آخيم شتاينر: المدن العشوائية تقلل فرص تحقيق التنمية الشاملة
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
دبي: «الخليج»
أكد آخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن القمة العالمية للحكومات تعزز قدرة الحكومات على تخطيط وبناء المدن الحديثة، التي تعكس روح الابتكار والإبداع لضمان جودة الحياة ورفاهية السكان.
جاء ذلك خلال جلسة «الوجه الجديد للمدن وملامح التنمية الشاملة» والتي عقدت ضمن فعاليات اليوم الثاني من القمة العالمية للحكومات 2024، حيث تمحورت الجلسة حول التحديات التي تواجه المدن، والجمع بين المرونة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، والابتكار التكنولوجي في نسيج حضري متماسك يعكس تراث الماضي ويستشرف المستقبل.
وقال شتاينر: «نحن نسعى في وقتنا الراهن إلى استكشاف المستقبل وابتكاره، سواء للمدن أو لمجتمعاتنا واقتصاداتنا، ومع ذلك، فإننا لا يمكننا تجاهل دروس الماضي، خاصة تلك المتعلقة بتاريخ بدايات التحضر ونشأة المدن، وفي ظل المناقشات حول مستقبل المدن وتطويرها بأبعادها المتعددة، يجب أن نتكاتف جميعاً للاستفادة من التجارب الماضية في نشأة وتأسيس وتخطيط المدن والانطلاق برؤية واضحة تعمل على صياغة رؤيتنا لمدن المستقبل، خاصة مع تركيزنا على الثورات التكنولوجية الجديدة، التي يجب أن تكون وسيلة لتحقيق أهدافنا وتطلعاتنا المجتمعية والاقتصادية وليس العكس».
وأكد أن هذه التطلعات والرؤى تأتي في ظل الاجتماعات والمناقشات التي تُجرى في القمم العالمية مثل القمة العالمية للحكومات في دبي وفي دافوس وفي الأمم المتحدة.
وأضاف شتاينر: «يجب على الحكومات أن تعمل على توفير البنية التحتية اللازمة بما في ذلك الإسكان والنقل والطاقة، بالإضافة إلى خدمات التكنولوجيا الرقمية التي تسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين، ومع ذلك، يجب أن نكون واقعيين في التحديات التي تواجهنا، حيث لا يزال ملايين الأشخاص حول العالم يعيشون في المدن العشوائية، مما يفاقم من حجم التحديات ويقلل من فرص تحقيق معادلة التنمية الشاملة، لذلك، من المهم أن تعمل الحكومات بشكل شامل ومتسق لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة، لضمان مستقبل أفضل لجميع سكان المدن».
وقال: «تشكل المدن مستقبل مجتمعاتنا بطريقة لا يمكن إغفالها، وتأثير التكنولوجيا واضح بهذا الصدد، لكن الخيارات التي نوفرها للناس تلعب دوراً أساسياً أيضاً، حيث إن الخيارات المستنيرة، التي تعتمد على التاريخ وتأخذ بعين الاعتبار سد الفجوات في المناطق الحضرية، هي الأساس لخلق مدن سلمية ومتناغمة، وتسهم في مسار التنمية المستدامة، وينبغي على الحكومات أن تلعب دوراً فعّالاً كممكّنين ومنظمين، وأحياناً كمستثمرين في التكنولوجيا، لتوجيه الاستثمارات نحو الأماكن التي لا تزال بحاجة إلى التطوير والتحسين».
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات القمة العالمية للحكومات
إقرأ أيضاً:
إدماج المجتمع في التجديد الحضري
جرت العادة سنويًا في تنظيم مؤتمر ومعرض عُمان العقاري أن يكون هذا الحدث كاشفًا عن أهم الاتجاهات في مشروعات التطوير العقاري والتجديد الحضري؛ حيث يتيح فرصة للمختصين والمتتبعين ليس فقط في القطاع ذاته، وإنما في كافة القطاعات للكشف عن ثلاثة اتجاهات رئيسية: أولها (الاتجاه العمراني)؛ وفيه تضمين لأهم المشروعات التي تتواكب مع معايير التخطيط العمراني واتجاهاته، سواء فيما يتعلق بإدماج مفاهيم الاستدامة أو التحول إلى المدن الذكية، أو انتهاج تصميم المدن المكتفية في داخلها. والاتجاه الثاني هو (الاتجاه الاقتصادي)؛ حيث من المعلوم أن مشاريع البنى التحتية بما فيها مشاريع المدن العمرانية وقطاع الإنشاءات عمومًا تستحوذ على حيز واسع من الأنشطة والعمليات الاقتصادية وسلسلة القيمة، وهو ما يمثل فرصة حيوية لاكتشاف حجم المساهمة الاقتصادية، وطبيعة الاستثمارات التي يمكن أن تولدها مثل هذه المشاريع، والفرص سواء للاستثمار الأجنبي المباشر أو للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك مساهمتها في الربط بسلاسل الإمداد والتوريد الأخرى وتفعيلها، وتحريك النمو والتنوع الاقتصادي. أما الاتجاه الثالث فهو (الاتجاه الاجتماعي)؛ فتصورات المدن المستقبلية لا ترتبط فقط بالحيز المكاني أو الطبيعة العمرانية الجاذبة والمنافسة، بل تقدم تصورات مستقبلية لطبيعة الحياة الاجتماعية (المرادة) من ناحية عادات الأفراد، والاتصال الاجتماعي الحضري، وسلوك الإنتاج والتنقل، والتغير في أنماط الإنتاج، ونمط العلاقات الاجتماعية، ومساحات الفعل والحوار، والفضاءات الاجتماعية، وجودة الحياة للأفراد، ومدى توفر بيئات داعمة للتنشئة الاجتماعية السليمة، ومدى ما تتيحه هذه الفضاءات العمرانية من فرصة للموازنة والترويح بين الإنتاج والحياة الأسرية والحياة الذاتية، وأبعاد أخرى عديدة في السياق الاجتماعي يمكن أن تكشف عنها التصورات الموضوعة لمدن المستقبل.
هذا يقودنا للقول بأهمية حضور وإدماج المجتمع في مشاريع التجديد الحضري والتطوير العقاري عمومًا، بوصفها مشاريع معبرة عن الحالة الثقافية والهوياتية للمجتمع من ناحية، وبوصفها تشكل فضاءات مستقبلية يفترض فيها أن توفر الممكنات والمساحات التي تسمح للمجتمع أن ينقل عبر أجياله وتفاعلاته وممارساته بعضًا من الأنماط الأصيلة المعبرة عن هويته، سواء في الاتصال الاجتماعي أو في النشأة والتكوين، أو في المفاهيم التي تساعد هذه المدن على نموها وازدهارها. إذن فهذه المشروعات على الجانب الآخر هي فرصة لتحييد بعض الممارسات غير المرغوبة، والتشجيع على ممارسات أخرى كأنماط وعادات الحياة الصحية، والسلوك البيئي المتزن، والمشاركة الاجتماعية والحضرية الفعالة، والتي أصبحت اليوم جزءا من أنماط المشاركة المدنية، وتتمثل في المبادرات التي يقوم بها الأفراد والجماعات الاجتماعية لحفظ البيئة، أو لتعزيز التواصل بين أفراد المجتمع، أو للمحافظة على الموروثات وإدماجها كموارد اقتصادية مجدية وفعالة. إن عملية إدماج المجتمع في منظومة التجديد الحضري لابد أن تقف على ثلاثة مفاهيم اجتماعية رئيسية: مفهوم التحيين الثقافي (Cultural modernization)، وتعزيز المشاركة في التخطيط الحضري، وتمكين المشاركة الاجتماعية الحضرية والفعالة.
فمفهوم التحيين الثقافي يرتبط بالطريقة التي تصمم بها المدن في مبناها ومعناها بطريقة تتسق مع إحياء الموروث المتوازن، وإضفاء صبغة تجعل سهولة تميز المكان بوصفه ينتمي إلى ثقافة ما أمرًا ممكنًا، وهنا لا بد من التركيز على الحفاظ على بعض مكونات العمارة التقليدية، وتشجيع التجديد القائم على المفردات العمرانية المتفق عليها ثقافيًا، وفي تصميم المكان احترام أنماط الخصوصية، مع تعزيز قيم الجوار والتواصل عبر هندسة المكان حضريًا. وتشكل بعض المفردات مثل الأسواق الشعبية، والمجالس العامة، ومقاهي الشارع، والمتنزهات العمومية عبر هندستها وتصميمها طريقة مباشرة للحفاظ على الاتصال الاجتماعي الذي لا يخل بطريقة أو بأخرى بمعايير التنافسية والتحديث في هذه المدن. وفيما يتعلق بجزئية المشاركة في التخطيط الحضري فهذه المشروعات يمكن أن تنتهج طرائق مبتكرة لإشراك المجتمع في تخطيطها كأن تخصص على سبيل المثال حيزًا من مساحتها وتتيح لطلاب مؤسسات التعليم العالي المتخصصين في ابتكار أنماط جديدة من العمران بالتنافس فيما بينهم، وكأن يخصص جزء من ميزانيات إنشائها يصوت فيه المجتمع على نوعية وأولوية المشروعات المتضمنة فيها، وكأن تتاح الفرصة لبعض مكوناتها بأن تصاغ بناء على سرديات وموروثات ثقافية دارجة في المجتمع يعاد تخيلها وإدماجها في الفضاء الحضري لتلك المشروعات.
وفيما يتعلق بتمكين المشاركة الاجتماعية الحضرية الفعالة فتلك تتعلق بأسئلة من قبيل: هل هناك مساحات في هذه المدن تتيح للأفراد أن يتبنوا مبادرات نوعية - كما أسلفنا الذكر- للاستدامة البيئية؟ أو مبادرات تجميل الفضاء الحضري؟ أو مبادرات لإدماج الفنون في حياة المدينة؟ أو مبادرات لتعزيز السلوك الصحي الملتزم؟ أو مبادرات للإنتاج الاقتصادي المحلي الهادف للاكتفاء مثل المساحات الزراعية؟ أو مبادرات لتعزيز التواصل الاجتماعي الحي؟ أو مبادرات لإحياء حالة الثقافة والحوار الثقافي المستدام؟ هذه أمثلة على عناصر للمشاركة الاجتماعية الحضرية يمكن أن تأخذها هذه المدن بعين الاعتبار لإيجاد ممكنات للأفراد والساكنة في تفعيلها والانخراط فيها، وجني أثرها على مشهد الحياة الحضرية.
وفي كل الأحوال يبقى عنصر إيجاد التسهيلات والدعم والحوافز الكافية لمختلف شرائح المجتمع للقدرة على الوصول والاندماج في المدن المستقبلية أمرًا بالغ الأهمية؛ فكلما كانت هناك شرائح اجتماعية واسعة ممكنة من هذا الوصول استطاعت المدينة أن تبني نموذجها الثقافي على قاعدة اجتماعية وثقافية متينة، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التنوع، والاتصال بين فئات المجتمع ، ومراعاة التفاوتات الاقتصادية بين تلك الفئات في تصميم المدن نفسها. إن مشروعات التجديد الحضري والتطوير العقاري القائمة تشكل إحدى البوصلات الجادة لمستقبل سلطنة عُمان، ليس فقط في البنيان، وإنما في الاقتصاد وإعادة تصور الحياة الاجتماعية والثقافية، عوضًا عن جودة الحياة، والسلوكيات والعادات المتصلة بالممارسات الاجتماعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان