لكلٍ تعريفه للصداقة. أحبها لقلبي هو تعريفها وفق قدرة مكبر صوت بيت المضيف على التعرّف على هاتف محمول الضيف، في البيوت التي لا تتوقف فيها الموسيقى.
حين لا تسعفني إرادتي في تفادي تناول الهاتف أول الصباح واستفتاح يومي بالأخبار، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى انهيار مُبكر، أبكر من المخطط له، ألجأ للموسيقى.
المناخ السياسي العام ترك أثره في خياراتنا الموسيقية بلا شك. وكأن انهيار ثقتنا في إنسانية العالم، وعدالة مؤسساته، تهد الفن والأذواق معها. الغضب والقهر الفريد من نوعه، والقادم من فرادة هذه اللحظة التاريخية في سجل التاريخ الأسود للبشرية يختار مخرجا جديدا للتنفيس، وقلما يُشفي رغم ذلك- قلما يُساعدنا أي شيء في السلوان ولو لحظة.
تصرخ أغنية شوفني للناظر وشب جديد غير الجديدة «شنعلل/ شان ينفع هالأوقات هاي وين بتوصل/ راح أكمل/ رح أكون من الناس الجابوا الفاس بالراس/ ومش متحمل، مش متحمل، مش متحمل» فنكرر «مش متحمل» خلفهم مرات ثلاث. تليها أغنية شاهين -غير الجديدة أيضا- «صوت بجع»: «سيبوني عايزين مني إيه/ مابقاش عندي اللي أزعل عليه». وأحيانا تُتبع بـ«ما يُرام» لابيوسف وليل بابا: «لا أنا مش على ما يرام/ حاسس إن كل ده سراب/ بحاول أطلع من تحت الأنقاض/ لما بتمشي بيبقى في ظلام/ وأنا عارف إني متقل شوية في الهروب/ مش عارف إني أهندل نفسي لما أفوق/ كاتم اللي يتقل عليا السموم/ كل دي خصوم، كل دي خصوم».
وأنا أسأل أصدقائي أيضا يقول البعض: إن علاقتهم (بالراب والهيب-هوب) ساءت في الواقع. المُباشرة والتعبير الصريح اللتين يرجوهما المرء عادة من أغاني هذه الجونرا غير قابلة للتحقق، إذ يعجز أي شيء عن التقاط فداحة ما يحصل. بالمقابل ما يستمعون إليه هو ما يرتبط بشكل وثيق بما يحصل في غزة، أغانٍ من قبيل «سوف نبقى هنا، كي يزول الألم»، موطني التي لا تفقد شعبيتها أبدا، وڤيڤا پالستينا.
لا يقف التأثير عند نوع الجونرا التي نستمع إليها، بل يتعداه إلى ساعات الاستماع، فنحن بحاجة إلى إسكات الضجيج في رؤوسنا فور استيقاظنا من النوم، وحتى العودة للسرير مرة أخرى. لنا بالطبع وسائل هروب -أكثرها لا صحي بطبيعة الحال- قد تكون الموسيقى أصحها.
بالمقابل نعرف أن الموسيقى التي نتوسل بها للمواساة ومقاومة ما لا يمكن احتماله، تُستخدم أيضا على الطرف الآخر لشحذ الهمم من أجل مزيد من القتل والتدمير.
توقفت معظم الحفلات الفنية منذ بداية الإبادة، نتج عنه التفتيش وإعادة بعث قوائم الموسيقى القديمة، والتوسع في البحث عن شتى أنواع الموسيقى التي أُنتجت، وحظيت بشعبية من قِبل المستمعين في أزمنة التحرر ومقاومة الاستعمار، كحرب فيتنام مثلا. لكن المدهش (وغير المدهش حقا لمن يملك أقل معرفة بالجو السياسي العربي) هو غياب المهرجانات التي تخصص لهذا الغرض تحديدا. ثمة تعويضات من قبيل هتافات الجماهير في الملاعب أو غنائهم، والذي يعمل كتعويض للتجمهر والنزول إلى الشارع المحرم -أو المضيق عليه، على الأقل- في معظم الدول العربية.
نوف السعيدي – جريدة عمان
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مسار تاريخي يتجدد برؤية سعودية – أمريكية معاصرة
تشكل زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـ حفظه الله ـ إلى الولايات المتحدة الأمريكية محطة جديدة في مسار العلاقات السعودية-الأمريكية، يعيد خلالها التاريخ شيئاً من تفاصيل اللقاء الأول الذي جمع المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1945م على متن سفينة كوينسي في قناة السويس. ذلك اللقاء الاستثنائي أسّس لشراكة إستراتيجية متينة بين البلدين، ورسّخ أسس تعاون واسع في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
ومنذ ذلك التاريخ توالت الزيارات واللقاءات بين قيادات البلدين، بما عزز بناء علاقة راسخة تقوم على المصالح المشتركة والرؤية المتبادلة لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. وتأتي الزيارة الحالية لسمو ولي العهد امتداداً لهذا الإرث التاريخي، حاملة فكراً حديثاً ورؤية واضحة تدفع بالعلاقات نحو آفاق أرحب، وتعكس دور المملكة المتنامي في الاقتصاد العالمي وحضورها الفاعل في مختلف القضايا الدولية.
وتكتسب الزيارة أهميتها من كونها تعزز التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتقنية والدفاعية، وتدعم الجهود المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة، ليس للمملكة وحدها، بل للمنطقة والعالم، خاصة مع ما تمتلكه المملكة والولايات المتحدة من قدرات مؤثرة وإمكانات إستراتيجية واسعة.
كما تسهم الزيارة في دعم مسارات الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي والدولي، انسجاماً مع نهج المملكة الثابت في العمل من أجل عالم ينعم بالازدهار بعيداً عن الصراعات والنزاعات. وهي زيارة تحظى بمتابعة واسعة لما ينتظر أن تسفر عنه من نتائج إيجابية تنعكس على المواطنين والمقيمين في المملكة، وعلى الشعوب والدول المرتبطة بهذه الشراكة الممتدة.
ويشعر السعوديون بالفخر وهم يشاهدون ولي العهد يمثل وطنهم في المحافل الدولية، ويعزز مكانة المملكة عبر رؤى وطنية تستند إلى أهداف واضحة لبناء مستقبل مزدهر، يقوم على التنمية الشاملة والاستدامة في مختلف القطاعات.
lewefe@