الله الوطن الديمقراطية
التجمع الاتحادي

تشير الأرقام والتقديرات إلى أن أكثر من 25 مليون سوداني حالياً يواجهون مشقة يومية في توفير وجبة الطعام، 18 مليون سوداني يعانون نقصاً حاداً في الغذاء وما يفوق 5 مليون سوداني يواجه خطر المجاعة الكارثي بحسب مؤشرات انعدام الأمن الغذائي (IP4+). وبحسب تقارير صحفية حديثة وبيانات منظمات إنسانية تعمل في السودان توفي أكثر من 500 طفل بسبب الجوع خلال أشهر الحرب الماضية، منهم العشرات يفارقون الحياة يوميا بسبب مضاعفات سوء التغذية الحاد في معسكرات النازحين وبخاصة في شمال دارفور.

من جهة أخرى، فإن فجوة الغذاء قد اتسعت بشكل كبير مؤخراً، خصوصاً مع فشل المواسم الزراعية المتتالية تأثراً باستمرار الحرب وتمددها؛ فأغلب الإنتاج الغذائي من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والصناعات الغذائية متمركزة في ولايات كردفان، دارفور، الجزيرة والخرطوم والتي أخرجتها الحرب عن دوائر الإنتاج أو شهدت إنخفاضاً بما يفوق 70% في انتاج الذرة، الدخن والقمح. بالإضافة لذلك، زادت أسعار السلع الغذائية في معظم ولايات السودان بنسبة 50-100% بالمقارنة مع العام الماضي، والتي كانت في زيادة متراكمة بلغت 228% بالمقارنة مع عام 2022 و 2021. كما أن انقطاع شبكات الاتصال خلال الشهر الماضي كان سببا في إيقاف أكثر من 220 مطبخاً كانت تقدم أكثر من 240 الف وجبة يوميا تكف الجوع عن جزء من المحاصرين داخل ولاية الخرطوم. بينما يتسبب انعدام الممرات الآمنة، السرقات، انقطاع الاتصالات والشبكات، شح السيولة النقدية، وصعوبة حركة الكادر الإنساني والفني على الأرض، وقلة الوقود في قطع وتعطل خطوط الإمداد الغذائي ووصول الغوث الإنساني والسلع لمعظم الولايات التي تمددت الحرب إليها.

هذه الأرقام المخيفة والكارثية توضح كيف أن هذا القتال العبثي المستمر منذ 15 أبريل 2023 وحتى الآن يقود السودانيين لمجابهة أكبر كارثة مجاعة في العالم. وهو لمن المؤسف أن تعيد الحرب مجدداً ذاكرة المجاعات في بلد تحمل من الموارد الكامنة ما يكفي ليطلق عليها (سلة غذاء العالم). إننا ندعو الأطراف المتحاربة وكل من يدعو لاستمرار هذه الحرب بتأمل هذا الواقع الذي يعيشه شعبنا الكريم ووضع حد لهذه المأساة، بوقف الحرب التي سببتها. وعلى قيادة القوات المسلحة والدعم السريع اتخاذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لمساعدة إيصال المساعدات الإنسانية وفتح الممرات الآمنة وتأمين الكادر العامل على مساعدة المحتاجين من فرق العمل المحلية وكل المنظمات المعنية بالغوث الإنساني، كما ندعوهم للاستجابة بالإيجاب والتعاون مع قرار مجلس الأمن الصادر يوم أمس والداعي لوقف الأعمال القتالية خلال شهر رمضان المبارك مما يسهل سير الغوث الإنساني، وللتنازل لأجل كرامة وسلام هذا الشعب بالوصول لاتفاق عاجل لوقف شامل إطلاق النار، ينهي القتال ويحمي الأبرياء ويتيح العودة الآمنة لأكثر من 11 مليون نازح ولاجئ يعيشون أسوأ الظروف الإنسانية منذ شهور.

إننا ندعو كل القوى والأجسام والتنظيمات المدنية الديمقراطية والثورية والتي ظلت تعمل لسنوات من أجل سودان الحرية والسلام والعدالة والتحول المدني الديمقراطي بكل بقاع السودان للعمل معاً لوضع خطة عمل طارئة لمجابهة كارثة المجاعة والحد من آثارها. فليكن مسعانا ونداؤنا الأوحد هو إيقاف هذه الحرب والجلوس للتفاوض ويكفي الوطن ما خسره حتى الآن، ولنتدارك ما يمكن تداركه قبل أن تنجر بلادنا لحرب أهلية طويلة تمضي بعجلٍ في طريقها لتدمير السلم وهدم التعايش الاجتماعي بين أبناء الشعب السوداني. ولتكن وحدة السودان وأمن أراضيه واستقرار وسلامة أهله على قمة أولوياتنا حتى نخرج ببلادنا من هذه الأزمة الوطنية العصيبة.

التجمع الاتحادي
9 مارس 2024

https://www.facebook.com/share/p/QdZptm9U9qYRa6Ru/  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

حرب أفول الدولة

حرب أفول الدولة

خالد عمر يوسف

منذ اندلاع الشرارة الأولى لحرب الإجرام المكتمل هذه قبل عامين ونيف، كان واضحاً لكل ذي بصيرة أنها حربٌ لا مشروعية سياسية أو وطنية أو أخلاقية أو دينية لها، هي حربُ الاستحواذ على السلطة فوق جماجم الناس، وللتغطية على حقيقتها الإجرامية رافقها سباقٌ للسرديات سعياً لاكسابها مشروعية ما، ولكن كما جاء في قصة كتاب المطالعة الشهيرة المسماة “فرعون وقلة عقله”، -وهي قصة درسناها في زمان أفضل من هذا الزمان- تأبى هذه الحرب إلا أن تخرج عارية من كل خرقة قماش، كاشفة عورتها التي تسوء الناظرين، وهي عورة لم ينجح حارقو بخورها في اخفاءها رغم ما اخترعوه حولها من روايات.

آخر أكاذيب هذه الحرب أنها حرب بقاء الدولة، والحفاظ عليها من الانهيار. تحولت الدولة في عرف من يروجون لهذه الرواية لغاية في ذاتها دون تدبر في كونها أداة ابتكرها البشر لخدمة احتياجاتهم الأساسية. رغماً عن ذلك واذا افترضنا جدلاً أن الحفاظ على الدولة مقدم على حفظ أرواح وممتلكات وكرامة من يقطنها من بشر، هل حقيقة أن هذه الحرب تبقي الدولة وتحميها فعلياً؟

تذخر كتب العلوم السياسية والاجتماعية بأبحاث معمقة حول طبيعة الدولة وتعريفها، وهي مباحث تضيق هذا المساحة عن الإحاطة بها. لذا ولأغراض المقال فلنستند على أبسط تعريفاتها وعناصرها. يعرف ماكس فيبر الدولة بأنها “الكيان الذي يحتكر الاستخدام المشروع للعنف داخل إقليم معين”، كما إن المعاهدات الدولية التي انبنت عليها صيغ الدولة الحديثة، تنص على أنه من أهم العناصر الأساسية لقيام الدولة هي الشعب، والرقعة الجغرافية، والسلطة السياسية، وممارسة السيادة على أراضيها. في ذات السياق فإن العديد من المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية، قد وضعت تعريفات ومعايير لقياس هشاشة الدول، حيث يعرف البنك الدولي الدول الهشة بأنها “تلك التي تعاني من ضعف في القدرة على أداء وظائف الحكم الأساسية، وتتآكل فيها شرعية الدولة أو تصبح محل شك”، ووفقاً لمؤشر الدول الهشة الصادر عن مؤسسة Fund for Peace فإن “الدولة تعتبر في حالة فشل إذا عجزت عن تقديم السلع والخدمات السياسية الأساسية لمواطنيها. بما فيها فقدان السيطرة على أراضيها، والعجز عن توفير الأمن، وتراجع شرعية الحكومة، وانهيار الخدمات العامة، وصعود النخب المتنازعة أو التدخل الخارجي”.

بالعودة للحالة السودانية واستناداً على ما ورد أعلاه من تعريفات لطبيعة الدولة، ومعايير فشلها، فإنه من الواضح أن الحرب هي الطريق السريع لأفول الدولة وتحللها وليس الحفاظ عليها. فقد صنف مؤشر الدول الهشة السودان بأنه ثاني أكثر دول العالم هشاشة في العام 2024م، مستنداً على عجز الدولة عن توفير الأمن والخدمات أو احتكار السلطة داخل إقليمها. هذا التصنيف ليس تصنيفاً رغبوياً، فما يحدث كل يوم في بلادنا يقف شاهداً على ذلك، وبمراجعة عناصر الدولة نجد بوضوح أنها بفعل الحرب قد فقدت قدرتها في السيطرة على “العنف المشروع” وصار السلاح بيد كل مواطن، وتنقل الوسائط الاعلامية كل يوم حوادث القتل الفردي والجماعي في بقاع كانت تنعم بالأمن قبل اندلاع الحرب، بل أن السلطات التي تتنازع على السودان تشجع ذلك عوضاً عن كبحه، فها هو والي الخرطوم المعين من قبل سلطة بورتسودان يدعو المواطنين للعودة لديارهم “واعداً اياهم بالتسليح لحماية أحيائهم ومناطقهم”، فتوفير الأمن الذي يجب أن يكون مهمة الدولة تحول لشأن فردي بسبب تحلل الدولة وليس بفعل قوتها وبقاءها، والحرب التي حين بدأت كانت هنالك معضلة حول كيفية الوصول لجيش واحد مع وضعية الدعم السريع الذي نشأ دخل مؤسسات الدولة كجيش موازي، قادت البلاد لتفاقم المعضلة وتناسل الجماعات المسلحة والمليشيات التي تولد مع كل صباح، حتى صار امراً عادياً أن يتدرب الآلاف من الأشخاص خارج السودان في دول أجنبية، دون أن يرمش جفن دعاة الحفاظ على الدولة. إلى جانب ذلك فقد تآكلت بقية مقومات الدولة في السودان، فالشعب قد دفع إلى اللجوء والنزوح في أكبر كارثة تشهدها الكرة الأرضية حالياً، والسلطة السياسية متنازع عليها بين سلطتي أمر واقع تقاسمتا الرقعة الجغرافية في البلاد، وشرع الطرفان في تشكيل حكومات فيهما وسط افتقار للشرعية الكاملة داخلياً وخارجياً، أما السيادة فقد صارت نهباً لتدخلات خارجية تتزايد كل يوم، لتهدد مستقبل استعادتها لاحقاً لا حاضرنا الأليم هذا فحسب. الحقيقة التي لايمكن الهرب منها هي أن الحرب قسمت السودان وتقود لتحلل الدولة فيه وليس العكس.

يطابق البعض أيضاً في مغالطة واضحة بين القوات المسلحة والدولة نفسها، بل يعطي البعض القوات المسلحة حق امتلاك التعريف الحصري للدولة ولمن هم فيها ومن هم خارجها، وهو خلل مريع يرتكبه البعض بقصد ويقع فيه البعض الآخر سهواً. الحقيقة هي أن القوات المسلحة جزء من مؤسسات الدولة وليست الدولة ذاتها، ومن يتتبع مسار الحرب يجد أن هذا الجزء تحديداً قد أضرت به الحرب ولم تقوي بنيانه، فقد شرعت قيادة الجيش في تسليح جماعات مسلحة عديدة لا تخضع لإمرتها وفق التراتبية العسكرية المعلومة، بل صار الأمر أقرب للحلف السياسي بين جماعات مسلحة لا يخضع فيها أحد لأحد، تقوم فيه العلاقة على المساومات والعطايا المتبادلة بينها، فحيناً يتآلف هذا الحلف وحيناً يختلف فتضج الوسائط بأنباء تبايناته، وكل جماعة مسلحة هي فاعل سياسي مستقل بذاته، إذا نال العطايا أظهر الولاء والطاعة، واذا منعوه حمل سلاحه وهدد به وأرغى وأزبد. عليه فإن الطريق للحفاظ على القوات المسلحة نفسها كأحد مؤسسات الدولة لا يمر عبر الحرب بل العكس تماماً، فإن السلام والحل المنصف العادل الذي يضع قضية الجيش الواحد المهني القومي كأولوية لا مساومة فيها هو الطريق للحفاظ على هذه المؤسسة المهمة من مؤسسات الدولة.

اننا نؤمن بأهمية وجود دولة مستقلة ذات سيادة في السودان، لا تنهار ولا تفشل وتقوم بكل واجباتها الأساسية تجاه مواطنيها وفق عقد اجتماعي عادل وشامل ومنصف. ونؤكد على أن وجود جيش واحد مهني وقومي ضمن مؤسسات الدولة وتحت سلطة قيادتها المدنية الشرعية هو أحد أركان بناء دولة متينة وحديثة. الطريق لبلوغ هذه الغايات هو السلام ووقف هذه الحرب الإجرامية اليوم قبل الغد، أما دعاة الحرب ونافخو كيرها، فهم هادمو معبد الدولة بمعاول صدئة قوامها الأكاذيب .. أكاذيب ستذهب جفاءً كما ذهبت تلك التي سبقتها، ويبقى في خاتمة المطاف ما ينفع الناس.

الوسومالسودان القوات المسلحة حرب السودان خالد عمر يوسف سلطة بورتسودان فرعون

مقالات مشابهة

  • استمرار الحرب في السودان يُفاقم أزمة النازحين غرب البلاد
  • ثلاثية الجوع والمرض والجفاف تهدد ملايين الأطفال في السودان
  • الجوع يهدد أطفال السودان بـ«وفيات جماعية»
  • «سلمان للإغاثة» يوزّع أكثر من 1800 سلة غذائية في السودان والصومال
  • وفاة 19 شخصاً بالكوليرا وإصابة أكثر من 900 آخرين في منطقة أبيي
  • 17 مليون شخص في اليمن يواجهون الجوع
  • 17 مليون يمني يعانون الجوع.. خطر داهم يهدد حياة الأطفال
  • تحذيرات من خروج مستشفيات غزة عن الخدمة جراء نقص الوقود
  • حرب أفول الدولة
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: حل أزمة السودان.. بين دمج الجيوش والانتخابات!