية، ومع رؤية ٢٠٣٠ تعمل السفارات على لعب دور أكبر وتقديم خدمات أوسع تتواكب مع إمكانيات الرؤية.
ومع التأثير السعودي المتمدد إقليميًّا وعالميًّا، تكثر الأسئلة حول دور السفارات الحالي وأين يجب أن تكون، وبلا شك فالدول المؤثرة تنشط سفاراتها طبقًا لأهدافها ومواطن قوتها، فالسعودية اليوم نستطيع أن نقول: إنها تضع قدمها بين اللاعبين الكبار في هذا العالم الذي بدأت أقطابه تتعدد؛ ولذا فالسفارات يجب أن تكون بقدر هذا التأثير وتلعب دورًا أكثر تقدمًا وخصوصًا في البلدان ذات التأثير، مثل أوروبا وأمريكا والصين وروسيا، أو في الدول المؤثرة بلغاتها مثل: إسبانيا وبريطانيا وروسيا.
وعندما يأتي الحديث حول دور السفارات ينبري فريق يدافع عن أعمالها، وأنه يجب أن تنفذ المطلوب منها كسفارة تقليدية، ومن يلعب الدور المؤثر باستخدام القوة الناعمة هي الجهات الأخرى مثل وزارة السياحة وهيئة الترفيه، ولا يجب على السفارات أن يكون المنتسبون إليها يتحدث بلغات ذلك البلد، وذلك تأكيدًا على الدور التقليدي والحساسية التي قد تعكسها تحركات السفارات.
لكن الفريق الآخر يرى أن رؤية ٢٠٣٠ تتطلب سفارات محترفة رقمية لديها قدرة على التواصل مع المجتمع المحلي، لا سيما وهي تقوم بتوظيف مواطنين من البلدان التي تقع فيها، وتسهل العلاقات التجارية، وتشرف على التبادل الثقافي، ويرى هذا الفريق أيضًا أن المشاركة المحدودة مع المجتمعات المحلية والاكتفاء بالواجبات الرسمية يضيع فرص التأثير الإيجابي والتفاهم المتبادل.
ومما لا شك فيه أن السفارات قد تصب اهتمامها على خدمة المواطن السعودي وبدرجة أقل الاندماج في المجتمع المحلي، وقد يخشى البعض من سوء الفهم الثقافي، وقضايا تتعلق بحقوق الإنسان والمرأة، لا سيما وأن السعودية تقدمت تقدمًا كبيرًا في هذين الملفين، لكن هذا لا يعني ألا تقوم السفارات بدور مهم والتحول نحو التطور والرقمنة في تعزيز الثقافة السعودية والقيم الوطنية من خلال المشاركة في الفعاليات المحلية، وتنظيم المعارض الفنية والتراثية والموسيقية والمسرحية والمهرجانات، وتقديم برامج تعليمية وتثقيفية للجمهور المحلي.
إنه لا يمكن الاتكاء على مستشارين أجانب لتقديم قوتنا الناعمة في الرياضة والثقافة والسياحة والفن، بل ينبغي أن تتواصل السفارات مع المجتمع المحلي وتلتقي بالمؤثرين وخصوصًا في سياق المعارض والمهرجانات؛ وذلك للتعرف على هذا المجتمع وفهم احتياجاته من خلال إجراء الدراسات الاستقصائية، وعقد الاجتماعات العامة، والتحدث مع قادة المجتمع، وبناء الشركات مع المنظمات المحلية والشركات والوكالات الحكومية، وتبذل السفارات جهدًا لتكون مرئية وسهولة الوصول إليها من قبل المجتمع المحلي، ويمكن القيام بذلك من خلال إقامة الفعاليات والمشاركة في المهرجانات المحلية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
إننا بحاجة لفرق محترفة تعمل بداخل السفارات وتفهم لغة البلد بشكل جيد وتبني جسور تواصل وخصوصًا مع المؤثرين من أفراد ومؤسسات؛ وذلك لتقديم المشورة الصحيحة للراغبين في التواصل مع المجتمعات المحلية مثل وزارة السياحة وهيئة الترفيه ووزارة الرياضة وغيرها من الجهات ذات العلاقة، فالسفارات التقليدية باعتقادي غالبًا لم تعد تواكب قطار الرؤية الذي يمضي بسرعة هائلة.
بقي القول، إن السفارات التقليدية قد تكون مناسبة في بعض البلدان الأقل أهمية، لكن في البلدان المؤثرة والمتقدمة والتي يتحدث لغاتها الكثير حول العالم، فإننا بحاجة لسفارة متقدمة ومتطورة ورقمية تساهم في تعزيز الحضور الثقافي والفني والرياضي والفكر السعودي بداخل هذه البلدان، فأنا هنا أتكلم عن محترفين يعرفون الخيط الرفيع بين التدخل في الشؤون الداخلية وبين استخدام القوة الناعمة في التواصل مع المجتمعات المحلية.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: وزارة الخارجية السفارات السعودية المجتمع المحلی مع المجتمع من خلال
إقرأ أيضاً:
تأثير الأتمتة على كفاءة التخزين داخل المستودعات وربحيتها
رامي يونس، المدير العام لشركة سويس لوج ميدل إيست
تشكل عمليات التخزين داخل المستودعات العمود الفقري لسلاسل التوريد الحديثة، غير أنه وعلى الرغم من ذلك لا تزال العديد من الشركات تعتمد على العمليات اليدوية القديمة، وعلى الرغم من أن هذه الأساليب قد تبدو فعالة من حيث التكلفة على المدى القصير، إلا أن تأثيرها على المدى الطويل من الممكن أن يكون كبيرًا. ونظرًا لأن سلاسل التوريد العالمية أضحت أكثر تعقيدًا والعملاء باتوا يتوقعون الحصول على خدمة أسرع وأكثر دقة، فإن عدم القدرة على تبني الأتمتة في هدوء ودون إحداث جلبة يقوض قدرة الشركة التنافسية وكفاءتها وربحيتها. فالأتمتة لا يقتصر دورها على تقليل الأخطاء البشرية وتسريع العمليات فحسب، بل تمكن أيضًا من اتخاذ القرارات في الوقت الفعلي. ورغم كل هذه الفوائد التي ذكرناها، لا تزال العديد من الهيئات والمؤسسات مترددة في الاستثمار في هذا المجال، وغالبًا ما تقلل من التكلفة الخفية التي تتكبدها نتيجة التقاعس عن الانخراط في هذا المجال.
لماذا تعدُّ الأتمتة أكثر من مجرد ترقية تقنية
تعد عملية أتمتة التخزين في المستودعات محفزًا قويًا لنمو الأعمال من خلال استبدال المهام اليدوية بأنظمة ذكية تعزز الكفاءة التشغيلية وتقلل التكاليف وتوفر المرونة اللازمة للتوسع، فعلى سبيل المثال، تلعب أنظمة التخزين والاسترجاع الآلية (AS / RS) دورًا رئيسيًا في تقليل أخطاء انتقاء البنود وزيادة الإنتاجية، ومعالجة بعض العمليات التي تحتاج إلى كثافة عالية من العمالة والمعرضة بشكل أكبر لحدوث أخطاءٍ بشكل مباشر.
بالإضافة إلى هذه التحسينات، توفر الأتمتة قدرة أكبر على معرفة حجم البضائع المتوفرة في المخزن في الوقت الفعلي وصنع القرار القائم على البيانات، مما يتيح التنبؤ بالطلب بشكل أكثر دقة واستجابات أسرع لاضطرابات سلسلة التوريد. فبدون هذه القدرات، تخاطر الشركات بالتخلف عن ركب المنافسين الأكثر مرونة والمتقدمين رقميًا. وبالنظر إلى أن تكاليف العمالة التي غالبًا ما تتجاوز 50 % من إجمالي تكاليف المستودعات، حيث تمثل عملية انتقاء الطلبات وحدها ما يصل إلى 55 % من تلك التكاليف، فإن أتمتة العمليات الأساسية مثل الانتقاء والتعبئة يمكن أن تقلل بشكل كبير من النفقات العامة مع تحسين السرعة والدقة.
الإلمام بالثمن الذي يكلفه عدم الانخراط في الأتمتة والإصرار على تبني العمليات اليدوية
تكلفة عدم الانخراط في الأتمتة والإصرار على تبني العمليات اليدوية القديمة ليست واضحة دائمًا، لكنها كبيرة وبارزة، فالعمليات اليدوية عادة ما تكون أكثر بطأً وأقل دقة وأكثر كثافة من ناحية عدد العمالة. وهذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع النفقات العامة، وزيادة أمد دورات الوفاء والإنجاز، وانخفاض دقة الطلب، مما يؤثر بشكل مباشر على هوامش الربح ورضا العملاء،
كما أن نقص العمالة يؤدي إلى تفاقم المشكلة بشكل كبير. ففي العديد من الأسواق، أصبح العثور على موظفي المستودعات والإبقاء عليهم أمرًا صعبًا تزداد صعوبته بشكل متزايد، حيث تصل معدلات دوران الموظفين السنوية في مجال التخزين في المستودعات إلى 43 %. فالأتمتة لا تتعلق بإحلال الأشخاص واستبدالهم، بل تتعلق بتكميلهم. فمن خلال أتمتة المهام المتكررة، يمكن للشركات الاستفادة بشكل أفضل من القوى العاملة لديها، وتقليل الاعتماد على الموظفين المؤقتين، وضمان الاستمرارية التشغيلية خلال مواسم الذروة. علاوة على ذلك، فقد قامت 63 % من المؤسسات فعليًا باعتماد تقنية مراقبة وتقييم كفاءة سلسلة التوريد، بما يبرز التحول الواضح نحو تبني عملية التحول الرقمي.
التكلفة الناجمة عن تفويت الفرص
ولعل أكبر تكلفة ناجمة عن التقاعس عن تبني حلول الأتمتة تكمن في تفويت الفرصة، فمع تبني المنافسين للأتمتة لتعزيز السرعة والقدرة والاستجابة، قد تكافح الشركات التي تتخلف عن الركب في مواكبة توقعات العملاء المتزايدة. فم بذلك يخاطرون بخسارة الأعمال الجديدة، خاصة في المجالات ذات النمو المرتفع مثل التجارة الإلكترونية وإنجاز القنوات المتعددة، حيث تكون السرعة والدقة أمران ضروريان. فسلاسل التوريد عالية الأداء تحقق بالفعل عوائد ملموسة: وفقًا لشركة ديلويت، أفادت التقارير بأن 79 % من هذه الشركات حققت نموً في الإيرادات أعلى من المتوسط ضمن مجال عملها.
علاوة على ذلك، غالبًا ما تكون مخططات المستودعات غير العملية وسوء استخدام المساحة وسيلة ضغط تجبر الشركات على الاستثمار في مرافق جديدة قبل الأوان. كما يمكن لتقنيات الأتمتة مثل التخزين الرأسي أو الشق الديناميكي أن تزيد المساحة الحالية إلى أقصى حد، مما يؤدي إلى تأجيل أو إلغاء الحاجة إلى إجراء التوسعات المُكلِفة.
فالتطور الذي أُحدِثَ مؤخرًا في مجال أتمتة المستودعات قد أتاح الآن الفرصة لعملية المناولة المتزامنة للبضائع الجافة والمبردة والمجمدة داخل نظام واحد للتخزين التلقائي أوتو ستور. وتعمل هذه القدرة ثلاثية درجات الحرارة، التي تعمل بالفعل في أوروبا، على تقليل أوقات التسليم، وتحسين البصمة، وخفض تكاليف الطاقة، مما يعطينا لمحة عن مستقبل التخزين الذكي. وينعكس هذا الاتجاه في سوق الروبوتات اللوجستية العالمية، والتي من المتوقع أن تتجاوز 12 مليار دولار بحلول عام 2025، وتنمو بمعدل سنوي مركب قدره 23.7 %.
خلاصة القول: التقاعس عن الانخراط في الأتمتة له ثمنه
عند إجراء تقييم لعملية الأتمتة، من الضروري النظر إلى ما هو أبعد من التكاليف الرأسمالية الأولية، بل لا بد أن نضع في اعتبارنا الصورة الكاملة وتكاليف العمالة ومعدلات الخطأ وسرعة الإنجاز ورضا العملاء وقابلية التوسع، فكل طلب يتأخر تسليمه أو صنف يتم اختياره بشكل خاطئ يجر علينا تكلفة لا داعي لها، كما أن كل عملية غير فعالة تكون من تبعاتها المخاطرة بفقدان عميل، ومع توقع أن تتبنى أكثر من 60 % من المستودعات عمليات وحلول الأتمتة بحلول عام 2026، فإن الشركات التي تتردد في المخاطرة بتبني تلك الحلول ستتخلف عن الركب.
وقد لا يكون تأثير التقاعس عن الانخراط في الأتمتة فوريًا، ولكن بمرور الوقت، سيؤدي تقلص هوامش الربح وارتفاع الضغوط التشغيلية وزخم العملاء إلى خسائر فادحة. من خلال تخصيم التكلفة الحقيقية لعدم الانخراط في حلول الأتمتة ووضعها في الاعتبار، يمكن لصانعي القرار بناء نموذج أكثر دقة لعائد الاستثمار والقيام باستثمارات أكثر ذكاءً ينصب تركيزها على المستقبل. وفي مشهد يمتاز بحدة وتيرة التنافس وازديادها، فإن الخطر الأكبر ليس التغيير، بل عدم الانخراط في الأمر والوقوف على الشاطئ دون المخاطرة بالسباحة في بحر الأتمتة.