هل تكون غزّة المسمار الأخير في نعش النظام العالمي؟
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
هل ستكون حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية التي يتعرّض لها قطاع غزّة منذ خمسة أشهر؛ المسمار الأخير في نعش النظام العالمي الذي تتزعّمه الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في سنة 1991م؟ بسبب كثرة التجاوزات التي تقع فيها الإدارة الأميركية من حين لآخر، بصورة تكشف مدى فشل النظام في تحقيق السلام والاستقرار والعدل والنماء في الكرة الأرضية.
كما تكشف مدى استغلال الولايات المتحدة هذا النظام لمصالحها غير مكترثة للثمن الباهظ الذي تدفعه البشرية بسبب ذلك، كالذي نشاهده يوميًا في قطاع غزة على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني، حيث قامت الولايات المتحدة بتعطيل النظام العالمي ومؤسساته؛ لتمكين الاحتلال من استكمال جرائمه بكل همجية ووحشية أمام العالم أجمع.
تأتي الذكرى الثانية للحرب الروسية على أوكرانيا بالتزامن مع ما يجري في قطاع غزة لتكشف حجم الشرخ الذي أحدثته الولايات المتحدة في جدار النظام العالمي، حتى بات على وشْك الانهيار.
جاءت كلمات الرئيس بايدن، ومسؤولي إدارته في الذكرى الثانية للحرب الروسية على أوكرانيا؛ بمثابة وثيقة إدانة للإدارة الأميركية بضلوعها في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما قامت به من إجراءات داعمة للكيان الصهيوني، متجاوزة فيها كافة المواثيق والقوانين، ومعطّلة للنظام العالمي ومؤسساته
تحت مجهر التاريخفي كلمته بمناسبة مرور عامين على الحرب الروسية في أوكرانيا، عاد الرئيس الأميركي جو بايدن ليذكّر العالم بالجريمة التي ارتكبها الرئيس الروسي بوتين في أوكرانيا، وليشيد ببطولة الشعب الأوكراني الذي "يواصل نضاله بتصميم ثابت على الدفاع عن حريته ومستقبله"، وليؤكد على أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) "أصبح أقوى وأكبر وأكثر اتحادًا من أي وقت مضى"، وعلى أن "التحالف العالمي غير المسبوق، الذي يضم 50 دولة لدعم أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة ملتزم بتقديم المساعدة الحاسمة لأوكرانيا ومحاسبة روسيا على عدوانها".
هذا الحديث كان مقبولًا من الرئيس بايدن في الذكرى الأولى التي طالب فيها بوتين بالانسحاب من المناطق الأوكرانية دون قيد أو شرط، وشدَّد على أن دعم الحلفاء سيستمر لأوكرانيا إلى أن تنتصر، ولكن الذكرى الثانية للحرب تأتي متزامنة مع مرور حوالي خمسة أشهر على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها التحالف الصهيو-أميركي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الحرب التي فضحت السياسات التي تدير بها الولايات المتحدة مصالحها ومصالح حلفائها في العالم، وفضحت التجاوزات والانتهاكات التي تقوم بها للنظام العالمي والقانون الدولي والإنساني.
وقد جاءت كلمات الرئيس بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، وممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد، ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانتا باور؛ بمثابة وثيقة إدانة للإدارة الأميركية تجاه دورها في حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والسياسات والإجراءات الداعمة للكيان الصهيوني في هذه الحرب، والتي تجاوزت كافة المواثيق والقوانين والأعراف، وعطّلت النظام العالمي ومؤسساته، فانحرفت عن الحق وعن نصرة المظلوم، وساندت المجرم وشجعته على ارتكاب أبشع الجرائم التي لم يعرف لها التاريخ مثيلًا.
نعتت الإدارة الأميركية الرئيس بوتين بالوحش المجرم، وسخرت من المبررات التي ساقها لقيامه بالحرب على أوكرانيا، وعدّدت جرائمه ضد المدنيين والنساء والأطفال، واتهمته بانتهاك النظام العالمي والقانون الدولي، والاعتداء على سيادة أوكرانيا وحدودها المعترف بها دوليًا.
وفي المقابل، أعطت رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو الحق في الدفاع عن دولته وشعبه، ودعمته عسكريًا وسياسيًا وماليًا في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني، معتبرة ذلك متسقًا مع النظام العالمي والقانون الدولي والإنساني، للقضاء على الإرهاب الذي تقوم به حركة حماس والمقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حقوقها المشروعة منذ أكثر من 75 عامًا.
حشدت الإدارة الأميركية تحالفًا دوليًا من خمسين دولة، بما فيها دول حلف الناتو، للوقوف في وجه بوتين، وتقديم ما تحتاجه أوكرانيا وجيشها للانتصار في معركة السيادة والحرية والديمقراطية، وفي المقابل حشدت الدول الغربية للوقوف في وجه المقاومة الفلسطينية وحقها في التحرر من الاحتلال وإقامة دولتها المستقلة ذات السيادة.
قدّمت الإدارة الأميركية وحلفاؤها كافة أنواع الدعم لأوكرانيا حكومة وجيشًا وشعبًا، داخل أوكرانيا وخارجها، وسخّرت الأمم المتحدة ووكالاتها وغيرها من المؤسسات الدولية للقيام بواجبها إلى جانب أوكرانيا وشعبها، فقدموا لهم كافة التسهيلات بطريقة سلسة منظمة.
وفي المقابل تعجز الولايات المتحدة، زعيمة النظام العالمي، وتحالفاتها الدولية، والأمم المتحدة بكل وكالاتها عن إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، وعوضًا عن أن تستخدم نفوذها في تطبيق القانون الدولي والإنساني؛ تبرر للكيان الصهيوني تعنّته في إدخال المساعدات، وتشترك معه، ومع عدد من الدول العربية والغربية، في القيام بمسرحية هزلية دموية، تم فيها إلقاء صناديق المساعدات على المنكوبين والجوعى عن طريق الطائرات العسكرية، في مشاهد درامية سريالية تنتهي برصاص جيش الاحتلال، وهو يقتل ويصيب المئات من بين الحشود التي تدافعت للفوز بلقيمات تسد صراخ الجوع الذي يمزّق أمعاءهم.
أي سخرية هذه التي يعجز فيها النظام العالمي عن فرض ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين في غزة، ويعجز فيها عن فرض إيقاف إطلاق النار ووضع حد للعربدة الصهيونية الإجرامية التي لم يسبق لها مثيل؟
سخرية النظام العالميأي سخرية هذه التي يعجز فيها النظام العالمي عن فرض ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين في غزة، ويعجز فيها عن تنظيم عملية تسلُّم المساعدات وفحصها وتوزيعها، ويعجز عن إرسال وفود دولية للتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية والأعمال البربرية الهمجية التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني؟
في الوقت الذي تستقبل فيه ليندا غرينفيلد، ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، بعد مرور 140 يومًا على حرب الإبادة في غزة، وفدًا إسرائيليًا يعيد على مسامعها المزاعم التي سبق أن رددوها من قبل وتواترت الشهادات على كذبها، مثل: أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف الجنسي، ولتعرب لهم غرينفيلد عن تضامنها، و"تشدد على أهمية أن يواصل الشهود مشاركة قصصهم حتى لا ينسى العالم أفعال حماس".
أي سخرية هذه التي يعجز فيها النظام العالمي بكل مؤسساته عن فرض إيقاف إطلاق النار في قطاع غزة ووضع حد للعربدة الصهيونية الإجرامية التي لم يسبق لها مثيل على الهواء مباشرة؟
يقول الرئيس بايدن في كلمته المفضوحة بمناسبة مرور عامين على حرب روسيا في أوكرانيا: "سيواصل بوتين نشر الموت والدمار إذا لم يدفع ثمن ما يقوم به"، أما الدمار الذي يقوم به نتنياهو فلا يراه السيد بايدن، ولا تراه الولايات المتحدة والنظام العالمي الذي تتزعمه، رغم أنه تسبب في خمسة أشهر فقط بأكثر من خمسة أضعاف الضحايا المدنيين الأوكرانيين الذين سقطوا في عامين على أيدي القوات الروسية.
حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية في قطاع غزة لم تُبقِ شيئًا من المصداقية للولايات المتحدة والنظام العالمي الذي تتشدق به، ولم تبقِ لها ما تدافع به عن أهمية الحفاظ على هذا النظام أمام المطالب التي تدعو إلى إسقاطه، وترفض استمرار زعامة الولايات المتحدة له. إلا أن غطرسة القوة لا تعترف إلا بما تراه في مصلحتها، حتى لو خالف النظام والقوانين والأعراف، فالحق الذي تراه باطلًا سيبقى باطلًا، والباطل الذي تراه حقًّا سيبقى حقًا، إلى أن تتغير موازين القوى في العالم، وتتبدل معها الأنظمة والقوانين.
وحتى ذلك الحين ستواصل الإدارة الأميركية الحالية والإدارات اللاحقة؛ سلوكيات الهيمنة والغطرسة مهما كان الثمن الذي يدفعه الضعفاء والجوعى.
وانطلاقًا من ذلك نجد الرئيس بايدن لا يستحيي من أن يختم كلمته بمناسبة الذكرى الثانية للحرب الروسية على أوكرانيا بقوله: "نحن تحت مجهر التاريخ، ولن ينسى ما إذا تخلفنا عن دعم أوكرانيا في هذه اللحظة الحرجة. لقد حان الوقت لنقف بقوة مع أوكرانيا، متحدين مع حلفائنا وشركائنا. لقد حان الوقت لنثبت أن الولايات المتحدة تدافع عن الحرية ولا تنحني لأحد".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکرى الثانیة للحرب حرب الإبادة الجماعیة الإدارة الأمیرکیة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی النظام العالمی الرئیس بایدن على أوکرانیا فی قطاع غزة عن فرض
إقرأ أيضاً:
مصرف سوريا المركزي: لدينا خطة للاندماج في النظام العالمي فور إنهاء قانون قيصر
قال حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية إن إنهاء العمل بقانون قيصر الأميركي سيكون المحطة الأخيرة والأهم لتمهيد الطريق أمام دمج بلاده في النظام المصرفي العالمي.
وينتظر أن يصوت الكونغرس الأميركي اليوم الأربعاء على الصيغة النهائية لملحق إلغاء "قانون قيصر"، ليصبح قانونا تُرفع بموجبه العقوبات الأميركية عن سوريا بشكل نهائي ودائم قبل عيد الميلاد.
وترك هذا القانون -الذي تم تعليق العمل به منذ سقوط نظام بشار الأسد– أثرا سلبيا على معاملات دمشق المالية وقدرتها على إدارة الاحتياطات بعدما توقفت غالبية المصارف العالمية عن التعامل معها، كما قال في مقابلة حصرية مع الجزيرة.
وبسبب هذا القانون، لم يكن مصرف سوريا المركزي قادرا على القيام بمهام مثل طباعة العملة، وتحديد السياسة النقدية، وجلب السيولة، وهي أمور أكد حصرية الشروع في العمل عليها فور إنهاء العمل بعقوبات قيصر.
الاندماج في النظام العالميولم تكن سوريا قادرة على الاستفادة من التكنولوجيا المالية العالمية بسبب عقوبات قيصر، التي وصف حصرية برفعها بالمعجزة، مؤكدا أن الاستفادة منها يتطلب وضع سياسات وأهداف مالية واضحة ومحددة.
وقال حاكم مصرف سوريا المركزي إن الحكومة وضعت خططا لتطوير النظام المالي والمصرفي فور رفع عقوبات قيصر، وإن المصرف تلقى تدريبات في وزارة الخزانة الأميركية وتباحث مع بنوك كبرى بشأن خطواته المستقبلية.
وتسعى دمشق بعد رفع العقوبات للاندماج في النظام المصرفي العالمي على نحو يجعلها قادرة على جلب السيولة والاستثمارات الخارجية، وقد وعدت دول مثل قطر والسعودية والإمارات وتركيا، بضخ استثمارات كبيرة في سوريا فور إنهاء العمل بقانون قيصر.
ووضع المصرف إستراتيجية مصرفية تمتد حتى 2030، وتقوم على مكافحة غسل الأموال، وتعديل السياسة النقدية لتعزيز الثقة في النظام المالي السوري من خلال تشريعات يجري العمل على وضعها، كما قال حصرية.
إعلانوستعمل الحكومة -حسب المسؤول السوري- على دعم القطاع المصرفي حتى يتمكن من بناء ثقة عالمية، وتحديد سياسة نقدية تعزز جلب الاستثمارات والسيولة على نحو يساعد على تعزيز الاحتياطات، وتوفير مزيد من فرص العمل للسوريين.
وستكون دمشق قادرة على تصدير والنفط والغاز، وتحريك قطاع الاستيراد والتصدير، وجلب المعدات اللازمة لدعم القطاع الصناعي، وكلها أمور ظلت معطلة لسنوات بسبب قانون قيصر.
وفي العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية تعليق العقوبات المفروضة على سوريا ضمن قانون قيصر لمدة 180 يوما.
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، أقر الكونغرس الأميركي قانون قيصر لمعاقبة أركان نظام الأسد على جرائم حرب ارتكبها بحق المدنيين في سوريا.
ومن شأن إلغاء القانون أن يمهد الطريق لعودة الاستثمارات والمساعدات الأجنبية لدعم الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، التي تأسست في مارس/آذار 2025.
وشكّلت العقوبات الأميركية عقبة كبيرة أمام انتعاش الاقتصاد السوري، ويُعتبر رفعها دليلا على نجاح الحكومة السورية الجديدة.
وفرض قانون قيصر لعام 2019 عقوبات واسعة النطاق على سوريا استهدفت أفرادا وشركات ومؤسسات مرتبطة بالأسد، الذي حكم سوريا بعد وفاة والده حافظ الأسد من عام 2000 حتى إطاحته في 2024.
وسُميت هذه العقوبات بالاسم الرمزي لمصور عسكري سوري سرب آلاف الصور المروعة التي توثق التعذيب وجرائم الحرب التي ارتكبها نظام بشار الأسد.