هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

بعد انقطاع طويل عن مشاهدة الأفلام والسينما، سببه الوضع العام في العالم العربي، وفي غزة بالتحديد، قررت العودة إلى أكثر ما أحب في حياتي: مشاهدة السينما والكتابة عنها.

وبالتأكيد، خلال هذه الفترة بالتحديد، وتماشيا مع كل ما يجري، وجدت أن أفضل فيلم لإعادتي لما أحب هو فيلم "الأستاذ" للمخرجة الفلسطينية البريطانية فرح النابلسي، الذي يعرض الآن في دول الخليج.

يحكي فيلم "الأستاذ" قصة معلم مدرسة تربطه علاقة قوية بأحد طلابه، وتقربهما أكثر عملية خطف جندي إسرائيلي قد تحدد مصير شعب بأكمله. هناك الكثير من التفاصيل في قصة الفيلم، لو أضأنا عليها هنا، قد يتسبب ذلك بحرق الكثير من الأحداث، لذا أترك لكم/ن فرصة المشاهدة واستكشاف القصة بأنفسكم/ن.

لا أنسى أبدا المشاهد الأولى من الفيلم، التي تضع المُشاهد في أجواء ما هو مقبل على مشاهدته: رجل أربعيني يقود سيارته من منزله إلى المدرسة، يدخن سيجارة، وعلى جنبات الطريق، نرى الجدار العازل في الضفة الغربية، الحواجز التي توقف الفلسطينيين لساعات، الجنود الإسرائيليين الواقفين إلى جانب هذه الحواجز، مدججين بالسلاح خوفا من أي "هجوم" أو "حركشة"، السيارات العسكرية التي تجعل من هذا المكان الجميل بطبيعته الأخاذة مكانا موحشا مخيفا. نرى أيضا المستوطنات التي تعتلي رؤوس الجبال، وتطل على منازل فلسطينية متناثرة هنا وهناك على جنبات الجدار العازل. بعد أن تشاهد هذا المشهد بالتحديد، اعلم/ي أنك على وشك الغوص في قصة تتحدث عن الظلم والجبروت بحق شعب كامل.

يعالج الفيلم عدة قضايا وقصص يعيشها الفلسطيني يوميا، كهدم المنازل مثلا. ففي أحد المشاهد، يصل الأستاذ إلى منزله، ليجد جيرانه يصرخون على جنود إسرائيليين على وشك هدم منزلهم. كلها لحظات، وتبدأ الآلية بهدم جدران المنزل، وسكانه يشاهدون. كل ما يمكنك التفكير به في تلك اللحظة هو: ماذا لو كان هذا منزلي؟ كيف سيكون شعوري؟

Credit: The Teacher

تداخلات كثيرة بين شخصيات الفيلم تزيد من تعقيد القصة مع الوقت، ولكنها في نفس الوقت حالة إنسانية بسيطة يعيشها الفلسطيني يوميا. ففي الوقت الذي تبدو فيه الأشياء خارجة عن المعقول وغير حقيقية بالنسبة لنا كأشخاص يشاهدون فيلما كهذا، تبدو الأمور بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون هذا النوع من المعاناة أمرًا مفروغًا منه. 

ولعل هذا يظهر واضحا في مشهد حرق أشجار الزيتون، حيث يلمح أحد الجيران مستوطنين في كرم الزيتون يحرقون الأشجار، فتهرع العائلة لإنقاذ ما تبقى من الأرض، لكن صوت إطلاق النار في تلك اللحظة، يجعلنا ننسى الزيتون والحرائق والأرض، ونركز على من تلقى جسده الرصاصات. ندرك الإجابة لاحقا، ولكن لا زالت عيون ذلك المستوطن الجشع الحاقد راسخة في أذهاننا، فهو في تلك اللحظة وبنظراته يتحدى أصحاب الأرض، ويتحدى أيضا الجمهور الذي يجلس أمام الشاشة يتابع سير القصة، فيذكرنا أن الإفلات من العقاب أصبح سمة في هذا الزمن.

نتعرف إلى ليزا، الشابة البريطانية التي تعمل مع الشباب الأحداث الفلسطينيين بعد خروجهم من السجن الإسرائيلي، والتي تتطور بينها وبين الأستاذ علاقة حب وصداقة قوية، وتساعده في الوقوف إلى جانب الطالب آدم، الذي يتعرض إلى صدمات متتالية في حياته، بدءا من حبس أخيه، إلى هدم منزله، وكل ما يليها من صدمات متلاحقة تظهر في الفيلم. ليزا تذكرنا دائما أن جزءا كبيرا من هذا العالم يقف إلى جانب الفلسطيني في وجه الاحتلال والعدوان، وأن السردية لا زالت قائمة وتتغير إلى صالح الفلسطينيين في وجه البروباغاندا الإسرائيلية.

لعل المشهد المحوري في الفيلم هو ذلك الذي جمع الأستاذ بوالد الجندي المختطف، حيث صنعت المخرجة، وهي أيضا كاتبة الفيلم، مقاربة بين أبين يأتيان من سياقات مختلفة، ويعقدان مقارنة بين حياة وسلامة ابنيهما، فوالد الجندي المختطف يشتاق لابنه، ولا يعرف مصيره، ويتمنى أن يتوصل إلى أي معلومة تنقذ حياته، أما الأستاذ، وهو أب لطفل فلسطيني، سجن وهو لم يتجاوز الستة عشر عاما، بسبب مشاركته في مظاهرة ضد إسرائيل، فهو يتمنى لو تغيرت الظروف والأحداث ولم يسمح له بالذهاب إلى المظاهرة. غير أن الجملة التي تترك أثرا عميقا في نفس كل من يشاهد الفيلم هي تلك التي قالها الأستاذ: "لا يمكنك مقارنة ابنك بابني، فبالنسبة للعالم، ابنك يساوي ألفا من ابني."

يؤدي الممثل الفلسطيني صالح بكري دور الأستاذ، وقد أصبح صالح علامة كبيرة في السينما الفلسطينية، بجسده النحيل، وملامحه السمراء، وقدرته على تقديم شخصية الفلسطيني بكل أشكالها. وهذا ليس التعاون الأول بين فرح النابلسي وصالح بكري، بل سبق وقدم دور الأب أيضا في فيلمها القصير "الهدية".

كنت أتمنى لو انتهى الفيلم عند مشهد الجنود الإسرائيليين وهم يقبضون على الأستاذ، ويطرحونه أرضا والكاميرا قريبة جدا من وجهه. كنت أحب لو أن هذا هو المشهد الذي يرسخ في عقل المشاهد مع نهاية الفيلم، لنتذكر أن هذا الظلم مستمر ولم يتوقف.

فرح النابلسي، وبهذا الفيلم، قدمت شكلا سينمائيا يفهمه الجميع، ويتقبل سرديته، ويجعله باستخدام الصورة البصرية يفهم أن هناك أشكالا متنوعة لمعاناة الشعوب، ولكن هناك شعوبا معاناتها تنتهي مع نهاية المشكلة، وهناك شعوب معاناتها تستمر ولم يكتب لها، بعد، أن ترى الضوء في نهاية نفق معاناتها. "الأستاذ" فيلم يفهمه الفلسطيني والعربي والأجنبي; فيلم يشرح معاناة الفلسطينيين في 120 دقيقة فقط.

إسرائيلأفلامالسينماالقضية الفلسطينيةرأينشر الجمعة، 16 فبراير / شباط 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: أفلام السينما القضية الفلسطينية رأي

إقرأ أيضاً:

تصعيد ميداني ومعلومات غير دقيقة

أفادت مصادر ميدانية أن الجيش ، وبعد الكشف على المنزل الذي كانت إسرائيل قد هددت بقصفه في بلدة بانوح الجنوبية، لم يعثر على أي بنية تحتية عسكرية أو أسلحة أو تجهيزات قتالية بداخله، ما يثير علامات استفهام جدية بشأن دقة المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية.

وتضيف المصادر أن هذه النتيجة لا تشكّل حالة استثنائية، إذ سبق للجيش أن أجرى عمليات تفتيش مماثلة في منازل ومواقع تعرّضت للقصف خلال الأسابيع الماضية، من دون العثور على أي سلاح أو نشاط عسكري.

ويعزز ذلك الانطباع بوجود خلل أو عمى استخباري لدى إسرائيل، في مقابل تصعيد ميداني يستند إلى معطيات غير دقيقة. المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة تصعيد ميداني اسرائيلي وحزب الله يُنبّه: هناك من يجرّنا الى "مشكل" لبناني داخلي Lebanon 24 تصعيد ميداني اسرائيلي وحزب الله يُنبّه: هناك من يجرّنا الى "مشكل" لبناني داخلي 14/12/2025 08:31:34 14/12/2025 08:31:34 Lebanon 24 Lebanon 24 أمر "غير دقيق" يخصّ "حزب الله" Lebanon 24 أمر "غير دقيق" يخصّ "حزب الله" 14/12/2025 08:31:34 14/12/2025 08:31:34 Lebanon 24 Lebanon 24 كلام "غير دقيق" عن السوريين Lebanon 24 كلام "غير دقيق" عن السوريين 14/12/2025 08:31:34 14/12/2025 08:31:34 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا الأسبوع أم بعده؟ ماذا قالت "معاريف" عن "تصعيد لبنان"؟ Lebanon 24 هذا الأسبوع أم بعده؟ ماذا قالت "معاريف" عن "تصعيد لبنان"؟ 14/12/2025 08:31:34 14/12/2025 08:31:34 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص رادار لبنان24 الإسرائيلية الإسرائيلي إسرائيل باريت باري بانو سابي قد يعجبك أيضاً حركة ايجارات غير مسبوقة "منذ شهر" Lebanon 24 حركة ايجارات غير مسبوقة "منذ شهر" 01:15 | 2025-12-14 14/12/2025 01:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 براك في تل أبيب لمنع التصعيد ومهلة جديدة لجنوب الليطاني.. ميقاتي: الفرصة متاحة لحل عبر "الميكانيزم" Lebanon 24 براك في تل أبيب لمنع التصعيد ومهلة جديدة لجنوب الليطاني.. ميقاتي: الفرصة متاحة لحل عبر "الميكانيزم" 01:00 | 2025-12-14 14/12/2025 01:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 صباح اليوم.. استهداف جرافة جنوبا Lebanon 24 صباح اليوم.. استهداف جرافة جنوبا 00:30 | 2025-12-14 14/12/2025 12:30:02 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد إلغاء إسرائيل لضربتها.. هذا هو الوضع في يانوح صباح اليوم Lebanon 24 بعد إلغاء إسرائيل لضربتها.. هذا هو الوضع في يانوح صباح اليوم 00:15 | 2025-12-14 14/12/2025 12:15:43 Lebanon 24 Lebanon 24 بشأن الجيش و"الحزب".. رسائل إسرائيلية وصلت إلى لبنان! Lebanon 24 بشأن الجيش و"الحزب".. رسائل إسرائيلية وصلت إلى لبنان! 23:50 | 2025-12-13 13/12/2025 11:50:44 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة الأمطار عائدة.. منخفض جديد مصحوب بكتل هوائية باردة سيضرب لبنان في هذا الموعد Lebanon 24 الأمطار عائدة.. منخفض جديد مصحوب بكتل هوائية باردة سيضرب لبنان في هذا الموعد 03:59 | 2025-12-13 13/12/2025 03:59:12 Lebanon 24 Lebanon 24 إسرائيل تستبق الأعياد بمحاصرة لبنان بالنار والبارود Lebanon 24 إسرائيل تستبق الأعياد بمحاصرة لبنان بالنار والبارود 09:01 | 2025-12-13 13/12/2025 09:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد التهديد الإسرائيليّ... هذا ما تشهده بلدة يانوح الآن Lebanon 24 بعد التهديد الإسرائيليّ... هذا ما تشهده بلدة يانوح الآن 10:55 | 2025-12-13 13/12/2025 10:55:45 Lebanon 24 Lebanon 24 كيف يمكن لهذه الدولة الخليجية أن تساعد لبنان؟ Lebanon 24 كيف يمكن لهذه الدولة الخليجية أن تساعد لبنان؟ 10:30 | 2025-12-13 13/12/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 قمار تحت الأرض يُكشف.. ومداهمة خاطفة تُنهي اللعبة في قلب بيروت! Lebanon 24 قمار تحت الأرض يُكشف.. ومداهمة خاطفة تُنهي اللعبة في قلب بيروت! 01:45 | 2025-12-13 13/12/2025 01:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب "خاص لبنان24" أيضاً في لبنان 01:15 | 2025-12-14 حركة ايجارات غير مسبوقة "منذ شهر" 01:00 | 2025-12-14 براك في تل أبيب لمنع التصعيد ومهلة جديدة لجنوب الليطاني.. ميقاتي: الفرصة متاحة لحل عبر "الميكانيزم" 00:30 | 2025-12-14 صباح اليوم.. استهداف جرافة جنوبا 00:15 | 2025-12-14 بعد إلغاء إسرائيل لضربتها.. هذا هو الوضع في يانوح صباح اليوم 23:50 | 2025-12-13 بشأن الجيش و"الحزب".. رسائل إسرائيلية وصلت إلى لبنان! 23:18 | 2025-12-13 الاهتمام الدولي بلبنان: ابعاد وخلفيات فيديو في رسالة مسجلة.. الملك تشارلز يكشف عن تطور لافت في علاجه من السرطان (فيديو) Lebanon 24 في رسالة مسجلة.. الملك تشارلز يكشف عن تطور لافت في علاجه من السرطان (فيديو) 00:21 | 2025-12-13 14/12/2025 08:31:34 Lebanon 24 Lebanon 24 هل بدأ العدّ التنازلي لعمل عسكري أميركي ضد فنزويلا؟ Lebanon 24 هل بدأ العدّ التنازلي لعمل عسكري أميركي ضد فنزويلا؟ 10:00 | 2025-12-11 14/12/2025 08:31:34 Lebanon 24 Lebanon 24 محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! Lebanon 24 محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! 05:09 | 2025-12-06 14/12/2025 08:31:34 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • رئيس عمّان الأهلية يُكرّم الطلبة الفائزين في مسابقات وطنية
  • بحث تعزيز التعاون الأكاديمي بين جامعتي عمّان الأهلية وفلسطين الأهلية
  • تصعيد ميداني ومعلومات غير دقيقة
  • جامعة مطروح تشارك في مبادرة “مطروح الخير” بواحة سيوة
  • معاناة الفلسطينيين تتفاقم.. الأمطار تودي بحياة 11 شخصا في غزة
  • الابتكار وريادة الأعمال.. ورشة عمل في المجلس الأعلى للجامعات
  • 30 دقيقة .. إنبي يتقدم على الأهلي في كأس عاصمة مصر
  • الضرائب تشرح كيفية احتساب الـ 0% على الخدمات المصدرة
  • 4 أسئلة تشرح كيف يؤثر إلغاء قانون قيصر على معيشة السوريين؟
  • الغلق الإدارى والتشميع لـ 10 منشأت تجارية لإدارتها دون ترخيص بحى غرب المنصورة