واقع يتبدل أم كلام على ورق؟.. ما يريده ذوو الإعاقة في مصر
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
نظمت السلطات المصرية نهاية الشهر الماضي احتفالية ضخمة للسنة الخامسة على التنوالي، لإبراز دور الدولة في رعاية أصحاب الإعاقات.
وخلال الاحتفال وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتوفير 10 مليارات جنيه من صفقة رأس الحكمة البالغة 35 مليار دولار لصندوق "قادرون باختلاف"، في وقت يشتكي فيه كثيرون من هذه الفئة، التي يبلغ عددها 11 مليون مواطن، من تهميشهم في سوق العمل.
وتخصص إيرادات صندوق "قادرون باختلاف" منذ عام 2020 لدعم ذوي الإعاقة في مصر.
وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، صدر في ديسمبر الماضي، فقد بلغت نسبة أصحاب الإعاقات في مصر نحو 11 في المئة من عدد سكان يبلغ تقريبا 110 مليون نسمة.
ويشير التقرير إلى أن نحو 73 في المئة من الراغبين منهم في العمل لم يجدوا فرصة في عام 2022، في حين بلغت نسبة البطالة في مصر حوالي 7.2 في المئة.
المتحدث باسم المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، النائب السابق بالبرلمان، خالد حنفي جمعة يرى، في حديثه مع موقع "الحرة" أن بيئة العمل بالنسبة لذوي الإعاقة "تحتاج لإعادة نظر سواء من حيث فكرة الإتاحة وتوفير المساحة المناسبة لكل أنواع الإعاقة سواء كانت حركية أو سمعية أو بصرية أو ذهنية.
فضلا عن تغيير ثقافة المجتمع "الذي يتعامل معهم على أنهم عمالة مهمشة أو صورية"، مشيرا إلى أن "التشريعات الخاصة بما يتعلق بتشغيل أصحاب الإعاقة جيدة لكن المشكلة في تطبيقها".
ويفرض القانون أن يكون 5% من العاملين في مؤسسات القطاعين العام والخاص من ذوي الإعاقة، ولكن لا يتم الالتزام سوى بنسبة تبلغ حوالي 0.5% في الواقع، بحسب تصريحات وكيلة لجنة التضامن الاجتماعى والأسرة والأشخاص ذوى الإعاقة بالبرلمان، هبة هجرس، لموقع "برلماني" رغم فرض عقوبة بالحبس لمدة عام على المخالفين.
ويقول جمعة، وهو أول نائب كفيف يدخل البرلمان المصري عام 2015: "نرى في كثير من الحالات أن صاحب العمل يمنح المعاق القليل من المال كمرتب، دون أن يجعله يعمل في الحقيقة، ويطلب منه المكوث في البيت حتى يظهر أمام السلطات أنه ملتزم بتنفيذ القانون لكنه لا يحاول أن الاستفادة من مهارات صاحب الإعاقة".
ويفيد 35.2 في المئة من ذوي الإعاقات الكبيرة إلى المطلقة، بأن لديهم وظائف ولكن لا يتم تكليفهم بعمل، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وترى الناشطة في مجال خدمات ذوي الإعاقة، ناهد مرزوق، في حديثها مع موقع "الحرة" أن نسبة الـ5 بالمئة "كلام على الورق" فقط، مضيفة أنه "إذا كان السليم نفسه لا يجد عملا فما بالك بالمعاق، الحكومة لا تهتم بالمواطن سواء كان معافى أو صاحب إعاقة".
ويؤكد جمعة، وهو محام بالنقض، أنه "إذا توافرت الإتاحة في بيئة العمل المناسبة، سيستطيع المعاق فعل مهام قد لا تخطر على بال كثيرين، وبالفعل منا المهندسون والأطباء والمحامون وأصحاب الحرف المتميزة، لكن المسألة تحتاج إلى تهيئة بيئة العمل وأيضا المجتمع الذي عليه أن يتعامل معنا مثل غيرنا. فالنظرة الدونية والشفقة مرفوضة".
وتنحصر أغلب الوظائف التي يشغلها ذوو الإعاقة في المهام الإدارية، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
يقول جمعة: "بعض الجهات بالفعل لا تفعل تلك النسبة أصلا ولا تطبقها.. هذا يحدث أيضا أكثر في القطاع الخاص، لكن القطاع الحكومي بدأ مؤخرا في التركيز على الأشخاص ذوي الإعاقة من حيث الاهتمام بوضع خطط وسياسات معينة للاستفادة منهم وتطبيق نسبة الخمسة في المئة بشكل يؤكد أن تكون هذه العمالة حقيقية وليست صورية كما هو الأمر في معظم القطاع الخاص".
لكن مرزوق تقول إنه "ليست هناك تعيينات في الحكومة منذ سنوات. ومن ضمن من أتعامل معهم، أم لديها ثلاثة أبناء معاقين في العشرينيات والثلاثينيات لا يعمل منهم إلا شخص واحد فقط في شركة للأخشاب دون توفير أدوات مناسبة له، ويتم تحميله من العمل مثله مثل أي شخص معاف".
يمنح القانون المعاق تيسيرات، بحسب جمعة "مثل ساعة عمل أقل وزيادة خمسين في المئة بحد الإعفاء الشخصي في الضرائب، سواء للمعاق أو من يرعى معاقا، كما يتيح القانون لجهات العمل تبني أنظمة عمل مرنة لهم".
لكن جمعة يشير إلى أنه "أحيانا لا تكون هذه الأمور مفعلة فعلا على الأرض، لذلك يجب وضعها في إطار تشريعي يفرض عقوبة في حالة عدم التنفيذ، إلى أن تتغير نظرة البعض عن المعاقين، الذين يجب أن يحصلوا على حقوقهم".
ولا يغفل حنفي أيضا دورا يقع على عاتق الأشخاص من ذوي الإعاقة أنفسهم: "هم يحتاجون تدريبا وتأهيلا أكثر حتى يكتسبون مهارات تناسب سوق العمل، وهذا يحتاج تكاتف من الدولة ومنظمات المجتمع المدني، لتوفير المراكز التدريبية المتخصصة لهم".
وسائل النقلوحتى إذا وجد صاحب الإعاقة عملا، فإن عددا كبيرا منهم يعاني من صعوبات في التنقل ويبقى محروما من استخدام مواصلات لائقة. كما أن انخفاض عدد مركبات النقل العام في الريف يزيد من صعوبة انتقالهم.
وتعاني المدن الكبيرة، مثل العاصمة القاهرة، من انخفاض نسبة الطرق ووسائل النقل الممهدة والمتاحة لذوي الإعاقة، بالإضافة إلى محطات المترو غير المهيأة لاستخداماتهم.
وتقول مرزوق: "وسائل النقل الميسرة وبتكلفة يقدر على تحملها أصحاب الإعاقة الحركية مثلا غير متاحة بشكل شبه مطلق. أحد متحدي الإعاقة ممن أتعامل معهم يقول لي إنه حتى يصل إلى عمله أو أي مكان لا يجد أمامه سوى استقلال سيارة أجرة، لكنه في كثير من الأحيان لا يستطيع تغطية هذه التكلفة، ونفقاته لا تكفي لاستقلال سيارة أجرة يوميا".
من جانبه يقول جمعة: "لا يمكن أن ندعي أن وسائل النقل لدينا مناسبة لذوي الإعاقة في مصر وأنا أعلم الفارق الكبير، لأنني قضيت شهرا ونصف باليابان، سواء كان ذلك بالمواصلات، مثل الحافلات (الباصات)، أو الشوارع، أو إشارات المرور، فكلها مؤهلة لاستيعاب حركة أصحاب الإعاقات المختلفة".
ويضيف أن كل هذا "يجعل صاحب الإعاقة يمكنه أن يذهب وحده لعمله دون مساعدة من أحد. وهذا غير موجود هنا بنسبة كبيرة".
لكنه يشير إلى أن الحكومة بدأت مؤخرا في الاهتمام بذلك و"على سبيل المثال، فإن الخط الثالث لمترو أنفاق، مهيأ بالكامل لاستخدام ذوي الإعاقة، سواء من التنويه الصوتي وحافة الرصيف المساوية لحافة المترو وأشياء أخرى".
ويضيف: "لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بالنسبة للحافلات التي تحتاج لتطوير كبير حتى تكون مناسبة لذوي الإعاقة"، مطالبا السلطات بوضع خطة لمدة خمس سنوات نصل خلالها لأن يكون 70 في المئة من الباصات، على سبيل المثال، مهيأة لاستخدام أصحاب الإعاقات.
وبحسب القانون رقم 10 لسنة 2018، يجب على الجهات المختصة عدم إصدار تراخيص للمنشآت إلا بتوافر اشتراطات الكود الهندسى المصرى لتصميم الفراغات الخارجية والمبانى لاستخدام الأشخاص ذوى الإعاقة.
وتشير مرزوق إلى أنه "يجب على الجهات المختلفة أن تتفهم أن عليها أن تعطي الأولوية لأصحاب الإعاقات وتوفر لهم الأماكن المناسبة والآمنة".
حوافز وعقوباتويقول جمعة إن "وزارة العمل بدأت في تفعيل العقوبات الواردة في القانون، كما أنها بدأت تقدم مزايا تحفيزية تتعلق بالضرائب لمن يلتزم بتنفيذ القانون بالنسبة لذوي الإعاقة".
ويرى مركز "حلول" للسياسات البديلة، التابع للجامعة الأميركية، أن الحوافز التي تقدمها الدولة لتشجيع الشركات لتوظيف أصحاب الإعاقة "ضعيفة، مما يوسع الحلقة المفرغة التي تربط بين الفقر والأفراد ذوي الإعاقة".
صندوق سياديويثير التوجيه الرئاسي بتخصيص 10 مليارات جنيه من صفقة رأس الحكمة لصندوق "قادرون باختلاف" تساؤلات عدة.
وبحسب بوابة الهيئة العامة للاستعلامات فإن "صندوق قادرون باختلاف" يتولى التنسيق مع الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص المساهمة في توفير أوجه الدعم والرعاية في جميع مناحي حياة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتم إنشاءه بالقانون رقم 200 لسنة 2020.
ويقول جمعة لموقع "الحرة": "ما أفهمه من حديث الرئيس هو وضع هذا المبلغ في حساب استثماري وعائد هذا الاستثمار هو ما سيتم توجيهه لخدمة ذوي الإعاقة وليس المبلغ نفسه".
ويوضح أن "الصندوق له أغراض واختصاصات معينة واردة في القانون 200 لسنة 2020، بينها توفير منح دراسية للأشخاص ذوي الإعاقة وإجراء عمليات جراحية وتقديم دعم نقدي لهم وتمويل برامج التأهيل للتكيف والاندماج في المجتمع وتوفير برامج التدريب المهني".
ويشير إلى أن "برنامج كرامة التابع لوزارة التضامن الاجتماعي يستهدف تحديدا الأشخاص غير القادرين من ذوي الإعاقة، إذ يتم شهريا منح 600 جنيه تقريبا (12 دولار) لمن لا يمتلكون مصدرا للدخل".
لكن مرزوق تقول إن "هذه الصناديق لا نعلم عنها شيئا، كلها تحت يد الرئيس يفعل فيها ما يشاء، 10 مليارات دولار مبلغ كبير في حين أنني أعرف الكثير من أصحاب الإعاقات لا يشملهم برنامج كرامة حتى الآن".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء قادرون باختلاف الإعاقة فی مصر لذوی الإعاقة ذوی الإعاقة فی المئة من بیئة العمل إلى أن من ذوی
إقرأ أيضاً:
الرواية صانعة عوالم..
عهدنَا الروايةَ العربيّة فـي أغلب مراحلها ومختلف تقلّباتها محيلةً إلى واقعٍ مرجعٍ تكاد لا تنبتُّ عنه، حتّى وإن جنّحت أحيانًا فـي رواية عوالم مجهولة المرجع، فالقارئ ألِف أن يقْرأ الرواية وفـي ذهنه مرجع ما يصبُّ فـيه مسارات المقروء الروائيّ، وهكذا دأبت المقروئيّةُ السّائدة على تعهُّد مرجعٍ ما تردُّ إليه عوالم الرِّواية، وقد تحقَّقت أسماءٌ روائيّة كبرى بِقُدرتِها على تمثيلِ عوالم لها فـي ذهنِ القارئِ ظلالٌ وأوْهامٌ، منها ما ينشدُّ إلى التاريخ وهي مقروئيَّة فاعلةٌ ونشطةٌ ومنها ما ينشدّ إلى واقعِ الآن وهنا، ومنها ما ينشدُّ إلى مرجعٍ فـي نفسيّ أو ذهنيّ أو فكريّ أو إيديولوجيّ، فهل أنَّ قدر الرّواية العربيّة أن تظلّ حبيسة المرجع الإحاليّ بالضّرورة؟ تُقرَأ لتثير فـي ذهن القارئ راكدًا من الاعتقاد والتصوّر، أو ناشطًا من الفكر والتصوُّر؟ تاريخ قراءة الرّواية العربيّة هو تاريخُ تنازع مراجع ومرجعيّات،
ونحتاج اليوم فعلاً إلى الوقوف النقديّ على هذا التاريخ لنتبيّن خطوط تطوير الرواية العربيّة حتّى لا تدخل حال التآكل والاندثار، وأن نستوعب لحظةً من التاريخ مهمة فـيها يُمكن للرواية العربيّة أن تتصدّر المشهد الكونيّ بأعْمالٍ لا أرى أنّها تقلُّ قيمةً ومنزلةً وقدرةً وفنًّا عن أعمالٍ فـي الرواية العالميّة تروجُ وتُقْرَأ بسبب قوّتها من جهةٍ وبسبب الترويج الإعلاميّ من جهةٍ ثانية.
أوّلاً دعونَا نتّفق فـي نقطةٍ مهمة وجب أن يتمثّلها القارئُ العربيّ بجلاءٍ ووضوحٍ، وأن يعمل العقل النقديّ جاهِدًا على بيانها فـي نطاقِ جبِّ الهوَّة العميقة بين المناهج الأكاديميّة المعتَمَدة فـي قراءة الرواية والتلقّي العامّ للرواية، هذه النقطة ماثلة فـي أنّ الرواية هي عملٌ تخييليّ يصنع مراجعه بالضرورة، معنى ذلك أن حكايات الرواية هي حكاياتٌ تُروَى فـي عالم اللّغة بمتاحها وممكن قدرتها التعبيريّة، وأنّ أحداثها قد تتَّصل بصور فـي واقع خارجيّ، ولكنّ الحاكي -مهما كانت صفته- يصنع روايته وفقا لتخييل سرديّ قائم على نقطة التقاءٍ بين تمثيلٍ يقوم به كاتب الرواية ويعمل فـيه على سرد حكايته وتأثيث عناصرها وصناعة شخصيّاتها، وتمثُّل من قارئ مَا لهذه الحكاية وفق ممكنٍ إرجاعيّ، يحكي الرواية بأحداثها وشخصيّاتها إلى «واقعٍ» فـي الأصل هو فـي ذهن القارئ، وإن تهيَّأ له أنّه واقعٌ فـي «الخارج».
هذا العقد الأوليّ لبيانِ قراءة الرواية مهم جدّا، حتّى نُدرك أنّ الرواية تصنَع عوالمها المرجعيّة وفق أفقين قد يلتقيان وقد يفترقان، أفق التمثيل وأفق التمثّل. لقد وُجدت فـي تاريخ مقروئيّة الرواية العربيّة أفكارٌ وأسئلةٌ عطَّلت أحيانًا أعمالاً مهمة ونشَّطت أعمالاً أخرى،
بدايةً من التنازع الأوَّل حول أوليَّة الرواية العربيَّة ومن له شرف البداية، وهل هذا الشرف يُمثّل أدبًا عربيّا أو أدبًا غربيّا، مع رواية زينب لمحمد حسين هيكل ورواية حديث عيسى بن هشام للمويلحي، وبدايةً أيضًا من إهمالِ آثار جورجي زيدان وتركيز المحوريّة المصريّة فـي تنشئة الرواية العربيّة، ومرورًا بأعمالٍ تُوصَل بالتابوهات الثلاث، الدين والجنس والسياسة، فـي أفعالٍ قرائيّة هي ذاتها رهينة قيود فكريّة واعتقاديّة محدِّدة لمجال التلقّي، ولن نخوض فـي هذا البُعد الذي يُرجع الرواية إلى واقع غير واقعها، فالحمدللّه الأمثلة عديدة ولا تخلو منها دولة عربيّة، ولعلّ أبرزها ما وقع للروائيّ نجيب محفوظ بعد التقّي محدود الأفق لروايته أولاد حارتنا، ولكنّي أقف قليلاً بيانًا لأثر الرواية فـي الواقع إذا ما تلقّفها أصحاب الرأي والشأن،
على ما حدث لرواية الكاتب السوري حيدر جيدر وليمة لأعشاب البحر: نشيد الموت، وهي روايةٌ قد صدرت سنة 1983 فـي سوريا، ولمّا أعيد نشرها، بسببٍ من أهميّتها ومنزلتها، فـي مصر فـي نهاية سنة 1999، أثارت هرجًا ومرجًا، وحرّكت مظاهرات وسقط ضحايا من الرافضين للرواية، وتعهّدت صحف ومنابر فـي الأزهر وفـي غيره بالوقوف ضدّ الرواية وصاحبها، وبالإساءة إلى إبراهيم أصلان وجماعته الذين عملوا على نشر الرواية، التي زُجّ بها فـي خانة أعمال الزندقة والتجديف والإساءة إلى الذات الإلهيّة، وسادت أقوال من نوع وسْم الرواية بأنّها «إهانة أسوأ من هزيمة العرب على يد إسرائيل عام 1967 وأنّ الإهانة عار لا يمحى إلا بعقاب المسؤولين عنها»، وعبّر الأزهر بدوره عن موقفه، معتبرًا أنّ الرِّواية خروج عن الآداب العامّة وعن الشريعة الإسلاميّة،
وأظهر فـي تقرير له أنّ «الرِّواية تُحرّض على الخروج عن الشريعة الإسلاميّة، وخرجت عن الآداب العامّة خروجًا فادحًا بالدعوة إلى الجنس غير المشروع»، فخرج الطلبة يتظاهرون، واشتعل الشارع اليومي والسياسيّ بالدعوة إلى القضاء على الرّواية، ممّا أجبر وزير الثقافة فاروق حسني على سحب الرواية من الأسواق، وحوكم إبراهيم أصلان ومَن قام على نشر الرواية فـي البلد النقيّ الناصع البهيّ، وتشكّلت لجنة علميّة تحوي من الأسماء المعروفة عبد القادر القط وصلاح فضل لتقديم رأيها فـي الرِّواية، وهو التقرير الذي بقي سرًّا، لم يُكشَف للعلن، لأنّه لا يُوافق هوى الموجة الرافضة للأدب، المدركة له على أنّه تعبير عن عالم موجود وليس عن عالم ممكنٍ، وقد ورد فـي هذا التقرير، ما يصل الأدب بالتخييل وينزع عنه صفة التعبير عن واقع، يقول: «ينبغي أن نتذكّر أن تقييم الأعمال الإبداعية عامّة،
والروائيّة على وجه الخصوص يعتمد على إدراك طبيعة الرِّواية، بوصفها تتمثّل فـي إبداع عالم فني متخيل، يحاكي على قوانينه العالم الكبير، اعتمادًا على تكوين شخصيّات متخيَّلة، تُنسب إليها أقوال وأفعال خاصَّة، ومواقف مماثلة لما يحدث فـي الحياة بشكل أو آخر، وكل العبارات التي ترد فـي الأعمال الروائيَّة لا يمكن أن نفهم وجهها الصحيح منفصلة عن سياقها، ولا عن طبيعة الشخصيَّات التي تنطق بها، ولا التعليقات التي ترد عليها من شخصيات أخرى، وأيّ اجتزاء لعبارة من عمل روائي وفهمها خارج سياقها وبعيدًا عن شخصية الناطق بها ورد المستمع لها، فهو فهم غير سليم، ومن ناحية أخرى فإن وظيفة الأدب الروائي هي نقد الحياة، وتعميق الوعي الجمالي بها، وهذا يقتضى المحافظة على حرية التخيُّل من ناحية،
وقوة التعبير الفني وصدقة من ناحية أخرى، وأيَّة محاولة لانتقاص حريَّة التخيُّل أو إضعاف الصدق تؤدي إلى إضرار بالوظيفة الأدبية الجوهرية». لقد أثرتُ هذه المسألة، وأنا بصدد كتابة مقالتي الأسبوعيّة، وقد تخيَّرت لها سبيلاً رواية المصري الفائزة بالبوكر العربيّة محمد سمير ندا صلاة القلق، فإذا أنا أجد جدلاً ونقاشًا، لم ينقطع عنه بعض العرب،
وسؤال الحيرةِ هو هل أنّ الجائزة هي تتويج لمصر أو هي تبريز للكاتب! حقيقة بقيت مدهوشًا! منذ قرنٍ من الزمان ونحن نطرح نفس الأسئلة، ونخوض العراك ذاته؟ وحتّى لا أكون مثيلاً لهم وشبيهًا، فلن أتحدّث فـي هذا الموضوع، وسأثير ما به كانت الروايةُ روايةً، العوالم التي تصنعها الرواية، وفـي ظنّي أنّ الرواية صانعةٌ لعوالمها، بانية لكوْنها. ولكن أردت أن أقول أيضًا الحمد للَّه ما زال للأدب أثرٌ وفعلٌ، وإن كان فـي رفْضِه والعمل على نقْضِه، ولكنَّه ما زال يهزّ الأدمغة الفارغة ويبعثها على الحياة!