أستاذ علاقات دولية: يجب على أمريكا الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
طالب أمجد شهاب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القدس، الولايات المتحدة المعنية بفكرة حل الدولتين، بالاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، مشيرا إلى أنها تظهر ذلك، دون العمل ميدانيا على تنفيذه، وكل ما يحدث محاولات لتدمير كل مقومات فكرة حل الدولتين.
مصطلح حل الدولتين ميدانياأضاف «شهاب» خلال مداخلة عبر سكايب، في التغطية الخاصة عن الأوضاع في غزة، المذاعة عبر قناة القاهرة الإخبارية، أن مصطلح حل الدولتين ميدانيا يجب تحقيقه على المستوى السياسي والقانوني، مواصلا: «إذا كان هناك نية بوقف الاستيطان، ووقف الإعتداء وهدم البيوت، وإقامة الدولة، يجب أن يتحدثوا أن الدولة الفلسطينية، يجب أن يكون لها مكان ومنطقة محددة».
وتابع: «هناك خطوات من الولايات المتحدة، لإثبات نيتها بالاستمرار بحل الدولتين، لكن دون تحقيق واضح وواقعي لهذه النية، بسبب أنه كان هناك التعبير ذاته أكثر من مرة، من رؤساء أمريكا السابقين، ولم يحدث شيء حتى الآن، بل يزداد الأمر صعوبة».
إعادة إصلاح للسلطة الفلسطينيةوأكمل: «الفصائل تحدثت عن عملية تأهيل، وإعادة إصلاح للسلطة الفلسطينية حتى تكون مقبولة، خاصة أن هناك اتهامات كثيرة للسلطة في أنها ضعيفة وفاسدة، وتحدثت أيضا على سيناريوهات من أجل كسب الوقت، للعودة لطاولة المفاوضات، للتخلص من الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وإيجاد طرف يمكن أن يتحدث عن حل الدولتين».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القضية الفلسطينية حل الدولتين فلسطين غزة حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
فلسطين.. وهم «الدولتين» وعبء العدالة المعلّقة
سيظلّ الضمير العربي يعيش أزماته الوجودية أمام ما يجري في فلسطين؛ بل لعلّه لن يفعل سوى ذلك، وهو أن يمتحن نفسه بالألم كلّما انفتح الجرح في جسد القضية، ثم يستسلم لحالات من الإحباط الجماعي. إنّها حالة تتقادم، لتنشط في سياقات بعينها، ثم تموت، وما بين الانفعال والذبول تتجلّى مأساتنا الكبرى: أن نظلّ أسرى أحزاننا المؤقّتة، أحزان مشحونة بالعجز رغم بلاغة الجرح وفداحة الألم.
وهنا يظلّ السؤال معلّقًا، وهو: كيف تَعْبُر الشعوب من لحظة التَّعاطُف إلى فِعلٍ مُنتِج؟ وكيف نُحوِّل رصيد الغَضب إزاءَ ما يَحِلّ بنا في فِلسطين إلى طاقةٍ مَعرفيّة تُسهِم في تَفكيكِ الأَزْمة من جُذورِها، لا الخضوع لإغواء مَفاهيم «الأُمّة، والأُخوّة...» وبقيّة المُونولوجِ المُتعبِ بالتأمُّلاتِ الحَرِجة؟
وقد يُسارع القارئ إلى القول إنّ كلّ الحلول قد فشلت، ولم يبقَ سوى المقاومة. ولن نقول بخطأ هذه الرؤية، ولكننا نشير إلى أنّها، في كثير من السياقات، تُعَبّر عن هشاشة الوعي، عن إرادة في مساندة غير فعّالة للمعذّبين في غزة؛ إذ تأتي غالبًا من ضميرٍ مشنوقٍ بالجزع السلبي، لا من عقلٍ يُجيد تدبير البدائل أو تخيّل الممكن. فرفع شعار المقاومة كخيار وحيد دون الاستعداد لتحمّل كلفته، لا يُعدّ بطولة، بل تنصّلًا مقنّعًا بالعاطفة. فالأسهل لديك أن تناصر المقاومة دون النظر في إنسانها ومعاناته، بينما لا تحتمل تغيّر أسعار السلع في مراكز التسوّق، وتجزع إن مُسّ نمط رفاهك الاستهلاكي. فكيف يستقيم ذلك؟
وهذه المقالة القصيرة لا تدّعي قدرتها على معالجة أزمة المعنى في المساندة العربية لقضيتنا الفلسطينية، لكنها تطمح إلى طرح جملة من الأسئلة المؤجّلة، وهي: كيف يمكننا العرب أن نُفعّل أدواتنا المعرفية لصالح موقفٍ أكثر عقلانية ورصانة وفاعلية؟ أن نبحث في موقفٍ يُسهم لا في تخفيف الألم فقط، بل في دفع المعاناة بعيدًا عن أهلنا في غزة؟
لذا، تنطرح أمامنا جملة تساؤلات: فهل الحلّ في الهتاف، أم في النظر إلى القضية في أفقها الإنساني، والدفع في اتجاه ربطها بالضمائر الحية من كل لون ودين؟
إنها أسئلة مهمة لمقالنا هذا، فقد كنّا قد كتبنا عن بعض الأصوات الفرنسية التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني، أمثال: جان جينيه، وجيل دولوز، وريجيه دوبريه. وهؤلاء كلهم لا يساندون قضيتنا إلا لأنها قضية إنسانية أولًا وأخيرًا. لقد رأوا في فلسطين معيارًا أخلاقيًا لإنسانيتهم هم، قبل العرب والمسلمين.
وامتدادًا لتصحيح النظر في هذا «الآخر»، فإننا نضع أمام القارئ بعض ملامح كتاب صدر مؤخرًا في فرنسا بعنوان «فلسطين 2025: نحو الحل النهائي؟»، عن دار فانتاسك للنشر، ضمن سلسلة فكرية تحمل اسم «عكس التيار». وتشتهر هذه الدار بإصداراتها الناقدة للتيار السياسي الفرنسي والأوروبي، فقد صدرت عنها مؤلفات ذات قيمة عالية.
ويأتي هذا الكتاب في توقيت تشتعل فيه الساحة السياسية والفكرية في فرنسا حول دور وموقف باريس من القضية الفلسطينية، ويقدّم الكتاب نصًا مكثّفًا طارحًا جملة من الأسئلة الحرجة حول المسار الأخلاقي والسياسي للغرب، وبالدقة يتناول مسألة «حل الدولتين». أما مؤلف الكتاب، فهو جاك دوك، الكاتب الفرنسي الذي يُعدّ أحد المثقفين النقديين الذين يكتبون بروح عالية من التمرّد، ويعملون على تفكيك الخطاب السياسي الغربي. والمؤلف هنا لا يقدّم في كتابه حلولًا تقنية أو وصفات دبلوماسية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، مُفكّكًا ما يسميه «وهم الواقعية» في السياسة الدولية، ومُظهرًا كيف تحوّل ما يُروّج له كـ«حل نهائي» إلى أداة ناعمة لتجميل الهزيمة وإدامة السيطرة تحت غطاء إنساني زائف.
ودوك، الذي لا يرى في «حلّ الدولتين» تسوية عادلة مستحيلة التنفيذ فحسب، يَعدّها وصفة دبلوماسية ميّتة تُستخدم للهروب من مواجهة الأزمة الفلسطينية باعتبارها مسألة أخلاقية أولًا. لذا فإنه يرى أنّ الدولة التي يُروَّج لها أمام الفلسطينيين ليست وعدًا بالتحرر، بل عرضًا مشروطًا للبقاء، وحبسًا لهم في جزرٍ جغرافية محاطة بالجدران، ما يُفرغ فكرة الاستقلال من معناها. ويصف المؤلف القول بحل الدولتين بالخديعة، لأنه لن يحقق سلامًا، بل سيظل غلافًا تفاوضيًا يُعيد تعريف الفلسطيني، لا كصاحب حق، بل ككائن يُمتحَن سلوكه قبل أن تُمنح له حقوقه.
وتمضي حُجّة دوك إلى ما هو أبعد من نقد التسوية، حين يُبرز أن دعاة «حل الدولتين» - سواء في الغرب أو في مَن يُردّد صداهم عربيًا - لا يؤمنون فعلًا بحق العودة، بل يتجاوزونه بصمتٍ متواطئ، يُعيد ترسيم الفلسطيني كـ«كيان مؤقت» تحت رعاية مفاوضات مؤجلة. فيبقى الفلسطيني جسدًا معلَّقًا في الزمن، لا يسكن وطنًا، بل ينتظر موعدًا مؤجَّلًا لا يأتي. ويُقدّم دوك قراءة تتهم هذا العالم المُبشّر بـ«الحل الأخير» بأنه سادر في التضليل، يُقايض الإنسان بالوثيقة، والحق بالخريطة، والكرامة بالإرجاء.
وقد كتب دوك بأنه لم يبقَ للقضية الفلسطينية أي حل يُذكر، فقد انغلقت الدائرة بحيث لم يبقَ سوى حل واحد، يُراد له أن يصبح حلًا نهائيًا، على الرغم من تكشّف زيفه أمام الجميع. ويرى المؤلف استحالة التعايش المزعوم من قِبل المبشّرين بحل الدولتين، قائلًا: «لقد فاضت هذه البقعة الصغيرة من الأرض المقدسة على مدار القرن الماضي بفيض من الكراهية، لدرجة أن التعايش فيها لم يعد ممكنًا. إنّ الاعتراف بدولة ثانية على نفس الأرض ليس إلا إدامة لحالة حرب إلى أجل غير مُسمّى. وبما أنّ التفوق العسكري الإسرائيلي حالة سياسية مستديمة، فإنّ الاعتراف بدولة فلسطينية لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد محنة الشعب إلى أجل غير مُسمّى.»
ويعود دوك إلى لحظة البريطانيين، ليشير إلى أن فكرة ثنائية الوجود في الأراضي المقدسة هي مصدر الكارثة، وأنه، بناءً على منطق التقسيم الثنائي هذا، وُفّر للكراهية منطقها الخاص.
من الواضح أن الإشكال لا يتعلق بالتسوية، بل بطبيعتها وإمكانية تحقيقها على الأرض. فالأزمة، لديه، تتصل بوقوعها أمام ميزان أخلاقي مختلّ، ميزان تُوزّع فيه العدالة وفق خرائط المصالح، ولا مكان فيه لمعاناة الإنسان. إنّ دوك ضمير حيّ في فضاء سياسيّ ميت، وكتابه شهادة على أن الإنصاف لا يُولد من العرق أو الدين أو الموقع الجغرافي، بل من يقظة الوعي وإرادة العدالة.
إنه يُعلّمنا، ومن الضفة الأخرى، أنّ الوقوف إلى جانب الحق لا يحتاج إلى لغة مشتركة، بل إلى ضمير حرّ لا يُساوم. ولذا قلنا إنّ مدّ جسور الصلة مع هذه الأصوات ليس ترفًا نخبويًا، بل ضرورة استراتيجية لتوسيع جبهة الإنصاف، وتعزيز حضور القضية خارج حدود الخطاب العربي، بوصفها قضية إنسانية لا تحتمل التجزئة ولا التأجيل.
والحقيقة أنّ الآخر ليس «آخر» لأنه يختلف عنا، أو لأنه يملك هويةً خاصة، فيجعلنا ذلك ننظر إليه من على ضفتنا نحن، ولا نجرؤ العبور إليه في الضفة الأخرى. فما يجب أن ندركه أنّ الخير حالة إنسانية، وليس لنا أن نختبئ منه ونتوجّس، فقط لأنه لا يعتنق مبادئنا، ولا يوافقنا الرؤية إلى العالم أو قناعتنا تجاه الوجود.
وما نريده أن ينغرس في الوعي العربي هو هذا، لذا يظلّ مطمحنا مراجعة تلك النظرة المرتابة التي لا ترى في «الآخر» إلا خصمًا، وتظنّ أنّ قضيتنا معتقلة في سياق عقدي أو عرقي. لأنّ إعاقة هذا التواصل مع الضمائر الحيّة في الغرب سيُضعف قدرتنا على بناء جبهة أخلاقية عالمية منصفة لفلسطين. فالحقيقة لا تُولد إلا في ساحاتنا.
وهذا هو عين ما حذّر منه ابن رشد منذ قرون، حين علّمنا القفز فوق الأسوار اللغوية والمذهبية، ودوّن مقولته الخالدة: «الحكمة ضالة المؤمن، يأخذها ممن قالها». وأيضًا قال الإمام علي، كرم الله وجهه: «الناس صنفان، إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخَلق». فالحقيقة، كما الضمير، لا تُوزن بمصدرها، بل بقدرتها على الإنصاف. وبهذا المقياس وحده تُقاس العدالة، وتُعرف القضايا التي تستحق النُصرة.
غسان علي عثمان كاتب سوداني