قامت عدد من الدول العربية والأجنبية بعمليات إنزال جوّي لإغاثة 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، يتعرضون للتجويع والتعطيش بقرار إسرائيلي احتلالي، زاد وحشية عقب إصدار محكمة العدل الدولية قرارها (26 كانون الثاني/ يناير) بإلزام إسرائيل، كقوّة احتلال، باتخاذ إجراءات احترازية تمنع بموجبها الإبادة الجماعية؛ حيث تؤكّد التقارير الدولية بأن دخول مواد الإغاثة إلى غزة تراجع بنسبة 50 في المئة منذ كانون الثاني/ يناير من هذا العام، مقارنة بالأشهر السابقة، ما يشير إلى تعمّد إسرائيل وضع مزيد من العراقيل، عقب قرار المحكمة، أمام دخول المواد الإغاثية الشحيحة أصلا، عبر معبر رفح المصري الفلسطيني، وعبر معبر كرم أبو سالم المشترك.



لجوء بعض الدول العربية إلى عمليات الإنزال من الجو، بديلا عن الممرات البرية، تمكن مناقشته أو اعتباره طريقة المُقِل والعاجز عن مواجهة صلف الاحتلال وغطرسته ورعونته، ولكن لجوء واشنطن إلى ذات الأسلوب وهي الدولة الراعية والداعمة للاحتلال والشريك المفضّل له في الحرب على غزة، فهذا يوضّح أن أسلوب الإنزال مجرّد موضة سياسية وبروباغندا إعلامية تُنفّذ لأغراض سياسية، على حساب معاناة الأطفال والمدنيين الفلسطينيين الذين دخلوا مرحلة الجوع.

لجوء بعض الدول العربية إلى عمليات الإنزال من الجو، بديلا عن الممرات البرية، تمكن مناقشته أو اعتباره طريقة المُقِل والعاجز عن مواجهة صلف الاحتلال وغطرسته ورعونته، ولكن لجوء واشنطن إلى ذات الأسلوب وهي الدولة الراعية والداعمة للاحتلال والشريك المفضّل له في الحرب على غزة، فهذا يوضّح أن أسلوب الإنزال مجرّد موضة سياسية وبروباغندا إعلامية تُنفّذ لأغراض سياسية، على حساب معاناة الأطفال والمدنيين الفلسطينيين
من غير المقبول، ناهيك عن المعقول، أن تقف واشنطن عاجزة، ومن خلفها دول عربية وإسلامية، غير قادرة على فرض إدخال المساعدات الإنسانية عبر الطرق البرية وخاصة معبري رفح وكرم أبو سالم على الحدود المصرية، فواشنطن لديها العديد من الأوراق الضاغطة في هذا السياق؛ عبر مجلس الأمن الدولي، الذي حالت دون إصداره 3 قرارات لوقف العدوان على غزة لأسباب إنسانية، ناهيك عن قدرتها على وقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل أو تقليصها، كما إعادة النظر في المساعدات الاقتصادية المباشرة والتي كان آخر دعم تل أبيب بـ14 مليار دولار.

في السياق السياسي؛ يمكن قراءة إنزال بعض الدول العربية المعنية للإغاثة من الجو، كخطوة لإخفاء تقصيرها أو عجزها أو "تواطئها" كما يحلو للبعض وصفه، بالإضافة إلى تنفيس احتقان الجماهير العربية لا سيّما قُبيل رمضان.

أما واشنطن فهي تعاني من سقوطٍ أخلاقي عالميا، والأهم تراجع شعبية الحزب الديموقراطي والرئيس بايدن قُبيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، فمنسوب عدم رضا الجماهير الأمريكية عن سياسية بايدن بشأن الكارثة في غزّة يرتفع؛ فحسب استطلاع أجرته وول ستريت جورنال نهاية الأسبوع الماضي، أعرب 60 في المئة من الناخبين الأمريكان عن عدم رضاهم على طريقة تعامل بايدن مع الحرب على غزة، كما أن 33 في المئة من الناخبين يعتقدون أن واشنطن لا تفعل سوى القليل لمساعدة الفلسطينيين.

بناء عليه، فإن واشنطن التي أسقطت 38 ألف وجبة جاهزة على 2.3 مليون إنسان، تهدف لذر الرماد في العيون للتغطية على شراكتها في جريمة إبادة الفلسطينيين في غزة قتلا بالسلاح الأمريكي أو تجويعا باستمرار إغلاق المعابر، وذلك في مسعى منها لإرضاء الرأي العام الأمريكي الرافض لسياسة بلده تجاه الحرب على غزة. ولعل قيام 100 نائب أمريكي تقدّمي بالضغط على الرئيس بايدن، عقب مجرز الطحين/دوار النابلسي غرب مدينة غزة والتي راح ضحيتها قرابة الـ120 شهيدا ونحو 800 جريح، لإدخال المساعدات، يشير إلى مستوى الأزمة الأخلاقية والانتخابية التي يواجهها الحزب الديمقراطي بقيادة الرئيس بايدن.

وفي سياق قراءة مفاعيل عمليات الإنزال من الجو على الفلسطينيين في غزة، يمكن الوقوف على عدة نقاط مهمّة على النحو التالي:

أولا: عمليات الإنزال جنوب مدينة غزة وخارجها جغرافيا، تتساوق مع فكرة الضغط على من تبقى في محافظات الشمال لدفعهم إلى النزوح جنوبا، حيث تصل بعض المساعدات على قلّتها عبر معبري رفح وكرم أبو سالم على الحدود المصرية، وهذا هدف عمل عليه الاحتلال منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، إضافة إلى أنه أسلوب لمعاقبة 700 ألف فلسطيني رفضوا النزوح من الشمال وتحدّوا إرادة الاحتلال.

ثانيا: إنزال المواد الإغاثية على قلّتها جوا، يفرض حالة من الفوضى بين المدنيين، لعدم وجود آلية أو مؤسسات دولية كـ"الأونروا" لرعاية إيصال المساعدات بشكل منظّم إلى المدنيين، وهذا يعدّ طريقة حاطّة لكرامة الإنسان، فالشعب الفلسطيني أكرم من أن تُلقى عليه المساعدات ويسعى لها كالتائه بلا هداية، وفي ظروف أمنية وعسكرية خطرة وغاية في القسوة أفضت في كثير من الأحيان إلى استهداف الاحتلال لجموع المدنيين قصدا، كما حصل مؤخرا في مجزرة الطحين/دوار النابلسي جنوب مدينة غزة.

ثالثا: ما يجري هو انصياع لإرادة الاحتلال وسياساته باستمرار منعه دخول المساعدات عبر المنافذ البرية، وخاصة معبر رفح الذي يعدّ معبرا مصريا فلسطينيا مهما لإدخال المساعدات المتكدّسة في سيناء، وتكريس للمعاناة الإنسانية بدلا من حلها.

رابعا: عمليات الإنزال الجوي دون تنسيق مع السلطات الفلسطينية المحلية أو حكومة غزة، فيه تجاوز للمرجعيات الوطنية الفلسطينية، وترسيخ لفكرة تغييبها عن المشهد المدني داخل غزة، وهذا ما يريده الاحتلال ويسعى إليه من خلال رفضه لوجود حكومة فلسطينية في غزة إن كانت بقيادة فتح أو حماس على حد سواء.

ما يجعل تلك الخلاصات أقرب للواقع؛ تنسيق الدول المعنية بالإنزال الجوي مسبقا مع الاحتلال، وتحت سيطرته، إلا إذا تجاوزت تلك الدول رمزية الكميات الإغاثية وحوّلتها إلى جسر إغاثة جوّي يغطي الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والدوائية، مع أن ذلك غير عملي ناهيك عن لوازم الوقود، وغطّت بها كافة مناطق القطاع جغرافيا، وبتنسيق مع حكومة غزة أو مؤسسات دولية معنية وفي مقدمتها وكالة "الأونروا" كأكبر مؤسسة دولية معنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، لمنع الفوضى وتنظيم وصول المساعدات إلى كافة الفئات. وهذا يبقى برسم تلك الدول إن كانت جادّة وتريد أن تقوم بدور حيوي تُبْعد فيه شبح التجويع والإبادة عن الأطفال والمدنيين، مع أنه لا ولن يغني عن المعابر البرية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المساعدات الإنزال الجوي غزة مساعدات إنزال جوي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عملیات الإنزال الدول العربیة الحرب على غزة من الجو

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: أهل غزة يتضورون جوعا فما أثر الجوع على جسم الإنسان؟

في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد منذ اندلاع الحرب يعيش قطاع غزة كارثة إنسانية تتجلى بأبشع صورها في مشاهد الأطفال الذين ينهشهم الجوع، فكيف يدمر الجوع جسم الإنسان؟

واستأثرت مشاهد الأطفال الجوعى باهتمام المجتمع الدولي والإعلام العالمي بكافة أنواعه ومجالاته، ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقريرا موثقا بمقاطع فيديو وصور فوتوغرافية تُظهر أطفالا أشبه بهياكل عظمية، وأمهات وقد ارتسمت على وجوههن علامات الحزن وقلة الحيلة وهن لا يستطعن إطعام فلذات أكبادهن.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا تؤجل محكمة العدل الدولية إصدار حكمها بشأن الإبادة الجماعية بغزة؟list 2 of 2من الجمهوريين والديمقراطيين.. ما سر الهجمات العنصرية على ممداني؟end of list

وأرفقت الصحيفة أيضا بتقريرها رسومات تبين مدى تأثير نقص الطاقة والغلوكوز على جسم الإنسان وجهازه الهضمي.

وتفيد الصحيفة في تقريرها بأن مليون طفل من أصل أكثر من مليوني نسمة يعانون من انعدام شبه كامل للغذاء، في ظل تقارير أممية تؤكد أن ثلث السكان لا يجدون ما يأكلونه لأيام متتالية، وسط ارتفاع حاد في وفيات الجوع.

وأشارت إلى أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية حذرت من مجاعة وشيكة، والآن تؤكد أن المجاعة باتت واقعا حتى إن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس وصف في مؤتمر صحفي المشاهد في غزة قائلا "لا أرى وصفا أنسب لما يحدث سوى أنه تجويع جماعي، وهو من صنع الإنسان، وهذا جلي للغاية".

وفي الوقت نفسه، تقف نحو 6 آلاف شاحنة محملة بالغذاء والماء والإمدادات تابعة للأمم المتحدة عند مشارف غزة، وتؤكد المنظمة الدولية أن إسرائيل تمنع دخول هذه القوافل.

ورغم أن مسؤولا عسكريا إسرائيليا قال الأربعاء الماضي إن "هناك نقصا في الأمن الغذائي داخل غزة" متهما الأمم المتحدة بعدم إيصال المساعدات وزاعما أن المعابر مفتوحة فإن المتحدث باسم المنظمة ستيفان دوجاريك دحض تلك الادعاءات.

ونقلت الصحيفة عن دوجاريك تأكيده أن إسرائيل هي الجهة الوحيدة التي تتحكم في ما يدخل غزة وبأي كمية وبنوعية الإمدادات.

كيف يدمر الجوع الجسم البشري؟

ووفقا لـ"واشنطن بوست"، عندما يحل الجوع في مكان ينعكس أثره سلبا على جسم الإنسان، فالجسم يستمد طاقته أساسا من الكربوهيدرات التي تتحول إلى غلوكوز، وعندما تنفد الطاقة المخزنة يبدأ الجسم في أكل نفسه من خلال حرق الدهون ثم العضلات، ثم تبدأ الأعضاء الحيوية في التوقف واحدة تلو الأخرى.

إعلان

وعند الأطفال يحدث هذا بسرعة أكبر، لأن احتياجاتهم من الطاقة أعلى واحتياطياتهم أقل، وتبدأ العضلات بالانكماش ويتوقف تنظيم حرارة الجسم ويبهت لون الجلد وتنزف اللثة، ويضعف جهاز المناعة إلى حد العجز عن مقاومة أمراض مثل الإسهال، مما يدخل الجسم في دائرة مفرغة من الاستنزاف.

أليكس دي وال: على عكس القصف فإن الجوع لا يتوقف بانتهاء إطلاق النار، إنها مذبحة بطيئة حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها

ويعد الجهاز الهضمي من أوائل أجهزة الجسم التي تنهار بفعل الجوع المستمر، حيث تقل إفرازات المعدة وتضمر وتفقد شهيتها، وفي حال توفر الطعام مرة أخرى يجب أن يُطعم الجائع ببطء وتحت إشراف طبي.

ولا يتوقف تأثير الجوع على الجسم عند هذا الحد، بل إن القلب ينكمش أيضا، مما يقلل تدفق الدم ويتباطأ النبض وينخفض ضغط الدم، وقد يتوقف القلب كليا.

أما الجهاز التنفسي فيتأثر تدريجيا ويتوقف تماما عن أداء وظيفته عندما يقل معدل التنفس، وتضعف قدرة الرئتين على استيعاب الأكسجين.

الأم الفلسطينية النازحة سماح مطر تحمل ابنها أمير الذي يعاني من سوء التغذية والشلل الدماغي (رويترز)

كما يؤثر الجوع أيضا على الدماغ، وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن الأطفال أهم الأكثر عرضة لتلف دماغي دائم نتيجة نقص الطاقة، مما يؤثر على تعلمهم ونموهم العقلي مستقبلا.

وتُظهر بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 80% من وفيات الجوع هم من الأطفال، وقد عولج 5 آلاف طفل من سوء التغذية خلال أسبوعين في يوليو/تموز الجاري.

ورغم إعلان إسرائيل نيتها السماح بإسقاط جوي للمساعدات فإن "واشنطن بوست" تؤكد في تقريرها أن الطائرات تحمل كميات تقل كثيرا عما تحمله شاحنة واحدة، وغالبا ما تعرّض من ينتظرونها للخطر.

ويحذر الخبير في شؤون المجاعة أليكس دي وال قائلا "على عكس القصف فإن الجوع لا يتوقف بانتهاء إطلاق النار، إنها مذبحة بطيئة حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها".

مقالات مشابهة

  • "الأحرار": عمليات الإنزال الجوي للمساعدات تجميل لوجه الاحتلال وطمس جرائمه بأيدي عربية
  • مصادر: كارثة غزة صنعها الإنسان والمجاعة تشتد وتأخر إعلانها لحسابات سياسية
  • الداخلية: جرائم الاتجار بالأشخاص امتهان لكرامة الإنسان وسلب حقوقه المشروعة
  • FT: العالم خذل الفلسطينيين وتجويع غزة وصمة عار
  • المملكة وفلسطين.. مبادرات تاريخية وثوابت سياسية تُرسّخ الحقوق المشروعة
  • مصر في خط المواجهة| إغاثة غزة وسط محاولات التشويه ودعم بلا تراجع
  • إنزال المساعدات من الجو .. تمويه لجريمة تجويع إسرائيلية ممنهجة في غزة
  • 10 أسباب تجعل من الإنزال الجوي للمساعدات في غزة عديم الجدوى
  • واشنطن بوست: أهل غزة يتضورون جوعا فما أثر الجوع على جسم الإنسان؟
  • وزير خارجية النرويج: من العبث اللجوء للإنزالات الجوية بغزة.. بعيدون عن إغاثة السكان