استثمارات قطر في أفريقيا.. تنويع اقتصادي وتوسع متنام
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
الدوحة ـ في ظل تذبذب التمويل الصيني لمشاريع البنية التحتية في القارة الأفريقية، وتراجع الدور الأوروبي، تعاظمت استثمارات قطر في القارة السمراء، وتوسعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بعد اقترانها بتحركات دبلوماسية وتحالفات واتفاقات دولية، لتتخطى الاستثمارات منطقة شمال أفريقيا والقرن الأفريقي إلى كافة أرجاء القارة.
التوجه القطري إلى الاستثمار في القارة الأفريقية يأتي ضمن إستراتيجية البلاد للتنوع الاقتصادي والجغرافي والثقافي، الهادفة إلى تعزيز حضورها الاقتصادي، وحصولها على مكانة بارزة على خارطة الاستثمار العالمي على المستويين الإقليمي والدولي.
خبراتها المتراكمة في بيئة الأعمال، وعلاقاتها القوية مع الأسواق والشركات الكبيرة، وسمعتها الدبلوماسية والرياضية، لعبت دورا رئيسيا في ولوج قطر إلى القارة الأفريقية دون تحفظ، وفتح أبواب أفريقيا أمام المستثمر القطري، وذلك على الرغم من التنافس بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا)، على الاستثمار في أفريقيا.
يعتبر المحلل الاقتصادي الدكتور عبد الله الخاطر أن التوجه القطري نحو الاستثمار في القارة الأفريقية يرجع إلى أن أفريقيا تملك أسواقا متنوعة وموارد ضخمة، وأن جزءا كبيرا من مشاريع المنطقة ما زال بكرا، في حين يمكن الحصول على استثمارات كبيرة بأسعار تفضيلية.
ويقول الخاطر للجزيرة نت إن جهاز قطر للاستثمار (صندوق الثروة السيادية) يملك استثمارات في أوروبا وأميركا وآسيا، والآن يركز على الاستثمار في أفريقيا بقطاعات الطاقة والزراعة والعقارات ومختلف المجالات، وذلك بهدف تحقيق التنوع الاقتصادي والجغرافي والثقافي.
ويضيف أن قطر تملك فائضا في الطاقة، ويمكن أن تكون شريكة في مشاريع بهذا المجال في القارة الأفريقية سواء خاصة بالاستكشافات أو بتوفير الطاقة إذا كانت هناك حاجة، لذلك -يتابع الخاطر- فقطر قادرة على القيام بدور المزوّد بالطاقة النظيفة.
ويعد دخول قطر في مجال التنافس على الاستثمار في القارة الأفريقية من الأمور المهمة والصحية، حيث يؤدي ذلك إلى إحداث توازنات وحصول صانع القرار في أفريقيا على خيارات متنوعة بعيدا عن الاحتكار، فضلا عن أن هذه الاستثمارات تساهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي في القارة، كما تمكن الدول من تحقيق التنمية، وفقا للخاطر.
توسع كبير تركز الاستثمارات القطرية في أفريقيا بشكل رئيسي على الطاقة المتجددة والتعدين والصلب والاتصالات والنقل. تعد أكبر مستثمر عربي في الجزائر بنسبة تزيد على 74% من إجمالي الاستثمارات العربية. تعد قطر مستثمرا رئيسيا بمصر في جميع القطاعات، حيث تم الاتفاق العام الماضي على مجموعة من الاستثمارات والشراكات بإجمالي 5 مليارات دولار. عرف التعاون بين الدوحة وأبيدجان تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة في عدد من المجالات على غرار الاستثمارات والبنية التحتية والطيران، والغاز الطبيعي. وقّعت شركة قطر للطاقة اتفاقية مع شركتي إيني الايطالية وإكسون موبيل الأميركية للاستحواذ على نسبة 25.5% و10% امتياز الاستكشاف في حوض إنغوشي البحري في موزمبيق. في جمهورية الكونغو استحوذت قطر للطاقة على 15% من شركة توتال الفرنسية، إضافة إلى استثمار آخر في مجال الكهرباء. عززت قطر شراكتها مع جنوب أفريقيا في مجالات عديدة، أهمها النفط والمعادن والبتروكيميائيات، وبلغت الاستثمارات المشتركة بين البلدين نحو 13 مليار دولار.وأكد محمد الكواري النائب الأول لرئيس غرفة قطر أن الناتج المحلي للدولة الذي يصل لنحو 200 مليار دولار يعد من العوامل التي تساهم في تعزيز التعاون بين قطر وأفريقيا وخاصة منطقة الشرق وأوغندا التي توفر فرصا استثمارية وتعتبر مصدرا للسلع الأساسية والأغذية والمواد الخام، كما تعتبر وجهة سياحية رائدة.
وشدد الكواري -على هامش منتدى ومعرض الاستثمار والتجارة في شرق أفريقيا الذي أقيم بأوغندا مؤخرا- على أن دولة قطر تتربع على عرش إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتسويقه في العالم، وتزود عددا كبيرا من الدول من هذه السلعة، مشيرا إلى أن "قطر للطاقة" أبرمت العديد من الاتفاقيات للاستكشاف والإنتاج مع عشرات الدول في مختلف القارات، منها أفريقيا.
ويعتبر الكواري أن القارة الأفريقية هي الوجهة المثالية للاستثمارات القطرية، مشيرا إلى أن أصول جهاز قطر للاستثمار، تبلغ نحو 475 مليار دولار.
ويقول إن لدى القطاع الخاص القطري استثمارات متنوعة في العديد من دول العالم، لا سيما في الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية.
تعزيز الاستثمارات القطرية في إفريقيا #جريدة_الرايةhttps://t.co/xolaZ5jRlw
— الراية القطرية (@alraya_n) February 7, 2024
التنويع الكفءبدوره، يرى المحلل الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور أن سياسة الاستثمار القطرية تطبق مبدأ التنويع الكفء الذي يعمل على تقليل المخاطر عبر توزيعها من حيث الوزن النسبي، والجغرافيا، والقطاع، مع محاولة زيادة العائد على المدى البعيد، وهو ما يحدث حاليا عبر التوجه إلى الاستثمار في القارة الأفريقية بعد أوروبا وأميركا وآسيا.
ويقول الهور للجزيرة نت، إن قطر تملك حدا متوازنا من الاقتصاد المعرفي والكادر البشري، كما تمتلك شراكات دولية باستثمارات حكومية تزيد على 450 مليار دولار يمكن استخدامها جزئيا في بناء التحالفات الاقتصادية الدولية، فضلا عن امتلاكها مصدرا رخيصا للطاقة مع كميات إنتاج كبيرة، وشبكة مؤسسات مالية وقانونية متوازنة قابلة لإدارة العمليات الخارجية.
ويضيف أن كل هذه الإمكانيات تفتح الأبواب أمام الدوحة للاستثمار في أفريقيا، وذلك عبر الدخول كمزود خدمة في قطاع الطاقة خصوصا من خلال خبراتها في التنقيب واستخراج البترول والعمليات اللوجستية التابعة لذلك، أو من خلال شراكاتها مع الدول العاملة في القطاع، والاستثمار في قطاعات أخرى مثل الاتصالات، والنقل، والتعدين، والصناعات الثقيلة.
ويرى الهور أن منطقة شرق أفريقيا تعتبر من مناطق الجذب للاستثمارات القطرية سواء الحكومية أو الخاصة، حيث تتمتع بموارد طبيعية كبيرة، واستقرار سياسي جيد، وموارد بشرية، وفرص جيدة لإقامة استثمارات مباشرة مدعمة بتحالفات سياسية قابلة للتحقيق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الاستثمار فی القارة الأفریقیة ملیار دولار فی أفریقیا
إقرأ أيضاً:
الجزيرة للدراسات ينظم مؤتمر أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة لنقل القارة من الهامش للمركزية
الدوحة- انطلقت في العاصمة القطرية اليوم السبت فعاليات مؤتمر "أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة"، الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات، وتستمر جلساته على مدى يومين.
وأكد مدير مركز الجزيرة للدراسات محمد المختار الخليل في كلمته الافتتاحية أن المؤتمر يهدف إلى نقل أفريقيا "من هامش التناول إلى متنه، ومن الهامشية في التحليل إلى المركزية فيه"، مشددًا على أن "أفريقيا بالنسبة لنا ليست جهة هامشية، وليست قارة المجاعات والحروب والصراعات الأهلية، وإنما هي مستقبل العالم".
ويناقش المؤتمر على مدار 7 جلسات عمل، قضايا محورية تشمل النزاعات المسلحة في الساحل وشرق الكونغو والسودان، والتدخلات العسكرية الأجنبية وتأثير القواعد الأجنبية على السيادة الوطنية، وعودة الانقلابات العسكرية ومستقبل الديمقراطية، إضافة إلى دور الوساطات الإقليمية والدولية، والسيادة الرقمية والأمن السيبراني، وصولاً إلى بناء سياسات إفريقية مستقلة ومستدامة.
كما يسعى المؤتمر إلى تفكيك المفهوم المغلوط السائد عن القارة السمراء، الذي يقدمها في صورتين متناقضتين: إما كموطن للثروات الطبيعية والبشرية تتصارع عليها القوى الكبرى، وإما كفضاء للفوضى والإرهاب والجماعات المسلحة، في حين أن الواقع يتطلب فهمًا أعمق ينطلق من رؤية الأفارقة أنفسهم لقضايا قارتهم.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال مدير مركز الجزيرة للدراسات إن المؤتمر يشارك فيه نحو 30 باحثًا، لافتًا إلى أن المشاركين يمثلون "طيفًا واسعًا من الباحثين المختصين في الشؤون الأفريقية.
ويكتسب المؤتمر أهميته من سعيه لـ"مواكبة النقاش العالمي والإقليمي حول القارة الأفريقية"، حسب ما أوضحه أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد عبد الله في المغرب إسماعيل الحمودي.
إعلانوأشار الحمودي -في تصريحات للجزيرة نت- إلى أن أهمية الحدث تكمن في "تسليط الضوء وتعرية الخطابين المتناقضين" اللذين يقدمان أفريقيا تارة كـ"موطن للثروات الطبيعية والبشرية"، وتارة أخرى كـ"قارة خطرة ومنبع للفوضى وعدم الاستقرار والعنف".
من جهته، أكد الباحث في الشؤون الأفريقية شمسان التميمي أن المؤتمر يسلط الضوء على "المشاكل والأزمات الأفريقية، وبالتالي إيجاد حلول لهذه الأزمات عبر إشراك باحثين وزملاء إعلاميين أفارقة وليس من دول أجنبية"، منوهًا إلى أن "هذا المؤتمر له أهمية كبيرة جدًا" خاصة في ظل الأزمات التي تعصف بالقارة كأزمتي الكونغو الشرقية والسودان.
وشدد المختار على ضرورة "فهم القارة من خلال باحثيها أنفسهم"، قائلا إن "أفريقيا تعيش لحظة فارقة لها ما بعدها"، موضحًا أن "ما نشاهده في الساحل هو مقدمات نظام عالمي جديد: من يسيطر ومن سيتحكم"، مشيرًا إلى أن "الصراع على القارة وفي القارة هو من أجل السيطرة عليها أو من أجل التحكم فيها، لأنها أكبر محضن للثروات الطبيعية عالميًا".
المفهوم المغلوط: تفكيك الخطاب الاستعماريويرى المتحدثون للجزيرة نت أن أفريقيا تُقدّم للعالم بصورتين متناقضتين ومغلوطتين في آن واحد، وأن هذا التناقض يعكس استمرار الخطاب الاستعماري الذي يحكم التعامل مع القارة.
وبينوا أن أفريقيا تُصوَّر على أنها قارة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية تتنافس عليها القوى العالمية والإقليمية في "تنافس شرس" من جهة، ومع ذلك تصور من جهة أخرى كفضاء للفوضى والإرهاب والجماعات المسلحة مما يستدعي تدخل "الأمم المتحضرة" لإعادة تنظيمها وضبطها.
ودعا الباحث الحمودي إلى "تفكيك الخطاب الكولونيالي" الذي يحكم الحلول المقدمة للقارة، سواء الأمنية أو التنموية، مؤكدين ضرورة "الإنصات أكثر للأفارقة وللحلول النابعة من مجتمعات القارة الأفريقية" بدلا من الاستماع للحلول القادمة من خارجها.
وفي هذا السياق، شدد مدير مركز الجزيرة للدراسات على أن "الصواب هو أن من يتحدث عن أفريقيا يجب أن يكون أفريقيًّا، وعلى العالم أن يفهم أفريقيا من خلال الأفارقة"، موضحًا أن "الحديث الذي يكون للإفهام والتوضيح والتحليل يجب أن يكون من الأفارقة أنفسهم، وليس من خلال أحاديث المستشرقين أو المتأفرقين".
وأكد أن المؤتمر يتناول أفريقيا "باعتبارها مركز الصراعات وليس هامشًا فيه وليست ملحقًا فيه، وإنما هي أساس اليوم في الصراعات"، مشيرًا إلى أن "الصراع الروسي الغربي ينعكس في أفريقيا، والتنافس الاقتصادي العالمي يتمركز في أفريقيا، وحضور العالم يقاس بحضوره في أفريقيا".
ويناقش المؤتمر على مدار 7 جلسات عمل، مجموعة واسعة من القضايا المحورية التي تواجه القارة الأفريقية، ومن بينها:
النزاعات المسلحة، بالتركيز على ديناميات القوة في الساحل الأفريقي من "سيولة الفضاء الأمني إلى أنماط السيطرة"، والأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية والصراع على الموارد ودور القوى الإقليمية والدولية، والتدخلات العسكرية الأجنبية بين المصالح الإستراتيجية ومزاعم حفظ الأمن.
إعلانالسيادة والتدخلات الخارجية، وتأثير القواعد العسكرية الأجنبية على الاستقلال الوطني، وإعادة تشكيل موازين القوى عبر النفوذ الروسي والصيني والأميركي والأوروبي، وما إذا كانت الاستثمارات الأجنبية تعزز التنمية أم تفرض أشكالا جديدة من التبعية.
الحكومات العسكرية، وتحليل عودة الانقلابات العسكرية ومستقبل الديمقراطية في أفريقيا، إضافة إلى إستراتيجيات مكافحة الجماعات المسلحة بين الحلول الأمنية والتنموية.
الوساطات الإقليمية والدولية، وإدارة النزاعات وتسويتها، بما في ذلك جهود المنظمات الإقليمية والقارية وإشكالية الإرادة السياسية، وتقاطع دور الأمم المتحدة مع القوى الكبرى، والدور القُطري في تسوية الأزمات.
الحرب في السودان، وتحليل الوضع السوداني كمرآة لانهيار الدولة المركزية، حيث تناقش ديناميات القوة في السودان على "مفترق الصراعات"، وشبح التقسيم وتفكك السلطة المركزية وصعود الفواعل غير الرسمية، والتداعيات الإقليمية من الساحل إلى البحر الأحمر والقرن الإفريقي، والاقتصاد في زمن الحرب وإعادة تشكيل شبكات النفوذ والموارد.
البعد الرقمي للنزاعات الأفريقية، ودور التكنولوجيا في إدارة الأزمات الإنسانية والنزاعات المسلحة، وسياسات ومعايير الأمن السيبراني ونحو "أجندة أفريقية للسيادة الرقمية"، والحركات الشبكية بين المقاومة الرقمية والاختطاف السياسي، والوجود الرقمي للتنظيمات المسلحة في "عصر ما بعد المنع".
بناء سياسات مستقلة ونقاش استشرافي حول "تجاوز التبعية السياسية والاقتصادية"، و"تطوير إستراتيجيات إقليمية لتعزيز الاستقرار والتكامل"، و"نحو سياسات أفريقية موحدة لمواجهة التدخلات الأجنبية".
وكشف مدير مركز الجزيرة للدراسات في تصريحات للجزيرة نت عن أن مخرجات المؤتمر ستكون "أولاً في البث الحي على الجزيرة المباشر وعلى منصات التواصل الاجتماعي"، مضيفًا أنه "ستكون هناك أوراق تُضمَّن في منشورات المركز، وأغلبها سينشر في مجلة لباب أو في الأوراق المنشورة على الموقع".
وأكد أن الهدف الرئيسي من المؤتمر هو ألا "يتفاجأ المتابع بأي حدث في أفريقيا"، بل أن "يفهم الأحداث في سياقها وفي طبيعتها"، مشددًا على أن "دور المؤتمرات البحثية أن تؤسس للوعي وأن تعود بالناس إلى المعطيات الثابتة".
وختم المختار تصريحاته بالتأكيد على أن "المعطيات التي لا تتغير هي أن أفريقيا قارة للأفارقة، وأن الأفارقة أمة، وأنهم سيحققون لأنفسهم ما يريدون، وأن الصراع حولهم أو عليهم يجب أن ينتهي، وأن يُسمح لهذه القارة بأن تنطلق".