الطبقة السياسية السودانية والقابلية للاستعمار: دعوة إلى الانعتاق (2-2)
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
لم تسلم قضايا السودان المصيرية من ربطها بالعامل الأجنبي أو الخارجي بحثاً عن حلول، والأمثلة على الارتهان للخارج والتعويل عليه كثيرة في تاريخنا الحديث وحتى القديم، وعلى سبيل المثال للحصر فقط، نجد أن معظم قضايا الحرب والسلام في السودان ارتبطت بالخارج واتخاذ مقار خارجية للمفاوضات والحوار، مرورا باتفاقية أديس أبابا في عام 1972 م وانتهاء بنيفاشا التي فصلت الجنوب في عام 2005م وكذلك الحال في اتفاق كوكا دام في 1986م واتفاقيات الدوحة للسلام وقرارات الأمم المتحدة بشأن دارفور وغيره مما لا يسع المقام لذكره.
إن القضاء على داء القابلية للاستعمار يتطلب تغييرا في الذات وإصلاحها والثورة على القوالب الموروثة التي تبعث على الركود لا التجديد والنظر إلى الحال دون المآل والاعتماد على الحلول الداخلية وإبعاد العوامل الخارجية التي تؤثر سلباً على التوافق الداخلي. وهذا كله يتطلب نمطاً فكرياً وسلوكياً حديثاً مغايراً ومعايير جديدة في ظل الواقع الذي أفرزته الحرب الجارية، فالشفاء من مرض القابلية للاستعمار، يتطلب وعياً أكبر في الحياة الداخلية وأول مراحل هذا الوعي أن يعقب هذه الحرب ثورة مفاهيمة للتعاطي مع قضايا الحرية والمساواة والعدالة ومحاربة الفساد ليس بالشرعية الثورة أو القانونية فقط، بل بمفاهيم جديدة، وأول هذه المفاهيم في رأيي هو تصفية الفكر السياسي السوداني من القابلية للاستعمار نفسيا.
علينا أن ندرك أن الاستعمار (الاستخراب) في ثوبه الجديد أصبح يعتمد على حروب الجيل الرابع أو ما يعرف بحروب الوكالة (Proxy war) التي يستخدم فيها تضييق الخناق الاقتصادي واستغلال التناقضات الداخلية للدول وتسخير مجلس الأمن ومنظماته الدولية والحقوقية والتجمعات الإقليمية لخدمة أجندة ومصالح الدول الكبرى. التعويل على العامل الخارجي لن يفيدنا البتة ودونكم الصراعات الحديثة منذ اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916م وما حدث لفلسطين ومروراً بحرب البوسنة والهرسك، وحروب الخليج وما يعرف بالحرب على الإرهاب وما يعرف بثورات الربيع العربي وحرب غزة الحالية وسابقاتها والحرب الحالية ضد الشعب السوداني، للأسف العامل الخارجي في كل هذه القضايا ظل متحاملاً على هذه الشعوب وقائماً على مراعاة المصالح القومية البرغماتية للدول الكبرى، وإن تدثرت كذباً وزوراً بدثار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا لا يعني أن نلتزم العزلة، بل لا بد من الحذر في وضع السياسة الخارجية التي تراعي مصالحنا القومية وتقوية الجوانب الاقتصادية والاعتماد على الذات بصورة أكبر.
وللتخلص من معضلة القابلية للاستعمار لا بد من التعويل على العامل الداخلي في المقام الأول من خلال الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية، فلنحافظ على النسيج الاجتماعي بالبعد عن الاستقطاب السياسي والعرقي والديني والاشتطاط في المواقف السياسية، بل يجب الاعتراف بالآخر وعدم المزايدة على وطنية بعضنا البعض طالما غاب ذلك الارتماء في حضن الخارج. علينا الابتعاد عن نشر الشائعات التي تضر بالأمن القومي، علينا الكف عن كل ما هو من شأنه إضعاف الجيش -مهما بلغ الأمر – فلا نشكك في وطنيته أو مقدرته على الفعل، ووصفه بالخيانة والجبن؛ لأن مواقف بعض قادته لم توافق هوانا، فللجيش تقديراته التي لا نراها نحن العوام وللأمن القومي أبعاده التي نفهمها نحن العوام بالكلية.
على ساستنا البعد عن الارتماء في براثن العامل الخارجي تحقيقا لمصالح حزبية ضيقة، واجبكم أيها السادة دون استثناء الإعلاء من قيمة الوطن بعدم التعنت في المواقف السياسية وعليكم التحلي بالمرونة حيال غرماء السياسة وعليكم بالتنازل من أجل تحقيق الوفاق السياسي وسعة الصدر وخفض الجناح في التفاوض والتحاور، عليكم بضبط الخطاب السياسي والشعارات السياسية لتخدم قضايا الوطن والوقوف مع الجيش في خندق واحد تعظيماً للمقاومة الشعبية وسنداً لها من أجل ردع التمرد وهزيمة داعميه من الخارج الذين يتربصون بالسودان شرا.
د. أحمد عبد الباقي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.
وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of listأما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.
ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".
الحرب أنهكت المجتمعوذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.
إعلانولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.
ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.
واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".
وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.
وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.
وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.
قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطيةولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.
إعلان
غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.
وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".
وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".
وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".
وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.