حلو الكلام.. إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها
فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا
فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا
شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ
وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا
عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
السمؤال
.المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حلو الكلام
إقرأ أيضاً:
“الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة بذكرى الهجرة النبوية وآخر التطورات والمستجدات
الثورة نت/..
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم وآخر التطورات والمستجدات .. الخميس 1 محرم 1447هـ/ الموافق 26 يونيو 2025م.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في البدايـــة، نتوجَّه بأطيب التهاني والتبريك لأُمَّتنا الإسلامية كافَّة، بمناسبة قدوم عامٍ هجريٍ جديد.
ومع هذه التهنئة نتوجَّه أيضاً بأطيب التهاني والتبريك للجمهورية الإسلامية في إيران، قيادةً، ونظاماً، وحرساً، وجيشاً، وشعباً، بمناسبة الانتصار الكبير الذي مَنَّ الله به عليهم، على العدو الإسرائيلي المعتدي، الغاشم، المجرم، الظالم.
كما نتوجَّه كذلك لأُمَّتنا الإسلامية كافَّة، بالتهاني والتبريك بهذا الانتصار العظيم والمهم، الذي هو بحق انتصارٌ لمصلحة الأُمَّة الإسلامية بكلها، وانتصارٌ للقضية الفلسطينية.
الهزيمة التي مُنِيَ بها العدو الإسرائيلي، ومعه شركاؤه المجرمون الداعمون، في مقدمتهم الأمريكي، ومعه البريطاني، والألماني، والفرنسي، هي انتصارٌ لهذه الأُمَّة، للأُمَّة الإسلامية جميعاً، لكل شعوب المنطقة، وللشعب الفلسطيني أيضاً، وللقضية الفلسطينية.
محور الحديث هو: عن تطورات العدوان الإسرائيلي على غزَّة، وكذلك عن هزيمة العدو الإسرائيلي في عدوانه على إيران؛ لكنَّنا نتحدث في جزءٍ من هذه الكلمة عن مناسبة العام الهجري الجديد، بنقاطٍ ملخصة؛ لأهمية هذه المناسبة.
مناسبة اكتمال عام، وقدوم عامٍ آخر، يلفت نظرنا إلى واقعنا، ومسيرة حياتنا، واهتماماتنا العملية، أن يمضي عامٌ، معناه عامٌ من العمر في مسيرة الزمن، ورحلة الحياة، التي لها أجلٌ محددٌ مسمَّى، يعلمه الله، ويجهله الإنسان، هذا يذكِّرنا بحقيقة وجودنا في هذه الحياة، وأهمية الاستثمار الصحيح للوقت والعمر في العمل الصالح، فالزمن يمضي بنا نحو آجالنا؛ بل ليس فقط هذا، فيما يتعلَّق بأجل الوفاة والموت والرحيل من هذه الحياة، بل وحتى من القيامة، فنحن آخر الأمم وأقربها من القيامة.
يغفل الإنسان عن هذه الحقيقة، ويعيش في روتينه في الحياة، واهتماماته في الحياة، وكأنه يعيش للأبد في هذه الدنيا، وقد يتفاجأ الكثير من الناس حينما يأتيهم موعد الرحيل، والإنسان لا يدري متى هو هذا الموعد، فحينما يأتيه الموت، ويدرك أنه راحلٌ حتماً عن هذه الحياة، يطلب المهلة، والرجوع من أجل ماذا؟ من أجل أن يتدارك ما قد فرَّط فيه فيما مضى من حياته، يتداركه بوقتٍ ولو قصير، يُسَخِّره بكله في العمل الصالح، الذي يترتب عليه فوزه، ونجاته، وفلاحه، ويترتب عليه أيضاً مستقبله فيما يتعلَّق بالآخرة، وهو المستقبل الأبدي الدائم.
الإنسان في مثل تلك اللحظات- لحظات موعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية- يدرك كم كانت حياته، التي أضاعها وأضاع الوقت فيها، مهمةً جدًّا للعمل الصالح، للاستثمار لها في العمل الصالح، وهذه الحقيقة بيَّنها الله لنا في القرآن الكريم بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}، يطلب أن يرجع، لماذا؟ {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}.
القضية المهمة والرئيسية، التي تبرز كأهم شيء وأهم موضوع لدى الإنسان في تلك اللحظات الحرجة، لحظات رحيله من هذه الدنيا الفانية، هو: أنه يستذكر أهمية العمل الصالح؛ لأنه يدرك أنه منتقلٌ إلى عالم الآخرة، وهو عالمٌ أبدي، الجزاء فيه كبير، وهو مرتبطٌ بالعمل؛ ولـذلك هو يتحسَّر على ما أضاعه من عمره ووقته وحياته، كيف أنه لم يستثمره في العمل الصالح، فيطلب الرجوع لهذا الهدف: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}، ولكن بعد فوات الأوان، لا يمكن أن يحصل على هذه الفرصة الإضافية؛ ولهـذا يقول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
وبما أن الإنسان يتحسَّر حسرةً كبيرةً جدًّا، إذا أضاع عمره ووقته، مضى عام تلو عام من عمره، من حياته، يُقَرِّبه من أجله، ثم يأتي الأجل، يتحسَّر حسرةً كبيرةً جدًّا في عدم استثماره لهذه الفرصة الوحيدة، التي لا يمكن أن يحصل على فرصةٍ بعدها، لماذا لم يستثمرها في العمل الصالح؛ أتى أيضاً في آيات كثيرة جدًّا في القرآن الكريم التنبيه على ذلك؛ إقامةً من الله للحُجَّة على عباده؛ لأنها- فعلاً- بداية الحسرات الشديدة، بداية العذاب النفسي لكل من فرَّط وقصَّر، وأهمل وغفل، ولم يلتفت إلى نداءات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
يقول الله في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}، ذكر الله عنوانٌ واسع:
يشمل التذكُّر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والذكر باللسان والوجدان.
يشمل كل الأعمال العبادية التي نتقرَّب بها إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
يشمل أيضاً المسؤوليات المرتبطة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التي أمرنا الله بها، وتعتبر واجبات بيننا وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومسؤوليات بيننا وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
تشمل هدي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
عنوان يشمل كل ما يصلنا بالله فيما يُذَكِّرنا به، وفيما نتذكَّره من مسؤولياتنا وواجباتنا.
يشمل القرآن الكريم، الله سمَّاه بالذكر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}، والقرآن الكريم أيضاً فيما هدى إليه، فيما تَضَمَّنَهُ، مع الأعمال العبادية والأعمال الصالحة التي هي قربةٌ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وذكرٌ لله “جَلَّ شَأنُهُ”.
لا تتحول ارتباطات الانسان، واهتماماته المنصبة في أموره المالية، واهتماماته المالية، واهتماماته الأسرية، إلى درجة أن تكون ملهيةً عن ذلك: عن ذكر الله في كل ما يدخل في إطار هذا العنوان من مسؤوليات وأعمال صالحة، وقربات إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
حالــــة اللهــــو: عندما يتَّجه اهتمام الإنسان كلياً نحو الانشغال بالأمور المتعلِّقة بالهم المعيشي، والأمور المالية، والأمور المرتبطة بالشؤون الأسرية، ومشاغل هذه الحياة في هذه الجوانب، بالشكل الذي يفصل الإنسان ويبعده عن تلك: عن ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يمكن للإنسان أن تكون حتى اهتماماته المعيشية في إطار ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن تكون اهتماماته في الحياة بكلها مرتبطةً بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي إطار الاهتمام بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن دون إيثارٍ لها على أي شيءٍ، لا تكون سبباً للتفريط، أو التقصير في ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في التزامات الإنسان الإيمانية والعبادية؛ بل تتحوَّل إلى جزء منها، بدلاً من أن تكون منفصلةً عنها، وملهيةً عنها، ومبعدةً عنها، عن الأعمال والقُرُبات التي هي في إطار عنوان ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
وحالة اللهو هذه هي التي تُضيع الكثير من الناس، يعني: يتَّجهون نحو هذه الأمور: الأموال، الأولاد، الهموم المعيشية، المطالب المعيشية، التي تحت هذا العنوان، يتَّجهون فيها بشكلٍ يستغرق كل اهتمامهم، كل تفكيرهم، وفي نفس الوقت يُؤثِرُونها، عندما تتعارض مع شيءٍ من دين الله، شيءٍ من الأعمال الصالحة المقرِّبة إلى الله، شيء من المسؤوليات الإيمانية، تتعارض في مستوى معيَّن من الحسابات والاعتبارات، يُؤثِرُون تلك المصالح المرتبطة بأموالهم، وأولادهم، وشؤونهم الشخصية، على حساب الأمور المهمة، مع أنه- كما قلت- في الأساس الإنسان يتحمَّل في دين الله مسؤوليات متعلِّقة بأولاده، متعلِّقة بأسرته، وحتى متعلِّقة بماله، وما وهبه الله من النعم، لكنَّ طريقة الإنسان وتوجُّهاته تتكون إمَّا بالشكل الذي يتَّجه نحو تلك، بشكلٍ يفصله عن إيمانه، عن دينه، عن التزاماته، عن الله سبحانه و تعالى، عن ذكر الله “جَلَّ شَأنُهُ”، فهي حالة خطيرة عندما يتَّجه فيها مُؤْثِراً لها، ومنفصلاً بها عن ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن هديه، عن الأعمال الصالحة، عن الالتزامات الإيمانية.
{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}؛ لأن الإنفاق في سبيل الله تعالى هو من المسؤوليات المهمة في الإسلام، ومن الأعمال العظيمة التي لها أهمية كبيرة في واقع الحياة، في واقع الدين، في واقع الالتزام الإيماني، وأيضاً في القربة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، قد يكون اهتمام الإنسان وتركيزه على مسألة الأموال، والأولاد، والأمور المعيشية والمادية، واتِّجاهه المادي في الحياة، وانهماكه في ذلك، بالشكل الذي يبعده عن التزاماته الإيمانية، التي هي في الأساس سببٌ للخير في الدنيا والآخرة، وسببٌ من أسباب البركة واليسر…إلخ.
الحالة التي يتحسَّر فيها الإنسان أشد الحسرات: حينما يأتيه الموت، وهو- فعلاً- كان لا يحسب حساب هذه اللحظة: لحظة الرحيل من هذه الحياة، والاتِّجاه إلى عالم الآخرة؛ فيندم، ويتحسَّر، ويطلب المهلة الزمنية القصيرة، {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}، مُدَّةً زمنيةً قصيرةً، يحاول أن يعوِّض فيها ما فرَّط فيه؛ من أجل أن ينفق، وأن يتصدَّق، وأن يكون من الصالحين، يصلح نفسه، ويصلح أعماله، ويتَّجه في الاتِّجاه الصالح مع الصالحين ومن الصالحين؛ لكن لن يحصل على هذه المُدَّة الزمنية التي يطلبها، ولو كانت قصيرة، ولو كانت لأيام، أو لساعات، لن يحصل عليها؛ ولهـذا يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}؛ لأن الله أخبرنا قبل ذلك؛ لنحذر، لننتبه؛ حتى لا يعيش الانسان هو بنفسه تلك اللحظات الخطيرة، والحسرات الشديدة، التي قد سمع التحذير منها، سمع التحذير منها، سمع عندما تُلِيَت عليه آيات الله، حينما ذُكِّر بآيات الله.
أيضاً في مشهد القيامة، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، مشهد رهيب، مشهد كبير جدًّا، يتحسَّر الإنسان كثيراً على تفويته لفرصة الحياة والعمر، وإضاعة الوقت، غافلاً عن حساب مستقبله الأبدي في الآخرة؛ ولـذلك يقول الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، متى؟ في الحياة الدنيا، في هذه الحياة التي نُضِيْعها، لا ندرك قيمة الوقت فيها، قيمة الزمن فيها، الوقت، والزمن، والعمر، الذي هو مما نُسأل عنه يوم القيامة، يُسأل الإنسان عن عمره فيما أفناه، ما الذي استغرقت فيه عمرك، ووقتك، وحياتك، هذه الهبة التي وهبك الله إياها؟
فالإنسان يتمنى أنه استثمر هذه الحياة في أن يُقَدِّم فيها لحياته الأبدية، لمستقبله الدائم، والإنسان إذا لم يُقَدِّم معنى ذلك ماذا؟ خسارة رهيبة جدًّا، يكون مصيره- إذا لم يُقَدِّم العمل الصالح، وفق تعليمات الله، وهدي الله، وأوامر الله- يكون مصيره إلى نار جهنم والعياذ بالله.
وفي نار جهنم تشتد الحسرات، الإنسان يتحسَّر أشد الحسرات عند لحظة مفارقته لهذه الحياة، ويتحسَّر حسرات شديدة جدًّا يوم القيامة، في مقام الحساب، ثم تكبر الحسرات الرهيبة جدًّا في نار جهنم، بين العذاب، حينما يصل إلى عذاب جهنم والعياذ بالله؛ ولـذلك يذكر الله من الخاسرين، الهالكين من الناس، وهم في نار جهنم في أشد العذاب، في أشد الآلام، بين نيران جهنم والعياذ بالله! يُعَذَّبون بكل أصناف وأنواع العذاب، كل شيءٍ في جهنم عذاب:
الظمأ والعطش فيها عذاب.
والماء فيها والمشروبات عذاب: الحميم الذي يشوي الوجوه ويُقَطِّع الأمعاء، وفي نفس الوقت الصديد… وغيره من المشروبات الرهيبة، البشعة، التي هي جزءٌ من عذاب النار، من عذاب جهنم والعياذ بالله.
الطعام هو: الزقوم، الذي {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}.
الملابس هي: قِطع من النار.
{قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}، حالة رهيبة جدًّا، حالة رهيبة للغاية، وحسرة الإنسان أنه يدرك أنه الذي أوقع نفسه في ذلك العذاب، بالأعمال السيئة، وبتفريطه وتقصيره في الأعمال الصالحة.
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، يطلبون فرصةً من جديد؛ ليستثمروها كل الاستثمار في العمل الصالح، أدركوا حينها كم كانت هذه الحياة مهمةً في العمل الصالح؛ لكن ليس هناك أي فرصة إضافية.
هذه الحياة، وهذا العمر في هذه الدنيا، هذا الوقت الذي يهدره الكثير من الناس، ولا يستوعبون مدى أهميته، يُضِيعون عمرهم عاماً بعد عامٍ بعد عام، ولا يدركون أهميته، هو نفسه الفرصة الوحيدة، التي لا يملك الإنسان بديلاً عنها، ولا تعويضاً لها؛ ولـذلك يرد الله عليهم تجاه هذا الطلب: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، يرد الله عليهم بقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، العمر هذا الذي أعطانا الله في هذه الدنيا هو حُجَّة لله علينا في الآخرة، حُجَّة على من يضيعه في الأعمال السيئة والعبث، ويتجاهل الأعمال العظيمة الصالحة، التي دَلَّنا الله عليها، وفيها صلاح حياتنا في الدنيا، وفيها أيضاً الفوز العظيم في الآخرة، {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}.
ولـذلك ينبغي أن تكون نهاية عام، وبداية عامٍ جديد، مما يُذَكِّرُنا ويلفت نظرنا تجاه هذه الحقيقة: عن أهمية حياتنا ووجودنا؛ وبالتـالي دافعا لنا إلى إدراك أهمية الوقت، وقيمة الوجود والحياة، ومسؤوليتنا في هذه الحياة، وكيف تتَّجه اهتماماتنا العملية في إطار مسؤولياتنا نفسها، بعيداً عن اللهو، والضياع، والعبث، وكيف نسعى إلى الاهتمام الواعي، أن يكون اهتمامنا العملي، فيما ننشغل به، فيما نهتم به، اهتماماً واعياً، يجعل من تذكُّرنا للآخرة دافعاً لاستقامتنا في هذه الحياة، استقامتنا في هذه الحياة مهمة لنا هنا في الدنيا، ومهمةٌ جدًّا لنا في الآخرة، في مستقبلنا في الآخرة، هذا درس مهم في مسألة الاستفادة من الزمن، وكيف يكون للمسألة أهمية لدى الإنسان، أن يمضي عام، وأن يأتي عامٌ جديد، أن يكون لهذا أهميته بالنسبة لك، فيما تتذكَّره من هذه الحقائق.
هناك أيضاً درسٌ آخر، وهو درسٌ مهمٌ جدًّا فيما يتعلَّق بهذه المسألة: مسألة عام يمضي وعامٌ يأتي، وهذه المراحل الزمنية، وهذه الوحدات الزمنية التي تمضي، عامل الزمن مقترنٌ بأحداث ومتغيرات تفرض نفسها في تأثيرها على واقعنا نحن كمسلمين، ليست المسألة مسألة عادية، هذا الزمن الذي يمضي، هو يحمل في طياته الكثير من المتغيرات، وكثيرٌ منها يتعلَّق بنا نحن كمسلمين، وبواقعنا.
الزمان ظرف، والمكان ظرف، والناس في ظرف الزمان وفي ظرف المكان في مسيرة عمل، المجتمع البشري بشكل عام، مسيرة حياة الإنسان في ظرف الزمان وظرف المكان مسيرة عملية، وتترتب عليها نتائج وآثار، ولئن غابت عن واقعنا نحن المسلمين الاهتمامات، والقضايا، والأهداف، ذات الأهمية الكبيرة لنا؛ لأن هذه حالة مؤسفة في واقع المسلمين، تغيب عنهم الكثير من الاهتمامات والأهداف، والكثير من القضايا ذات التأثير المهم لهم، ذات الأهمية الكبيرة لهم في حياتهم؛ نتيجةً للغفلة، وقِلَّة الوعي، والإعراض عن القرآن الكريم، في الاهتداء به، والعمل على أساس هديه؛ ونتيجةً أيضاً لمساعي الأعداء في تتويهنا كأُمَّة، وفي تشتيت انتباهنا، وفي إلهائنا، وفي صرف اهتماماتنا عن الأمور المهمة.
هناك عمل كبير جدًّا للأعداد فيما يتعلَّق بهذه المسألة، وفعلاً هم حقَّقوا نجاحات كبيرة جدًّا، فلو نأتي لنستطلع في واقعنا، في واقع أبناء أُمَّتنا، مستوى الاهتمامات، طبيعة الاهتمامات، نوعية الاهتمامات التي يستغرق فيها الناس في أفكارهم، في أذهانهم، في أعمالهم، في جهودهم؛ نجد أنها تغيب عن أكثر الناس، عن الأغلبية الساحقة، كل الاهتمامات المهمة- فعلاً- للدنيا والآخرة، ويغرقون في اهتمامات جزئية، محدودة، بسيطة، قد تكون ضاغطة عليهم، ومؤثِّرة، ومهمة؛ لكن لو حصلت وأتت في واقع الأُمَّة الاهتمامات الكبيرة، لعالجت لنا حتى القضايا الجزئية والبسيطة، التي نغرق فيها، وننشغل بها، على حساب الاهتمامات الكُلِّيَّة، الجامعة، الكبيرة، التي تَحُلُّ لنا الكثير من المشاكل والجزئيات والتفاصيل، فالأعداء يحرصون ويعملون على تتويهنا، وتشتيت انتباهنا، وإلهائنا، وصرف اهتماماتنا عن القضايا المهمة.
وواقع الآخرين من الأمم يختلف عنَّا، سواءً من الأمم المعادية، المحاربة لأُمَّتنا، المستهدفة بكل أشكال الاستهداف لأُمَّتنا، كما هو حال أمريكا، وإسرائيل، والدول الغربية الكافرة؛ أو البقية من الأمم، حالهم يختلف عن حالنا، الأمم من حولنا تدرك أهمية الزمن، وقيمة الوقت، وتجعل من الوقت- نفسه- تجعله من أهم المقاييس لمستوى الإنجاز العملي، يعني: هم يحرصون على أن ينجزوا في العام أمور مهمة، يحدِّدون لأنفسهم في إطار أولويات مدروسة، مهمة، ذات أهمية بالفعل لهم، في أهدافهم الكبرى في أن يكونوا أمماً قوية، مزدهرة، متمكنة… إلى غير ذلك، وبحسب ثقافاتهم وتوجُّهاتهم، يحرصون على أن ينجزوا على مستوى العام أشياء مُعَيَّنة، وأن يحقِّقوا أهدافاً عمليةً مُعَيَّنة، وهكذا على مستوى وحدات زمنية أكبر: خلال خمس سنوات، خلال عشر سنوات؛ ثم يكون هناك بالفعل فارق في واقعهم، نلحظ هذا- مثلاً- حتى فيما يتعلَّق بالبلدان الناهضة، والفوارق الملموسة في واقعهم، لديهم اهتمام، يدركون أهمية الوقت، يستثمرون الوقت؛ بل جزءٌ مما يدرسونه، مما يتعلمونه، هو: كيفية الاستثمار للوقت، هذه مسألة يدرسونها، يتعلمونها، كيف يستثمرون أوقاتهم إلى أقصى حدٍ ممكن، ولتحقيق إنجازات مهمة.
الأمم من حولنا كمسلمين تُحَدِّد أولوياتها بوعي، وتضبط على أساس ذلك أهدافها واهتماماتها العملية، وتسعى عمليا إلى تحقيق الأهداف، وقد قاستها بقياس الزمن؛ لِتُحَقِّق تقدماً ملموساً، ويكون للعام نتائجه، للعشرة الأعوام نتائجها… وهكذا، وهذا من أهم عوامل النهضة لدى الأمم.
في واقعنا نحن كمسلمين، تَمُرُّ عشرات الأعوام، وقد تكون البعض من الشعوب غارقة في أزمات مُعَيَّنة، هندس لها الأعداء، وغرق فيها الناس؛ لأنهم لم يرتقوا في وعيهم، في اهتمامهم، في أساليبهم العملية، في معرفتهم… إلى غير ذلك. ويكون الفارق إمَّا سلباً، اتِّجاه نحو الانحدار أكثر وأكثر، كما هو حال معظم شعوب أُمَّتنا وللأسف الشديد!
المسلمون هم من أكثر الشعوب إضاعةً للوقت، إضاعة! مع أنَّ القرآن الكريم يعلِّمنا القيمة العالية جدًّا للوقت، ويفترض بنا أن نكون أكثر الأمم على وجه الأرض استيعاباً لمدى أهمية الوقت، والزمن، والعمر، في كل مراحل الحياة، لكل مراحل العمر قيمة وأهمية عالية، حتى في الطفولة، الطفولة مرحلة التأسيس في حياة الإنسان، في مرحلة الشباب، مرحلة ذات أهمية كبيرة جدًّا في حياة الإنسان… وهكذا ما بعدها، حتى تلقى الله، هذا العمر له قيمة وأهمية، أهمية عظيمة.
لكن المسلمين- للأسف- هم أكثر الشعوب إضاعةً للوقت:
منه ما يضيعه الكثير الكثير من أبناء هذه الأمة في البطالة واللهو.
ومن الوقت ما هو هدر أيضاً، هدر للجهود، يعني: هو مستثمر بجهود واهتمامات عملية، لكنها إمَّا أعمال ثانوية، هناك أعمال أهم منها، حتى فيما يريده الإنسان منها، إذا كانت اهتمامات في إطار أمور معيشية وغيرها، هناك ما هو أهم منها لتحقيق هذا الهدف، ومعه الأهداف الكبرى لهذه الأُمَّة، التي تبني هذه الأُمَّة لتكون قويةً في دينها ودنياها، ومرتبطةً بدينها ودنياها، حيث هناك ارتباط تام في الأساس في منهج الله وهديه.
ثم كذلك قد يكون البعض يضيع جهده، ويستثمر وقته استثماراً خاطئاً، في أعمال هي وزر، هي ذنب، هي معصية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هي خدمةٌ للباطل، هي شرٌّ على نفسه وعلى أُمَّته من حوله، وهذا أخطر، وهو مؤسفٌ جدًّا!
هذه بعضٌ من الدروس والنقاط المتعلِّقة بمسألة الوقت والزمن، ومسألة ماذا يعني لنا نهاية عام، ودخول عام جديد، في من يحرص على تقييم واقعه كشخص، أو كمجتمع، أو كفئة، أو كأُمَّة، تُقَيِّم أداءها، إنجازها، ما تقدِّمه، وتدرك أهمية الزمن في أن يُستثمر إلى أقصى قدرٍ ممكن.
فيمــا يتعلَّـق مـن ارتبــاط تاريخنــا بالهجــرة النبويــة، وطبعاً كانت هجرة النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” من مكَّة إلى المدينة في بداية شهر ربيع، لكن المسلمين اعتمدوا أن يكون البداية للعام هو شهر محرم؛ لأنهم يعتبرونه- بحسب الظروف آنذاك- منصرف الحجاج من مكَّة، ويعتبرون ما بعد الحج هو البداية الأنسب للعام؛ وبـذلك اعتمدوا بداية العام لتكون في شهر محرم، لكن بشكلٍ عام العام (السنة) نفسها ارتبطت بالتاريخ الهجري، لتكون السنة الأولى للهجرة حُسِبَت من شهر محرم، ولو أنَّ بداية الهجرة من ربيع، لكن- كما قلنا- لهذه الاعتبارات التي ذكرناها، وتفاصيل لا يتَّسع الوقت للحديث عنها.
ما يتعلَّق بربط تاريخنا بالهجرة: ما قبل التاريخ بالهجرة كان العرب معظمهم يؤرِّخون بعام الفيل، العام الذي أهلك الله فيه أصحاب الفيل، تحوَّل هو إلى تاريخ معتمد، ما قبل ذلك كان البعض يعتمدون تاريخ الإسكندر… أو مناسبات وأحداث تاريخية، ووقائع مُعَيَّنة كانوا يؤرِّخون بناءً عليها، لكن عندما أتت قصة أصحاب الفيل، وهي حادثة كبيرة ومهمة، ارتبط بها تاريخ معظم العرب، ما بعد ذلك في واقع المسلمين أتى التاريخ الهجري.
التاريخ الهجري: لماذا يربط تاريخنا نحن المسلمون بالهجرة النبوية؟ هذه فيه دروس كثيرة جدًّا، نتحدث عن بعضٍ منها باختصار، هذا يلفت نظرنا إلى أهميتها، فيما تعنيه لنا، وفيما فيها من الدروس والعبر، مع أنه- وللأسف الشديد- الكثير من المسلمين لم يعودوا يعتمدون أصلاً التاريخ الهجري، اتَّجهوا إلى الاعتماد كلياً على التاريخ الميلادي، مع أنَّ التاريخ الهجري هو مما يعبِّر عن هوية هذه الأُمَّة، من أشياء كثيرة، هو جزءٌ منها.
هناك ثلاثة عناوين مختصرة من بعض دروس الهجرة النبوية:
أولاً: لماذا هاجر النبي محمد “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” من مكَّة، من جوار بيت الله الحرام؟! لماذا هاجر من أقدس بقعةٍ على وجه الأرض، وهاجر منها؟!
ثم أيضاً لماذا كانت هجرته بالتحديد إلى المدينة المنورة، إلى يثرب؟
ثم أيضاً ما هي أهمية هذه الهجرة وما ترتب عليها؟
مكَّــــة، حيث الكعبة المشرَّفة، هي أقدس بقعةٍ على وجه الأرض، استوطنها نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، بأمرٍ من الله لأبيه إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، فكانت موطن نبي الله إسماعيل، الذي أمضى فيه عمره كله نبياً، ورسولاً، وامتداداً لوالده نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، طبعاً نبي الله إبراهيم ذهب إلى مكَّة عِدَّة مرَّات، استقر فيها لأوقات طويلة، وتحدثنا عن هذا في دروس سابقة في شهر ذي الحجة، فنبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ” استوطن مكَّة المكرمة، واستقر فيها نبياً ورسولاً، يؤدِّي هذه المهمة، إضافةً إلى مهمةٍ أخرى مُقَدَّسة وعظيمة، وهي: القيام بأمر بيت الله الحرام بعد بنائه، حيث بناه أبوه إبراهيم، وشارك معه إسماعيل “عَلَيْهِمَا السَّلَامُ” في عملية البناء، وكذلك في الاهتمام بشعائر الحج.
دعوة نبي الله إبراهيم، دعوته إلى الله في مهمته الرسالية، وكذلك امتداده نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِمَا السَّلَامُ”، تجذَّرت في الوسط العربي آنذاك، سواءً في نسل نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، أو في القبائل ذات الجذور اليمنية، كما في كتب التاريخ، وأولها: قبيلة جُرْهُم، التي تزوج منها نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”؛ ولـذلك كانت مكَّة منذ ذلك الوقت مركزاً للدين الإلهي، على نهج إبراهيم وإسماعيل “عَلَيْهِمَا السَّلَامُ”، وموطناً لتوحيد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع قُدْسِيَّة البيت الحرام، واستمر ذلك بعد وفاة نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ” لزمنٍ طويل، وعلى مدى أجيال، استمر الدين الإلهي التوحيد، الإسلام، العنوان العظيم لدين الله.
ثم ما بعد ذلك بأجيال تعاظمت حالة الانحراف والتحريف، مع بقاء عنوان: الحنيفية ومِلَّة إبراهيم، يعني: بقي في وسط القبائل العربية من نسل إسماعيل، ومن القبائل اليمنية، بقي عنوان مِلَّة إبراهيم، وعنوان الحنيفية كعنوان بارز، الحنيفية نفسها كعنوان بارز، مع قُدْسِيَّة البيت الحرام، بقي البيت الحرام مُقَدَّساً، معظَّماً لدى العرب، وكذلك شعائر الحج، والاهتمام بها، والاستمرار عليها، بقي شيئاً سائداً أيضاً على مدى زمنٍ طويل؛ لكن تعاظمت حالة الانحراف والتحريف، ومع طول الزمن وصلت حالة الانحراف إلى مستوى فظيع جدًّا، يعني: بَقِيَت طقوس، بَقِيَت شعائر، بَقِيَت بقايا من دين الله الحق، من الإسلام العظيم، لكن تغيَّر العنوان، عنوان الإسلام بنفسه تغيَّر، بقي عنوان الحنيفية، وفي هذا العنوان بَقِيَت طقوس محرَّفة، مشوَّهة، لم تبقَ على نقائها وسلامتها، وطُمِسَت أشياء كثيرة، ثم وصلت حالة الانحراف إلى الشرك بالله من جديد، وإلى عبادة الأصنام، في جيل من الأجيال وصلت إلى هذا المستوى، إذا انحرف الناس عن طريق الحق، يتعاظم انحرافهم، ثم يصل إلى مستويات خطيرة جدًّا، ويبتعدون بُعْداً كبيراً، كلما مضى بهم الزمن وهم في حالة الانحراف، مستمرون عليها؛ كلما وصلوا إلى مستويات خطيرة من الانحراف والضلال.
يختلف المؤرخون عن الفترة الزمنية التي بدأت فيها حالة الشرك، ويقول بعضهم: أنَّ البداية كانت عندما ذهب بعض التُّجَّار من قريش، من مكَّة، ذهبوا- أو ما قبلهم، ما قبل قريش، جد قريش في بعض الآثار والتواريخ- ذهب بعضهم إلى الهند؛ لهدف التجارة، وغرض التجارة، وشاهدوا الأصنام هناك، والعكوف عليها، والأجواء المحيطة بذلك، وتأثروا، ثم قام بعضهم بشراء أصنام والعودة بها، وبدأت العبادة لها، والانحراف بذلك انحرافاً كبيراً.
حالة الانحراف وصلت إلى درجة: أن تكون حالة الاستقامة على توحيد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حالات استثنائية نادرة جدًّا، في وسط قريش، ووسط العرب بشكلٍ عام، حالات استثنائية، ونادرة، ومحدودة؛ بل وصل الحال في الانحراف إلى أن وضعوا الأصنام فوق الكعبة، وهذا شيء رهيب جدًّا، فوق سطح الكعبة، ولم يبقَ من الموروث الديني عن نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ونبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، سوى طقوس محرَّفة، مشوَّهة، وبعض الأعمال، يعني: بقي عند العرب مثلاً:
كما قلنا: التعظيم للبيت الحرام، لكن مع تحريف وتشويه، وأعمال محرَّمة، تدخل في سياق ممارساتهم، ممارساتهم العملية، وتصرفاتهم العملية.
كذلك شعائر الحج دخل فيها تحريف وانحراف، وبقوا مهتمين بها.
كذلك بقي عندهم الغسل من الجنابة يهتمون به، الاستنجاء، عند بعضهم الختان…
أشياء بقايا مُعَيَّنة محدودة وجزئية، لكن أضاعوا المبادئ الكبرى، ومنها: التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأشياء مهمة جدًّا.
في وضع مكَّـــة، في الأجيال الأخيرة، ما قبل بعثة النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” من ذُرِّيَّة إسماعيل، الأجيال التي كانت ساكنة في مكَّة من ذُرِّيَّة إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، والقائمة على أمر البيت الحرام، كان الاسم القبلي لهم هو: قريش، وبنو هاشم فرعٌ داخل قريش، ممتدٌ من نسل نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، اصطفى الله منهم خاتم أنبيائه ورسله، دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى والأنبياء من قبله: محمداً “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”.
رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، منذ بعثته بالرسالة في مكَّة، وصدعه بأمر الله، ودعوته إلى الله، وجهوده العظيمة جدًّا، التي بذلها في دعوة المجتمع في مكَّة، ليكونوا هم حاضنةً لمشروع الرسالة الإلهية، وحاملين لراية الإسلام، وهي جهود كبيرة، بكل ما وهبه الله من مؤهلات عظيمة جدًّا، وقدرات، وبعظمة القرآن نفسه، عظمة القرآن الكريم في أثره الكبير، معجزة عظيمة ومؤثِّرة، مع كل ذلك لم يؤمن من قريش إلَّا القليل، ولم يتأهَّلوا- قريش كمجتمع- لم يتأهَّلوا ليكونوا حاضنةً للإسلام، وحاملين لمشروعه، رغم أنهم كان لهم ظروف ملائمة جدًّا لذلك، يعني:
من الناحية الجغرافية، في جوارهم لبيت الله الحرام.
من ناحية الظروف المعيشية والإمكانات المادية.
من ناحية مدى احترام العربي لهم، ومكانتهم في الوسط العربي.
كان لديهم عوامل تساعدهم أن يقوموا بهذا الدور، لكنَّهم لم يستفيدوا من كل ذلك؛ كـان هنـاك مؤثِّـرات سلبيـة على أكثرهـم، ومنهـا:
ارتباطهــم الشديــد بكبــار مجـرميهـم:
يعني: كان الأكثر من مجتمع مكَّة مرتبطين بكبار المجرمين، المضلِّين، السيئين، ومنهم: أبو جهل… وغيره من كبار المجرمين في مكَّة، ارتباطهم بهم أثَّر عليهم؛ ولـذلك قالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}؛ لأنهم عظماء في نظرهم بما يمتلكونه من: إمكانات مادية، ووجاهة اجتماعية، ونفوذ في المجتمع؛ ليس المعيار عندهم معيار الكمال الإنساني، والأخلاقي… وغير ذلك من المؤهلات الحقيقية.
أيضاً من المؤثرات السلبية عليهم: نظرتهم المادية، واعتمادهم للجانب المادي كمعيار أساس في مسألة الاتِّباع:
وهذه قضية خطيرة، تُطْغِي الكثير من الناس في المجتمع البشري، {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}، يعني: تنازلوا عن مسألة أن يكون معه مَلَك، قالوا: خلاص {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ}؛ ليكون تاجراً كبيراً، لديه إمكانات مادية ضخمة، تؤهِّله لأن يكون متبوعاً، أو أن يكون مزارعاً كبيراً، يكون له جنَّة ضخمة، مزرعة ضخمة جدًّا، وبذلك يكون مؤهَّلاً لأن يكون بنظرهم متبوعاً.
البعـض منهــم كانـت تؤثِّــر عليهـم المخــاوف:
{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، يعني: هم يُقِرُّون بأن ما معه هو الهدى، أن القرآن كتاب هداية، وأنَّ ما يدعو اليه الرسول هو الهدى، هداية للناس، هداية إلى الصراط المستقيم، إلى الحق، إلى الخير، إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى دينه الحق، {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، واقع الأرض بكله، وواقع البلاد العربية بكلها اتِّجاه آخر يعادي توجُّهك، رسالتك؛ وبالتـالي نخاف من أن يهاجمنا الآخرون ويحاربوننا، وننتهي، {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، مع القِلَّة، في مقابل الوضع العالمي والإقليمي.
{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، اِحْتَجّ الله عليهم أنَّه هيَّأ لهم الظروف التي تساعدهم على المستوى الأمني، وعلى المستوى المعيشي، وسعة الرزق؛ لأنهم بجوار البيت الحرام، وبدعوة نبي الله إبراهيم، وبحكمة الله وتدبيره “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، جعل لهم وضعاً معيشياً مُرَفَّهاً وواسعاً، ليس عندهم أزمة في ظروفهم المعيشية، {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}، ولم ينفع معهم كل ذلك.
مع عدم استجابتهم للرسالة الإلهية- هذا حال أكثر منهم، يعني: إلا القليل- لم يكتفوا بذلك، واتَّجهوا إلى الصدّ عن الإسلام، وعن سبيل الله، وإلى محاربة رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” بالدعايات، والتشويه، والتكذيب، واضطهاد المستضعفين، ممن يُسْلِمون ولا يمتلكون حمايةً قبلية، فكانت الهجرة إلى الحبشة حلاً مؤقَّتاً لمن حالهم هكذا من المسلمين، ممن حالهم كذلك: في حالة استضعاف، ولا يمتلكون حمايةً قبلية.
استمرُّوا على التكذيب، والصدّ عن سبيل الله، حتى وصلوا إلى الحال والدرجة التي قال الله عنهم فيها: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، يعني: خُذِلُوا، استحقوا غضب الله الشديد عليهم، وصلوا إلى درجة أن يكونوا ممن هو موعودٌ بالوعيد والعذاب الإلهي، أصبح جهنمياً، لم يعد فيه أمل أن يتوفَّق أبداً للإيمان، {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، ثم أذن الله لنبيه بالهجرة، ونزل عليه قول الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}.
بدأ رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” مساعيه للبحث عن حاضنة، تقبل بالإسلام، وبرسالة الله تعالى، وتحمل هذا المشروع العظيم من بين قبائل العرب، وكان يَعْرِض عليهم الإسلام، واحتضان مشروع الرسالة الإلهية في موسم الحج، وأكثر القبائل العربية رفضوا ذلك، والبعض كان لهم اشتراطات غير صحيحة، لم يقبل بها رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”.
من بين كل القبائل العربية التي عُرِضَ عليها هذا العرض من رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”- وهو شرف عظيم- كانت القبيلتان اليمانيتان: (الأوس، والخزرج)، القاطنتان بـ يثرب، من قَبِلَتَا بهذا الدور العظيم والمشرِّف، بدءاً بمجموعة منهم كانوا في موسم الحج، وآمنوا، أسلموا، دخلوا في الإسلام، وقبلوا هذا العرض، ورجعوا إلى قومهم، وعادوا بعدد أكبر في الموسم الثاني، ودخلوا في الإسلام، وبايعوا البيعة المشهورة بـ (بيعة العقبة)… وهكذا، وفي نهاية المطاف ما قبل الهجرة، بعث إليهم رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” مصعب بن عمير يعلِّمهم الإسلام، وبدأ المسلمون القِلَّة في مكَّة يهاجرون إلى المدينة، وأصبح هناك حاضنة للإسلام.
ثم ما بعد ذلك كان القلق يتزايد في أوساط قريش في مكَّة؛ لأن الأنصار الذين نالوا هذا الشرف العظيم جدًّا، والله سمَّاهم بـ (الأنصار)، أن يكونوا هم الحاضنة للمشروع الإلهي، والحاملين لرعاية الإسلام، كان لهم مُؤَهِّلات أهَّلتهم لهذا الدور، لماذا كانوا هم من بين كل قبائل العرب من قَبِلَ بذلك؟ هذا درس أيضاً مهم جدًّا، درس: ما الذي أثَّر على مجتمع مكَّة وأضاعه، وخسر هذا الدور العظيم، وفي المقابل خسر حتى في مستقبله في الآخرة، حينما قال الله: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، أين يكون مصيرهم إلَّا جهنم، حَقَّ القَوْلُ عَلَيْهِم: وعيد الله بالعذاب وبجهنم.
فيمـــا يتعلَّـق بالأنصـــار: كان هناك أيضاً جملة من العوامل الإيجابية المهمة، التي أهَّلتهم لهذا الدور العظيم، منها:
روحية العطاء: مجتمعٌ معطاءٌ، سخيٌّ، بذولٌ؛ ليس مجتمعاً أنانياً، طامعاً، حريصاً، بخيلاً.
كذلك الصبر: كانوا أهل صبر، مجتمع صبور، متعوِّد على الصبر، متمرِّس على الصبر، على التَّحَمُّل.
وكذلك الاستعداد للتضحية، والشجاعة: مجتمعٌ شجاع، ومجتمع يُقَدِّم التَّضحيات.
هذا من أهم ما أهَّلهم لهذا الدور العظيم، وأتى في القرآن الكريم الحديث عنهم بالمواصفات المهمة جدًّا، في قول الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، مجتمع مؤهَّل للفلاح، والنجاح، والظفر، والفوز، لماذا؟ لأنه مجتمع وُقِيَ شُحَّ نفسه، لا يعاني من هذه الآفة، آفة الشُّحّ: الأنانية، والأطماع، والبخل، التي تجعل الإنسان ينطلق من منظور ضيِّق: حسابات شخصية، وحسابات فئوية؛ فهم كانوا مؤهَّلين لأن يقوموا بهذا الدور العظيم، مع أنَّ الفارق كبير جدًّا فيما يتعلَّق بالإمكانات المادية، ما بينهم وما بين قريش، إمكانات قريش إمكانات ضخمة جدًّا؛ لكن أولئك امتازوا حتى بهذه الميزة: أن يُؤْثِروا حتى على أنفسهم، حتى مع الخصاصة: مع الفقر والحاجة الشديدة.
فاز الأنصار بالشرف العظيم، ومعهم المهاجرون، الذين هاجروا إليهم، وشكَّلوا أُمَّةً مُسْلِمَة، تنهض بالرسالة الإلهية، وتنصر رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، هذا فيما يتعلَّق بدرس آخر، وهو: المجتمع الذي حاز مؤهلات مهمة، وعظيمة، وراقية، للنهوض بهذا المشروع.
فيما يتعلَّق بقصة هجرة النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” من مكَّة إلى المدينة: أيضاً فيها دروس نتحدث عن نقاطٍ منها وباختصار:
قريش لم يكتفوا بالصدّ، والتكذيب، والعناد، والاضطهاد للمستضعفين من المسلمين؛ بل قرَّروا في الأخير حسم المسألة نهائياً، وأرادوا أن يتَّخذوا إجراءات ضد رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، واجتمعوا في (دار الندوة): مقر اجتماعاتهم للتشاور في قضاياهم واتِّخاذ قرارات بشأنه، يقول الله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، اجتمعوا للمكر برسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وللتدبير بما هو عملٌ عدوانيٌ يستهدفه.
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، من بين الخيارات التي درسوها في اجتماعهم، ما بين الحبس، أو النفي، أو القتل، قرَّروا أن يقتلوا رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، لكن الله أعلمه، وأذن له بالهجرة، وأمره بالخروج عنهم، وفشلوا في خطتهم، ونجَّا الله نبيه وهاجر في ظروف صعبة، وحساسة، ومحفوفة بالمخاطر؛ لأنهم استنفروا نفيراً عاماً للبحث عنه.
كان من أخطر تلك الأحداث في حالة البحث عنه، واستنفارهم في سعيهم لهدف الوصول إليه، وتنفيذ عدوانهم عليه، كان من أخطرها: حينما كان في الغار في (جبل ثور)، على بُعد عِدَّة كيلوهات من مكَّة، أو من البيت الحرام، وصلوا إلى مَقْرُبةٍ من الغار، وكانوا على وشك أن يدخلوا إلى داخل الغار.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن تلك اللحظة بنفسها، التي كانت حسَّاسة وحرجة، وكانت تهديداً لحياة النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، نجَّا الله نبيه، وتمَّت الهجرة، واستقبله الأنصار بكل شوقٍ ومَحَبَّة، وقام أمر الإسلام، حيث بدأت مرحلة جديدة، فيها ولادة الأُمَّة، وارتبط بها تاريخ المسلمين؛ ليتذكَّروها في كل زمن، وفي كل محنة، وليأخذوا منها الدروس والعبرة.
وفي مقدِّمة الدروس: اليقين بأنَّ كلمة الله هي العليا، وبالتَّمَسُّك بها تعلو الأُمَّة، مهما كانت التحديات والمخاطر، ومهما كانت الصعوبات، المسلمون نهضوا بقيادة الرسول “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” من نقطة الصفر، في ظروف الجاهلية الأولى وصعوباتها، أُمَّةٌ نهضت بالإسلام وعلت بكلمة الله، حتى صارت في صدارة الأُمم، وتهاوت من حولها أقوام، واتِّجاهات باطلة، وكافرة، وظلامية.
الإسلام مهما مرَّ به من ظروف، هو مشروعٌ عظيم، جعله الله للظهور، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}؛ ولـذلك من يتحرَّك بالإسلام، حتى وإن كان في ظروف غربة، وظروف عصيبة، فهو مشروعٌ عظيم، مشروع انتصار، بتأييد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بخصائصه وبركاته؛ لأنه مشروعٌ من الله العزيز، الحكيم، العظيم، الرحيم، العليم، ومُتَّصِل برعاية الله، وبتأييده ومعونته؛ ولهـذا في الحديث النبوي عن رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”: ((إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً))، بدأ في غُربة: محيط جاهلي، وظلامي، وكافر، ومحارب للحق وللإسلام، وفي غاية الجهالة والظلم والباطل؛ ولكن الإسلام مع ذلك انتصر، انتصر، وعَلَت رايته، ((إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأ))، العودة للإسلام ستكون أيضاً في مرحلة غُربة، يعود وينهض من جديد، ويقوى، وتعلو رايته، ويُنْقِذُ الله به المسلمين والمستضعفين في العالم، العودة في غُربة، تعني: أنَّ الإسلام كما سيطر وانتصر في المرحلة الأولى في بدايته، مع أنَّه كانت البداية بدايةً في غُربة، كذلك في العودة، يعود في ظروف غُربة، لكن- في نهاية المطاف- ينتصر وتعلو رايته، ((فَطُوبَى لِلغُرَبَاء))، قِيْلَ: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ الله؟ قَال: ((الَّذِينَ يَصْلُحُون عِنْدَ فَسَادِ النَّاس))، فهم لا يتأثرون بفساد الناس، بل يَصْلُحون ويُصْلِحون، وينهضون ويتحرَّكون.
كل الخيارات والبدائل البعيدة عن كلمة الله- وكلمة الله تعني: هديه، ونهجه، وتعليماته القيِّمة- كل الخيارات والبدائل التي قد يأخذ بها الكثير من أبناء أُمَّتنا، ويتَّجهون إليها، هي خسارة وضياع، وهي تساعد الأعداء على المزيد من السيطرة على هذه الأُمَّة، وتهبط بالأُمَّة إلى الأسفل؛ ولـذلك ينبغي أن تحظى مثل هذه المناسبة، وغيرها من المناسبات التي تُذَكِّرنا برسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، أن تكون محطة للاستهداء والاستلهام والهداية، وأن تحظى باهتمامها. هذا فيما يتعلَّق بالمناسبة.
بالعـــودة إلى تطــــورات الأحــــداث، ففي مقـدِّمتهــا: هزيمـة العـدو الإسـرائيلي وشـركاؤه في عدوانهـم على إيــران:
من الواضح أنَّ حجم تحضيرات العدو الإسرائيلي للعدوان على إيران، في إطار الدعم الأمريكي، كانت تحضيرات كبيرة، ولها مُدَّة زمنية، قد تكون لعام، أو لأكثر من عام، والعدو الإسرائيلي يُحَضِّر لذلك العدوان؛ لأن الهدف الذي رفعوه لذلك العدوان كان بسقفٍ عالٍ.
الأخطر في هذا العدوان، هو: مساعي العدو الإسرائيلي لإزاحة الجمهورية الإسلامية من طريقه؛ بهدف السيطرة على المنطقة، ونحن تحدثنا عن هذه النقطة في الكلمة الماضية.
فيما يتعلَّق بموقف المسلمين بشكلٍ عام في البلاد العربية وغيرها: بالرغم من الإدانة المعلنة من الدول الإسلامية، ومن بينها العربية؛ إلَّا أن الموقف الأكثر وعياً بين الكثير من الدول، هو الموقف الباكستاني، يعني: بالنظر لبقية البلدان، موقف بلدنا بالتأكيد هو موقف المساندة والمشاركة، لكن بقية البلدان والأنظمة، كان الموقف الباكستاني- مقارنةً ببقية الأنظمة والدول- كان موقفاً متقدِّماً وواعياً، يدرك ماذا يسعى له الأعداء، ويصرِّح بذلك، وقوياً وجريئاً، الموقف التركي ما بعد ذلك كذلك، كان موقفاً يمتاز بالوضوح، والصراحة، والوعي بما يسعى له الأعداء ويخططون له، وعن حقيقة أطماعهم وآمالهم وأهدافهم.
فيما يتعلَّق بحجم هزيمة العدو الإسرائيلي، وهي هزيمةٌ له وللأمريكي معه، ولداعميه الغربيين، فيتَّضح حجم هذه الهزيمة عندما نقارن بين الأهداف، وبين ما الذي حدث في نهاية المطاف، ربما يكون ما عبَّر عنه الكافر (ترامب) هو الذي يبيِّن السقف الأعلى في أهداف الأعداء، هو تحدث عن ماذا؟ عن استسلام غير مشروط، يعني قال: أن المطلوب من إيران هو ماذا؟ الاستسلام غير المشروط، استسلام كامل، يعني: سقف كبير لعدوانهم وأطماعهم؛ ثم- في نهاية المطاف- أوقفوا عدوانهم إيقافاً غير مشروط، بدون أي شروط، لا على النووي، ولا على أيِّ أمور أخرى، ولا على التَّوَجُّهات والمواقف الإسلامية لإيران في نصرة الشعب الفلسطيني… وغير ذلك مما يعتبرونه مشكلةً أساسية بينهم وبين الجمهورية الإسلامية في إيران.
الهزيمة على المستوى العسكري للعدو الإسرائيلي واضحة، في أنَّه فشل في تحقيق أهدافه، في تدمير ما يريد أن يدمِّره في إيران، هناك بعض الدمار وبعض الخسائر، لكنها في مقابل ما كان يطمح إليه العدو الإسرائيلي تعتبر محدودة.
العدو الإسرائيلي عجز عن حماية نفسه من الصواريخ الإيرانية، وتكبَّد خسائر كبيرة جدًّا، وكانت الزخَّات والموجات من الصواريخ المستمرَّة على العدو الإسرائيلي بشكلٍ مستمر في كل يوم وليلة، كانت كابوساً للعدو الإسرائيلي، كابوساً كبيراً جدًّا، وجعلته في حالة غير مسبوقة إطلاقاً في واقعه؛ ولـذلك الصهاينة اليهود كانوا خلال مُدَّة العدوان بكلها في وضع غير مسبوق من: الخوف، والرعب، والاختباء في الملاجئ، وعاشوا الأجواء التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وصرَّح بعضهم بذلك، فيما يتعلَّق بالقصف، والدمار، والانفجارات، وإن لم تكن كذلك فيما يتعلَّق بالمعيار الإنساني والأخلاقي، في طريقة الحرب ما بين المسلمين وغيرهم.
هزيمة العدو الإسرائيلي هي هزيمة كبيرة، وهي نصرٌ للجمهورية الإسلامية، لقيادتها، للحرس الثوري، للنظام الإسلامي، للشعب الإيراني، نصرٌ للمسلمين جميعاً، نصرٌ للعرب، نصرٌ للقضية الفلسطينية، يُقاس هذا عندما نقارن: ماذا لو نجح العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي في تحقيق هدفهم، لو استسلمت- كما يطلبون- إيران، أو أسقطوا النظام الإسلامي، أو سيطروا على الوضع، أو أخضعوا إيران لإملاءاتهم وشروطهم؟ وكل هذه الأشياء هي مستحيلة في الواقع، وبعيدة عن التنفيذ بكل ما تعنيه الكلمة؛ لكن ماذا لو تحقق لهم ذلك؟ هذا كان سينعكس على واقع المنطقة بشكلٍ كبير؛ لأن العنوان الأساس لعدوانهم على إيران هو عنوان: ، هذا ما يسعون له، وهم واضحون في ذلك، هم يتحدثون، المجرم (نتنياهو) بنفسه يتحدث، ومعه بقية المجرمين الصهاينة، يتحدثون في هذا السياق: في سياق ، ومعنى ذلك: أنهم سيتَّجهون إلى بقية الأنظمة وبقية البلدان؛ ولهـذا المسألة مهمة.
كان في أثناء العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية في إيران، كان هناك اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي ثاني أكبر منظمة عالمية في الأرض، ثاني أكبر منظمة للمسلمين، اسمها: (منظمة التعاون الإسلامي)، أصدرت بياناً كما هو العادة، وأُلقِيَت كلمات في الاجتماع، أصبحت المنظَّمات المتعلِّقة بالمسلمين- المنظَّمات الرسمية- منظَّمات لإصدار بيانات، وإلقاء كلمات، ومع أنَّ اسمها: (منظَّمة التعاون الإسلامي)، إلَّا أنَّ الذي ينقصها هو التعاون، ما الذي ينقص أُمَّتنا؟ هو التعاون، لم يتعاونوا حتى مع الشعب الفلسطيني معظمهم، لا يتعاونون في قضاياهم الجامعة.
وعلى كُلٍّ، هي نعمة كبيرة، ونصرٌ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن ينهزم العدو الإسرائيلي هذه الهزيمة، بالرغم من جبروته، وعدوانيته، وحقده، وما بحوزته من إمكانات، ووقوف الأمريكي معه، والأنظمة الغربية الأخرى.
فيمــا يتعلَّـق بالعـــدوان الإســرائيلي على قطـــاع غــزَّة:
هذا الأسبوع شهد عدداً كبيراً من الجرائم البشعة والوحشية، يعتبر كسابقاته من الأسابيع المأساوية، المصبوغة بالظلم، والوحشية، والإجرام، من قِبَلِ العدو الإسرائيلي.
في هــذا الأسبـــوع أيضــاً:
كان هناك حصيلة كبيرة للشهداء، الذين استشهدوا في مصائد الموت الأمريكية، التي هندس لها الأمريكي، أكثر من (ستمائة شهيد) في بعض الإحصائيات، وعدد كبير (بالمئات) من الجرحى، وهم يذهبون مُجَوَّعين ليحصلوا على المساعدات التي يتحكم بها العدو، ويسطو عليها العدو، ويسيطر عليها العدو، ثم تكون النتيجة: أنَّ العدو يعمل- كما قد خطط- للإجهاز عليهم، ولقتلهم وإبادتهم، وبشكل بشع وإجرامي، في حالة فظيعة ومأساوية جدًّا.
الاقتحامات لباحات المسجد الأقصى مستمرَّة، الانتهاكات مستمرَّة.
اعتداءات العدو الإسرائيلي في القدس والضِّفَّة الغربية مستمرَّة بكل أشكالها وأنواعها.
الاعتداءات على لبنان وسوريا مستمرَّة كذلك.
فيمـــا يتعلَّـق بالصمــود الفلسطينـي: فعمليات الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة مستمرَّة ومتنوعة:
من تفجير العبوات بجنود وآليات العدو، في كل محاور التَّوَغُّل.
والاستهداف للعدو بقذائف الهاون، بعمليات القنص.
وبالاشتباك المباشر من المسافة صفر.
وكبَّدوا العدو الإسرائيلي خسائر مباشرة: قتلى وجرحى من جنوده، وتدمير لآلياته.
من أبرز تلك العمليات، ومن أشدِّها فتكاً بالعدو: الكمين النوعي المُرَكَّب، الذي نصبه مجاهدو كتائب القسام يوم الثلاثاء الماضي، لقوات العدو في (خان يونس)، وقُتِلَ فيه وجُرِح أكثر من (عشرين) من جنود العدو، بالرغم من محاولاته التَّكَتُّم والتعتيم الإعلامي على حجم خسائره.
في تلك العملية النوعية، تجلَّى فيها مستوى الاستبسال والإقدام للإخوة المجاهدين في كتائب القسَّام، وصلوا إلى آليات العدو المدرَّعة، وقاموا بإلقاء العبوات المتفجرة إلى داخلها، واشتبكوا بشكلٍ مباشر مع جنود العدو.
فيمـــا يتعلَّــق بالإسنــــاد، مـن يمـن الإيمــان والحكمـــة والجهـــاد خـــلال شهــر ذي الحجـــة:
فقد نُفِّذَت العمليات بـ(خمسة وعشرين) صاروخاً بالستياً، وفرط صوتي، وطائرة مُسَيَّرة؛ وبذلك يصل إجمالي ما تم إطلاقه منذ بداية الجولة الثانية، منذ الخامس عشر من شهر رمضان المبارك: (ثلاثمائة وتسعة) صواريخ بالستية، وفرط صوتية، وطائرات مُسَيَّرة، هذا كله في إطار إمكاناتنا، وفي إطار المستطاع والممكن، وإلَّا فقد كُنَّا سعيدين جدًّا بما نشاهده من موجات الصواريخ الإيرانية، التي انهمرت بشكلٍ كبير على العدو الإسرائيلي، وألحقت به الدمار الهائل، وهذا ثمرة للإعداد على مدى سنوات طويلة.
الروحية الجهادية، والنهج الجهادي، والبناء المتحرِّر المستقل، على ضوء قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، وصل بالجمهورية الإسلامية إلى ما وصلت إليه من إمكانات وقدرات مبنية على أساس الإنتاج المحلي، والاكتفاء الذاتي، وتعتبر- فعلاً- إنتاجاً وطنياً تميَّزت به الجمهورية الإسلامية في إيران؛ ولـذلك لم يتمكَّن العدو الإسرائيلي أن يستمر حتى لأسبوعين في العدوان على الجمهورية الإسلامية في إيران، هو كان قد أعلن في البداية عن أسبوعين، لم يستطع أن يكمل الأسبوعين.
طبعــاً فيمــا يتعلَّـق بالإغــلاق المستمــر للبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلي: هو مستمر بشكلٍ تام، وميناء متعطِّل كذلك بشكلٍ مستمر.
فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة الشعبيــة في بلدنــا: هي مستمرَّة بزخمٍ عظيم، على مستوى المسيرات، والمظاهرات، والوقفات القبلية والطلابية… وغيرها، والمظاهرات والمسيرات في الأسبوع الماضي بلغت: (ألفاً ومائة وثمان) مسيرات، كذلك الوقفات معها، الأنشطة المستمرَّة للتعبئة العامة كذلك بأنواعها.
وفيمــا يتعلَّـق بالمظاهــرات خــلال الأسبــوع الماضـي في بلــدان أخــرى:
خرجت مظاهرات في أربع دول مسلمة.
وخرجت مظاهرات في سبعة عشر بلداً، بلدان في أوروبا، وفي أمريكا، وأستراليا، والأرجنتين.
في بداية العام الهجري الجديد، هذا العام القادم، أقول لشعبنا العزيز: يا يمن الإيمان، ويا أحفاد الأنصار، ويا حَمَلَت الرايات، من (جُرْهُم) مع نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وإلى (الأوس، والخزرج) مع خاتم الأنبياء، وسيِّد المرسلين، رسول الله محمد “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، والدور العظيم الذي نهضت به قبائل اليمن على مرِّ التاريخ، وأيضاً بوسام الشرف العظيم في شهادة نبي الله ورسوله محمد “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، في قوله: ((الْإِيْمَانُ يَمَان، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، دوركم ومشروعكم مرتبطٌ بالإسلام والحق، في تجسيد قيمه، وحمل رايته، والجهاد في سبيل الله تعالى، صِلُوا الحاضر بالماضي العظيم والمشرِّف، ولا تبتغوا عنه بدلاً.
في العالم الهجري الذي يذكِّرنا بالهجرة، وبالإيواء والنصرة، ليكون الخروج يوم الغد- إن شاء الله- خروجاً عظيماً وكبيراً، تجديداً وتأكيداً للعهد لرسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، في الثبات على نصرة الإسلام، كما كان الآباء والأجداد الأنصار.
الخروج يوم الغد- إن شاء الله- ينبغي أن يكون مُمَيَّزاً، هو فاتحة لهذا العام الهجري الجديد، وينبغي أن يكون بالزخم اليماني، والحضور الشعبي الواسع.
النصرة للشعب الفلسطيني المسلم المظلوم، وللمقدسات الإسلامية، هي من الوفاء لرسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومن الجهاد في سبيل الله تعالى، والموقف ضد العدو الإسرائيلي، هو موقفٌ من أعداء الله، وأعداء رسوله، وأعداء الإسلام والمسلمين، وأعداء الإنسانية.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج الشعبي المليوني العظيم، الواسع، الكبير، في افتتاح هذا العام الهجري الجديد، يوم غد إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء في (ميدان السبعين)، وفي بقية المحافظات والمديريات والساحات.
آمل- إن شاء الله- أن يكون هذا الافتتاح للعام الهجري الجديد افتتاحاً عظيماً:
نُصرةً للشعب الفلسطيني.
ومباركةً أيضاً للشعب الإيراني وقيادته، ونظامه الإسلامي، في الانتصار العظيم.
وتأكيداً على الموقف الثابت في الجهاد في سبيل الله تعالى.
وكذلك تجديداً للعهد لرسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، في الثبات على ما كان عليه الآباء الأنصار، والأجداد الأنصار، في نُصرة الرسول والرسالة والإسلام، والثبات على نهج الإيمان.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛