عربي21:
2025-05-12@21:14:22 GMT

هوامش شخصية على كتاب الإسلام بين الشرق والغرب

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT

لم تكن علاقتي بعزَّتبيغوڤيتش مُجرَّد علاقة قارئ مَرَّ بمفكر إبَّان نُضجه، بل كانت في حقيقة الأمر: قصة نُضجي؛ أي قصة تبلور صيرورة معينة لشخصيتي وأفكاري. فقد ابتعتُ الطبعة الثانية من الترجمة العربية لـ"الإسلام بين الشرق والغرب" في 1997م تقريبا، وكنت حينها على مشارف المرحلة الجامعيَّة. كانت مأساة البوسنة لا تزال غضَّة طرية؛ فلم تمض سنوات التبرُّع والدعم، ولا انقضت مشاهد المذابح والمعاناة التي كانت تصلنا بعض تفاصيلها.



وقد ابتعت الكتاب -حينئذ- لأني وجدت عليه اسم الرئيس البوسنوي المجاهد، الذي يواجه العدوان الصربي والتواطؤ العالمي وحيدا. لم يكن العنوان يُنبئ بشيء استثنائي، وإن أشارت نبذة المترجم للعكس إشارات غامضة. وربما ظننت حين شرعت في مطالعته -للمرة الأولى- أني سأجد خطابا ناريّا بليغا عن علاقة الإسلام بالغرب مثل كتابات محمد الغزالي، أو حتى قدرا من العمق في طرح إشكالية المواجهة مثل كتابات محمد قطب، رحمهما الله. لكن كانت الصدمة أني لم أُفِدْ شيئا تقريبا، اللهم إلا بعض الأفكار والإشارات المتناثرة، التي تركت أثرها الغامض فيَّ؛ كأنها تَعِدني بالعودة للكتاب ثانية حين أستعد له معرفيّا ووجدانيّا. فقد كان الكتاب مما يلزمه عُدَّة فلسفية وكلامية وعرفانية متينة، ومن قبل ومن بعد؛ كان يلزمه تجربة حياتيَّة ومكابدة حقيقيَّة لا تتوفَّر غالبا لشابٍّ حدث في مُقتبل العمر.

ما أن بدأتُ أدرِك قصور التحصيل بغير مكابدة، حتى شرَعَتْ أبواب المعرفة تُفتح لي. صحيح أن كلنا يُكابد الحياة يوميّا، بيد أن مكابدة ما نتعلَّمه تبدأ بمحاولة تمثُّله تمثُّلا واعيا؛ فلا شيء يُنضج المعرفة ويعمقها ويختبر قدراتها الحقيقية مثل محاولات تنزيلها
وسأعود إلى هذا الكتاب العزيز ثانية بعدها بعدَّة أعوام، كنت قد طالعت خلالها ترجمة "الإعلان الإسلامي" الواضحة، وبعض ترجمة "هروب إلى الحريَّة"؛ التي دفعتني ركاكتها للبحث عن الترجمة الإنكليزيَّة. سأعود بعد أن كُسرت عندي رهبة المؤلف، وصرت أعظم إصرارا على اكتشافه واستيعابه؛ خصوصا وقد بدأتْ أدواتي الفلسفية والكلامية تتكوَّن. بيد أن القراءة الثانية لـ"الإسلام بين الشرق والغرب" لم تُثمر هي الأخرى ولا حتى بعض ما كنت أصبو إليه، وإن مثَّلت طفرة حقيقية مُقارنة بالقراءة الأولى.

لكن ما أن بدأتُ أدرِك قصور التحصيل بغير مكابدة، حتى شرَعَتْ أبواب المعرفة تُفتح لي. صحيح أن كلنا يُكابد الحياة يوميّا، بيد أن مكابدة ما نتعلَّمه تبدأ بمحاولة تمثُّله تمثُّلا واعيا؛ فلا شيء يُنضج المعرفة ويعمقها ويختبر قدراتها الحقيقية مثل محاولات تنزيلها. وبمجرد أن طرحت التحصيل النظري المجرَّد جانبا، وشرعتُ في مكابدة ما أتعلمه من خلال حركتي في الوجود؛ حتى صرت مُهيَّأ تماما لا لتشرُّب عزَّتبيغوڤيتش وتلمُّس روحه في حركتها فحسب، وإنما أمسيت أعظم استعدادا لاستيعاب عبد الوهاب المسيري والإفادة منه.

لقد جعلتني الحركة بالمعرفة -في الوجود- أشهد ما لم أكن لأشهده أبدا بالتحصيل الساكن؛ فأقبلت على المسيري كأن أنساقه كانت تسكُن في أغوار نفسي، وتنتظرُ من يصوغها في أدوات. لقد كانت أدوات المسيري تُبين لي طريقة عزَّتبيغوڤيتش في تشكيل نظامه الفكري، وتُكسب الفكر الإسلامي -بل والإنساني!- كله انسجاما وتكامُلا لم أستطع تلمُّسه من قبل، وإن أدركت وجوده مما بثَّته روح سيد قطب في نفسي.

ونتيجة أحداث يناير 2011م، تولَّدت داخلي طاقة روحيَّة وفكريَّة هائلة، وإن استُنزِفَت سريعا في إعادة ترتيب أسس وجودي، التي بعثرها الحدث نفسه. لكن كانت أُلفتي لأفكار عزَّتبيغوڤيتش قد بَلغَت مدى عجيبا، ونقلها لهيب الأحداث في روعي نقلة بعيدة؛ نتيجة أحداث يناير 2011م، تولَّدت داخلي طاقة روحيَّة وفكريَّة هائلة، وإن استُنزِفَت سريعا في إعادة ترتيب أسس وجودي، التي بعثرها الحدث نفسه. لكن كانت أُلفتي لأفكار عزَّتبيغوڤيتش قد بَلغَت مدى عجيبا، ونقلها لهيب الأحداث في روعي نقلة بعيدةما أفضى بي إلى عقد عدَّة جلسات "خاصَّة" لشرح هذا الكتاب الفذ في عام 2012م. وقد استمرَّت عشرة أسابيع تقريبا، وكان اللقاء الواحد يتجاوز الساعات الثلاث أحيانا. وهو ما أفدت منه إفادة عظيمة في إنضاج رؤيتي، فلم أكن أقرأ من الكتاب كما يفعل الشُرَّاح، إذ كنت أبصر كل شيء أمامي بوضوح: هيكل أفكار المؤلف الفيلسوف، وكساءه، وحركة هذا الجسم في الوجود.

وقد فتح الله عليَّ بألا أتناول النص مُغلقا مُنكفئا على نفسه، وإنما من خلال تناصِّه مع نصوص بشرية أخرى، أدبية وفلسفية؛ تأكيدا للمبادئ التفسيرية المركزية التي يُمدك بها بوصفها أدوات فعَّالة، وتقويضا للتمركز حول نصٍّ فرد. وليس من المستغرب أنَّ الله تعالى قد أنطقني في أول تلك الحلقات بمقولة اشتهرت عني بعدها: "كل نص بشري لا يعود بك للوحي الإلهي؛ فلا يعول عليه"، فقد كنتُ أساق سوقا إلى حقيقة الوعي.

* * *

وقبلها بعدَّة أعوام، كنت قد أسست تنوير للنشر والإعلام -في تشرين الأول/ أكتوبر 2007م- وزُرت الأستاذ يوسف عدس مطلع نيسان/ أبريل 2008م، لأستأذنه في نشر ترجمته لكتابنا الأثير هذا؛ فأخبرني أن أستاذنا المسيري رحمه الله -وكان آنذاك في مرضه الأخير- قد سبق وأرسل له ممثلي ناشره المصري قبل زيارتي بشهر واحد؛ ليتعاقدوا معه على نشر الكتاب، حرصا على دوام توفره. وقد قال لي حينها بالحرف: قدَّر الله وما شاء فعل، لو كنت زرتني مبكرا شهرا واحدا؛ لفُزتَ بالكتاب.. فلا أحب معاملتهم منذ نشروا ترجمتي لكتاب: "الإعلان الإسلامي"، وأرهقوني أيما إرهاق! فما كان مني -آنذاك- إلا أن أجبته: فاللهم لا تُمِتني حتى أنشر كتاب: "الإسلام بين الشرق والغرب"؛ فتبسَّم رحمه الله واغرورقت عيناي.

وقد أجيبت "نصف" دعوتي بعد 15 سنة، وحصلت على حقوق نشر الكتاب، بل وانفتحت لي -بحول الله وحده- ترجمته بنفسي ترجمة سلسة ميسورة دون عوائق، ولم أكن أتوقع ذلك ولا أخطط له؛ فلعل أجلي مُرتَهَنٌ بتمام نشره، والله أعلم حيث يجعل رسالته!

إن هذا النص الفذ زهرة نسق عزَّتبيغوڤيتش الفكري وواسطة عقده، وفيه هيكل نظامه الفلسفي كله، وجمهرة تفاصيله المهمة. ومَن أحسنَ استيعابه؛ فقد استوعَب مُجمَل مراد الأستاذ وعرف وجهته. ففيه أثمرت البذور الأوَّلية التي بُذِرَت في "عوائق النهضة الإسلاميَّة"؛ محاولة تُفيد من جهد من سبق طمعا بتجاوز زلاته؛ فهي أكمل نسبيّا مما سبق. وكما يحلو لي دوما القول: لولا زلَّات من سبقونا من أفاضل الأساتذة؛ لما تعلَّمنا الصوابفاستوَت فلسفة أخلاقيَّة رفيعة عمادها الإسلام، تجلَّت عبر مُقارنة بنية الإسلام بالمادية والدين المجرَّد (المسيحية). وقد اعتصر رحمه الله من هذا الكتاب الماتع -لاحقا- دليله الحركي، أو "المانيفستو" السياسي الذي دبَّجه في "الإعلان الإسلامي".

ثم لما تسنَّت له -إبَّان سجنه الثاني- فرصة إعادة النظر في نسقه الفكري، وأثمر ذلك كتابه الشذري الماتع: "هروبٌ إلى الحريَّة"، الذي دوَّنه على مهلٍ طيلة ما يقرُب من ست سنوات كاملة؛ كان هذا الأخير إنضاجا لبعض أفكاره التي ضمَّنها في "الإسلام بين الشرق والغرب"، حتى إنه خصَّص لها ما يكاد يبلُغُ رُبع هروبه، في فصلٍ عَدَّهُ حاشية على كتابه الذي نشرُف بأن نقدم لكم اليوم ترجمته الكاملة. وهي ترجمة تنشد الكمال بصدق ودأب، ولن تبلغه؛ فإن الكمال لله تعالى وحده. بيد أنها محاولة تُفيد من جهد من سبق طمعا بتجاوز زلاته؛ فهي أكمل نسبيّا مما سبق. وكما يحلو لي دوما القول: لولا زلَّات من سبقونا من أفاضل الأساتذة؛ لما تعلَّمنا الصواب. فاللهم لا تحرمنا أجورهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر اللهم لنا ولهم.

twitter.com/abouzekryEG
facebook.com/aAbouzekry

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الترجمة الفكري كتب الفكر ترجمة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بید أن من سبق

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: الأزهر الشّريف مصدر رائد في صناعة المجدّدين والمصلحين

أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الأزهر الشّريف كان – وما زال – مصدرًا رائدًا في صناعة المجدّدين والمصلحين في كلّ زمان ومكان، بما يحمله من مناهج علميّة رصينة، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبما حباه الله من شيوخ أجلّاء أخلصوا النّيّة، وكرّسوا أنفسهم لخدمة دينهم وأمّتهم، فكانوا نعم القدوة، ونعم العطاء للإنسانيّة جمعاء، موضحًا أن صناعة المصلحين في الأزهر تقوم على ثلاثة محاور، تدريس المناهج العلميّة الرّصينة الّتي تقوم على إعمال النّظر، وإطالة الفكر، وحسن الفهم؛ حتّى يتخرّج الطّالب ممكّنًا في علوم الشّريعة الإسلاميّة، بمنهجيّة فريدة، وتعزيز التّكامل المعرفيّ بين العلوم والثّقافات والتّخصّصات؛ ليتخرّج الطّالب وهو على دراية تامّة بأصول العلوم الإسلاميّة والدّراسات الإنسانيّة، ممّا يمكّنه من التّعامل مع هذه العلوم برؤية وسطيّة معتدلة، واختيار النّابغين والمميّزين من أبناء الأزهر، وتقديم الدّعم اللّازم لهم، ورعايتهم رعايةً علميّةً ومجتمعيّةً خاصّةً؛ حتّى يحملوا راية الأزهر الإصلاحيّة والوسطيّة في الواقع والمستقبل.

جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر العلمي الأول «الأزهر وصناعة المصلحين» الذي تنظمه كلية العلوم الإسلامية للوافدين بجامعة الأزهر بالقاهرة

وأشار مفتي الجمهورية، إلى واحد من أبرز المصلحين الّذين صنعهم الأزهر الشّريف وربّاهم تربيةً إصلاحيّةً فريدةً، حتّى أصبح من أعلام التّجديد والفكر في العصر الحديث؛ وهو الأستاذ العلّامة، محمّد البهيّ، رحمه الله الذي يُعَد امتدادًا طبيعيًّا لمدرسة التجديد والإصلاح التي رفع رايتها الأستاذ الإمام محمد عبده – رحمه الله – مؤكدًا أن أبحاثه ودراساته قد تناولت ميادين العلم والمعرفة كافةً، بما يخدم الإسلام ويسهم في تقديم حلول لقضايا المجتمع، وأنه قد جعل من ذلك أساسًا ينطلق منه في مشروعه الإصلاحيّ المؤسّسيّ، بعد أن تقلّد منصب وزير الأوقاف وشؤون الأزهر سنة 1962م.

وشدّد المفتي على أن الأزهر الشريف قد أسهم بصورة جادّة وممتدّة في صناعة شخصيّة الدكتور محمد البهي، وفي تشكيل معالم مسيرته العلميّة والإصلاحيّة؛ فمنذ التحاقه بمعهد دسوق الدّينيّ سنة 1917م، ومرورًا بدراسته في معهد طنطا، وحصوله على الإجازة العالية من القاهرة، وصولًا إلى درجة الدكتوراه من جامعة "هامبورج" الألمانيّة سنة 1936م، في رسالته المعنونة: "الشيخ محمد عبده والتربية القوميّة في مصر"، تتجلّى معالم هذه الصناعة الأزهريّة الرّصينة، ويتّضح مقدار الإرث الإصلاحيّ الذي حمله وتفاعل معه فكرًا ومواقف.

وأضاف مفتي الجمهورية، أن المشروع الفكريّ والإصلاحي للدكتور محمد البهي – رحمه الله – قد تبلور على عدّة محاور مهمّة، أولها: مواجهة الفكر الماديّ، وتفكيك أسسه الفلسفيّة، وتفنيد مزاعمه، والردّ على ما أثاره أنصاره حول الإسلام والتاريخ الإسلاميّ، مع كشف زيف شعاراته التي روّج بها لمسمّيات خادعة مثل "العلميّة" و"التقدّميّة" و"الإنسانيّة"، وهي – في حقيقتها – جسور لتسريب الفكر اللادينيّ إلى عقول الشباب. وأشار فضيلته إلى أن كتابه "تهافت الفكر الماديّ التاريخيّ بين النظرية والتطبيق" يُعَدّ نموذجًا ناقدًا بارعًا في تفنيد دعاوى الماركسيّة، وبيان عجزها عن تحقيق ما تسمّيه "العدالة الاجتماعية"، أو الوصول إلى مجتمع بلا طبقيّة، وثاني هذه المحاور – كما ذكر فضيلته – هو مجابهة المذاهب الهدّامة التي سعت إلى خلخلة الثوابت وتشكيك المجتمع في عقيدته وقيمه؛ إذ بذل الدكتور البهي – رحمه الله – جهودًا واسعة في كشف أغراض العلمانية والماسونية والإلحاد، وفي تفنيد شبهات المستشرقين، فكان من الرّائدين في الرّد على دعاة التفكيك والارتياب، وكان كتابه: "الإسلام ومواجهة المذاهب الهدّامة" دليلًا ساطعًا على رصانة تفكيره وصلابة موقفه، أما المحور الثالث – حسب ما أوضحه فضيلة المفتي – فهو تقديم الإسلام كنظام إلهيّ متكامل قادر على معالجة القضايا المجتمعية المعاصرة، بعد تنقية المشهد الفكريّ من الشبهات والمفاهيم الدخيلة، وقد تناول الدكتور البهي ذلك في كتبه الثلاثة: "الإسلام في حلّ مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة"، و"الإسلام كنظام للحياة"، و"الإسلام والاقتصاد"، واضعًا أسس الإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، برؤية ناضجة تجمع بين الثوابت الشرعيّة والحاجات الإنسانيّة المتجددة.

وبيّن المفتي أن إسهامات الدكتور محمد البهي لم تتوقّف عند الحدود الأكاديميّة أو المناصب الرسميّة، بل كان – في حقيقة الأمر – رجلًا ذا رؤية إصلاحية شاملة، استطاع أن يجدّد في مفاهيم الفكر الإسلاميّ، ويرسّخ معاني التوازن بين الأصالة والمعاصرة، مؤكدًا على ضرورة التوفيق بين ثوابت الشريعة ومعطيات العصر، بلا إفراط ولا تفريط. وقد تناول – رحمه الله – في كتاباته قضايا الجيل وإشكاليّات العقل المسلم، وسعى إلى تأسيس وعي حضاريّ راسخ يمكّن الأمّة من النهوض في ظلّ قيمها وهويتها.

كما أوضح المفتي إلى أن لهذا الدور الإصلاحيّ الذي اضطلع به الدكتور محمد البهي – رحمه الله – أثرًا عميقًا في بناء الفكر الإسلاميّ المعاصر، وفي مواجهة التحديات التي فرضها الواقع المجتمعيّ والسياسيّ في ذلك الحين، وهو ما يظهر جليًّا في كتابه الرصين: "الفكر الإسلاميّ الحديث وصلته بالاستعمار الغربيّ"، وفي جهوده المتواصلة لمواجهة المدّ اللادينيّ والماركسيّ، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تُثار من حين إلى آخر حول الإسلام وثوابته، حيث كان لفكره الأزهريّ المعتدل أثر كبير في تقديم الإسلام للناس كما هو؛ نقيًّا، صافيًا، بعيدًا عن تحريف الغالين، أو تأويل المبطلين.

ونبه  مفتي الجمهورية إلى ضرورة الاستثمار في صناعة المصلحين، وإعدادهم إعدادًا واعيًا يجمع بين العلم والعمل، ويؤهّلهم لحمل راية الإصلاح الدينيّ والمجتمعيّ في الواقع والمستقبل، في إطار من التوازن بين ثوابت الدين ومعطيات الزمان، داعيًا إلى تعزيز أواصر التكامل والتعاون بين المؤسّسات الدينية والمدنية، لتحقيق الآمال والتطلّعات المرجوّة.

وفي ختام كلمته،  توجّه مفتي الجمهورية بالدعاء بالرحمة والمغفرة للأستاذ الدكتور/ محمود توفيق – رحمه الله – مشيدًا بدوره الكبير في دعم قضايا الإصلاح، ومؤكدًا أنه كان أحد الأسباب الرئيسة في انعقاد هذا اللقاء العلمي المهم، بما عُرف عنه من جهد صادق وإخلاص في خدمة العلم والدعوة، مشددًا على أن قضايا الإصلاح في الأزهر الشريف لم تكن يومًا شأنًا عابرًا ولن تكون، وأن مسيرة التجديد الأزهري ممتدة في الزمان والمكان، تستمد قوتها من تراث راسخ، وواقع متغير يتطلب وعيًا ومسؤولية، مبينًا موقف الأزهر الشريف من القضية الفلسطينية – لا سيّما مأساة غزة – وأنها خير شاهد على استمرار هذا النهج، من خلال البيانات الرسمية، والمؤتمرات الداعمة، والجهود التي يبذلها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في مختلف المحافل، تأكيدًا على ثبات الموقف وعمق الرسالة.

هذا وقد شارك في هذا المؤتمر بكلمات علمية رصينة كل من فضيلة أ.د أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وفضيلة أ.د سلامة داوود، رئيس جامعة الأزهر، وفضيلة أ.د محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، وفضيلة أ.د محمد عبدالدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وسعادة أ.د نهلة الصعيدي عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين، رئيس المؤتمر، كما شهد المؤتمر حضور السادة نواب رئيس الجامعة، وعمداء الكليات، ولفيف من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وقيادات الأزهر الشريف.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: الأزهر الشّريف مصدر رائد في صناعة المجدّدين والمصلحين
  • حساب الخارجية الأمريكية بالعربية يغرّد عن زيارة ترامب للشرق الأوسط وأبرز الملفات التي ستناقش
  • ما هي أنواع الحج في الإسلام؟ اعرف كيفية أداء مناسكه
  • المملكة تبرز ريادتها بنشر كتاب الله عبر جناح مجمع الملك فهد في معرض «جسور» بالمغرب
  • المملكة تبرز ريادتها في نشر كتاب الله عبر جناح مجمع الملك فهد في معرض “جسور” بالمغرب
  • ثواب حسن معاملة الخادم في الإسلام.. علي جمعة يكشف عنها
  • لماذا شرعت الأضحية في الإسلام؟.. تعرّف على 3 أسباب لهذه السُنة
  • قيمة السماحة في الإسلام .. على جمعة يعدد فوائدها
  • وفد برئاسة نقيب الكتاب يزور الروائي الكبير صنع الله إبراهيم في مستشفى معهد ناصر
  • فوائد حسن معاملة الآخرين في الإسلام.. علي جمعة يكشف عنها