يعاني السودان من وحلٍ سياسي منذ الاستقلال، ولم تكن هناك أي حلول ناجعة تُخرجه إلى بر الأمان. فقد تقلبت الأوضاع بين انقلابات عسكرية وثورات شعبية، ثم حكم ديمقراطي فاشل عبر انتخابات لم تسفر إلا عن مزيدٍ من الفشل والتراجع. ثم اندلعت حركات التمرد المناطقية والجهوية، بدءًا من الجنوب سابقًا، ومرورًا بدارفور وبعض مناطق كردفان والنيل الأزرق، وهكذا استمرت معاناة السودان.

يبدو أن الحل الجذري لهذه الأزمات لا يزال بعيد المنال، وأن جميع المحاولات السابقة لم تتجاوز كونها حلولًا جزئية وغير كافية. وما تجربة أبريل 2019 حتى اليوم إلا دليل على حالة التيه التي تعيشها البلاد. وزاد الأمر سوءًا اندلاع حرب الدعم السريع ضد الدولة والشعب السوداني، وسط سيولة سياسية وهشاشة أمنية تتطلب علاجًا شجاعًا وقرارات حاسمة لإنهاء هذه الأزمات المتكررة.

وقبل أي إصلاح، لا بد من إنهاء مسلسل الابتزاز السياسي وخطاب المظلومية والتهميش، الذي ظلت ترفعه جهات عديدة بغرض الكسب السياسي والسلطوي. ينبغي أن يكون الاحتكام لمعايير واضحة ومتفق عليها، أبرزها: الصندوق الانتخابي، أو التمثيل والتوزيع النسبي القائم على أساس دقيق للعدد والنسبة السكانية. فمسلسل الابتزاز عبر دارفور يجب أن يتوقف، وقد ظهر هذا جليًا في اتفاقية جوبا وما تلاها حتى اليوم، حيث قسمت الاتفاقية السودان إلى مسارات وهمية غير واقعية، عمّقت الأزمة بدلًا من حلها، واستأثر مسار دارفور بالسلطة وحده، حتى في حكومة كامل إدريس التي قيل إنها حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية.

لا أحد يرفض مشاركة حركات دارفور في الحكم أو تنفيذ اتفاق جوبا رغم ما فيه من عيوب، تفاديًا لتعقيد الأزمة، لكن الطريقة التي تم بها التعامل مع هذا الأمر كانت مؤسفة. فقد تمسكت هذه الحركات بالمواقع القديمة وكأنها حقوق مكتسبة لا تقبل النقاش، مما خلق مرارات وشعورًا بالغبن لدى الآخرين. وعلى الرغم من أن منصفًا لا يمكنه إنكار إنجازات الدكتور جبريل إبراهيم في وزارة المالية، التي أحدثت حالة من الاستقرار الاقتصادي تستدعي النظر في إعادة تكليفه، إلا أن ذلك يجب ألا يكون على حساب الحق المشروع لباقي المكونات. المؤسف أن بعض التصريحات، كحديث محمد زكريا، الناطق الرسمي لحركة العدل والمساواة لقناة الجزيرة، كانت مؤسفة وتعتمد خطاب المظلومية والتهميش التاريخي، وتُظهر نوايا عدائية تجاه مكونات أخرى، مقصود بها مكونات الشمال والوسط، وهو طرح مرفوض وسقطة سياسية كبيرة وإدعاء غير حقيقي.

إن لم يتم تدارك الوضع في السودان بوضع محددات واضحة لتوزيع السلطة، فستنفلت الأوضاع أكثر. فالسودان كله يعاني، ولا توجد منطقة يمكن اعتبارها “مركزًا” دون معاناة. ثم جاءت ميليشيا الدعم السريع لتزيد الطين بلّة، بحرب حاقدة على الإنسان والدولة، لم ينجُ منها أحد.
الحل، في تقديري، قبل أن يصبح خيار تقسيم السودان جاذبًا لكثيرين نتيجة الإحساس بالظلم ، هو أن يتفق السودانيون على صيغة حكم عادلة، عبر دستور متوافق عليه. وللخروج من الأزمة الحالية وإنهاء مسلسل الفترات الانتقالية التي لا تنتهي، يجب أولاً توحيد كافة القوات التي تحمل السلاح راية القوات المسلحةالسودانية ، عبر آليات الدمج والتسريح المعروفة فالوقت مناسب جداً ، لتكون هناك قيادة موحدة وجيش واحد فقط ودولة محترمة. ثم الاتفاق على إجراء الانتخابات فور انتهاء أجل حكومة كامل إدريس، لإنقاذ السودان من خطر التشظي والتفكك والانقسامات.

محمد أبوزيد كروم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

دعوات لانتخابات مبكرة.. أزمة الحريديم تفجّر خلافات داخل حكومة نتنياهو

تصاعدت حدة الأزمة داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، بعد تهديد أحزاب "الحريديم" الدينية بالانسحاب ما لم يُقرّ قانون الإعفاء من التجنيد. الارتباك السياسي دفع المعارضة للمطالبة بانتخابات مبكرة، في وقت تواجه فيه الحكومة تحديات ميدانية في غزة وضغوطًا داخلية متزايدة.

الحريديم يُشعلون فتيل الأزمة

أفادت صحيفة لو فيغارو الفرنسية أن أحزاب الحريديم – الحليف الأساسي لنتنياهو – صعّدت مطالبها بسن قانون يعفي شبابها من الخدمة العسكرية، وهددت بالخروج من الحكومة في حال عدم تمريره. هذا التصعيد أدى إلى انسحاب الحكومة من جدول الأعمال التشريعي في الكنيست، بعد أن فقد الائتلاف أغلبيته الفعلية.

الخلفية التاريخية للمطلب تعود إلى تأسيس الدولة الإسرائيلية، حين حصل الحريديم على إعفاءات دائمة من التجنيد. لكن مع تزايد أعدادهم لتصل إلى نحو 13% من السكان، وصدور قرار من المحكمة العليا يُلزمهم بالخدمة، بات الجيش الإسرائيلي مستعدًا لضم الآلاف منهم، ما يعمّق الانقسام الداخلي.

المعارضة تطالب بانتخابات مبكرة

رد الفعل السياسي جاء سريعًا، إذ دعا يائير لابيد، زعيم المعارضة، إلى حل الكنيست وإجراء انتخابات عامة، متهمًا الحكومة بفقدان الشرعية والشلل التشريعي.

وأشار إلى أن الحكومة لم تعد قادرة على تمرير أي قانون أو اتخاذ قرارات استراتيجية، خصوصًا في ظل الانقسامات بين مكوناتها، وتنامي الضغوط من اليمين المتطرف والحريديم في آن واحد.

ضغط من اليمين.. لا تهدئة في غزة

في موازاة أزمة الحريديم، يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة من شركائه اليمينيين المتطرفين، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يرفضان أي اتفاق تهدئة في غزة، ويطالبان بمواصلة القتال وفرض سيطرة إسرائيلية كاملة على القطاع، بما في ذلك إعادة المستوطنات.

وفي محاولة للتماهي مع هذا التوجه، أقرّ مجلس الوزراء الأمني خطة لإقامة "مدينة إنسانية" للنازحين الفلسطينيين في رفح، بحجة فصل المدنيين عن مقاتلي حماس، وهو ما قوبل بانتقادات دولية، خاصة من بريطانيا التي أعربت عن مخاوفها من "تداعيات كارثية".

الغضب الشعبي يتصاعد

تزامنًا مع الخلافات الحكومية، تتصاعد في الشارع الإسرائيلي دعوات لفرض التجنيد الإجباري على الحريديم، خاصة بعد مقتل 5 جنود في كمين ببلدة بيت حانون مطلع الأسبوع.

استطلاع أجرته المعهد الإسرائيلي للديمقراطية كشف أن 85% من الإسرائيليين يرفضون إعفاء الحريديم من الخدمة، ما يزيد الضغط الشعبي والسياسي على الحكومة للامتثال لقرار المحكمة.

نتنياهو يراهن على الوقت

رغم شبح الانهيار السياسي، يواصل نتنياهو رهانه على كسب الوقت. ووفق تقارير إسرائيلية، يأمل رئيس الوزراء أن يُبقي ائتلافه قائمًا حتى نهاية الدورة الصيفية للكنيست أواخر يوليو، حيث تُعلّق الجلسات حتى أكتوبر، ما يمنحه فرصة لترتيب أوراقه أو انتظار تحوّلات إقليمية.

لكن في ظل الانقسامات الحادة، وتراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، يبدو أن خيارات نتنياهو السياسية تضيق بسرعة، فيما تتجه إسرائيل نحو مرحلة سياسية شديدة الاضطراب.

 

مقالات مشابهة

  • دعوات لانتخابات مبكرة.. أزمة الحريديم تفجّر خلافات داخل حكومة نتنياهو
  • استمرار الحرب في السودان يُفاقم أزمة النازحين غرب البلاد
  • الجوع يهدد أطفال السودان بـ«وفيات جماعية»
  • الجزائر تؤكد أن العدالة والمساءلة كفيلتان بحل شامل للنزاع في السودان
  • السودان.. محامي البشير وزيرا للعدل في حكومة إدريس
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: اللاجئون واختراق الأمن الوطني
  • اتفاق بين “الدعم السريع” وعبدالواحد محمد نور
  • تقدم الجيش ومعاناة المواطنين.. آخر تطورات الأوضاع في السودان
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: دعوة كامل إدريس للحوار الوطني