واذا تحدثنا عن الرحمة فلا مناص من ذكر قول الله «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمر فإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» وهى أصل من أمور الدين والأصل الذى يذكر الله به عباده «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا« وهى من نزل من السماء حتى يتراحم به العباد فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جَعَلَ اللهُ الرحمةَ مائة جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وأَنْزَلَ فى الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلَائِقُ، حتى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أن تُصِيبَهُ» وعامة عندما أرى طفلًا بائسًا فى الطريق أقوم تلقائيًا كطبيب بالتفحص فى الوجه والأيدى والأرجل ولا يسعُنى الا أن أعطى أمه صدقة من أجل هذا الطفل البائس أو المريض لأننا وبنظرة خاطفة طبية لأى طبيب يعرف أن هذا الطفل يحتاج إلى «كنسلتو» من الأطباء ومجموعة عيادات لكى تعالج ما فيهم من الإهمال المتعمد أو غيره وأنا عامة أيضاً لا أقوم بإعطاء الذين يتسولون فى الشوارع وعلى أبواب المساجد لأننا جميعًا تعودنا أنهم محترفون لمهنة التسول التى تعطى لهم قدرًا كبيرًا من العائد المادى وفى زمان قد رأينا القطط والكلاب يركبون السيارات الفارهة والناس من بنى آدم «الغلابة» يقفون فى الشمس الحارقة ينتظرون بالساعات المواصلات فكيف عندما يجتمع عليهم المرض الذى أن داهمهم فإنه لا يرحم صغيرًا ولا كبيرًا فالناس تستحق الرحمة وهى رحمة مطلقة أوجبها الله سبحانه وتعالى ليس لها علاقة باللون أو الدين ولا تستحق منا أن نمنعها بأى حال من الأحوال.
والرحمة عند الطبيب قد تجعل الواحد منا لا ينام حتى يؤدها وهى تتمثل فى المرضى الذين لا يجدون مالًا ينفقون به على أنفسهم، فضلًا عن شراء الدواء وهنا أمثلة كثيرة، لذلك لا مكان لذكرها فى هذا المقام وهى التى تجعله يتابع هؤلاء المرضى لأنهم فى حاجة أكبر إلى متابعة حالاتهم أكثر من إبداء رأى مرة واحدة فقط وقد يقوم الطبيب بمباشرة البعض منهم عمره كله دون أجر وهذا مما رأيناه فى بعض الزملاء ويرفض أية أتعاب بل إنه قد يقوم بنفسه بإعطائهم ما يسترون به أنفسهم دون الحاجة إلى سؤال الناس.
أما الرحمة فى الطب فلها أكثر من صفة أولوها أن المرض له أسباب وعلاماته وقد يظن البعض أو كثير منهم أن عندهم مرضًا وهو ليس كذلك، وثانيًا مما رأى الأطباء فى المرض أنه يتراكم مع السنين ويشتد كلما طال فنساه أو تناساه العباد توغل فى أجسادهم، فالأفضل أن تدرك المرض فى أوله على أن تأتى متأخرًا ويقول العارفون بالرحمة إنها النافذة إلى القلوب بلا شحوب تسد الثقوب وتملأ الجيوب تستر العيوب وتعين الموهوب أن يخطو الدروب وفى الرحمة حروب وضرب بالطوب كما ذاق أيوب فلا تتساهلها الشعوب أولا تتوب فأقصد المحبوب عند الغروب تنجو من الرسوب.
استشارى القلب–معهد القلب
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: معهد القلب أمور الدين رسول الله صلى الله عليه وسلم
إقرأ أيضاً:
أستاذ بالأزهر: النبي جسَّد الرحمة كقيمة دعوية وإنسانية شاملة
أكد الدكتور علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن وصف النبي محمد ﷺ بأنه "رحمة للعالمين" كما ورد في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، لا يقتصر فقط على كونه صفة دعوية، بل هو مبدأ إنساني شامل تجلّى في حياة النبي، وفي دعوته، وسلوكه، وتعامله مع الناس كافة.
أستاذ أزهري: الرحمة في شخصية النبي كانت تلازمًا بين الدعوة والخلقوقال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء: "الرحمة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلازمًا بين الدعوة والخلق، فهو لم يكن فقط يدعو إلى الرحمة، بل كان متجسدًا فيها؛ ولذلك فإنها ليست فقط صفة دعوية، بل منهج حياة وقيمة كونية شاملة".
الدكتور علي عثمان شحاتة: الشدائد يجب أن تدفعنا إلى الرحمة وليس القسوة
أستاذ بالأزهر: انتشار الرحمة فى المجتمع يخفي 90% من مشاكلنا
هل يجب أخذ رأي الزوجة في الانتقال لمنزل جديد؟.. أمين الفتوى يجيب
أفضل دعاء عند النوم.. كلمات تحميك حتى الصباح
وأوضح أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن مظاهر هذه الرحمة لم تقتصر على المسلمين فقط، بل شملت غير المسلمين، وحتى الحيوانات والبيئة، مشيرًا إلى أن النبي كان رحمة مهداة لكل الكائنات، وأن هذه الرحمة انعكست في كل تصرفاته، من أصغر المواقف إلى أعظم القرارات.
وأضاف أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى الرحمة، ومارسها واقعًا حيًّا، وكان مثالاً للداعية الذي يعيش ما يدعو إليه، وهذا ما يجعل وصفه بالرحمة للعالمين صفة متعدية تشمل كل ما يحيط بنا من بشر وكائنات".
وشدد أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، على أن الأمة بحاجة في هذا العصر إلى استحضار هذه الرحمة في خطابها، ودعوتها، وسلوكها، لتعيد تقديم صورة الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أساسه الرحمة لا العنف، والرفق لا الغلظة.