عربي21:
2025-07-02@05:41:18 GMT

تفسير القرآن في الميدان.. قاموس المقاومة (14)

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

القرآن العظيم -على الأصح- كما يقول السيوطي في الإتقان؛ نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجّما في عشرين سنة، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة. ومعنى نزوله منجما: أنه نزل مفرقا، أي لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجزّءا، حسب الوقائع والأحداث، والعرب تقول للمفرق: منجما.



وأما لماذا نزل كذلك، ولم ينزل دفعة واحدة؟ فقد تولى الله جواب ذلك، فقال سبحانه: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَة وَاحِدَة ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ" (الفرقان:32)؛ قال السيوطي: يعنون كما أُنزل على من قبله من الرسل. فأجابهم الله بقوله "كَذَٰلِك" أي أنزلناه كذلك مفرقا "لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ" أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز؛ وكذلك لأن فيه جواب من يسأل عن أمور ووقائع وغير ذلك.

فالحكمة في نزوله منجما هي تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم على المُضي في تبليغ الدعوة وعدم اليأس من تأييد الله له ونصره عندما يواجهه المشركون بأنواع من العُنْف والبطش؛ وفي كل وقت كان يتعرَّض لمثل هذه الأزمة فيفرج الله عنه بجرعة من القرآن الكريم، فيها التأسّي بأولي العزم من الرسل والوعد بالمثوبة والنصر المُؤَزَّر. ومن الحِكم ملاحقة الأحداث الجارية والإجابة على الأسئلة المتنوعة والطارئة، وكذلك من الحِكم التدرُّج في التشريع والتربية؛ تدرُّج القرآن في تأسيس الأمّة وتربيتها على الإيمان، والأخلاق، والمعاملة الحَسَنة؛ ليصلوا إلى الإخلاص في العمل الصالح، وذلك كلّه ممّا يُسهّل حفظ القُرآن للأمّة؛ فلو نزل عليهم مرّة واحدة لَما استطاعوا حِفظه، وفَهمه، كما أنّ نزوله مُفرَّقا يُمهّد لهم تغيير بعض العقائد والأحكام التي تعلّقوا بها، وممّا يدلّ على هذه الحكمة قول الله تعالى: "وَقُرآنا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلا" (الإسراء: 106).

أما عن الجهاد على ما أكد عليه الدكتور فارس العزاوي؛ فهو في الاستعمال الشرعي جاء مقصودا عند الشارع بما جعله ذا خصوصية مفاهيمية تميزه عن معناه اللغوي الدال على الإطلاق، وهذا الذي دفع ابن عاشور مثلا إلى القول: "والجهاد والمجاهدة من المصطلحات القرآنية الإسلامية". والظاهر أن هذه المواضعة الشرعية قد أعطت الجهاد أبعادا دلالية ذاتية بموجب ما يثيره سياقه المجالي، فضلا عما تضيفه إليه الضمائم اللفظية من دلالات ومعانٍ.

وهذا المؤدى المفاهيمي تثبته دلالات الخطاب الشرعي كتابا وسنة، فإن السعة الدلالية التي يثيرها مفهوم الجهاد في هذا الخطاب تثبت كونه مفهوم منظومة لها مفتتح ومختتم، ولها علائق وضمائم يلزم اعتبارها في مسالك التناول والتداول والتفعيل والتشغيل، وهو مفهوم يتجلى بحسب السياقات التي يوجد فيها. ولا يمكن البتة إدراك المقاصد المفاهيمية للجهاد إلا بالوقوف ابتداء على سياقات الورود التي يمكن تلمسها في إطار تطور المفهوم في الخطاب الشرعي، وصولا إلى مرحلة الاستقرار في بنيته الدلالية والهندسة الإلهية له.

لقد شرع النظم القرآني وبيانه النبوي بابتناء البنية الدلالية لمفهوم الجهاد وفقا لما اقتضاه بناء إنسان الرسالة الخاتمة وإخراج الأمة المسلمة وجودا وحضورا، والناظر في السياقات الخطابية لمفهوم الجهاد في القرآن يقف -من حيث وروده اللفظي في القرآن المكي- على ست آيات تعد تأسيسا للمقومات المنظومية للمفهوم. والمرتكز الأساس الذي انطلق منه القرآن في تشكيل البنية المفاهيمية للجهاد تمثل في بناء الحجة الخطابية والبرهانية التي تُنَبه الإنسان إلى مغزى وجوده ووظيفته، ولذلك جاء قوله تعالى: "فَلا تُطِعِ الكافِرينَ وَجاهِدهُم بِهِ جِهادا كَبيرا" (الفرقان: 52) في سياقٍ جمع بين حقائق القرآن وحقائق الكون لتتساند في إظهار مقاصد الحق من الخلق وإثباتها بدلائلها. وضمان بناء هذه الحجة إنما يتحقق بالتأسيس على مرجعية حاكمة دلت عليها "به" في الآية؛ إشارة إلى القرآن المجيد في قول أكثر المفسرين.

لاحظت عند مطالعتي لصفحات التواصل الاجتماعي أن الكثير ممن تفاعلوا مع طوفان الأقصى؛ وضعوا على صفحاتهم آيات قرآنية ترتبط بمفهوم الجهاد وتوابعه ومضامينه وآثاره ومقاصده من دون تعقيب أو تفسير؛ أحسب أن هؤلاء أرادوا توجيه رسالة للكافة بأن ذلك لم يكن ذلك في حقيقة الأمر إلا إشارة إلى أن تلك الآيات الواردة في باب الجهاد تجد تفسيرها الميداني من يوميات المعارك.

"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" (الأنفال: 60).

"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ" (التوبة: 14).

"أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ، فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ" (الصافات: 176-177).

"كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (المجادلة: 21).

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 200).

"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21).

"وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" (آل عمران: 126).

"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (آل عمران: 139 -140).

"وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" (الصافات: 171 -173).

"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" (الحج: 39).

"وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" (آل عمران: 146).

"لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ" (آل عمران: 111).

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 200).

"وَكَانَ حَقّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم: 47).

"أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة:214).

"قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ" (التوبة: 52).

"وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ" (النساء: 104).

"فلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّا" (مريم: 84).

"وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" (آل عمران: 126).

"رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (البقرة: 250)

"وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ" (القصص: 5-6).

twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القرآن الاسلام القرآن التنزيل مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة آل عمران ة واحدة

إقرأ أيضاً:

ميدان.. عودة إلى الميدان

حلت بالأمس ذكرى نازلة 30 يونيو الثانية عشرة، وبعد يوم ستحل الذكرى الثانية عشرة لانقلاب 3 يوليو المشؤوم.. تلك النازلة التي وصفها الراحل الدكتور محمد الجوادي بـ"الهزيمة"، واعتبر -وهو المؤرخ- أنها ألحقت بمصر أضرارا تساوي في فداحتها ستة أضعاف هزيمة يونيو 1967، ناهيك عن أن وصف "الهزيمة" يعني بالضرورة، أنها وقعت على يد عدو خارجي!

يقول الدكتور الجوادي في تغريدته (2019):

"هزيمة 30 يونيو ستة أضعاف هزيمة 5 يونيو.. في 5 يونيو خسرنا الحرب، لكننا في 30 يونيو، خسرنا استقلال الوطن، والسلام الاجتماعي، والوحدة الوطنية، ومهابة مصر، والهوية الأخلاقية، والتحول الديمقراطي".

بعد اثني عشر عاما من "هزيمة" 30 يونيو، لم يعد هناك مجال للشك بأنها هزيمة نكراء، ألحقها بمصر الرباعي النَّكِد (الإمارات، السعودية، الكيان الصهيوني، أمريكا) بالتواطؤ مع قيادة الجيش المصري، ممثلة في وزير الدفاع المنوط به الحفاظ على سلامة الوطن أرضا وشعبا، من أي عدوان خارجي!

اثنا عشر عاما من الظلم والاضطهاد والقهر والإذلال والإفقار لكل مصري، راضٍ أو ساخط، معارض أو موالٍ! فما بالك بمن ينادون بإسقاط هذا النظام المستبد الفاسد المفسد الموالي لأعداء مصر وشانئيها جميعا، القريب منهم والبعيد؟

اثنا عشر عاما من التفريط، في كل شيء، بغير حساب.. نيل، غاز، سواحل، موانئ، مصانع، شركات، أصول ثمينة، آثار نادرة، أحياء تاريخية.. باختصار وفي جملة واحدة، تفريط في مصر، التاريخ والجغرافيا، الحاضر والمستقبل!

مقابل ماذا؟

مقابل سداد ديون ذلك الحلم المسعور بالساعة الأوميجا، والسيف المخضب بالدماء، والقفز على كرسي الحكم بأي ثمن، "إنتا رئيس، وأنا كمان هبقى رئيس".. هذا ما قاله الجنرال المنقلب للرئيس السادات في حلمه، حسب روايته للصحفي ياسر رزق، التي تم تسريبها.. مسخرة!

لله وللتاريخ

بكل تجرد وشفافية وصدق، أقول:

ما كان ليزعجني مطلقا، ولا يغضبني أبدا، أن تكون 30 يونيو ثورة حقيقية، غير مصطنعة ولا مزيفة!

فإذا ما تأكد لي أنها ثورة حقيقية، فإن ميزان الحق بداخلي سيجعلني أتفهم أن الشعب أحس بخطئه عندما اختار الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية، وقرر أن يسحب منه الثقة مبكرا، قبل نهاية مدته الدستورية.. فهذا الوطن مِلكُ الشعب، وليس مِلك السلطة.. والشعب قال كلمته بكل مسؤولية، وقرر أن ينقضها بكل مسؤولية أيضا، وهو حر.

ساعتها، كنت سأطلب من الرئيس مرسي التنحي نزولا على إرادة الشعب، والشروع في إجراءات تسليم السلطة إلى قيادة جديدة يختارها الشعب، كما اختاره في 2012. وإذا رفض الرئيس التنحي -وما كان ليرفض- فلن أتردد في وضع استقالتي على مكتبه، ومن ثم أعود إلى قريتي التي لا تبعد كثيرا عن قرية باقة الزهور التي حصدها منجل الإهمال، وفرمتها مجنزرة الإفقار والعوَز التي يقودها هذا المنقلب!

أنا هنا لا أتخلى عن الرئيس، وإنما أحترم إرادة الشعب الذي لا يريد الرئيس.. هكذا بكل تجرد وموضوعية.

أما أن يفتش محمد بن زايد في الغُرَز والحانات القذرة، وتحت الكباري، وفي الشوارع الجانبية المظلمة، وفي الخرابات المهجورة، عن مدمني المخدرات؛ ليشكل منهم تنظيما عصابيا اسمه "تمرد"، ويصنع منهم ثوارا على أول نظام منتخب في تاريخ مصر، منذ أن كان لها تاريخ، فهذا ما لا يمكن التعاطي معه، ولا السكوت عنه، ولا القبول به، بأي صورة من الصور.

لم يكتف ابن زايد بتنصيب هؤلاء اللصوص والسفهاء والمرضى النفسيين حكاما لمصر، بل شرع في الاستحواذ على مقدرات البلاد، حتى باتت مصر -فعليا- الإمارة الثامنة في دولة الإمارات المتحدة قسرا.

ولعله من المفيد أن يعرف الجيل الجديد، الذي كان عمره عشر سنوات يوم قام هذا الانقلاب المشؤوم، بعض الشعارات التي رفعتها عصابة "تمرد" التي لا تملك -بعد قراءتها- إلا أن تضرب كفا بكف من شدة الذهول! إنَّ أيّا من هذه الشعارات لم يتحقق، بل تضخمت المشكلة التي صدَّرَها أضعافا مضاعفة، وبات الحال على نحو من البؤس لم يتخيله أشد المصريين تشاؤما:

- علشان الأمن لسه مرجعش! (لقد أصبح خطف الأطفال في الشوارع طقسا يوميّا في حياة المصريين، وهُدِّمت البيوت على رؤوس أصحابها بلا رحمة ولا تعويض، وشاع تعاطي المخدرات بين الشباب في الشوارع، في عز الضُّهر).

- علشان الفقير ملوش [ليس له] مكان! (هل أصبح للفقير مكان في مصر، بعد الانقلاب المشؤوم؟ أم أنه بات خارج المكان والزمان، بل وخارج حياة الآدميين؟ تقول الإحصاءات الأممية إن 66 في المئة من المصريين باتوا تحت خط الفقر، نسبة لم تشهدها مصر حتى أيام الاحتلال البريطاني).

- علشان لسه بنشحت [نتسوَّل] من بره! (هل توقفت السلطة عن الشحاتة من بره؟ أم زادت وتيرة الشحاتة؟ وهل الرئيس مرسي شحت من أحد؟ أم أن مصر تحولت -في عهد الجنرال المِسَهْوِك- إلى أكبر متسول بين العرب؟).

- علشان حق الشهدا مجاش [لم يرجع]! (يا ترى حق الشهدا جِهْ؟ وللا عدد الشهدا زاد؟ بل زاد بصورة مُرعبة).

- علشان الاقتصاد انهار! (هل تعافى الاقتصاد؟ أم وصل إلى انهيار لم تشهد مصر له مثيلا؟ إلى حد عرض كل شيء في مصر للبيع.. كل شيء حرفيا).

هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن أن نغادر هذه الدنيا ولم نفعل شيئا لتغييره، ولا نامت أعيينا إذا سلمنا به، وانشغلنا عن تحرير مصر وشعبها من هذا الاحتلال الظبياني الصهيوني..

حركة ميدان

في ظل هذا الوضع شديد القتامة، حالك السواد، وبعد خفوت الأصوات، أو انقطاعها إلا قليلا، وبعد اليأس الذي تمكن من كثير من النفوس، نهضت ثلة من الشباب الجسور المثقف المستنير، فأزاحوا الرماد عن تلك الجذوة التي خلفتها انتفاضة 25 يناير (2011)، فأضرموها من جديد.

"حركة ميدان"، تقود اليوم ثورة راشدة بلسان إسلامي مبين، وعقلية شابة منفتحة. إن هذه الحركة تحمل طموحات الذين لم تنكسر إرادتهم، ولم يستسلموا لواقع كل ما فيه يغذي اليأس والإحباط.

أبرز ما تتميز به "ميدان" هو أن جُلَّ مؤسسيها وقيادتها من جيل انتفاضة 25 يناير (2011)، شاركوا فيها، وعاشوا مراحل إجهاضها والانقلاب على القليل الذي تمكنت من إنجازه. شباب شغوف مبصر لا تخيفه أخطاء الماضي، ويقبض بإصرار على بوصلة الإيمان بقضيته.

أرى في "حركة ميدان" بعثا جديدا للثورة التي يجب أن تمضي إلى غايتها، بروح شابة، ومشروع سياسي ناضج متوازن، يسع الجميع، على أسس واضحة لا تقبل المساومة، ويفسح المجال أمام كل مصري شريف، يسعى -بجد وإخلاص- لانتشال مصر من هذه الهوة السحيقة التي تتردى فيها، منذ اثني عشر عاما.

تقول حركة "ميدان" في مقدمة وثيقتها الفكرية:

"في هذه الوثيقة، نؤكد أنَّ الإسلام هو سبيل الأمة الوحيد للتحرر والنهوض، وأننا جزء من حركة ثورية تسعى لتحرير الأمة من الظلم والاستبداد.

نُبين في الوثيقة أن الأمة الإسلامية لا تفنى، وأن عزتها مستمدة من دينها، وأن الثورة هي حق وواجب شرعي لمواجهة الظلم.

نشير إلى أن نظام الحكم في الإسلام يقوم على الشريعة، وأن الأمة هي صاحبة الحق في اختيار حكامها وعزلهم.

نشدد على رفضنا لمفهوم "الدولة الحديثة" الذي نراه أداة استعمارية لتفتيت الأمة والتحكم فيها، وعلى أن معركة القدس هي قضية الأمة المركزية.

أهدافنا الكلية تتلخص في نشر الوعي بمبادئ الإسلام التحريرية، ورد الحقوق ورفع المظالم، وتمكين الشعب ليحكم نفسه.

نوضح مسارات عملنا في المجالات السياسية والجماهيرية والإعلامية، ونؤكد على أهمية التخصص والشورى والانفتاح والتعاون بين قوى الأمة المخلصة.

كما نُفَصِّل موقفنا من مفاهيم مثل "الديمقراطية" و"تطبيق الشريعة" و"الوطنية"، ونبين سعينا للتعاون مع كل من يخدم خير الأمة.

حان الوقت لتفهموا عمق رسالتنا ومنهجنا وتشاركوا في جهود تحرير أمتنا على علم وفهم. لتحقيق هذا، ندعوكم لتحميل "الوثيقة الفكرية" وقراءتها بالكامل".

خالص الدعوات بأن يكلل الله مسعى هذه الطليعة المباركة بالنجاح، وأن يجري على أيديهم ما فيه خير البلاد والعباد.

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

مقالات مشابهة

  • مليشيا دقلو الإجرامية اقتحمت (خلاوي خرسي لتحفيظ القرآن الكريم)
  • ريمة: الحوثيون يقتلون الشيخ صالح حنتوس بعد 12 ساعة من المقاومة ويواصلون حصار أسرته
  • ميدان.. عودة إلى الميدان
  • هل سورة يس لما قرأت له؟.. الإفتاء تصحح خطأ شائعا عن فضلها
  • هل تدبر القرآن وحفظه فرض على كل مسلم؟ أمين الفتوى يرد
  • مقدمة في الفقه الأخلاقي
  • مسابقة "جيل القرآن" في سلوفينيا تختتم نسختها التاسعة بمشاركة واسعة وجهود تعليمية متميزة
  • صراعات التأسيس في الميدان: مكوار ودقلو
  • هل طوفان الأقصى ورطة؟
  • مسؤول في حزب الله: المقاومة ليست من تعطى مهلاً بل العدو ومن يرعاه