جدلية الموقف من الجيش
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
جدلية الموقف من الجيش
فيصل محمد صالح
مواصلة لحديث الأسبوع الماضي حول كيف نفهم الحرب في السودان، يتبقى شيء من الكلام عن طرفي الحرب، هذه الجملة الإشكالية، التي تغضب بعض الناس، وتبدو عصية على فهم بعض الناظرين للشأن السوداني. يسألون بشكل مباشر، أوليست هذه حرب بين القوات المسلحة، المؤسسة العسكرية الوطنية، وميليشيا متمردة… فلماذا إذن يستخدم الناس مصطلح طرفي النزاع أو طرفي الحرب…؟ هذا تساؤل غير السودانيين، أما بعض إخوتنا في الوطن الذي يتهمون غيرهم بموالاة «الدعم السريع»، فحين يعجزهم التحدي الذي يقال لهم أن ائتوا بسطر واحد كتبنا فيه تأييداً أو دعماً لـ«قوات الدعم السريع»، فمنطقهم يقول إن كل من لا يصرح بتأييده ودعمه للجيش هو بالضرورة داعم لـ«الدعم السريع»، ولا يحتاج الأمر لقول صريح.
يحتاج الأمر لعودة للماضي القريب، حين انقلبت الجبهة الإسلامية القومية عبر جناحها العسكري على النظام الديمقراطي في يونيو (حزيران) 1989، وكانت تمثل القوة الثالثة في البرلمان المنتخب بطريقة ديمقراطية، طبقت ما أسمته بسياسة «التمكين»، بمعنى السيطرة على كل مؤسسات الدولة عبر كوادر «الإخوان المسلمين»، ففصلت عشرات الآلاف من الضباط الوطنيين والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والعمال والمهنيين، من وظائفهم، وعينت مكانهم الكوادر الحزبية الملتزمة.
وامتد الأمر للقوات النظامية، فتم استيعاب دفعات كاملة من الكوادر في القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الذي تم تأسيسه على أيدي قادة النظام. ولم يقتصر الأمر على الدفعات من خريجي المدارس الثانوية الذين التحقوا بالكلية الحربية، وإنما تم استيعاب كوادر متقدمة في العمر تحت مسمى «دفعات فنية» شملت مهندسين وفنيين وإداريين من مختلف التخصصات في رتب متقدمة.
لم تعد، منذ ذلك الوقت، النظرة لهذه الأجهزة، كما كانت سابقاً، مؤسسات وطنية مبنية على الأساس المهني، وإنما صارت في نظر الكثيرين أجهزة حزبية عقائدية تخدم خطاً حزبياً معيناً، وبالضرورة ألا يثق فيها من لا ينتمي لهذا الخط العقائدي.
استمر هذا الأمر حتى الانتفاضة الشعبية في 2019، التي غيرت قيادة النظام، ووضعت خططاً لتطهير الأجهزة العسكرية والأمنية من الكوادر الحزبية، وإعادة بناء هذه الأجهزة على أساس مهني وقومي، لكن لم تكن القيادة العسكرية صادقة فيما وعدت به، والتزمت به بحسب الوثيقة الدستورية. وكانت القوى المدنية تطالب بحل «قوات الدعم السريع» واستيعاب المؤهلين من قواتها في الجيش، لكن، ويا للعجب، انبرى الفريق البرهان ورفاقه للدفاع عن «الدعم السريع»، ثم قام بإصدار مرسوم، حين كان يحكم باسم المجلس العسكري الانتقالي، فأعطى هذه القوات استقلالية عن القوات المسلحة وسمح لها بالتمدد والانتشار، وعين الفريق حميدتي نائباً له. وكان موقف الحركة الإسلامية مطابقاً لموقف البرهان، فقد كانت نظرتهم لـ«قوات الدعم السريع» أنها حليف استراتيجي، وأن بقاءها أمر ضروري لتوسيع الحلف في مواجهة القوى المدنية الديمقراطية.
كشف العسكر، بجناحيهما، الجيش و«الدعم السريع»، عن رغبتهم في الاستئثار بالسلطة، واستمرت مؤامراتهم ضد الحكومة الانتقالية، ثم نفذوا انقلاباً عسكرياً في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أبعدوا خلاله القوى المدنية واستأثروا بالحكم، ثم قاموا بعدة محاولات لإيجاد ظهير مدني، لكنهم فشلوا في ذلك، كما فشلوا في تشكيل حكومة لمدة عامين. تلفت الفريق البرهان حوله، ولم يجد نصيراً سياسياً، فلجأ لكوادر النظام السابق من الإسلاميين فاستعان بهم، ووزعهم على كل مفاصل السلطة. أثار هذا الأمر خلافاً بينه وبين الفريق حميدتي قائد «الدعم السريع» الذي اتسع خلافه مع الإسلاميين الذين يحملونه مسؤولية الانقلاب على البشير، ويضمرون له الشر.
باختصار شديد، ينظر كثير من الناس لقيادة الجيش على أنها تمثل قوة سياسية لديها طموح ورغبة في البقاء في الحكم والسيطرة عليه، ولا يمكن النظر إليهم بوصفهم قيادة مهنية وطنية للقوات المسلحة. صحيح أن جنود وصغار ضباط القوات المسلحة ليسوا بالضرورة جزءاً من الحلف السياسي، وجلهم مواطنون سودانيون عاديون ينتمون للوطن ويعملون في القوات المسلحة بدافع وطني، لكن بحكم قيود التراتبية العسكرية، فإن الموقف السياسي وخطة العمل تعدهما القيادة العسكرية السياسية وفقاً لأهدافها.
لهذا، عندما بدأت هذه الحرب، كان موقف الكثيرين أنها صراع على السلطة بين قوتين تسعيان للبقاء في الحكم، ولا شأن للوطن والمواطنين بها. تغيرت مواقف البعض بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها «قوات الدعم السريع» في المناطق التي سيطرت عليها، فصارت بالنسبة إليهم مبرراً للاستمرار في الحرب والوقوف في صف الجيش، على أمل أن ينتقم لهم الجيش ويبطش بـ«قوات الدعم السريع»، ولهذا يرى هؤلاء أن موقف «لا للحرب» هو موقف مهادن لـ«قوات الدعم السريع» وداعم لها.
بعد عشرة أشهر ليست هناك أي دلائل على أن طرفاً سينتصر في هذه الحرب، ويصعب على المرء أن يجد أناساً يشكون من الجرائم والانتهاكات التي تقع على المواطنين، ثم في نفس الوقت يطالبون باستمرار الحرب بمنطق «الحرب كويسة… بس الدعم السريع لا يحارب وفقاً للطريقة التي نريدها».
* نقلا عن الشرق الاوسط
الوسومالجرائم والانتهاكات الجيش والدعم السريع الحرب السلطة السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة فيصل محمد صالح لا للحربالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجرائم والانتهاكات الجيش والدعم السريع الحرب السلطة السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة فيصل محمد صالح لا للحرب قوات الدعم السریع القوات المسلحة
إقرأ أيضاً:
الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على شبكة كولومبية تدعم الدعم السريع
قالت الوزارة إن الشبكة، التي يقودها مواطنون كولومبيون وشركات كولومبية، تقوم بتجنيد عناصر عسكرية كولومبية سابقة، بما في ذلك تدريب أطفال، للقتال مع قوات الدعم السريع
التغيير: الخرطوم
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الثلاثاء، عن فرض عقوبات على أربعة أفراد وأربع كيانات على صلة بإذكاء الحرب الأهلية في السودان، والتي أدت إلى أسوأ أزمة إنسانية مستمرة في العالم.
وقالت الوزارة عبر بيان إن الشبكة، التي يقودها مواطنون كولومبيون وشركات كولومبية، تقوم بتجنيد عناصر عسكرية كولومبية سابقة، بما في ذلك تدريب أطفال، للقتال مع قوات الدعم السريع.
وأشار وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، جون هيرلي،، إلى أنّ قوات الدعم السريع تواصل استهداف المدنيين بما في ذلك الأطفال، ما يزيد النزاع تعقيداً ويهدد استقرار المنطقة.
وأضاف البيان أنّ الشبكة دعمت قوات الدعم السريع في الاستيلاء على الفاشر في أكتوبر 2025 بعد حصار دام 18 شهراً، حيث ارتكبت انتهاكات جماعية شملت القتل والتعذيب والاعتداء الجنسي على المدنيين، مؤكداً أنّ وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في يناير 2025 أن أعضاء قوات الدعم السريع ارتكبوا إبادة جماعية.
وتضمنت العقوبات أفراداً مثل ألفارو أندريس كويخانو بيزارا، ضابط كولومبي متقاعد، وزوجته كلوديا أوليفيروس فوريرو، بالإضافة إلى كيانات كولومبية وبنمية مثل A4SI وGlobal Staffing وMaine Global Corp وSan Bendito، مع حظر جميع ممتلكاتهم وأي تعاملات مالية معهم داخل الولايات المتحدة أو عبر مواطنيها، وفق الأمر التنفيذي 14098.
وقف دعم النزاع
وأكدت الخزانة أنّ العقوبات تشمل حظر أي معاملات مالية أو تقديم خدمات أو سلع للأشخاص أو الكيانات المدرجة، مع إمكانية فرض عقوبات مدنية أو جنائية على المخالفين، مشددةً على أنّ الهدف من العقوبات ليس العقاب بل دفع التغيير في السلوك ووقف دعم النزاع.
شارك عدد من الجنود الكولومبيين السابقين كمرتزقة إلى جانب قوات الدعم السريع في السودان، وتم تجنيدهم عبر شركات أمنية خاصة ونقلهم عبر مسارات إقليمية، مع تقارير عن مشاركتهم في القتال وتدريب جنود أطفال.
وأعربت الحكومة الكولومبية عن رفضها وإدانتها لهذه المشاركة، وقدمت اعتذاراً رسمياً للسلطات السودانية، ودعت المرتزقة إلى العودة، فيما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشبكات الداعمة لهم.
واندلع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 نتيجة صراع على السلطة، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل حاد، مع انتشار المجاعة، وارتكاب عمليات قتل واستهداف المدنيين على أساس عرقي، فضلاً عن نزوح جماعي واسع للسكان داخلياً وخارج البلاد، في ظل انهيار الخدمات الأساسية وتضرر البنية التحتية الحيوية.
الوسومالخزانة الأمريكية المرتزقة الكولومبيين عقوبات