تعد مؤسسات المجتمع المدني واحدة من الأذرع الناعمة للدول، التي تؤدي أدوارها الداخلية والخارجية بما يتوافق مع رؤية الحكومات ويخدم مصالح الدول، وأصبحت خلال العشرين سنة الماضية في سلطنة عمان الأكثر حضورًا في المجتمع من خلال تخصصاتها المتنوعة التي تسهم في تقديم العديد من الخدمات والبرامج المتنوعة.
وإن كانت هذه المؤسسات استطاعت بسواعد أعضائها أن توجد لها كيانات فاعلة على المستوى الداخلي وقدمت من خلالها خدمات جليلة للوطن.
إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه المؤسسات هو تعزيز دورها على المستوى الدولي.
فهناك العديد من المنظمات العالمية الفاعلة والمؤثرة التي يقع بعضها تحت مظلة الأمم المتحدة تحتاج منا أن نكون فاعلين فيها بما تقدمه من رؤى ومساهمات في الحضارة الإنسانية وبناء علاقات متشابكة مع الآخرين من مختلف القارات حتى نستطيع أن نوصل صوتنا للعالم.
أصبحت هذه المؤسسات أكثر قدرة على التأثير من الحكومات نظرًا للقناعات لدى هذه المنظمات بأن الحكومات لا تقدم الرؤية الحقيقية عن الأوضاع داخل الدول، كأوضاع الصحافة والمرأة والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وحماية الحقوق والحريات والسجناء والأقليات وما يتعلق بالتعامل مع الجانب الإنساني والبيئي والحيواني والمناخي.
هذه المؤسسات هي التي تبرز اليوم في مجتمعاتنا كمؤسسات تحظى بالثقة والمصداقية في التقارير التي تقدمها للعالم وأكثر قدرة على التأثير من خلال تلك العلاقات التشابكية، ولكي تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من تأدية أدوارها فإنها تحتاج إلى المزيد من الدعم من قبل مؤسسات الدولة، ولعل تبسيط إجراءاتها بشكل أكبر قد يعطي دفعة مهمة لها؛ بما يرفع مستوى الثقة فيها ويعزز دورها ويمنحها مساحة لمضاعفة الجهد، وكل من يقوم على إدارتها يؤمن بأن مصلحة سلطنة عُمان فوق كل شيء.
ومع هذه الأهمية في الأدوار نحتاج إلى مؤسسات مجتمع مدني أكثر فاعلية في الساحة الدولية وأكثر حضورا في التجمعات العالمية وأكثر قدرة على إيصال صوتنا ورؤيتنا وإنجازاتنا، وأن نكون أكثر إسهامًا فيما يدور حولنا، وتعمل على تقديم تجاربنا الناجحة للمجتمع الدولي وأن نكمل رسالتنا على ما تأسس لسمعة سلطنة عُمان ودورها الرائد.
لكن ذلك يحتاج إلى عدد من العناصر لإنجاح هذه المهمة، لعل أولها مساعدة مؤسسات المجتمع المدني على إنجاز برامجها، وتسهيل تواصلها بالخارج واستقطاب الكفاءات الخارجية لحضور فعالياتها ونقل تجاربها، وفهم أعمق لدورها ودعم قدراتها وتوجهاتها حتى تستطيع أن تغير الصورة النمطية لدى المنظمات الدولية التي استوحتها من تقارير ومزودين غير حياديين.
سالم الجهوري كاتب صحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المجتمع المدنی هذه المؤسسات
إقرأ أيضاً:
الحكومات وأسواق سنداتها السيادية
ترجمة: قاسم مكي
الساسة حول بلدان العالم المتقدم لديهم مشكلة وهي أن مديونياتهم كبيرة ويحتاجون إلى اقتراض المزيد من الأموال في كل عام. لكن الحصول على مشترين تلقائيين لسندات حكوماتهم يزداد صعوبة.
في أحدث تقرير لها عن الدين الحكومي، تقدِّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن بلدانها الأعضاء ستُصدِر سندات سيادية بحوالي 17 تريليون دولار في عام 2025 ارتفاعا من 14 تريليون دولار في عام 2023. وسيتم استخدام بعض هذه الأموال بالطبع لإعادة تمويل الدين القائم. لكن من المتوقع أن ترتفع قيمة إجمالي الدين المُستحَق إلى 59 تريليون دولار أو حوالي 84% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان.
جزء كبير من هذا الدين أجَلُ استحقاقِه أقصر. ويقدر تقرير المنظمة أن 45% منه سيكون مستحق السداد بحلول عام 2027. وعندما يحين أوان استحقاقه سيعاد تمويله بتكلفة أكبر. فالكثير منه كان قد تم إصداره في فترة تدني أسعار الفائدة. وسيشكل ذلك المزيد من الضغوط على الأوضاع المالية للحكومات. فتكاليف فائدة الدين الحكومي في المتوسط لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يبلغ حاليا 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي ويزيد عن المبلغ الذي ينفق على الدفاع.
الحل الواضح لهذه المشكلة هو خفض العجز. لكن الساسة يواجهون مشاكل كبيرة عندما يحاولون أن يفعلوا ذلك. لقد وعد عديدون منهم بإنفاق المزيد على الدفاع. وخفض الإنفاق أو زيادة الضرائب يخاطران بإغضاب الناخبين الذين يتزايد استعدادهم كما يبدو للتصويت لصالح الأحزاب الشعبوية أو القومية الكارهة للأجانب. وإذا تولى هؤلاء الشعبويون الحكم من المرجح أن تفاقم سياساتُهم عجوزاتِ الموازنة.
لذلك إذا كانت السندات ستصدر في الغالب بكميات متزايدة من سيشتري هذا الدين؟ لم تكن تلك مشكلة خلال سنوات العشرية الثانية. فالحكومات كانت قادرة على تمويل عجوزاتها في يسر. وأحيانا كان يمكنها حتى إصدار سندات بعائدات سلبية. وهو ما يعني أن من يشترونها كانوا سيتعرضون حتما للخسارة (بالقيمة الاسمية على الأقل) إذا احتفظوا بها حتى أوان استحقاقها. لكن كان يمكن لهذه السندات تحقيق عائد إيجابي بالقيمة الحقيقية إذا حدث انكماش في الأسعار.
كانت البنوك المركزية إحدى مجموعات المشترين المنتظمة بموجب برامج التيسير الكمي التي دُشِّنت في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007-2009. وفي حين تشتري البنوك المركزية السندات في السوق الثانوية فقط وليس مباشرة من الحكومات إلا أن برامج الشراء كانت مُطَمْئِنَة للمستثمرين لعلمهم بأنه سيكون هنالك دائما مشترون جاهزون لموجوداتهم من الديون (السندات).
لكن البنوك المركزية أوقفت التيسير الكمي وهي الآن تتخلص من موجوداتها في برامج يُطلق عليها «التشديد الكمي.» وكلما زادت البنوك المركزية مبيعاتها من السندات عبر التشديد الكمي كلما وجب أن يشتري المستثمرون الآخرون المزيد منها إلى جانب شراء العرض الجديد من سندات الحكومات.
موجودات البنوك المركزية من دين الحكومات في بلدان منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية انخفضت سلفا من 29% من إجمالي الدين في عام 2021 إلى 19% في عام 2024. ومن المستبعد أن يُستأنف التيسير الكمي في أي وقت قريب. فإذا أرادت البنوك المركزية تيسير السياسة النقدية ستخفِّض أسعار الفائدة أولا.
كثيرا ما كانت صناديق التقاعد مشترية مهمة للسندات الحكومية المحلية. لكن هذا المصدَر للطلب يتقلص أيضا. كانت صناديق التقاعد التقليدية تقدم رواتب تقاعد محددة الفوائد يرتبط فيها دخل التقاعد براتب الموظف. واشترت العديد من هذه الصناديق التي تعتمد نظام «الفوائد المحددة» السنداتِ الحكومية من باب التحوط لضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في المستقبل. لكن في السنوات الأخيرة كان هنالك توسع سريع لصناديق «المساهمة المحددة» والتي ببساطة تودع أموال العاملين في وعاء ادخاري لاستخدامها عند التقاعد. وهي أقل ميلا الى الاستثمار في السندات مقارنة بصناديق الفوائد المحددة.
عالميا، لدى صناديق المساهمة المحددة الآن 59% من كل أصول صناديق التقاعد مقارنة بحوالي 40% في عام 2004، حسب معهد «ثِنْكِنْج أَهيد انستيتيوت.»
لافتقارها إلى الطلب المنتظم على سنداتها من البنوك المركزية وصناديق التقاعد قد تحتاج الحكومات الى الاعتماد على المستثمرين الدوليين مثل صناديق التحوط والتي هي حساسة جدا تجاه الحاجة إلى تعظيم العائدات «على استثماراتها».
تظهِر أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المستثمرين الأجانب حازوا على 34% من السندات في عام 2024 وذلك ارتفاعا من 29% في عام 2021. والأجانب الآن يشكلون أكبر مجموعة منفردة من المستثمرين.
في هذا السياق السؤال المثير للاهتمام الذي طرحه البيرت ادواردز، استراتيجي الأسواق ببنك سوسيتيه جنرال، هو: هل سيوجد الارتفاع الأخير في عائدات السندات الحكومية اليابانية مشكلة. ادواردز من المتشائمين المعروفين جيدا تجاه الاستثمار في الأسهم ولكن ليس في السندات. وهو يحاجج بأن مستثمرين عديدين انخرطوا في تجارة «الكاري» من خلال الاقتراض الرخيص بعملة الين واستثمار حصيلة المبالغ المقترضة في سندات بلدان أخرى ( عائداتها أعلى) . لكن الدين في اليابان لم يعد رخيصا مع ارتفاع عائد السند الحكومي لأجل 10 سنوات من صفر في المائة في نهاية عام 2021 إلى 1.6% اليوم (عائد السند الياباني لأجل 30 عاما يبلغ حوالي 3%).
قد تفسر هذه القفزات في العائدات اليابانية بعضَ نوباتِ التوتر الأخيرة في أسواق السندات الحكومية بما أن مستثمري الرافعة المالية سيتوجب عليهم بيع أصول (مثلا محافظ سنداتهم) لسداد ديونهم الأكثر تكلفة.
في الواقع، لقد اختل التوازن السياسي بين العرض والطلب في أسواق السندات في الأجل القصير. فهناك المزيد من السندات المعروضة وذلك في اقتران مع تراجع الطلب من كل من المشترين الموثوقين (البنوك المركزية مثلا) والمضاربين (مثلا صناديق التحوط).
ذلك يعني أن ارتفاع العائدات على السندات يبدو محتملا وهذا ما يجبر الحكومات على دفع المزيد لتمويل عجوزاتها المتزايدة أبدا. لذلك من المرجح أن تدبير الأمور المالية للبلدان المتقدمة سيزداد صعوبة كما يبدو.
فيليب كوجان صحفي مختص بالشؤون المالية ومؤلف كتاب بعنوان: النتائج الاقتصادية لسياسات دونالد ترامب
الترجمة عن «الفاينانشال تايمز»